Quantcast
Channel: العربية
Viewing all 1154 articles
Browse latest View live

معرفةُ الإمام المهدي عليه السلام / الإنتسابية

$
0
0
معرفةُ الإمام المهدي عليه السلام / الإنتسابية

إنَّ من الضروري والواجب معرفة إمام الزمان معرفة عَقْديَّة تقوم على دعامة اليقين الشخصي عند الإنسان المُعتَقِد. بحيث يتمكن ذاتياً من تحديد ومعرفة الإمام الحق نصاً وشرعاً. وفي هذا البحث سنتحدَّث عن مَعرفة الإمام المهدي عليه السلام/الإنتسابيَّةُ. لما في هذه المعرفة من أثر قيِّم في تحديد الشخص الحق للإمام المهدي عليه السلام وهويته الحقيقيّة.

إنَّ من الضروري والواجب معرفة إمام الزمان معرفة عَقْديَّة تقوم على دعامة اليقين الشخصي عند الإنسان المُعتَقِد. بحيث يتمكن ذاتياً من تحديد ومعرفة الإمام الحق نصاً وشرعاً.
وفي هذا البحث سنتحدَّث عن مَعرفة الإمام المهدي عليه السلام/الإنتسابيَّةُ. لما في هذه المعرفة من أثر قيِّم في تحديد الشخص الحق للإمام المهدي عليه السلام وهويته الحقيقيّة.
وما يترتب على تلك المعرفة من قدرة تجعل صاحبها مُشخِّصاً ومُحدداً للمصداق الحق، للإمام المهدي عليه السلام، بحيث لا يقع في التوهم والإشتباه.
وتستند مَعرفةُ الإمام المهدي عليه السلام/الإنتسابيَّةُ صدوراً في قطعيتها السنديّة إلى المعصوم عليه السلام، وأعني النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت المعصومين عليهم السلام، فالمعصوم عليه السلام هو مَن يُبيِّن هوية ونسب الإمام المعصوم من بعده وينص عليه نصا ويُشهد على ذلك.
ونحن نعتقد قطعاً ويقيناً أنّ كُل ما يُخبَر به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو حق وواقع. ومن أهم ما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم هو نسب الإمام المهدي عليه السلام وقبل أن يُولَد الأئمة التسعة من ذُريّة الإمام الحسين عليه السلام، فجاءت إخباراته صلى الله عليه وآله وسلم مُتطابقة تماماً مع ما أخبرَ به سالفا. وخصوصا ولادة الإمام المهدي عليه السلام ونسبه الشريف، إذ أنَّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر نسب وأصل واسم الإمام المهدي عليه السلام حتى يقطع الطريق أمام المُنكِرين والطامعين في حقوق آل محمد عليهم السلام، وهنا سأذكر أحاديث صحيحة ومتواترة وصلتْ إلى حد تُفيد معه الإطمئنان الفعلي بصدق وقطعيَّة صدورها ووضوح دلالتها عَقْديّا.
فمثلاً ذكر ابن ماجه في سننه: ج2 ص519. باب خروج المهدي عليه السلام: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسَبَ المهدي عليه السلام إلى عبد المطلب فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
(نحن وِلد عبدالمطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي عليه السلام)).
وهنا يرد التساؤل وطرحه على المُنكرين لولادته عليه السلام ونسبه الشريف؟ مامعنى تكاثر الروايات في ذكر المهدي عليه السلام وهو لم يولد بعد، وخاصة من طرق أبناء العامة؟ وفي مجاميعهم الروائيّة. وما المصلحة من ذلك؟ وحتى لوسلَّمنا جدلا بوضع الأحاديث في هذا المضمار فما هو الغرض من ذلك؟ هل هو العبث أو التأسيس لحقيقة سوف تتحقّق في وقتها؟ ولو قلتم جدلا إنها أحاديث مكذوبة وموضوعة، فما معنى تعمير كذبٍ إستمرّ طيلة أكثر من عشرة قرون خلتْ؟ أليس حبل الكذب قصير؟ ثُمّ أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على ما يذكر أحمد بن حنبل في (مسنده ج1 ص376) نصّ لفظاً على تسمية المهدي عليه السلام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
(لاتنقضي الأيام ولايذهب الأمر حتى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي اسمه يواطىء اسمي).
ومثل هذا الحديث قد ذكرتْه المجاميع الروائية كـ (سنن أبي داوود:ج2:ص310)، و(سنن الترمذي ج3 ص343). و(المعجم الكبير للطبراني ج10 ص134).
والبيان هنا يتّضح أكثر في تحديد نسب الإمام المهدي عليه السلام وكونه من أهل البيت المعصومين عليهم السلام واسمه (محمد) كإسم رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
والأقوى من ذلك حُجّة في حديث ذكره أبو داوود في (سننه ج4 ص107 رقم الحديث 4284).
(المهدي حقٌ وهو من ولدِ فاطمة)
والحديث هذا يتوفر على ضمانتين عقديتين مهمتين جداً وهما:
1. حقانيّة المهدي عليه السلام شخصا وفكرا ومنهجا.
2. كون الإمام المهدي عليه السلامنسباً من ذرية الصدِّيقة فاطمة عليها السلام بنت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يعني أن الإمام المهدي عليه السلام قطعاً سيكون من الأئمة المعصومين ومن ذرية الإمام الحسين عليه السلام.
والدليل على ذلك تشخيص الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذا النسب بنفسه وبيده الشريفة، حينما وضعها على منكب الإمام الحسين عليه السلام، وفي ذلك التشخيص جاءت الأخبار متواترة وبصحة لاتقبل النكران.
فيذكر الدارقطني وابن الصباغ المالكي والسمعاني والقندوزي الحنفي وغيرهم كثيراً. أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام:
(يا فاطمة إنّا أهل بيت اُعطينا ستْ خصال لم يُعطَها أحدٌ من الأولين ولايدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت عليهم السلام ... ومنّا مهدي الأمّة الذي يصلّي عيسى خلفه، ثُمّ ضَرَبَ على منكب الحسين عليه السلام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم مِن هذا) يعني الحسين عليه السلام مهدي الأمّة عليه السلام.
وهذا الحديث أخرجه الدارقطني كما في (البيان في أخبار الزمان للكنجي ص116-117 باب 9).
وأخرجه أيضا ابن الصبّاغ المالكي في (الفصول المهمة ص295-296 فصل12) وذكره أيضا القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة ج3 ص839 رقم 26 باب 94).
ولنا نحن أتباع مدرسة أهل البيت المعصومين أحاديث قريبة من معنى الحديث أعلاه، وأكتفي بذكر ما ذكره الشيخ الصدوق رضي الله عنه عن سلمان رضي الله عنه قوله: (دخلتُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا بالحسين عليه السلام على فخذه وهو يُقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: (أنتَ _للحسين عليه السلام_ سيد ابن سيد أنتَ إمام ابن إمام أبو الأئمة أنتَ حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم)). (الخصال الصدوق ج2 ص486).
إنّ كل خلفيات الأحاديث الإنتسابيَّة الخاصة بالإمام المهدي عليه السلام تعطي للمتتبع لها وبدقة قيمة عالية إنتساب الإمام المهدي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى فاطمة وإلى الحسين عليهما السلام وكونه الإمام الثاني عشر ابن الإمام الحادي عشر الإمام الحسن العسكري عليه السلام لامحالة ولقرشيته النسبية ولمشموليته بحديث (الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش) أو حديث (لا يزال هذا الدين قائما ما وليه اثنا عشر كلهم من قريش). وهذا الحديث متواتر، روته الصحاح والمسانيد بطرق متعددة وإن اختلف في متنه قليلا.
نعم، اختلفوا في تأويله واضطربوا. راجع (صحيح البخاري ج9 ص101 كتاب الأحكام-باب الاستخلاف) (صحيح مسلم ج 2 ص119 كتاب الإمارة) (مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 90-93-97).


المهدوية في موقعها الطليعي والطبيعي

$
0
0
المهدوية في موقعها الطليعي والطبيعي

إذا نظرنا إلى أمر الإمامة والإمام من زاوية. فإننا نجد: أنّ من مهمات الإمام عليه السلام: تعليم وتربية الأمة، وله وحده حق الحاكمية عليها وإدارة شؤونها، والهيمنة على مسيرتها. والإمام هو ذلك الإنسان الحاضر، والناظر، والراصد لحركة الإسلام في الناس، والشاهد على الناس في مدى استجابتهم للإسلام، وتفاعلهم معه، ووفائهم أو عدم وفائهم، للحق وللدين، والمثل العليا.

الإمام، وإدارة شؤون الأمة:
إذا نظرنا إلى أمر الإمامة والإمام من زاوية. فإننا نجد: أنّ من مهمات الإمام عليه السلام: تعليم وتربية الأمة، وله وحده حق الحاكمية عليها وإدارة شؤونها، والهيمنة على مسيرتها. والإمام هو ذلك الإنسان الحاضر، والناظر، والراصد لحركة الإسلام في الناس، والشاهد على الناس في مدى استجابتهم للإسلام، وتفاعلهم معه، ووفائهم أو عدم وفائهم، للحق وللدين، والمثل العليا.
وكلّ ذلك يؤكّد أنّ وجود الإمام في كلّ عصر وزمان يصبح ضرورة لابُدّ منها، ولا غنى عنها، لتحقيق الأهداف الإلهيّة، بحصول الإنسان على السّعادة، ووصوله إلى درجات القرب والرضى منه سبحانه وتعالى.
ومن جهة ثانية: فإنّ الأئمة حين يمارسون دورهم، ويقومون بأعباء الإمامة ومهمّاتها، فإنّما يفعلون ذلك في دائرة السنن الإلهية الجارية، وبالطّرق الطبيعيّة، ولم يكونوا ليفرضوا سلطتهم، وهيمنتهم، وحاكميّتهم على الناس بأسلوب إعجازي قاهر. لأنّ هذا من شأنه أن يضيّع الكثير من الأهداف الإلهية المتوخاة في نطاق مسيرة الإنسان نحو الكمال بصورة طوعيّة، واختياريّة، متجاوزاً كلّ ما يعترض طريقه من أشواك وعوائق.
وإذا كان كذلك فإنّ من الطبيعي أن تعرض لهم عليهم السلام المحن والرزايا، والهموم، والبلايا، وأن تعترضهم المشكلات والمصائب، وتعتورهم النوائب والمتاعب، ثم أنْ يواجهوا ذلك بما توفّر لديهم من وسائل يمكن أنْ تساعدهم على تجاوز المحنة، وتذليل الصعاب، فينجحون في ذلك، وقد تحجب الظروف ذلك النجاح.
ومن جهة ثالثة: فإنّ مجرّد وجود الأئمة عليهم السلام، وحاكميّتهم المنصوصة، وطبيعة دعوتهم ورسالتهم كل ذلك يتناقض بصورة أساسية مع حاكميّة الطّواغيت والجبابرة، وأصحاب الأهواء والمطامع، ولذا.. فقد كان من المألوف والطبيعي أنْ نجد هؤلاء القادة والطغاة والمنحرفين يبغون للأئمة والأنبياء الغوائل، ويحاولون إطفاء نور الله، بشتى الوسائل ومختلف الأساليب.
ولقد قتلوا بعضهم بالسيف، كما كان الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي، وولده الحسين عليهم السلام، ومن قبلهما يحيى بن ذكريّا، وغيره من الأنبياء، وأوصيائهم.
وقتلوا فريقاً آخر بالسم، كما كان الحال بالنسبة للإمام الحسن المجتبى عليه السلام وغيره من الأئمة المعصومين عليهم السلام. حتى إذا عجزوا عن ذلك لجأوا إلى زجّهم بالسجون، وإلحاق أنواع الأذى بهم والتضييق عليهم وعلى شيعتهم ومحبّيهم، بكلّ قسوة وجفاء.
لماذا إثنا عشر إماماً فقط؟!
وإذ عرفنا ضرورة الإمامة، وضرورة وجود الإمام في كلّ عصر وزمان. وعرفنا أيضاً السنّة الإلهيّة في طبيعة عمل الإمام في الأمّة، فإنّنا نذكّر هنا بالشيء الذي تدخلت فيه الإرادة الإلهيّة واقتضته المشيئة الربانيّة، وهو أنْ لا يزيد عدد الأئمّة الأطهار على الاثني عشر إماماً، ولا ينقص عن عدد نقباء بني إسرائيل.
ولم تُترك هذه القضيّة للزمن، بحيث كلّما مات إمام أو قتل، خَلَفَهُ إمامٌ آخر، لأنّ تركها إلى الزمن لسوف يزيد الأمر تعقيداً، ويجعل الأطروحة الإلهيّة الإسلامية في معرض الخطر الأكيد، وذلك حينما يكون ذلك سبباً في بلبلة أذهان الناس، وتحيّرهم، وفي ضياعهم وتمزّقهم، ثم في ظهور الكثير من الجهالات والأباطيل باسم الدين والإسلام، وعلى حساب الصواب والحق..
وحيث تصبح الفرصة في متناول أيدي أصحاب الأطماع، وطلاب اللّبانات، لادّعاء الإمامة، وتضليل الناس، والتّلاعب بالدّين وأحكامه، وظهور البدع، وضياع الحق، حتى ليصير الوصول إليه أمراً مستحيلاً أو يكاد.
ولا ننسى: أنّه إذا شعر الحكّام أنّه ليس ثمة ما يجبرهم على اتّخاذ جانب المرونة والحذر)، وأنّهم يمتلكون القوة الكافية للقضاء على مصدر الخطر عليهم، واستئصاله بصورة نهائية وقاطعة، فإنّهم سوف يبادرون إلى ذلك ـ حسبما ألمحنا إليه ـ ولسوف تعصف رياح حقدهم لتقتلع كل المنجزات التي هي حصيلة جهد وجهاد الأنبياء والأوصياء، وكل الناس الذين أخلصوا لله سبحانه من جذورها حتى وكأنّ شيئاً لم يكن..
ولأجل هذا وذاك، ووفقاً لمقتضيات الحاجة، وانسجاماً مع الضّرورات التي يفرضها هذا الواقع وغير ذلك من حيثيات تربويّة وغيرها، فقد حدّد النص الوارد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عدد الأئمة من بعده وبيّن أسماءهم. وخرجت السنّة الإلهيّة عمّا هو المألوف.
فاقتضت الحكمة أن يطول عمر الإمام الثاني عشر عليه السلام بانتظار أن تسنح الفرصة للقيام بالحركة الإصلاحيّة الشاملة، وعلى مستوى العالم بأسره.
وحتى مع هذا التّحديد، وذلك النص الصريح فإنّ الساحة الإسلامية لم تسلم من ادّعاءات كاذبة لمقام الإمامة، فقد ادّعيَ هذا المقام لزيد بن علي بن الحسين عليه السلام، ولمحمّد بن الحنفية، ولإسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام، وادّعاه أيضاً جعفر الموسوم (بالكذّاب)، بالإضافة إلى آخرين..
ولكن ذلك لم يكن من الخطورة بحيث يخشى منه على المسار العام.
وهو أمر قابل للتحمل في مقابل المفاسد الأكبر والأخطر، التي سوف تنشأ عن ترك الأمر مستمرّاً عبر المقاطع التاريخية المختلفة، من دون تحديده بعددٍ معيّن، وبأشخاص بأعيانهم وأسمائهم.
وباستطاعتنا أن ندرك: أنّ الحصر باثني عشر إماماً كان ضروريّاً من خلال تطابقه مع الحاجة التي كانت قائمة على صعيد الواقع، فإننا إذا درسنا بعمق طبيعة الفترة التي عاشها الأئمة في القرون الثلاثة التي تلت وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فإننا سوف ندرك: أن الأمة قد استطاعت في هذه الفترة أن تستوعب عملياً جميع مناحي التشريع، ومختلف مراميه وأهدافه على مستوى الاتجاه العام، وأن تعيش التجربة في شتى المجالات، ومختلف الأبعاد، حيث مرورها بالأدوار المختلفة، وتشعّب مناحي الحياة التي تعيشها، ثم تشبُثها بأسباب المدنية، والحضارة، واتصالها بغيرها من الأمم المختلفة ونموّها وتكاملها في المجالات الفكريّة، والسياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية وغيرها ـ إن ذلك كلّه، كان عاملاً مساعداً إلى درجة كبيرة على فهم أعمق للإسلام ولمفاهيمه السياسية، والتربويّة والتشريعيّة، وغيرها.
المهدية في موقعها الطليعي والطبيعي:
وبملاحظة جميع ما تقدم: وبعد وصول الأمة إلى درجة النضج، وبلوغها مرحلة سن الرشد، فكريّاً واجتماعياً و.. و.. ولو بواسطة تربية شريحة من أبنائها، تكفي في تحقق إمكانية معرفة الناس للحق، والحقيقة، وعن طريق التفاعل مع هذه الشريحة، والمراودة الفكرية لها.
وكذلك بعد أن يستشعر الطغيان الخطر الذي يتهدده من قِبَل ذلك الذي يعرف أنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فإن غيبة هذا الإمام، واتخاذه موقعاً آخر يمكنه فيه مواصلة الاتصال بالأمة، والتعامل معها، ولو من خلال سفرائه ووكلائه الخاصّين والعامّين، وغير ذلك من وسائل تقع تحت اختياره ـ إن هذه الغيبة ـ تصبح هي الأمر الواقع الذي لابد من قبوله، والتعامل معه بطريقة ليس فقط تجعل هذه الغيبة لا تؤثر سلباً على مسيرة الصلاح والإصلاح، وإنما تكون عاملاً لاستمرار هذه المسيرة بقوة أشد، وفاعلية وحيوية أكثر.
ولولا هذه الغيبة فإن فرص العمل، والحفاظ على المنجزات التي هي ثمرة جهاد وجهود الأنبياء والمخلصين عبر التاريخ البشري، لسوف تتقلص وتصل إلى درجة الصفر، ليس فقط من حيث وضع العراقيل والعوائق في وجه العمل والعاملين. من حيث أن الحكام والمستبدين سيواجهونهم بكل الوسائل المتاحة لهم لتدمير كل شيء ومحاولة القضاء على الأطروحة بأسرها من خلال القضاء على محورها ومصدرها الأول، وقلبها النابض، المتجسد في الإمام والرمز.
علامات الظهور في خدمة الهدف:
وأخيراً.. فإن مما يساعد على حفظ الهدف الكبير، وتحقيق النتائج المتوخاة وله دوره في الحفاظ على الروح والحيوية الفاعلة والمؤثرة، هو إبلاغ الناس بعلامات الظهور، حيث لابد أن ترهق المشكلات والمتاعب والمصاعب روح كثير من العاملين، وتُمْنى بالإحباط عزائمهم وبالخور هِممهم، وتصاب بالأذى مشاعرهم، وتذبل شيئاً فشيئاً زهرة أملهم.
فرؤية بعض تلك العلامات يتحقق على صفحة الواقع ستشحذ العزائم، وتستنهض الهمم، وتثير المشاعر، وتكون بمثابة ماء الحياة، الذي يعيد لتلك الزهرة الذابلة نموها، ويسبغ عليها رواءها، ورونقها، ويزيد في بهجتها.
وهذا ما حصل بالفعل عبر التاريخ.. ودراسة حياة الأمة الإسلامية عبر عصورها المختلفة خير شاهد على ما نقول.

شرح زيارة آل ياسين/ الحلقة الثالثة

$
0
0
شرح زيارة آل ياسين/ الحلقة الثالثة

الذي يقرأ الزيارة الشريفة يلاحظ أنّها سجلت للإمام عليه السلام جملة من الألقاب بعضها اختصاصي وبعضها عام، ومعنى الاختصاصي أنّها ألقاب اختصّ بها هو عليه السلام دون بقية حجج الله  عليهم السلام ممن سبقه، ولا يعني ذلك أنّ الاختصاص به وجود نقص أو عدم أهلية فيمن سبقه من الحجج عليهم السلام، فاختصت هذه الألقاب به، وانما هو لأجل الوظيفة، ....

ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح هذه الفقرة (...السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا دَاعِيَ اللهِ وَرَبَّانِيَ آيَاتِهِ).
والحديث فيها يتضمن جملة من الأبحاث:
البحث الأوّل: الذي يقرأ الزيارة الشريفة يلاحظ أنّها سجلت للإمام عليه السلام جملة من الألقاب بعضها اختصاصي وبعضها عام، ومعنى الاختصاصي أنّها ألقاب اختصّ بها هو عليه السلام دون بقية حجج الله  عليهم السلام ممن سبقه، ولا يعني ذلك أنّ الاختصاص به وجود نقص أو عدم أهلية فيمن سبقه من الحجج عليهم السلام، فاختصت هذه الألقاب به، وانما هو لأجل الوظيفة، فوظيفته عليه السلام هي التي أوجبت له عليه السلام أنْ يتسم بهذه الصفات، ويتحلى بهذه الألقاب، فكون إظهار دين الله تعالى على يديه اقتضى أنْ يكون هو عليه السلام وعد الله المضمون وغير المكذوب.
أمّا الصفات العامة والتي سنقف عند كل واحدة منها فهي وإنْ كانت تشمل جميع الحجج عليه السلام، كخليفة الله إلاّ أنها بالنسبة إليه عليه السلام في زماننا هذا فعليّة خارجية، بمعنى أنّه الوحيد المتلبس بها في هذا الزمان، وأنّ تلبسه بها مصاحب للأثر وموجب للتأثير، وأنّه الحجة على جميع الخلق في هذا الزمان وهكذا بقية الألقاب.
فالمتحصّل من ذلك كلّه أنّ الصفات الواردة في الزيارة الشريفة والتي بعضها خاص والآخر عام إذا أضيفت للإمام عليه السلام كان كلها خاصاً به بملاحظة الجهة التي أشرنا إليها وهذه ملاحظة ينبغي الالتفات إليها، فإنّها ذات بعد حيوي في حياتنا، فإنّ الارتباط بالله عزوجل في زماننا منحصر بالإمام المهدي عليه السلام، وهو الواسطة الوحيدة للارتباط بالأئمة ممن سبقه والأنبياء كذلك، فلولاه لما كان لكل فرد منّا ارتباط بالأئمة عليهم السلام أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الأنبياء عليهم السلام أو الله عزوجل.
وهذا يعني أنّ من لا يؤمن بأن الواسطة الرئيسة والوحيدة في تحقق الإيمان والتدين والالتزام بالشريعة تأتي عن طريق الإمام المهدي عليه السلام لا يكون مؤمناً وإن آمن بجميع من سبقه من الأئمة عليهم السلام أو آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

البحث الثاني: ويتضمن شرحاً واستكمالاً للصفات التي أوردتها الزيارة الشريفة حيث لقبته عليه السلام بـ (ربّاني آيات الله) فالإمام المهدي عليه السلام هو ربّاني آيات الله سبحانه وتعالى، ولأجل أنْ نقف مع هذه الفقرة الشريفة لابدّ أنْ نفهم ابتداءً معنى الربّاني والآيات ومراتب كل منهم، عند ذلك نفهم حقيقة هذا اللقب ومكانة هذه المنزلة التي أعطيت له عليه السلام، والربّاني على ما جاء في اللغة هو المنسوب إلى الرب المتصف بصفة العلم والمعلّم، وقد أكّدت هذا المعنى جملة من الآيات الشريفة حيث يقول تعالى: (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لي‏ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) وفي آية أخرى يقول تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هادُوا وَ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ).
وغير ذلك من الآيات، فالآيات الشريفة تتحدث عن مكانة الرباني، وأنّه خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومدرّس الأمّة ومعلمها، وأنّه كان شاهداً على الأمّة في أعمالها، ومقتضى شهادته على الأمّة لابدّ أنْ يكون مطلعاً على أعمالها ظاهرها وباطنها.
وهنا لابد من وقفة نستجلي بها الصورة أكثر فنقول: إنّ عقيدة الشيعة الإمامية في كون الحجة والشاهد على أعمال الناس يجب أنّ يكون معصوماً متأتٍ من أنّ الوظيفة التي عهدت إليه يجب فيها أنْ يكون كذلك.
ومعنى ذلك أنّ مكانة الربّاني مكانة مقدسة لكنّها تحتاج إلى أدوات وآليات، فاقتضت حكمة الله سبحانه أنْ لا يتلبس في هذا المقام في مرتبته العليا إلاّ المعصوم، لأنّ معنى الرباني وإنْ كان له مراتب متعددة إلاّ أنّ الحديث في الآيات، فضلاً عن المقطع في الزيارة الشريفة يتحدث عن المرتبة العليا أو ما يستشرفها، إذن فالربّاني ذلك العالم المعلم الهادي إلى النور والحاكم بالكتاب والحكمة، وهو مقام الهي مختص بالمعصوم عليه السلام بمرتبته العليا، وحيث أنّ لا معصوم في زماننا بمقتضى الأدلّة الكثيرة المتنوعة إلاّ الإمام المهدي عليه السلام فيكون هو الربّاني وحده دون غيره.
وحيث أضيف (الربّاني) في الزيارة الشريفة إلى آيات الله اقتضى تميزاً واختصاصية أكثر، فلابد هنا أنْ نفهم معنى الآيات ونسبتها إلى الله لتتوضّح لدينا صورة الربّاني بشكل أكبر ليكون اعتقادنا بهذا المقام المنسوب إلى الإمام عليه السلام عن بصيرة وعلم.
فإذا طالعنا الآيات القرآنية الشريفة التي تتحدث عن آيات الله وهي كثيرة جداً نجد أنّها تتحدث عن ألوان ومراتب كثيرة من آيات الله، فتارة تتحدث عن البعد التكويني للآيات، وتارة تتحدث عن البعد المعنوي لها، وتارة تتحدث عن البعد اللفظي أو الكتبي، وكل واحدة منها مرتبة من مراتب آيات الله ومقام من مقام الآيات، فتلاوة الآيات الموجبة لتزكية النفس والتعلم للكتاب والحكمة الذي هو من مقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو واحد من تلك المقامات والمراتب، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي‏ ضَلالٍ مُبينٍ) فتلاوة الآيات على الضالين موجب لهدايتهم واستبصارهم وتزكيتهم وتعليمهم وهو مقام رسالي إلهي.
فيما المقام الآخر مقام تكويني للآيات، قال تعالى: (وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ في‏ ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمينَ).
وهو مقام أعطاه الله لحججه بمقتضى وظيفتهم وقد ذكرنا بعض الروايات في الحلقة السابقة من هذا الشرح متحدثة عن هذا الإعطاء الإلهي للحجج، وهناك مقامات أخرى تحدثت عنها الآيات القرآنية عن آيات الله وهي كثيرة كما قلنا.
وهنا وحيث أنّ الآيات الإلهية لها مقامات واسعة وكبيرة، وحيث أنّ الزيارة الشريفة جعلت للإمام المهدي عليه السلام مقام القيادة والريادة والرئاسة والولاية على الآيات مطلقاً، فإنّ المقطع الشريف يريد أنّ يقول لنا: إنّ الرباني والعالم والمعلم لآيات الله بجميع مراتبها هو الإمام عليه السلام، فكل آية من آيات الله، صغيرة كانت أم كبيرة، العالم بها هو الإمام ومن يريد أنْ يعلم بها أو يتعلم عنها شيئاً لابدّ أنْ يذهب إلى الإمام، فهو ربّانيها.
ومن هنا نتمكن أنْ نفهم بعض المقولات الإلهية التي جاءت على لسان أمير المؤمنين عليه السلام: (ما لله آية أكبر مني) وحيث أنّه وبلا شك لايقصد نفسه الشريفة بمعزل عن مقامه الإلهي، فتكون هذه المكانة للأئمة من بعده فهي للحجة بن الحسن عليه السلام فهو أكبر الآيات وهو ربّانيها.
ومن هنا نستخلص ونتمكن أنْ نقول إنّ كل أمر يصدق عليه أنّه آية من آيات الله _وأي شيء لا يصدق عليه ذلك_ فإن ربّانيه وقائده والعالم به والمعلّم له هو الإمام الحجة عليه السلام.

استدارة الفَلك

$
0
0
استدارة الفَلك

ورد في الروايات التي تروي شرائط ظهور الإمام المنتظر عليه السلام حديث عن استدارة الفَلك، منها ما ورد في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة إذا قال: (وفَّى سنّة من أيوب وسيجمع الله لي أهلي كما جمع ليعقوب شمله وذاك إذ استدار الفلك وقلتم ضل أو هلك الا فاستشعروا قبلها بالصبر)، وذكر النعماني في غيبته إنّ المفضل بن عمر قال:...

ورد في الروايات التي تروي شرائط ظهور الإمام المنتظر عليه السلام حديث عن استدارة الفَلك، منها ما ورد في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة إذا قال: (وفَّى سنّة من أيوب وسيجمع الله لي أهلي كما جمع ليعقوب شمله وذاك إذ استدار الفلك وقلتم ضل أو هلك الا فاستشعروا قبلها بالصبر)، وذكر النعماني في غيبته إنّ المفضل بن عمر قال:
(قلت لأبي عبد الله  عليه السلام: ما علامة القائم؟ قال عليه السلام: إذا استدار الفلك، فقيل: مات أو هلك، في أي واد سلك؟ قلت: جعلت فداك، ثم يكون ماذا؟ قال عليه السلام: لا يظهر إلاّ بالسيف) ولعل السؤال الذي يتبادر لذهن القارئ مفاده:
ماهو المقصود باستدارة الفَلك؟
الفَلك بفتح الفاء يراد به مسار النجوم، كما في قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، أمّا بضم الفاء وتسكين اللام فيراد بها السفن كما في قوله تعالى: (وَالْفُلْكُ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ مِمَّا يَنْفَعُ النَّاسَ).
والكلام في المقال حول المعنى الأول هو:
أوّلاً: استدارة مسار الفَلك _من نجوم وكواكب وغيرها_ وتغيّر اتجاه حركته، وما يعضد هذا المعنى الاحاديث الواردة في اخبار ظهور الدجال وخروج دابة الأرض، منها ماجاء في حديث الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذي نقله الشيخ الصدوق في (كمال الدين وتمام النعمة) إذ قال: (ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جل جلاله، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة).
ثانياً: ما نقل عن الإمام الصادق عليه السلام من أنّه فسّر استدارة الفَلك باختلاف الشيعة بينهم، وبيّن (موجز دائرة معارف الغيبة) من أنّ استدارة الفَلك فيه دلالة على شدة الاضطراب وتزلزل الأحوال، وكأنّ هذا الاختلاف يُشعر باضطراب عام يشمل جميع انشطة الحياة. فعن زائدة بن قدامة عن عبد الكريم قال: ذكر عند أبي عبد الله عليه السلام القائم فقال: (أنّى يكون ذلك ولم يستدر الفَلك حتّى يقال مات أو هلك في أي واد سلك) فقلت: وما استدارة الفلك؟ فقال عليه السلام: (اختلاف الشيعة بينهم).
وما يعضد هذا المعنى ما نقل من اخبار عن اختلاف الشيعة قبل الظهور المبارك منها رواية أمير المؤمنين حيث قال عليه السلام: (يا مالك كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا، وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين: ما عند ذلك من خير؟ قال عليه السلام: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا .. إلى آخر الرواية التي ذكرت في (الغيبة) للنعماني).
وهذا الاختلاف هو من باب التمحيص والغربلة _كما يشير لذلك ما روي عنهم عليهم السلام_ حتى يبقى القليل الصالح المؤهل للقيام مع قائم آل محمد عليه السلام، والنهوض بمسؤولية تلك المرحلة والتي لايؤتّاها إلاّ ذو حظ عظيم.

نور الساعدي

التحريف في نسب الإمام المهدي عليه السلام

$
0
0
التحريف في نسب الإمام المهدي عليه السلام

بالرغم من تأكيدات النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنتساب المهدي إلى الحسين عليهما السلام، وبالرغم من الروايات المتكاثرة في انّه ابن الحسن العسكري عليه السلام, إلاّ أن البعض حاول تغيير مسار هذه الروايات إلى الوجهة التي يريدها, وسعى إلى تحريف ما ورد في هذا الانتساب المبارك, فقد أورد بعضهم أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: المهدي اسمه أسمي واسم أبيه أسم أبي.


ولا يشك أحد في أنّ الحديث غير صحيح وغير مقبول من جهات:
أولاً: أما كونه غير صحيح:
أ_ فقد روى نعيم بن حماد عن أبن عيينة عن عاصم عن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم حديث أسم أبيه اسم أبي، ولم يذكر الواسطة بين عاصم وبين عبد الله، وبعضهم صرّح أنها ضعيفة كما في حاشية الكتاب.
ب_ إنّ في بعض أسانيد الحديث رشدين بن سعد المهري: عن عثمان بن سعيد قلت ليحيى بن معين: فرشدين بن سعد؟ قال: ليس بشيء.
وعن عبد الله بن بكر يقول: رأيت الليث ابن سعد وقد جاء الى رشدين بن سعد بحذاء باب الصوال وقد علاه بالنعل حتى أخرجه من باب المسجد وقال له: لا تفت بالنوازل.
وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال الجوزجاني: عنده مناكير كثيرة. وقال أحمد: لا يبالي عمن روى.
ج_ وفي أسانيد بعض الأحاديث إن (أسمه أسمي وأسم أبيه أسم أبي) هو زائـدة عن عاصم عن عبد الله بدل ابن عيينة عن عاصم عن عبد الله, ولا يعرف زائدة من, فإن كان زائدة ابن سليم فهو مجهول كما صرح بذلك الذهبي.
وإذا كان زائدة مولى عثمان، فقد قال لإِبن عدي في الضعفاء حديثه منكر وقال البخاري: لا يتابع على حديثه . وإذا كان زائدة ابن أبي الرقاد قال البخاري: منكر الحديث.
وإذا كان زائدة ابن نشيط قال ابن القطان: وزائدة لا يعرف الا برواية ابنه عنه. وبهذا فكل زائدة ليس بشيء وهو منكر الحديث.
إذن فهو من حيث السند غير صحيح, كما ذكرنا، ورواته ليس بشيء.
ثانياً_ أمّا كونه غير مقبول
فلأن حديثه (أسمه أسمي) دون زيادة وأسم (أبيه أسم أبي), فهو يكاد أن يكون متواتراً, وخلافه خلاف الضروري, إذ الضرورة تقتضي بتسلسل أثني عشر إماماً, آخرهم المهدي المولود من الحسن بن علي العسكري, كما أشار اليه الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من قريش أثنا عشر.
إنّ الزيادة لم يقبلها أكثر العلماء, إذ أنكر المقدسي الشافي في (عقد الدرر) هذه الزيادة بقوله بعد روايته الحديث قائلاً: وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني في مسنده وقال: (رجلاً مني ولم يذكر أسم أبي) وكذلك ابن خلدون بعد أنْ ذكر حديث (وأسم أبيه أسم أبي) قال: وفيه داوود بن المحبي بن الحرم عن أبيه، وهما ضعيفان جداً.
ج_ إنّ هذا الزيادة تتناسب مع دعاوى العباسيين الذين جعلوا محمد بن عبد الله _أي أبن أبي جعفر المنصور_ هو المنصور ووضعوا لذلك أحاديث عدة, وكذلك أدعى بعضهم انّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، وغيرها من الدعاوى التي لا تتناسب مع كون الأئمة من قريش اثني عشر، ولا تتفق مع الصفات الواردة عن المهدي عليه السلام على لسان رواة المسلمين.
وبذلك فستكون هذه الدعوى مردودة وغير منسجمة مع ضرورات المهدوية التي بشّر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

دجال البصرة أحمد إسماعيل كويطع المسمي نفسه: أحمد الحسن الحلقة الثامنة

$
0
0
دجال البصرة أحمد إسماعيل كويطع المسمي نفسه: أحمد الحسن الحلقة الثامنة

وذهب الشيخ الحلفي الى البصرة وطالبهم بتعيين يوم للمباهلة، لكنهم نكصوا وصاروا يتهربون منه، حتى جاء محرم، وظهر أعوان الدجال بحركة مسلحة في البصرة والناصرية، فقتلوا من الشـرطة والناس العشرات، وقُتل منهم عشرات، وألقت الحكومة القبض على مئات منهم، وهرب دجالهم الى الإمارات ليملأها قسطاً وعدلاً، ويفيض منها العدل الى الدول المجاورة!
لا يتورّع هو وأصحابه عن الإفتراء!

 

كان حيدر مشتت يتردد إلى قم
كان حيدر يزورني قبل هلاكه بعشر سنوات وأكثر، ويسألني بعض الأسئلة عن الإمام المهدي عليه السلام. وبعد سقوط صدام جاءني محاولاً كسب تأييدي لادّعائه بأنّه اليماني الموعود ، مع أنّ اليماني يظهر في اليمن ، وليس في العراق!
وفي آخر مرة رأيته فيها قال لي: جئت برسالتين: واحدة لك والثانية للسيد الخامنئي. سألته: ممن الرسالة؟ قال: من الإمام صاحب الزمان عليه السلام!
فجمعت نفسي وعباءتي وتوجهت إليه قائلاً: يا شيخ حيدر، هل أنت متأكد؟!
قال: نعم. قلت له: لا تستعجل، فإني أسألك:
هل أنت التقيت بالإمام المهدي عليه السلام، الإمام الحجة بن الحسن، التاسع من ذرية الحسين عليه السلام الذي بشر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وذخره الله تعالى ليملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً؟
هل أنت متأكّد أنك التقيت به هو وكتب لي رسالة، وأمرك أن توصلها لي؟!
قال: نعم! فشرحت له ونصحته، ورويتُ له قصة الحلاج كيف ادعى السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام، وكتب إلى والد الشيخ الصدوق رحمه الله في قم، يدعوه إلى الإيمان به، وكيف أجابه، ثم جاء الحلاج إلى قم، فوبخه ونفاه من المدينة!
وختمت بقولي: يا شيخ حيدر أعد النظر فيما قلته، وأنا أعتذر عن استلام رسالتك! فما دمت التقيت بالإمام عليه السلام وكلّفك بإيصال رسالة لي، فقل له: إن فلاناً رفض أنْ يستلم الرسالة حتى يرى معجزة، تكون دليلاً على صدقي وصدق الرسالة. فبادر حيدر قائلاً: حسناً، ماذا تريد معجزة ؟
قلت له: نفس المعجزة التي طلبها والد الصدوق قدس سره من الحلاج: أنْ يعيد لحيتي البيضاء بلونها عندما كنت شاباً.
فسكت مدة، ثم قال: حسناً، هل تقبل أنْ ترى مناماً الليلة؟!
قلت له: كلا، ولا عشرين مناماً، هل نأخذ ديننا من المنامات!
يا شيخ حيدر؟ إنّ دين الله أعز من أنْ يؤخذ من منام، بل يحتاج إلى دليل برهاني منطقي تخضع له العقول، ومعجزة واضحة تخضع لها الأعناق.
قال الإمام الكاظم عليه السلام: (إنّ لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام وأمّا الباطنة فالعقول).
فسكت حيدر مدة، ثم نهض مودعاً: في أمان الله..!
كما كانت لي معه مناقشات أخرى، لايتسع لها المجال.
أما الدّجال أحمد، فلا بدّ أنّ شريكه حيدراً كان يخبره بزيارته لي ومناقشاتي له. وبعد أن اشترى ادعاء اليماني من حيدر، كانت له محاولات متعددة لكي يستميلني الى حركته! فأرسل لي رسالة يطلب مني الإيمان به، ورسالة بواسطتي إلى سماحة السيد الخامنئي، يطلب منه أنْ يسلمه قيادة إيران، لأنه رسول المهدي إلى العالمين! فامتنعت عن تسلم الرسالة.
وقال لي الشخص المرسل منه: يقول لك الإمام أحمد: أنت مقبول عند عامة الناس، فإذا جئت إلى صفنا فإنا نستطيع أنْ نقضي على الدجالين.
سألته: ومن الدجالون؟ قال: المراجع في النجف!
فأجبته برفض أباطيله، وقلت له: ثبت لي أنّ هذا الحقد على مرجعية الشيعة حقد وهابي ! وأنّ صاحبك وهابي التفكير والتمويل.
ثم أرسل لي أشخاصاً، فناقشتهم وأفحمتهم والحمد لله.
ثم أرسل شخصين واتفقنا على أنْ أرسل له من يناظره، فأرسلت له الشيخ عبد الحسين الحلفي إلى التنومة، فلم يناظره الدجال لكنْ قبل المباهلة، وحددوا موعدها على شط العرب، فنكص الدجال ولم يحضر!
جاءني الشيخ عبد الحسين الحلفي يقول: آسف انّه هرب من المباهلة .
سألته: كيف كنت ستباهله؟ قال: تواعدت معه على شط العرب غداً، وعيّنا المكان، فقبل، وحضرت ولم يحضر.
ولو حضـر كنت أنوي أنْ أشبك كتفي بكتفه، وأقول له: أدع أنْ يهلك الله المبطل منا وينجي المحق، وأرمي بنفسـي وإيّاه في شط العرب. وأنا على يقين أنّي سأنجو وأنّه سيغرق!
ثم جاءني شخص من قبله، فناقشته، وقلت له إني أدعو إمامه للحضور إلى قم للمناقشة، فاتّصل به فلم يقبل الحضور، فطلبت منه أنْ يرسل شخصاً مخولاً، فأرسل لي اثنين معتمدَيْن مُخَوَّلَيْن منه.
فناقشتهما بحضور عدد من الطلبة، وضحكوا من جهلهما وتناقضهما!
وزعما أنّ إمامهما لم يهرب من المباهلة مع الشيخ الحلفي، فاتفقنا كَتْبِيّاً على معاودة إرساله، وكتبنا اتفاقية المباهلة بالنص التالي:
اتفق الطرفان الموقعان أدناه على المباهلة بالشروط التالية:
1-أنْ تكون يوم الجمعة في مقبرة عامة، بمرأى من الناس في البصرة. وموثقة بالفيديو.
2- أنْ يحمل الطرفان تخويلاً خطياً من مدعي السفارة أحمد، وممن يمثل الطرف الآخر. وأنْ يكتب أحمد عند هلاك صاحبه أنّه على باطل.
3- أن تكون بألفاظ واردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وأن يتبعها قسم البراءة.
4- لا يضاف إلى هذا الإتفاق أي شرط، والذي ينسحب يكون مبطلاً.
الطرف الذي يمثل السيد أحمد: السيد صالح الصافي (إسمه وتوقيعه).
الطرف الذي يمثل أحد علماء الشيعة: الشيخ عبد الحسين الحلفي (إسمه وتوقيعه).
وذهب الشيخ الحلفي الى البصرة وطالبهم بتعيين يوم للمباهلة، لكنهم نكصوا وصاروا يتهربون منه، حتى جاء محرم، وظهر أعوان الدجال بحركة مسلحة في البصرة والناصرية، فقتلوا من الشـرطة والناس العشرات، وقُتل منهم عشرات، وألقت الحكومة القبض على مئات منهم، وهرب دجالهم الى الإمارات ليملأها قسطاً وعدلاً، ويفيض منها العدل الى الدول المجاورة!
لا يتورّع هو وأصحابه عن الإفتراء!
كان لي برنامج مباشر من قناة سحر الفضائية كل يوم جمعة ثم من قناة الكوثر، فنشط دجال البصرة وأعوانه في الإتصال التلفوني، فكان لا يمر برنامج إلاّ واتصلوا وطرحوا مسألة اليماني، وأنّه يظهر من العراق وليس من اليمن!
وكانوا يطرحون شبهات يحاولون أن يستدلوا بها على صحة دعوى صاحبهم!
وكان بعضهم شرساً يفتري جهاراً نهاراً كإمامه الدجال ابن كويطع، قال: نحن نحتج عليك بما ذكرته في كتبك، فقد ذكرت في عصر الظهور رواية أن اليماني الموعود ليس يمانياً، بل له نسب في اليمن!
فأجبته: نعم أنا ذكرت هذه الرواية لكني رددتها! فهل تحتج عليَّ بما رفضته!
أقول: الرواية في صحيح البخاري:4/155، و:8/105، قال: (كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش، أن عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية فقام خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولاتُؤثر عن رسول الله فأولئك جهالكم! فإياكم والأماني التي تضل أهلها! فإني سمعت رسول الله يقول: إن هذا الأمر في قريش لايعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين). انتهى.
وهذا يدلك على أن القرشيين كانوا يمنعون رواية أي حديث يبشـر بظهور قائد قحطاني، لأن ذلك يمس قيادة قريش للعرب والعالم! ولذلك وَبَّخَ معاوية عبدالله بن العاص على المنبر وسماه جاهلاً، لأنه روى أنه سيكون مَلِكٌ من قحطان! وقحطان كل قبائل العرب ما عدا قريش! وقد أثَّر فيه توبيخ معاوية فتاب عن الحديث وجعل اليماني قرشياً! قال: (يا معشـر اليمن تقولون إن المنصور منكم والذي نفسي بيده إنه لقرشي أبوه)! (ابن حماد:1/120).
فتشبث أتباع أحمد إسماعيل بهذه الرواية وقالوا لي: إنك اعترفت بأن اليماني لايجب أن يكون من اليمن، فيكون من البصرة، وينطبق على إمامهم!
مع أن رواية أهل البيت عليهم السلام نصت على أن اليماني الموعود من اليمن، ففي كمال الدين للصدوق/ 328: (وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني من اليمن).
وفي تلك المدة خصصتُ برنامجاً في قناة الكوثر للرد على مزاعم دجال البصـرة، فغاب هو وأتباعه ولم يتصلوا، لكنه كتب في موقعه: ( وأضرب لك مثالاً من هذا الزور والكذب الذي تعرضت له أنا شخصياً، فقبل عدة أشهر وفي قناة الكوثر الفضائية الإيرانية وفي برنامج (المهدي الموعود) استضافوا الشيخ علي الكوراني وكانت الحلقة كلها تقريباً مخصصة للحديث عني وتشويه صورة الدعوة، ومن ضمن ما قاله الشيخ الكوراني: إن أحمد يقول إنه زوج أخته للإمام المهدي. وهو يعلم يقيناً أني لم أقل هذا ويعلم أنه يكذب، ولكنه لا يستحي من الكذب وقول الزور رغم كبر سنه والعمامة التي يضعها على رأسه)!.
وقد كذب عليَّ هذا الدجال، فلم أقل ذلك عنه! وهذه تسجيلات البرنامج موجودة، بل نقلته على عهدة الرواة عن شخص غيره!

الجاهلية الحديثة ( الثانية): ماكيافيلي والسياسة

$
0
0
الجاهلية الحديثة ( الثانية): ماكيافيلي والسياسة

محمد رجبي
من أجل الفهم الأمثل لآراء ونظريات ماكيافيلي، لابد بداية من معرفة مفهوم التجدد أو الحداثة وعدّ خصائصه لكي نصل إلى  ماكيافيلي مؤسس عصر الحداثة والفلسفة السياسية هذه. إن إحدى المفاهيم العامة للحداثة ، يتمثل في الإيمان ب"الكتاب المقدس" للعالم الدنيا. ان Secularized Biblical Faith  يعني أنه قد انقضى عهد وتاريخ الدين الأخروي وأصبح متعلقا بالعالم الدنيا بشكل أساسي. وبلغة مبسطة، عدم عقد الأمل على الجنة السماوية والعمل على بناء جنة الأرض وبالمنطق البشري فحسب.

محمد رجبي
من أجل الفهم الأمثل لآراء ونظريات ماكيافيلي، لابد بداية من معرفة مفهوم التجدد أو الحداثة وعدّ خصائصه لكي نصل إلى  ماكيافيلي مؤسس عصر الحداثة والفلسفة السياسية هذه. إن إحدى المفاهيم العامة للحداثة ، يتمثل في الإيمان ب"الكتاب المقدس" للعالم الدنيا. ان Secularized Biblical Faith  يعني أنه قد انقضى عهد وتاريخ الدين الأخروي وأصبح متعلقا بالعالم الدنيا بشكل أساسي. وبلغة مبسطة، عدم عقد الأمل على الجنة السماوية والعمل على بناء جنة الأرض وبالمنطق البشري فحسب.
لذلك يمكن اعتبار أن منجزات عصر التجدد والحداثة تتمثل في التحول إلى  الناسوت والعلمانية  أو فقدان وزوال الإيمان الإنجيلي. أن خلقة الإنسان الإلهي تمثل إحدى حالات معارضة ماكيافيلي للدين الانجيلي. ان  Image of godوجميع الكائنات الأرضية أصبحت مسخرة له، لكن الإنسان ليس حاكما على كل شئ، إنه وضع في حديقة لكي يعمل فيها ويحميها. وفي الدين هناك شان ومنزلة للإنسان وأن التقوى هي عبارة عن طاعة النظام الإلهي المقرر، وكما في الفكر الكلاسيكي فإن العدالة متسقة مع النظام الطبيعي فإن الإقرار بحظ خارج حدود القدرة الآدمية، بمثابة الاعتراف بالتقدير الإلهي غير المعروف، لكن ماكيافيلي يرفض مجمل هذه السنة الفلسفية والكلامية ويقول:
إن الفلسفة السياسية يجب أن تبدأ من طريقة عيش الناس وأن تحول بوصلتها من السماء إلى  الأرض. وأول نتائج هذه الرؤية هي إعطاء تفسير جديد عن الفضيلة. فلا يجب اعتبار الفضيلة ذلك الشئ الذي وجد من أجله الاجتماع السياسي، بل إن الفضيلة وجدت من أجل المجتمع السياسي، أن الحياة السياسية الحقيقية ليست تابعة للأخلاق، بل يجب القول بأن الأخلاق   خارج المجتمع السياسي، غير ممكنة وإن المجتمع السياسي هو الفرض المسبق للأخلاق. إن المجتمع السياسي إن أصبح في حدود الأخلاق   فلا يمكن له أن يتشكل ولا يمكن أن يستمر ويدوم. والدليل البسيط على ذلك هو أن المعلول أو الأمر المشروط لا يمكن أن يحدث قبل العلة أو الشرط.
ولد ماكيافيلي في فلورنسا في 3 مايو 1469. وأول منصب تقلده كان رئاسة الديوان الثاني في مدينته، وعندما دخل ماكيافيلي إلى  الديوان، كانت قواعد صارمة تتبع للتوظيف في الدوائر الرئيسية. فالمتقدمون بتقلد الوظائف كان يجب أن يقدموا أدلة تثبت براعتهم في الدبلوماسية، فضلا عن مهارتهم فيما كان يسمى "الفروع الإنسانية". وقد أخذ مفهوم العلوم الإنسانية في فلورنسا من مصادر رومية وعلى وجه الخصوص سيسيرون الخطيب والفيلسوف والسياسي الرومي الشهير الذي كان يدعم الحكم الجمهوري. وكان يحب الفصاحة والبلاغة والأخلاق. وكانت إيطاليا القرن الرابع عشر للميلاد أحيت تطلعاته التربوية من جديد ونال نفوذا استثنائيا في الجامعات والحياة الاجتماعية لإيطاليا تدريجيا. وكان أنصار المذهب الإنساني يتميزون في المرتبة الأولى بكونهم ملتزمين بنظرية خاصة حول المحتوى الصحيح للتعليم والتربية والصدق الإنساني وكانوا يؤمنون بأن التلميذ يجب أن يكون ملما باللغة اللاتينية ومن ثم يتطرق إلى  فن البلاغة وتقليد أسلوب الأساتذة اليونانيين والروميين وينهي تحصيله العلمي بدراسة التاريخ والفلسفة القديمة. إن الاعتقاد بأن هذا النمط من التعليم، يعد أفضل نمط من الجهوزية لدخول الحياة السياسية، كان سائدا لمدة طويلة.
وأول مهمة انيطت إليه في يونيو 1500 للميلاد، عندما زار البلاط الملكي ل لويس الثاني عشر ملك فرنسا ليجري محادثات حول صراعات مدينة فلورنسا مع مدينة "بيتزا". واستمرت إقامته هناك ستة أشهر. وفي تلك الفترة اطلع على الوضع المضطرب للحكومة في المدن الإيطالية.
وأول نصيحة له في هذا الخصوص كانت:
إن الجهاز الحكومي لمدينة فلورنسا يبدو مرددا وهزيلا بشكل غير منطقي ومثير للسخرية من وجهة نظر كل من يتلقى تعليمه في المدرسة الجديدة للسلطنة. ويحذر ماكيافيلي من أن التسويف لا ينم عن حكمة وإن الذي يبدو مرددا وغير مصمم يواجه خطرا محدقا، سواء في الحرب أو في السياسة. يجب التصرف على جناح السرعة وبجرأة.
والحادثة الثانية التي أثرت عليه، كانت تعرفه على سيزار بورجيا، الذي هاجم عامي 1501 و 1502 شمال ووسط إيطاليا واخضعهما لسلطته. وكان يريد إقامة اتحاد مع الفلورنسيين، ولذلك أرسل مبعوث من جانب فلورنسا وهذا المبعوث لم يكن سوى نيكولا ماكيافيلي. وهذه المهمة كانت في الحقيقة بداية عهد تبلورت فيه أكثر من أي وقت مضى الحياة الدبلوماسية لماكيافيلي. وفي ذلك الوقت استطاع التعرف مباشرة على طرائق إدارة الدولة وتقييمها. وغالبا ما يقول بأن كتاب "السفارات" لماكيافيلي هو حصيلة ونتيجة هذا العصر. وعندما بلغ ماكيافيلي مرحلة تثبيت وتسجيل أحكامه النهائية حول القادة والسياسيين، توصل إلى  نتيجة مفادها بأن أيا منهم لم يفهموا بشكل صحيح النصيحة البسيطة والأساسية في الوقت ذاته وبالتالي فإما إنهم هزموا جميعهم أو إن نجحوا عن طريق الصدفة فحسب لا بسبب حنكتهم السياسية. وبرأيه، فإن الضعف الأساسي لجميع الحكام يكمن في عدم مرونتهم تجاه الأوضاع والمتغيرات في مجتمعاتهم. فعلى سبيل المثال كان سيزار بورجيا يعتد بنفسه مزهوا مغرورا. فيما كان ماكسي ميليان إمبراطور "روما" المقدس يلتزم دائما جانب الحيطة والحذر بينما كان جوليوس بابا إيطاليا يبدي على الدوام تهورا واهتياجا. وجعل ماكيافيلي في النهاية هذه الأحكام محورا لتحليل القيادة السياسية في مؤلفته "الأمير". وكان قد اكتسب هذه النظريات طوال سنيي عمره ونشاطه الدبلوماسي.
مفردتا فورتونا وفيرتو في الفلسفة السياسية لماكيافيلي
إن مفردة فيرتو هي ترجمة لفظة "آره ته" اليونانية  ومشتقة من كلمة Vir  اللاتينية وتعني الرجل وترجمت في اللغة اللاتينية بمعنى الرجل الشجاع والمحارب أو بمعنى الفضيلة والورع والتقوى ويستخدمها ماكيافيلي غالبا بمعنى الرجولة والبسالة. أما مفردة فورتونا فتعني الحظ والنصيب وكان الروم يعتبرونها إلهة طيبة. وكل خير ونعمة يمكن تصورهما ويطلبهما جملة البشر، كانتا بتصرف هذه الإلهة. ويقول ماكيافيلي:
إن الحظ ، حليف الشجعان، أي الذين قلما يترددون ويخافون ويتمتعون بالحماسة ويوسع نطاق هذا المعنى ويقول أن ما يثير الحماسة لدى هذه السيدة الإلهة ويحدث لديها ردة فعل إيجابية هو الفيرتو.
وبتقدير ماكيافيلي فإن الحظ يغضب لغياب الفيرتو أكثر من أي شئ آخر ويُثار حقده. والفيرتو هو بمثابة المتراس الذي يقف بوجهه، لذلك فإن الحظ يصب جام غضبه على المكان الذي يعرف أنه يفتقد إلى  أي متراس وسد حصين، ويذهب ماكيافيلي حتى أبعد من ذلك ويقول:
إن الحظ يستعرض عضلاته عندما لا يقف الرجال من أصحاب الفيرتو بوجهه.
ونتيجة هذا القول هي: إن الحظ يمجد هذه الصفة لدرجة أنه لا يجعل الأناس الذين يبدون من عندهم الفيرتو، ضحية لاعنف غضبه. ويعتبر ماكيافيلي أن أسمى هدف الأمير يتمثل في تأسيس حكومة تجعل من نصيبه الفخر والشرف. وبتقدير ماكيافيلي فإن الأمير ومن أجل بلوغ ذروة الفخر والجاه والموقع عليه أن ينمي وينشئ لديه الصفات اللازمة للقيادة الملكية. ويقول ماكيافيلي أن أي حاكم يريد الوصول إلى أعلى وأسمى هدف له، فإنه سيرى بأن طريق الأخلاق   ليس دائما طريق العقل. وتوصل ماكيافيلي إلى  نتيجة مفادها أنه باتت الضرورات تقتضي أن لا يتقيد الأمير الحاكم الناجح بالمحاذير الأخلاقية التقليدية لتحقيق مبتغاه وينتبه إلى  الأوضاع والظروف لكي يعرف متى يستخدم تلك القوة ومتى ينبذها. والأمير الحصيف يمارس الفضيلة متى ما أمكن ويعرف أنه إن اقتضى الزمان، كيف يمارس الشرّ. لذلك بات ينبغي على الأمير الحاكم وفق ماكيافيلي ، تجنب تلك الفضائل المفترضة التي قد تؤدي إلى  إضعافه واعتماد تلك الرذائل المفترضة أيضا ، التي قد تدعم موقفه ، فالواقع والحياة قد علما الأمير أن الكثير من الفضائل التي يتطلبها الحكام من شعوبهم بشكل عام قد تؤدي إلى  إضعافهم ، وبالتالي إلى  إسقاطهم إن طبقوها على أنفسهم بشكل خاص. ويؤمن ماكيافيلي بأن رمز النجاح في الحكم، يكمن في معرفة الأوضاع والظروف والقبول بضروريات الزمان ومجاراة العصر. وحسب رأيه، فإن الذي يريد أن يكون سعيدا دائما يجب أن يعتمد الحكمة والحصافة ويجاري الزمان. وإن تحكم أحد بهذه الطريقة بذاته وجعل سلوكياته تتناغم مع زمانه، فإنه سيكون أميرا ناجحا.
ويذهب ماكيافيلي إلى  الاعتقاد بأن الموضوع الذي يجب أن يعرفه الأمير هو أن المبادئ السامية تكتمل مع الفنون الضرورية والمراوغة والخداع. و يستخلص بشكل أساسي ضرورة أن يكون الأمير "الحاكم " مخادعاً ،  يتقن الكذب والمراوغة ، فيحقق مآربه بأية وسيلة ملتوية ويعطي شعبه في الوقت نفسه الانطباع بأنه رحيم ونزيه وإنساني ومستقيم ، ومتدين معاً . إنه لا يحب الدين قيد أنملة لكنه يهتم بدوره في إثارة مشاعر وعواطف الناس والإبقاء عليهم على طريق العمل الصالح وفضح الشريرين والطالحين. لذلك فإنه يكلف قادة المجتمع بالقبول بما هو لمصلحة ومنفعة الدين وتضخيم ذلك حتى وإن كان كذبا.
إن ماكيافيلي شأنه شأن أرسطو يعتبر السياسة منفصلة عن الأخلاق   ويرى أن من الخطر أن يتحلى الأمير الحاكم بالخصائل الأخلاقية.  ويعفي الساسة من التقيد بالقوانين الاخلاقية ويرى بأن الحاكم والمحكوم  لا يتبعان قوانين أخلاقية موحدة. إنه يرى من الضروري وجود جيش قوي لإدارة البلاد بشكل أمثل، لذلك يمكن اعتبار ماكيافيلي مؤسس مدرستين فيما بعده وهما:
1-    القومية
2-    العلمانية
لذلك فإن التحول والتطور في السياسة يحدث مع ماكيافيلي. إن نظريته القائلة بأنه يجب التضحية بأي هدف وتطلع من أجل الحقيقة، تشكل أحد ركائز السياسة الحديثة.
إنه كان في الحقيقة يريد أن يقول بأن: الإنسان العصري وفي ظل خصوصياته، يتغلب على حظه ويقرر مصيره بنفسه وتتحول السعادة والفضيلة إلى الرفاهية في ظل رؤيته ويرسى المجتمع بمعناه الجديد على أساس العقود.

عاشوراء مِرآة للتاريخ

$
0
0
عاشوراء مِرآة للتاريخ

من خلال هذا اليوم ، و ساعاته القليلة الحاشِدة بالأحداث الكبيرة ، يقرأ الناس التاريخ البشري كلّه . و من خلال هذا اليوم ، نقرأ سُنَن الله في التاريخ ، و نفهم كيف تسقط أُمّة ، و يستدرجها الله تعالى ، و يُعذّبها و يُهلكها ، و كيف يستبدلها بأُمّة أُخرى ، و كيف تسمو أُمّة في التاريخ و تسقط أُخرى ، و كيف يُجري الله قانون الابتلاء على أُمّة فيُضيِّق عليها لتَنمو و تبلغ رُشدها ، و كيف يستدرج أُمّة أُخرى  ليُحلّ عليها العذاب والنِقمة...

من خلال هذا اليوم ، و ساعاته القليلة الحاشِدة بالأحداث الكبيرة ، يقرأ الناس التاريخ البشري كلّه . و من خلال هذا اليوم ، نقرأ سُنَن الله في التاريخ ، و نفهم كيف تسقط أُمّة ، و يستدرجها الله تعالى ، و يُعذّبها و يُهلكها ، و كيف يستبدلها بأُمّة أُخرى ، و كيف تسمو أُمّة في التاريخ و تسقط أُخرى ، و كيف يُجري الله قانون الابتلاء على أُمّة فيُضيِّق عليها لتَنمو و تبلغ رُشدها ، و كيف يستدرج أُمّة أُخرى  ليُحلّ عليها العذاب والنِقمة ، و كيف يكون استبدال هذا بذاك . (عاشوراء) مرآة صافية للتاريخ ، تعكس التاريخ بصورة صادقة و أمينة . و من خلال قراءة هذا اليوم يستطيع أن يقرأ الناس حركة التاريخ كلّها ، منذ خلقَ الله تعالى الإنسانَ على وجه الأرض إلى اليوم .

ذلك أنّ التاريخ هو مجموعة ( السُنَن الإلهيّة ) في حركة الإنسان و صعوده و سقوطه ، ولا يجري في التاريخ شيء بصورة اعتباطيّة و عَفَويّة ، و إنّما يجري كلّ شيء بمُوجب سُنَن و قوانين دقيقة و بالغة في الدقَّة ، كما يجري التغيير في الفيزياء والكيمياء والميكانيك ؛ تَبَعاً لمجموعةٍ من القوانين والسُنن الخاصّة بهذه الحقول .1 و الّذي يفهم هذا القوانين والسُنَن بشكلٍ دقيق ، يفهم التاريخ و حركته و ما يجري في هذه الحركة من هبوط و صعود ، و من هَلاك و استبدال للأُمم .

والصراع بين الحقّ والباطل ، و بين جندالله وجند الشيطان ، هو المرآة الّتي تعكس هذه السُنَن والقوانين بصورة دقيقة و كاشِفة . ذلك أنّ ( الصراع بين الحقّ والباطل ، وحزب الله وحزب الشيطان ) هو العامل الأكبر تأثيراً في حركة التاريخ ، بخِلاف النظريّة الماركسيّة ، الّتي تعتبر ( الصراع الطَبَقِي ) هو العامل المُحرِّك للتاريخ (2) والتاريخ يتلخّص في مُعظَم جوانبه في هذا الصراع ، الّذي يقود طَرَفاً منه الأنبياء والمرسَلون ، و يقود الطرف الآخَر أئمّة الكُفر .

والصراع الطَبَقِي حقيقة قائمة في ساحة التاريخ لا ننفيها ، ولكنّه لا يُعتَبَر العمود الفقري للتاريخ ، و إنّما يحتلّ جانباً من جوانب حركة التاريخ ، و مهما كانت قِيمة هذه المساحة الّتي يحتلّها الصراع الطبقي في تاريخ الإنسان ، فلن يُعتبر العمود الفقري للتاريخ . ولسنا الآن بصَدَد إثبات هذه الحقيقة القرآنيّة .

فالتاريخ ـ إذن ـ يتلخّص في مُعظَم جوانبه في هذا الصراع التاريخي ، الّذي يقود طَرَفاً منه الأنبياء والمرسَلون والمؤمنون ، و يقود الطرفَ الآخر الطاغوت و أولياءُه . وفي هذا الصراع التاريخي تبرز أهمّ خصائص حركة التاريخ ، و تتكشَّف للإنسان جوانب واسعة من التاريخ ، لا يكاد يراها إلاّ في هذا الجوِّ من الصراع بين أولياء الله و أولياء الشيطان .

ذلك أنّ الصراع يستخرج بصورة قويّة خصائص كلّ أُمّة وكلّ فِئة من الناس ، و يُبرِزها على حقيقتها ، و يفرز الناس إلى فئتين مُتمايزتين فقد تنزع الأُمّة المؤمنة في حالات اليُسر والرَفاه إلى الدِعَة والتَرفِ ، و إيثار العافية في حياتها ، و تنسى ذكر الله ( عزّ وجلّ ) . فإذا حلّ بها الابتلاء نزعتْ إلى الله نزوعاً قويّاً و قطعتْ ما بينها و بين هذه الدُنيا من أسباب ، و ذلك قوله تعالى : ( وَ مَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيّ إِلاّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضّرّاءِ لَعَلّهُمْ يَضّرّعُون َ) (3).

والعكس أيضاً صحيح ، فقد يتمكّن المنافقون والمُتخلّفون و أولياء الشيطان من إخفاء حقيقتهم ، و ما تستبطن نفوسهم من حُبّ الدُنيا والانقياد للأهواء ، والولاء للطاغوت والخوف والضعف في ساعات اليُسر والأمن ، فإذا جَدّ الجِدّ و وقعتْ المواجهة والصِدام ، طفحَ على حياتهم ما كانوا يستبطنونه من خوفٍ و نفاق .

يقول تعالى : ( قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً * أَشِحّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالّذِي يُغْشَى‏ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً )

فيَكشف الصراعُ الخصائص الحقيقيّة لكلّ أُمّة من الناس ، و يفرز الناس إلى مِحورين مُتميِّزين ، و يعكس التناقضات القائمة في حياة الناس ، و يعكس السُنَن الإلهيّة الّتي تجري في حياة الناس و حركتهم ، و صعودهم و هبوطهم و سقوطهم ، و استبدالهم بأُممٍ أُخرى ؛ فإنّ هذه السُنَن جميعاً ـ أو في مُعظمها ـ تجري في جوِّ الصراع بين الحقِّ و الباطل ، بقوّة و وضوح أكثر من أيّة حالة أُخرى .

ولنقرأ هذه الآيات المباركات من سورة الأحزاب ، لنَجد كيف تهتزُّ النفوس الضعيفة في القتال ، و كيف يجري فيها الزلزال ، و كيف تَزيغ الأبصار و تنقلّب القلوب المؤمنة ، الّتي لم يستقرّ فيها الإيمان إلى الظنِّ بالله ، و كيف يكشف القتال المنافقين و يُلقي عليهم الضوء ، بعد أن كانوا يُخفون أنفسهم في صفوف المسلمين ، و مع ذلك كيف تتدخّل المشيئة الإلهيّة لإسناد و دعم القِلّة المؤمنة الثابتة ، في هذه الساعات العَسِرة والحَرِجة.

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ مّا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً * وَإِذْ قَالَت طّائِفَةٌ مّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ النّبِيّ يَقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاّ فِرَاراً ) (4).
تَرى كيف يكشف القتالُ والصراع المنافقين ؟!

و كيف يدخل النفوس في ساعة القتال الظنّ والرَيب ، و كيف يهتزّ المؤمنون ـ الضعاف ـ من الأعماق ؟! و كيف يتحوّل دَور المنافقين في ساعة واحدة إلى التهريج والتَثْبيط ؟! وفي مقابل هؤلاء ، الصادقون من المؤمنين الّذين تطمئنّ نفوسهم إلى الله ، و يثبتون للأعاصير والعواطف ، ولا يدخل نفوسهم شكّ أو رَيب ، مهما اكفَهَرَّتْ الأجواء ، و مهما ضاقتْ الأحوال .

( وَلَمّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مّن قَضَى‏ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً * لّيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ... ) (5).
وتتدخّل المشيئة الإلهيّة ، ويُؤيَّد المؤمنون بجنودٍ لم يَروها :

( ... اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا ... ) (6).
و يَردّ الله الّذين كفروا بغيظهم ، و يقذف في قلوبهم الخوف ، و يُورث المؤمنين أرضهم و ديارهم :
( وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً * وَأَنزَلَ الّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الْرّعْبَ فِرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لّمْ تَطَؤُوها وَكَانَ اللّهُ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً ) (7).
كلّ ذلك يتمّ في أجواء الصراع والمواجهة والقتال .

تهتزّ النفوس و يصيبها الزلزال ، و يكشف النفاق عن نفسه ، و يجدُ المنافقون فرصةً للتهريج والتَثْبيط ، و تثبت النفوس المؤمنة و تطمئنّ إلى وعد الله ، و يُنزل الله تأييده و نصره على المؤمنين ، و يقذف في قلوب الّذين كفروا الرُعب والخوف ، و يُهلكهم بأيدي المؤمنين ، و يُورث المؤمنين أرضهم و ديارهم .
كلّ هذه التحوّلات والانقلابات ، والسُنَن والقوانين ، والصعود والسقوط والثبات والانهيار ، يحدث في ساحات المواجهة والقتال ، وكلّ هذه الحركة القويّة التاريخيّة ، والسُنن والقوانين الإلهيّة ، والفَرْز والتفريق والكشف ، يتمّ في جوِّ الصراع . إذن ، الصراع الحضاري بين الحقّ والباطل ، يكاد أن يكون نموذجاً ممثّلاً لمساحة التاريخ ، وللسُنَن الإلهيّة الجارية في هذه المساحة بشكلٍ كامل أو غالب . و ما يجده الإنسان في امتداد التاريخ الطويل و عرضه العريض ، يجده بصورة مُختَزلة و مُصغَّرة في الصراعات الحضاريّة الحقيقية ، الّتي يقف جند الله في مواجهة جند الشيطان .

... تماماً كما أنّ قَدَحاً من ماء المحيط يستطيع أن يعكس لنا بصورةٍ مُصغَّرة و مُختزلة مُعظم الخصائص الموجودة في مياه المحيطات الكبيرة ، من التبخير والتجميد والتموّج والتحرّك ، و ما يرسَب فيه من الأجسام و ما يعوم فيه ، و قانون المَدّ والجَزْرِ ، والعناصر الّتي تُشكّل الماء ، و ما إلى ذلك من الخصائص الكيماويّة والفيزياويّة لمياه المحيطات ، والمطالعة الدقيقة لقدحٍ من الماء تُغنِي عن مُطالَعة المحيطات الواسعة في مُعظَم الخصائص الكيماويّة والفيزياويّة لمياه البحار .

و ما يصحّ عن قانون الاخْتِزال والتمثيل في الفيزياء والكيمياء ، يصحّ في التاريخ والمُجتمَع . فإنّ شريحة مُمثِّلة من المكان و الزمان ، يُمكن أن تعكس معظم الخصائص والسُنن القائمة في التاريخ والمجتمع . و إنّما نقول شريحة زمانيّة و مكانيّة مُمثِّلة ؛ لأنّ من الشرائح الزمانيّة والمكانيّة والاجتماعيّة ما لا يحمل هذه الصفة التمثيليّة . فليس كلّ الشرائح الفيزياويّة الكيماويّة والاجتماعيّة تحمل هذه القوَّة التمثيليّة ، الّتي تستطيع أن تعكس بها الخصائِص الموجودة في كلّ المساحة الّتي اقتطفنا منها هذه الشريحة ، و هذه هي الشرائح غير المُمثِّلة .

أمّا الشريحة المُمثِّلة عن الزمان والمكان والتاريخ والمجتمَع ، فإنّها تحمل هذه القوّة التمثيليّة ، و هي بالذات ما نقصده في هذا الموضع . ولا شكّ أنّ الصراع الحضاري بين جندالله والطاغوت ، من أفضل الشرائح ( الزَمَكانيَّة ) ، الّتي تختزِل و تُمثِّل حركة التاريخ ، وتعكس هذه الحركة بقوانينها وسُنَنِها الإلهيّة .

و ( عاشوراء ) نموذج نادر من الصراع الحضاري ، الّذي تتجسّد فيها سُنَن التاريخ بشكل قوي و مُركّز ، و عَيِّنَة مُمثِّلة لمَساحة التاريخ ، بكلِّ ما في هذه الكلمة من معنى ، و مِرآة صافية لحركة التاريخ ، يجد فيها الإنسان الصراع القديم بين جُند الله و جند الشيطان ، و أسباب و مُوجِبات هذا الصراع ، وقِيَم كلّ من طَرَفَي المواجهة ، و أساليبهم في هذا الصراع ، و حَتْميَّة هذا الصراع ، و مُعاناة طَرَفَي الصراع في هذه المعركة التاريخيّة ، و ما يستتبع هذا الصراع من سقوط وثبات ، و ولادة وهلاك ، و استبدال و استِدراج ، و تساقط العناصر الضعيفة و صعود و تسامي العناصر القويّة المؤمنة ، و نَصْر الله للفئة القليلة المؤمنة و هلاك جُند الشيطان ...

كلّ ذلك ينعكس في مرآة عاشوراء ، في هذه الساعات القليلة الحافِلة بالأحداث الكبيرة من يوم عاشوراء ، والجمهور من المؤمنين يقرؤون كلّ ذلك ، و غير ذلك من قوانين و سُنَن التاريخ والمجتمع والصراع في مرآة عاشوراء . بل ماذا أقول ؟! إنّ جمهور المؤمنين يرون أنفسهم في مرآة عاشوراء ، فإنّ الإنسان المؤمن ليس نسيج وحده ، وليس نبتة طُفيليّة مُجتَثَّة من فوق الأرض ما لها من قرار ، و إنّما هو حصيلة هذا الصراع التاريخي بين الحقّ والباطل .

وكلّ هذا الصراع و ما استتبعه من معاناة وآلام ، و نصر وتأييد و ثبات و صبر ، قد ساهم بصورة مَرئيّة أو غير مَرئيّة في ثباته و تكوين شخصيَّته ، و عاشوراء امتداد لكلّ هذا الصراع ، و تكريس لهذه المعركة التاريخيّة ، و مرآة لهذا التاريخ الحافِل بالصراع والمعاناة . والمؤمنون يرَون أنفسهم في مرآة عاشوراء رؤية صافية صادقة و واضحة ؛ ولذلك يجذبهم عاشوراء ، و يشعرون بأنّهم مَدينون لعاشوراء ، و أنّ عاشوراء تُمثّلهم وتُساهم مساهمة فعّالة في تكوينهم ، و تُشكّل المرآة الصافية الّتي تعكس وجودهم وكيانهم .

و هذا هو ما نعنيه عندما نقول : إنّ عاشوراء نافذة على التاريخ ، يستطيع الجمهور بوعيه الفِطري البسيط أن يطلّ على التاريخ من خلال هذه الساعات القليلة من يوم عاشوراء . أرأيت كيف تُمثّل صفحة الخارطة الجغرافيّة ، و تعكِس إقليماً واسعاً من مساحة الأرض ؟! كذلك عاشوراء تُمثِّل مساحة واسعة من التاريخ . و نحن لكي نستوعب عَيِّنَة ما ، استيعاباً كاملاً بصورة علميّة ، نقوم عادةً بواحد من اثنين ، حسب اختلاف العيّنة

أمّا أن نُكبِّر العَيّنة تحت المجهر ، حتّى يُمكن اكتشاف وفهم الجزئيّات الدقيقة منها الّتي لا تخضع للعين المُجرَّدة ، أو نصغِّر المساحة مع الاحتفاظ بكلّ مُقوّماتها و أركانها و نختزلها ، حتّى يُمكن استيعاب المساحة الواسعة بنظرة واحدة ، وفي دائرة صغيرة . و ( عاشوراء ) من النوع الثاني ( اختزال شديد لحركة التاريخ وما في هذه الحركة من السُنَن والقوانين ) ، و هذا الاختزال يتّصف بالتمثيل الدقيق لمساحة التاريخ الكبيرة و سُنَنها و قوانينها .

ذلك أنّ ( عاشوراء ) من بين نماذج الصراع بين أولياء الله و أولياء الطاغوت ، نموذج نادر من الصراع الحقيقي الحاسم في التاريخ . ففي هذه المعركة التاريخيّة الحاسمة يتقرَّر مصير الإسلام ، و بالتالي مصير رسالات الله تعالى ، الّذي كاد أن يسقط في أيدي السلاطين الرسميِّين الّذين كانوا يحكمون باسم الإسلام .

و هذه المعركة وحدها استطاعتْ أن تضع حدّاً للسلطة الزمنيّة الحاكمة ، و تفصل بين ( الإسلام ) و ما كان في قصور الخلفاء و أجهزتهم ، من لَهوٍ وسقوط في لذّات الحياة الدنيا ، و من ظلم و اضطهاد و اعتداء و تجاوز لحدود الله تعالى و أحكامـه . في ( عاشوراء ) ، يتقابل صفوة مؤمنة خالصة ، و على رأسهم ابن بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) والصفوة الصافية من أهل بيته و أصحابه ، مع رؤوس الإجرام والنفاق .

وفي هذا التقابل والمواجهة لا أدري ماذا يحسّ الإنسان من بَوْنٍ شاسِع و فاصل كبير بين نَمطين من الناس ، و بين هذا السقوط إلى الحضيض والصعود إلى القمَّة ، بين النور والظُلمة . يشعر الإنسان بوجود نَمطين مختلفين تماماً من الناس ، و بالفاصل الكبير الشاسع الّذي يفصل في الأهداف والقِيَم ، والأخلاق والتربية والقُرب والبُعد من الله ، ثمّ يجد هذين النَمطين من الإنسان في مواجهة حقيقيّة حاسِمة في ساحة الطفّ .

يدعو أحدهما إلى الله تعالى ، و إلى إقامة الصلاة و إلى العودة إلى الإسلام ، و إلى الأخذ بأسباب العبوديّة .
و يدعو الآخر إلى الطاغوت والانقياد له .
يطلب أحدهما وجه الله و مرضاته في هذه الحركة والصراع و يقول :

إنْ كانَ دِينُ مُحمّد لم يَسْتَقمْ     إلاّ بقَتْلِي يا سيِوفُ خُذيني

و يقول :

و الله إنْ قَطَعْتُم يَميْني     إنّي أُحامي أبداً عن دِيني

و يطلب الآخر سَقْط المتاع في الحياة الدنيا و يقول :

املأ رِكابي فِضّة أو ذهباً    إنّي قتلتُ السيّد المُهذّبا

يُجسِّد أحدهما في سلوكه وقتاله أسمى القِيَم و أنبلها ، حتّى في القتال ، و يُجسِّد الطرف الآخر أحطّ ألوان السلوك في ابتغاء الدنيا وفي الإجرام . إنّ التقابل العجيب بين هاتين الفئتين اللّتين تُقاتِلان في كربلاء و بين أهدافهما ، يعتبر واحداً من أغرب نماذج الصراع بين الحقّ والباطل في التاريخ . لقد كان أحد الطرفين حقّاً امتداداً لإبراهيم و موسى و عيسى و رسول الله (ص) ، و يحمل معه ميراث هؤلاء الصدّيقين وهمومهم وطموحاتهم ، و يُعدّ الآخَر حقّاً امتداداً لقابيل و فرعون و نمرود ، والقتَلة والمُجرمين في التاريخ و على نتائج هذا الصراع يتوقّف مصير هذا الخطّ أو ذاك .

لقد كان أحد الخطّين يستجمع كلّ قِيم وعطاء و تضحيات الأنبياء ، والخطّ الآخر يستجمع كلّ ألوان الانحطاط والسقوط الّذي يشهده الناس في التاريخ لهذا الخطّ . لقد كان مشهد ( عاشوراء ) مشهداً غريباً في نوعه ، ولم يكن يلتبس الأمر في تمييز الحقّ والباطل وتشخيصهما على أحد بين هذين المُعسكرين ، فقد بانَ الحقّ و بانَ الباطل و امتاز أمرهما ، ولم يبق موضع للالتباس لأحد . فمَن دخل مع هؤلاء ، دخل على بيِّنة و بصيرة ، و ما بعدها بيّنة و بصيرة ، و مَن انساق من وراء أُولئك ، كان ممَّن أضلّه الله على عِلم . فقد كان يوم عاشوراء يوماً من أيّام الفرقان في التاريخ حقّاً ، افترق فيه الحقّ و الباطل ، ولم يعد لأحد فيها موضع للشكّ واللَبس .

الشيخ مهدي الاصفي



-----------------
(1)بالطريقة الّتي شرحناها في فصل ( المذهب التاريخي في الإسلام ) ، و بيّنّا موضع إرادة الإنسان و اختياره في هذه الحركة ، في النظريّة الإسلاميّة . من كتاب ( في رِحاب القرآن ) .
(2)و الفرْق الآخَر : إنّ النظريّة الماركسيّة تُؤمن بالعامل الواحد في حركة التاريخ ، بينما النظريّة الإسلاميّة لا تُؤمن بنظريّة توحيد العامل في حركة التاريخ .
(3)الأعراف : 94 .
(4)الأحزاب : 9 ـ 13 .
5)الأحزاب : 22 ـ 24 .
(6)الأحزاب : 9 .
(7)الأحزاب : 25 ـ 27 .


فضل زیارة الحسین (علیه السلام)

$
0
0
فضل زیارة الحسین (علیه السلام)

اعلم انّ فضل زیارة الحسین (علیه السلام) ممّا لا یبلغه البیان وفی روایات کثیرة انّها تعدل الحجّ والعمرة والجهاد بل هی أفضل بدرجات، تـُورث المغفرة وتخفیف الحساب وارتفاع الدّرجات واجابة الدعوات وتورث طول العمر والانحفاظ فی النفس والمال وزیادة الرزق وقضاء الحوائج ورفع الهموم والکربات، وترکها یوجب نقصاً فی الدّین وهو ترک حقّ عظیم من حقوق النّبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، وأقلّ ما یوجر به زائره هو أن یغفر ذنوبه وأن یصون الله تعالى نفسه وماله حتّى یرجع الى أهله

اعلم انّ فضل زیارة الحسین (علیه السلام) ممّا لا یبلغه البیان وفی روایات کثیرة انّها تعدل الحجّ والعمرة والجهاد بل هی أفضل بدرجات، تـُورث المغفرة وتخفیف الحساب وارتفاع الدّرجات واجابة الدعوات وتورث طول العمر والانحفاظ فی النفس والمال وزیادة الرزق وقضاء الحوائج ورفع الهموم والکربات، وترکها یوجب نقصاً فی الدّین وهو ترک حقّ عظیم من حقوق النّبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، وأقلّ ما یوجر به زائره هو أن یغفر ذنوبه وأن یصون الله تعالى نفسه وماله حتّى یرجع الى أهله، فاذا کان یوم القیامة کان الله له أحفظ من الدّنیا، وفی روایات کثیرة انّ زیارته تزیل الغمّ وتهون سکرات الموت وتذهب بهول القبر، وانّ ما یصرف فی زیارته (علیه السلام)یکتب بکلّ درهم منه الف درهم، بل عشرة آلاف دِرهم وانّ الزّائر اذا توجّه الى قبره (علیه السلام)استقبله اربعة آلاف ملک فاذا رجع منه شایعته، وانّ الانبیاء والاوصیاء والائمة المعصومین والملائکة سلام الله علیهم اجمعین یزورون الحسین (علیه السلام)ویدعون لزوّاره ویبشّرونهُم بالبشائر، وانّ الله تعالى ینظر الى زوّار الحسین صلوات الله وسلامه علیه قبل نظره الى من حضر عرفات، وانّه اذا کان یوم القیامة تمنّى الخلق کلّهم أن کانوا من زوّاره (علیه السلام) لما یصدر منه (علیه السلام) من الکرامة والفضل فی ذلک الیوم، والاحادیث فی ذلک لا تحصى وسنشیر الى جملة منها عند ذکر زیاراته الخاصّة وحسبنا هنا روایة واحدة .

روى ابن قولویه والکلینی والسّید ابن طاوُس وغیرهم باسناد معتبرة عن الثّقة الجلیل معاویة بن وهب البجلیّ الکوفی قال : دخلت على الصادق صلوات الله وسلامه علیه وهو فی مُصلاّه فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته وهو یُناجی ربّه ویقول : یا من خصّنا بالکرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرّسالة وجعلنا ورثة الانبیاء وختم بنا الامم السّالفة وخصّنا بالوصیّة وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقى وجعل افئدة الناس تهوی الینا اغْفِرْ لی وَلاِِخْوانی وَزُوّارِ قَبْرِ اَبی الْحُسَیْنِ بْنِ عَلیّ صَلَواتُ اللهِ عَلَیْهِما الذین انفقوا اموالهم واشخصوا أبدانهم رغبة فی برّنا ورجاء لما عندک فی وصلتنا، وسروراً أدخلوه على نبیّک محمّد صلّى الله علیه وآله واجابة منهم لامرنا وغیظاً أدخلوه على عدوّنا وأرادُوا بذلک رضوانک فکافهم عنّا بالرّضوان واکلاهم باللیل والنّهار واخلف على اهالیهم واولادهم الذین خلّفوا بأحسن الخلف وأصحبهم واکفهم شرّ کلّ جبّار عنید واعطهم افضل ما املوا منک فی غربتهم عن أوطانهم وما آثرونا على ابنائهم وأهالیهم وقراباتهم اللّهُمَّ انّ اعداءنا عابوا علیهم خروجهم فلم ینههم ذلک عن النّهوض والشّخوص الینا خلافاً علیهم فَارْحَمْ تِلْکَ الْوُجُوهَ الَّتی غَیَّرَتْهَا الشَّمْسُ وَارْحَمْ تِلْکَ الْخُدُودَ الَّتی تُقَلَّبُ عَلى قَبْرِ أبی عَبْدِاللهِ عَلَیْهِ السَّلامُ وارحم تلک الاعین التی جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلک القلوب التی جزعت واحترقت لنا، وارحم تلک الصّرخة التی کانت لنا اللهم انّی استودعک تلک الانفس وتلک الابدان حتى ترویهم من الحوض یوم العطش، فما زال صلوات الله علیه یدعو بهذا الدّعاء وهو ساجد فلمّا انصرف قلت له : جعلت فداک لو انّ هذا الَّذی سمعته منک کان لمن لا یعرف الله لظننت انّ النّار لا تطعم منه شیئاً ابداً والله لقد تمنّیت انّی کنت زرته ولم أحج، فقال لی : ما أقربک منه فما الَّذی یمنعک من زیارته یا معاویة لا تدع ذلک ، قلت : جعلت فداک فلم أدر انّ الامر یبلغ هذا کلّه ، فقال : یا معاویة ومن یدعو لزوّاره فی السّماء اکثر ممّن یدعو لهم فی الارض، لا تدعه لخوف من أحد فمن ترکه لخوف رأى من الحسرة ما یتمنّى انّ قبره کان بیده (أی تمنّى أن یکون قد ظلّ عنده حتّى دفن هُناک) أما تُحبّ أن یرى الله شخصک وسوادک فیمن یدعو له رسول الله وعلیّ وفاطمة والائمة المعصومون (علیهم السلام) امّا تحبّ أن تکون غداً ممّن تصافحه الملائکة ، امّا تحبّ أن تکون غداً فیمن یأتی ولیس علیه ذنب فیتبع به ، أما تحب أن تکون ممّن یصافح رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) .



المصدر : القیادات الشیعة

بين شمسين

$
0
0
بين شمسين

منتظر الشريفي
حين نتأمل في حديث إمامنا المهدي عليه السلام كما ورد في النصوص المروية (وامّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الإبصار السحاب واني لأمان لأهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء) يتبادر إلى أذهاننا تساؤلات كثيرة عن وجه المقارنة…

حين نتأمل في حديث إمامنا المهدي عليه السلام كما ورد في النصوص المروية (وامّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الإبصار السحاب واني لأمان لأهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء) يتبادر إلى أذهاننا تساؤلات كثيرة عن وجه المقارنة بين إمام عظيم غائب وسبب تشبيه نفسه بالشمس اثناء غيابها، الأمر الذي يلزمنا التعرّف بداية على مهام الشمس في وضعها الصحو والغائم، من ثم وجه الاشتراك والاختلاف مع إمامنا الغائب عليه السلام.
يعتقد الباحثون في مجال الطبيعة انّ للشمس عطاءً هاما تغدقه بضيائها ونورها على الأرض من حيث عملية الغذاء للنباتات وتكوين مادة الكلوروفيل وما تسهمه في نموها، فيما يمثّل النبات العنصر الغذائي الأساسي للحيوان والإنسان على حد سواء إضافة إلى تكوين أشعة الشمس فيتامين دي في أجسامنا، بل وتعتبر المطهر الأول من المكروبات والعفن الذي قد يصيبنا تحت ظروف فقدان أشعتها، كما تساعد أشعة الشمس على التخفيف من الإكتئاب، فهي ترفع مستويات الهرمونات الطبيعية المضادة للإكتئاب.. فضلا عن أمور أخرى.
لكن هل كانت ستتوقف الحياة على الأراضي التي لا تسقط عليها أشعة الشمس كبلدان شمال آسيا أو أوربا وأمريكا إلاّ إسقاطات قصيرة جدا في السنة وقد تمر أشهر دون اشراقة ساطعة، وإلاّ القليل من النور الذي يصح القول عنه بانه كما لو صدر من شمس غيبها السحاب، ولربما سيجيب أحدهم انّ الحياة ستستمر لكن بنوع من الكآبة.

وما يعنينا هنا هو غياب الشمس البشرية التي ترسل عطاءها للكون أجمع عبر كرامات الهية جسّدها الخالق بعبده الحجة على خلقه، إذ لا تخلو الأرض من حجة له تعالى على البشر كي لا يحتّج العبد على ربه بعدم علمه بالشرائع السماوية، وهل يصح بعد إتمام الدين على قلب الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد آلاف الأنبياء أنْ يرحل هذا النبي العظيم والإنسان الكامل ولا يتم تطبيق شريعته من قبل إنسان آخر عظيم على سائر البشر وشريف بالتكوين؟ وهل يصح من بعد كل هذا التطور الإنساني فقدان الحجة الذي جعله الله في الأرض؟ فنجد الإمام الباقر يؤكد على دور الخليفة ويقول : (لو بقيت الأرض يوماً واحداً بلا إمام لساخت الأرض بأهلها، ولعذّبهم الله بأشدّ عذابه.. إنّ الله تبارك وتعالى جعلنا حجّة في أرضه وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا بأمان من أنْ تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم ثمّ لا يمهلهم ولا ينظرهم، ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه، ثمّ يفعل الله تعالى بهم ما شاء وأحبّ) وهذا أيضاً خير دليل على أهمية وجود الخليفة المعصوم في كل الأوقات الذي هو المصداق الأول للرحمة الإلهية وعدم فناء الأرض بوجوده المبارك، الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها ولانتهت معالم الحياة فيها، لكنّه هو الذي يقود البشرية إلى مرابع العدل والقسط الإلهي وينير دروبهم باتجاه الخالق تعالى برغم غيبته الظاهرية.
فيا ترى اي إنسان هذا وأي خليفة هو، وأي إمام ينهض بالعالم إلى أعلى درجات الإيمان والتقوى ويسحق الظلم والكفر والإلحاد بالفكر والإيمان والرحمة -والقوة ان تطلبت في مواضع معينة- بل ويصنع للبشرية حضارة لم يسبق لها مثيل من التطور الروحي والمادي الذي من شأنه تكوين المجتمع السعيد في دولة عالمية موحدة اصلها التوحيد لله في زمن وعد به الخالق تبارك وتعالى فقال: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
وبعيدا عن الاثباتات يبقى وجه الانتفاع هنا بأشعة وضياء شمس الإمامة برغم احتجابها بسحاب الظلم والفساد انتفاع أعظم من عطاء شمسنا المادية بل ان الحياة التي تستمد قواها من الإنسان الخليفة المهدي أولى بها ان تحيا بالحب والثناء والامتنان لهذا الرجل الموعود.

شرح زيارة آل ياسين/ الحلقة الخامسة

$
0
0
شرح زيارة آل ياسين/ الحلقة الخامسة

ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة (...وَدَيَّانَ دِينِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ اللهِ وَنَاصِرَ حَقِّهِ).
الفقرة الشريفة تتحدث عن القاضي والحاكم…

ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة (...وَدَيَّانَ دِينِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ اللهِ وَنَاصِرَ حَقِّهِ).
الفقرة الشريفة تتحدث عن القاضي والحاكم الذي يفسره اللغويون للفظة الديّان، ولا يكتمل المعنى لهذا المصطلح بشكل وافٍ إلاّ بما يضاف إليه، وقد أضافته الزيارة المباركة بعد أنْ جعلت الإمامة باب الله الحصري والوحيد فأردفته بأنّه ديّان دين الله فسلّمت على الإمام بـ(السلام عليك يا ديّان دينه)، فأضافت الديّان إلى الدين وأضافت الدين إلى الله سبحانه وتعالى، فالإمام عليه السلام كما هو باب الله الوحيد، كذلك هو الحاكم على الدّين والقاضي بأمر الدّين، وهذه النسبة من الديّان إلى الدين إلى الله سبحانه وتعالى وبملاحظة معنى الديّان تعطينا مفهوماً يؤكّد الحقيقة العقائدية التي يؤمن بها أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام من أنّ الصلاحيات الممنوحة للإمام عليه السلام في إدارة الشأن الديني وحاكميّته على الدين صلاحيات مطلقة وتخويل إلهي لا حدّ له إلا حدّ الله سبحانه وتعالى، فكل أمر ديني وكل شأن ترجع نهاياته إلى القضايا الدينية، سواء أكانت في بعدها العقائدي، أو العبادي، أو الأخلاقي، فإنّ الذي يفصل النزاع فيها إن كان _والذي يقدم الحكم فيها للسائل_ إن كان، بل الذي يبين ذلك إبتداءً هو الإمام عليه السلام.
هذا من الجانب الفكري التنظيري لهذا المفهوم، أمّا من الجانب الإثباتي والعملي فقد زاوله أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ومارسوه طيلة فترة معايشتهم الأئمة عليهم السلام بل وحتى عند غيبة آخرهم عليهم السلام فأنّهم كانوا لا يأخذون الأحكام إلاّ منهم عليهم السلام إيماناً منهم بأنّ أهل البيت عليهم السلام هم ديّانو دين الله وحكّامه وقضاته، وتعلل الفقرة التالية التي تحدثت عنها الزيارة المباركة وتؤكد ما تقدم إذْ قالت: (السلام عليك يا خليفة الله)، فبعد أنْ ثبتّت الفقرة الأولى انّ الإمام عليه السلام هو الباب الحصري والحاكم الوحيد والقاضي الفريد، جاءت لتعطي بعداً ثبوتياً وحالة تعليلية لهذه المعاني المتقدمة، فإنّ القاضي والحاكم الإلهي والباب الحصري لله هو ذلك المجعول خليفة لله تعالى من قبله، فركّز معنى الخلافة المعاني المتقدمة وأعطاها بعداً برهانياً لإثبات ما تقدم، بل وما سيتفرع عليها من صفات، حيث قال في المقطع الذي يتلوه (وناصر حقّه)، فإنّ من الطبيعي أنْ يكون خليفة الله والمعيّن قاضياً وحاكماً عن الشأن الإلهي، لابدّ أنْ يكون المتفرع على هذه الوظيفة والصلاحيات ناصراً لحق الله ومدافعاً عنه، ولا يمكن أنْ يتصور في حقّه أنْ يحيد عن نصرة الحق الإلهي، مهما كانت السياسة في إدارة البلاد والعباد تقتضي ذلك.

لانّ وظيفته إنّما هي نصرة الحق الإلهي، وهذا واحد من المعاني التي يؤمن بها أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في عصمة أئمتهم، وأنّهم رغم اختلاف الظروف السياسية التي كانت تحيط بهم، ورغم تمكنهم من إدارة الشأن السياسي والإداري والمالي للأمّة الإسلامية، وإمكانيتهم في أنْ يتصدّوا لتلك الشؤون إلاّ أنّهم لم يحيدوا لأجل هذه الأمور عن نصرة الحق الإلهي.
وقد أكدت بعض الروايات الشريفة هذه المعاني عندما نصت رواية رويت ليس في مجامعنا الحديثية فقط، وإنما في مجامع أبناء العامّة من أنّ المهدي عليه السلام هو خليفة الله، وأنّ النبيصلى الله عليه وآله وسلم في رواية ثوبان عنه قد أمر باتباعه ومبايعته عليه السلام تعليلا لخلافته عن الله، بينما جاءت روايات أخر لتؤكد لنا ان رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم كان يخاطب أمير المؤمنين عليه السلام: (يا علي أنتَ ديّان هذه الأمّة...)، هذا فضلاً عمّا ورد من مثل هذا المضمون في الأدعية والزيارات.

النزعة اليونانية أو الهيلينية

$
0
0
النزعة اليونانية أو الهيلينية

اسماعيل شفيعي سروستاني
لقد استولى الجيش المقدوني غير الأنيق بقيادة فيليب والإسكندر على اليونان، ومن ثم تحرك الروم وحولوا اليونان إلى إحدى مقاطعات روما.
وعلى إثر امتزاج الثقافة اليونانية والثقافات الأخرى، نشأت ثقافة ثالثة كانت قائمة أساسا على ثقافة اليونان، ولذلك كانت تدعى "النزعة اليونانية" أو الهيلينية و +67عغ لراجت على إثرها اللغة وسائر الشؤون اليونانية ...

اسماعيل شفيعي سروستاني
لقد استولى الجيش المقدوني غير الأنيق بقيادة فيليب والإسكندر على اليونان، ومن ثم تحرك الروم وحولوا اليونان إلى إحدى مقاطعات روما.
وعلى إثر امتزاج الثقافة اليونانية والثقافات الأخرى، نشأت ثقافة ثالثة كانت قائمة أساسا على ثقافة اليونان، ولذلك كانت تدعى "النزعة اليونانية" أو الهيلينية و +67عغ لراجت على إثرها اللغة وسائر الشؤون اليونانية، واكتسبت هذه المدن أهمية ثقافية بعد ما كانت تكتسي في البداية أهمية تجارية أو عسكرية. وسادت النزعة اليونانية كلا من مقدونيا وسورية ومصر والعديد من البلدان الصغيرة، واستحدثت مراكز ثقافية مهمة.
إن بسط وانتشار "النزعة اليونانية" طال كالمرض المعدي، العديد من المناطق بما فيها فلسطين والأراضي التي كان يقطنها اليهود.
وكان لخلفاء الإسكندر دور بارز في توسيع هذه النزعة اليونانية التي كانت في العصر القديم ضربا من "الانبهار بالغرب"، وهذا التأثر لم يكن في حدود الفكر الاجتماعي أو الفلسفي فقط إنما كان له أثر أيضا على الأوجه الثقافية والمدنية المختلفة للجماهير التي خضعت لهذه الثقافة. وحاول اليهود بسبب تعصبهم الديني وشريعة التوراة، حماية أنفسهم من نفوذ اليونانيين، لكن الثقافة اليونانية نفذت أكثر فأكثر بين اليهود إبان الحكم السلوكي المتشدد، واكتسب الحزب الذي كان يوالي اليونانيين، نفوذا بالغا، وأصبح أحد قادته وهو "ياسون"  كبير كهنة اليهود، وشيد حسب الطقوس اليونانية، ملعبا رياضيا و أرغم الشبان وبما يتناقض مع المعتقدات اليهودية، على ممارسة الرياضية وهم شبه عراة. 
إن أحداثا كهذه، لم تكن محبذة لدى اليهود التقليديين. وفي عام 175 قبل الميلاد، تولى "انتيوخوس ابيفانس"  السلطنة في سورية واستخدم القوة لنشر الثقافة اليونانية. ونهب معبد اليهود وحول مذبح اليهود إلى مذبح "زيوس" ومنع إقامة الطقوس الدينية اليهودية. وهذه القيود تبعتها ردات فعل.
لقد ثار المؤمنون اليهود بقيادة "مكابين"  وحصلوا عام 165 قبل الميلاد على الحرية الدينية وبعد سنوات على الحرية السياسية. وبعد ذلك انقسم اليهود إلى قسمين. الموالون لليونان الذين تحولوا إلى الصدوقيين والموالون لليهود أو "أتقياء عصر مكابي" ممن بقوا أوفياء للتقاليد اليهودية وعرفوا بأصحاب الفريسة. لكن نهضة اليهود لم يكتب لها الدوام والبقاء ... وما لبثت سلالة مكابي أن سقطت وعين هرود الكبير سلطانا من قبل الرومان. و "هرود" كان أصلا من أهالي "ادومية" والتحق لاحقا باليهود، وكرم الثقافة اليونانية باطنيا وسعى جاهدا في نشرها وتوسيعها ودعم إقامة الألعاب الأولمبية في فلسطين. وفي الوقت ذاته ومن أجل خداع اليهود التقليديين، اهتم ببناء وزخرفة معبد أورشليم، لكن اليهود كانوا واعين وثاروا ضد الروم حتى بدء التشرذم الكبير عام 70 قبل الميلاد وقدموا  الكثير من الضحايا.




الروم
على الرغم من أن الرومان استولوا على الدول الخاضعة لسلطة اليونان، لكنهم هزموا أمام ثقافة ومعرفة اليونان، وخضع النظام الأخلاقي للروم وثقافتهم وأفكارهم المعنوية وممارساتهم، لتأثير الثقافة والحضارة اليونانية. وأصبحت اللغة اليونانية، اللغة الرسمية للتعليم والتربية وحتى أن الكتاب والمؤلفين، ألفوا كتبا باللغة اليونانية. وقلد الفنانون في فن العمارة والرسم والنحت، الفنانين اليونانيين وتوظف المعلمون اليونانيون لدى الروم.
إن الفتوحات التي قام بها الرومان، لم تحقق لهم نتيجة سوى التفسخ الخلقي والفساد والصراع الطبقي. فالثروة والسلطة أفسدتا الروم لدرجة أن تقاليد الأكل والطعام والملبس والعصيان، معروفة إلى الآن لدى القاصي والداني. وكان تأسيس ميادين الاستعراض وقتال المجالد (الغلادياتور) والمجازر ضد الرقيق وإقامة السيركات واستعراضات القتال بين الإنسان والوحوش في ساحات القتال، من عادات وتقاليد الرومان الأثرياء وما يسمون بالأحرار.
إن الثراء الفاحش والرخاء الناتج عنه، جعلا الرومان يغوصون في وحل التحلل الخلقي. وتلازم تكدس الثروة والثراء مع الانحطاط الديني. ويقول بوليب بهذا الخصوص:
إن معظم الروم يمرون اليوم بحالة من الفوضى الأخلاقية الرهيبة ... وكان بعض القادة يبيعون الإجازات للجنود. وتراجعت الفضائل الأخلاقية لدى الأريستوقراطيين والنبلاء. وتزايد الطلاق. وزالت مكارم الأخلاق. وأصحبت ظاهرة بيع وشراء الأصوات والرشوة في الانتخابات تمارس في العلن.
إن الشعور بالاستغناء والرخاء، أبرز الحاجة إلى الترفيه والتسلية وتحولت ضخامة الأجسام وقطر الأذرع إلى أمنية وحيدة لهؤلاء الناس المترفين.
وكانت الساحات الرياضية، المكان الوحيد الذي يلبي هذا الطموح الشيطاني ويستجيب لمطالب لهؤلاء المترفين والنبلاء الروم الغارقين في الثراء والنعيم.
ويشير تقرير ويل ديورانت عن هذه المسابقات الرياضية إلى وضع التربية البدنية والميول العامة لسكان الروم نحو الرياضة الحرفية والمسلية:
كان المتسابقون الذين في معظمهم من المحترفين والغرباء، يشاركون في مسابقات العدو، وكانوا يرمون القرص ويشاركون في المصارعة والملاكمة. إن أهالي الروم الذين كانوا قد اعتادوا على الاستعراضات الدامية للمجالدين (الغلادياتور)، قلما كانوا يبدون رغبة وحرصا تجاه المسابقات الرياضية، لكنهم كانوا يستمتعون بمسابقات المراهنة على المال والتي كان يشارك فيها اليونانيون العمالقة وهم يرتدون قفازات حديدية يصل قطرها إلى ثلاثة أرباع الإينش ويقاتلون حتى الموت... .
وكان الإمبراطور والملكة والسيناتورات النهمين الذين لم يكن يعرفون سوى الإسراف والتبذير، يجلسون لمشاهدة القتال بين الرجال والحيوانات وكانوا يستمتعون ويلتذون بالدماء التي ينزفها المجالدون.
وفي هذا الخضم كان الناس البسطاء والعاديون، منهمكين في تحضير ساحة القتال والمراهنة. بحيث أن ثروة طائلة كانت تنتقل من شخص إلى آخر طوال اليوم. واليوم وبعد مضي عشرات القرون، يمكن سماع صوت زغاريد المراهنين وصراخ المجالدين الجدد من حلبات الملاكمة الحرفية والمصارعة الحرة غير المقيدة.

المجالدون والرياضات الرومانية
إن الوقائع المهمة كانت عبارة عن قتال المسلحين والقتال بالسلاح الأبيض أو الجماعي والمحاربون وأسرى الحرب والمجرمون المدانون أو الرقيق المتمردون. وكان حق الفاتحين تجاه قتل أسراهم في أرجاء العالم القديم، مقبول بشكل عام، وكان الروم يعتبرون أنفسهم عظماء وكبارا وبذلك كانوا يمنحون الأسرى فرصة لكي ينقذوا حياتهم في الميدان. وكان يؤتى بالأفراد المدانين بجريمة القتل من أرجاء الإمبراطورية إلى روما ويرسلونهم إلى مدرسة المجالدين وبعد ذلك إلى المسابقات القتالية. فإن قاتلوا بصورة استثنائية وببسالة كان من الممكن أن يفرج عنهم فورا؛ وإن بقوا على قيد الحياة بعد القتال كان عليهم القتال ثانية وثانية في أيام العطل. وإن بقوا لثلاث سنوات كانوا يتحولون إلى عبيد ... وكانت هذه المدارس موجودة في روما قبل أكثر من 105 أعوام قبل الميلاد. وفي عهد الإمبراطورية كانت هناك  أربع مدارس في روما وعدة مدارس أخرى في إيطاليا ومدرسة واحدة في الإسكندرية.
وفي عصر القيصر، كان الأثرياء يملكون مكاتب خاصة، يتم فيها إعداد وتنشئة العبيد لكي يصبحوا مجالدين. والأشخاص الذين كانوا يتخرجون من هذه المكاتب، كانوا يستخدمونهم كأفراد حماية في وقت السلم وكمساعدين في وقت الحرب أو إنهم كانوا يؤجرونهم للقتال في المآدب الشخصية أو للمشاركة في المسابقات القتالية... .
وفي ساحة قتال المجالدين؛
إن كان أحد يُصاب بشدة في القتال المنفرد وجها لوجه، كان مشرف المسابقات، يستطلع آراء المشاهدين. فإن أشاروا بإصبع الإبهام إلى أعلى أو لوحوا بمناديل كان ذلك علامة العطف والرحم وإن أشاروا بالإبهام إلى أسفل كان ذلك يعني أن الغالب يجب أن يقتل المغلوب. وكل مقاتل كان يبدي كرهه من الموت كان يثير سخط الجمهور وكان يضطر لإبراز الشجاعة باسياخ ساخنة. وكان القتل الأكثر يعرض عن طريق القتال الجماعي إذ كان ألوف الأشخاص يقاتلون فيه بوحشية ... وكان عبيد يقاتلون بملابس خاصة وقضيب حديدي باليد يطعنون به الذين يسقطون على الأرض لكي لا يكونوا تظاهروا بالموت.
وكل هذه الفظاعات والاعتداءات لم تطال الإنسان فحسب بل ان الحيوانات كأشياء تحولت إلى وسيلة لترفيه وتسلية هؤلاء الطغاة. الكائنات فاقدة الإرادة التي أصبحت لعبة وكانت تذبح في مسلخ ساحات قتال المجالدين.
إن عروض الوحوش والقيام بعمليات استعراضية مع الحيوانات كانت أبسط واقعة تعرض في المدرجات الرومانية، لدرجة أن:
قتال الثور مع الإنسان والذي كان سائدا لمدة في كريت وتسالي، جئ به إلى روما من قبل القيصر وكان يعرض غالبا في المدرجات الرومانية. وكان المجرمون المدانون الذين يتم تلبيسهم جلود الحيوانات ليتشبهوا بها، يلقون أمام الحيوانات المفترسة التي كانت قد أبقيت جائعة حتى تلك الفترة تعمدا. وفي هكذا حالات، كان يحصل الموت بمعاناة وألم وكانت الجروح عميقة لدرجة أن الاطباء كانوا يستخدمون هؤلاء الأفراد للدراسة التشريحية الباطنية.
إن السيرك الروماني وإجراء سباق العربات كان يعتبر من أكثر نماذج الغفلة وإرضاء النزوات والطبيعة الحيوانية الاثارة للجدل لسكان روما. وثمة عبارة جميلة ل "إدوارد غيبون" في هذا الخصوص، إذ يقول:
يمكن العثور على مفارقة أساسية ومهمة في مسابقات ورياضات العصور القديمة: لقد كان اشهر الرومان، لاعبين وأكثر الرومان تفوقا، متفرجين فحسب. وكان ملعب الأولمبيك مفتوحا أمام الاغنياء والمترفين وطلاب الجاه والنعمة.
وكان سباق العربات من أكثر الرياضات اثارة وتهييجا. وكان رجال من أصحاب العضلات المفتولة يستقلون عربات ويرتدون ملابس زاهية، يدخلون الساحة ليكونوا في مسابقة صاخبة وسيلة لتسلية طلاب الاثارة والمتعة والتنوع والاموال المتاتية من المراهنات.
کانت عشر او عشرون او  أربعون عربة تنطلق في آن معا، من مكان الانطلاق. وكان تاج من الورق، جائزة الفائز، وكان اسمه واسرته وبلاده، يوضع بين ابيات وغزليات المطربين والمغنين ليصح أكثر خلودا وبقاء من اي صرح ونصب مشيد من الرخام والنحاس الاصفر ... وكانت السباقات الرومانية تقام على نفقة الجمهورية وأصحاب الصلاحيات او الإمبراطوريين الا ان لجام الجياد، كانت بيد الرقيق.
إن هذه المسابقة التي كانت تقام للتسلية والترفيه وارضاء الشهوات والنزوات، لم تكن لتنته من دون صخب وجلبة ونزاع بحيث انها اثارة ضجة كبيرة ذات مرة اضطرت فيها القسطنطنية لدفع ثمن باهض ازائها.
إن شرح هذه الحادثة، يكشف الكثير من النقاط. ويقول ادوارد غيبون في هذا المجال:
لقد وقعت فتنة على إثر الكراهية المتبادلة والمساومة الفورية بين الفريقين المتخاصمين كانت القسطنطنية على إثرها على وشك ان تتحول إلى رماد.
إن المنافسة والجدال بين أنصار الالوان الحمراء والخضراء والزرقاء والبلوى الناتجة عن هذه المنافسات، قضية تستحق الاهتمام في رياضات روما القديمة التي انتقلت إلى العالم الحديث وهي تحاول احياء تقاليد الرياضة القديمة. ويكتب ويل ديورانت في وصف الألعاب او المسابقات البطولية في حياة الرومان ما يلي:
لقد كان للفرسان وسائقو العربات وعربات كل اصطبل، ملابس محددة بلون محدد أبيض وأخضر وأحمر أو ازرق؛ وعندما كان موعد هذه المسابقات يقترب، كان جميع الرومان ينقسمون إلى فرق تحمل أسماء تلك الألوان لاسيما الأحمر والأخضر...
وفي يوم محدد، كان 180000 امراة ورجل يذهبون إلى مضمار سباق الفروسية العظيم وهم يرتدون ملابس ملونة. وكان اهتياج الناس يبلغ مرحلة الجنون والهوس.
وكان المتشجعون المتحمسون يشمون روث الحيوانات لكي يتيقنوا بأن جياد العربات قد تناولت الطعام بصورة صحيحة.
ويمكن اعتبار هذه الثقافة والحضارة بأنها مثال بارز على ظهور "النفس الامارة لدى الإنسان". وكما يقول مؤرخ ومؤلف "تاريخ روما" فإن الرومان لم يكن يريدوا من الإمبراطوريين شيئا سوى التغذية والتسلية. ومن أجل اظهار التبعات البغيضة للفتوحات في حياة الرومان، يقول المؤرخ الرومي "سالوست"  :
وبعد هذا، فإن حياة الشبان كانت عبارة عن: الاختطاف والتمزيق وإتلاف المال والطمع بمال الآخرين والدوس بالأقدام على الأعراض والنواميس والاستهزاء بالشرائع الإلهیة والوضعية ومغادرة الاحترام والتعفف والأدب.
ونختتم هذا القسم بعبارة من "جوفنال" الشاعر الأوروبي الشهير. العبارة التي تبرز خلاصة وجوهر آمال وتمنيات الغرب في العصر القديم:
إن الرومان الذين كانوا يهبون للآخرين، ماضي الحكم وأسباب الرئاسة وقيادة الأفواج وسائر الافتخارات؛ ليست لديهم اليوم أمنية سوى تحقيق شيئين: الخبز واللعب.
نشأة المسيحية
إن "التفكير الفلسفي" وبجانبه بعض آراء الفلاسفة التي كانت تركز على النصيحة وإصلاح أخلاق الناس (الفلاسفة الرواقيون)، لم تكن قادرة على الحد من الضياع الثقافي المدمر؛ لأن مجموعة المعتقدات اليونانية وبمبادئها العقائدية الخاصة التي أتينا على ذكرها سلفا، أغرقت الغربيين في وحل من الاستكبار والتكبر. بمعنى أن غياب المنهج والمسلك المعنوي والمبسط والقابل للفهم من قبل الجميع، أوصل هؤلاء إلى طريق مسدود وأزمة خانقة، إلى ان ظهر عيسى المسيح عليه السلام، وذلك في عصر رهيب كهذا وفي ظل حكومة فاسدة ومنحطة إلى هذه الدرجة.
ويجب القول بإيجاز بأن اليهود لاسيما فرقة الفريسيون ممن عرفوا أنفسهم على أنهم من منتظري المسيح، لم يملكوا معتقدات موحدة حول هذا النبي المختار.
لقد كان البعض يأمل بأن يقطع المسيح دابر الرومان الذين كانوا منبوذين لدى الشعب، والبعض الآخر كان يدعو الشعب إلى تطهير الروح والتوبة والعودة عن المعاصي والموبقات لكي يكون جميع الناس أطهار وصلحاء أثناء ظهور المسيح، مثل جان بابتيست  الذي كان يُعمّد الناس في نهر الأردن... وكان يعظ الناس في صحراء اليهودية ويقول: توبوا، لأن ملكوت السماء آت ... .
وفي هذا الزمان، كان الرومان يواجهون اضطرابات وفوضى عارمة وحسبما يقول مؤلف كتاب "تاريخ الفكر الاجتماعي":
في بحبوحة هذه الاضطرابات [في روما] تشكلت نهضة المسيحية.
وعلى الرغم من أن المسيحية أمضت ثلاثة قرون متتالية في صراع مع اليهود واليونانيين والرومان إلى أن قبلت في أوروبا كفكر اعتقادي وثقافي جديد، لكن هذا النظام لم يكن بمأمن عن أثر الثقافات التي سبقته وحقد بني اسرائيل. لدرجة أنه ابتعد عن المبادئ الفكرية الأخلاقية للمسيحية الأصيلة وتحول إلى قشرة بعيدة عن الماهية.
إن الأذى الذي كان يمارسه الرومان ضد اليهود تسبب بتشتتهم وبعثرتهم. فضلا عن أن هذا التشتت أدى بعد دمار أورشليم إلى المزيد من التمازج بين الثقافتين اليونانية واليهودية.
بفضل التمازج الثقافي، ظهر من بين اليهود المشردين، فلاسفة بمن فيهم فيلون الإسكندراني الذي كان يحظى بمنزلة رفيعة. وسعى فيلون جاهدا لمزج الأفكار العبرانية واليونانية معا.
إن الإيذاء المتواصل الذي تعرض له اليهود على يد الرومان أدى إلى ميلان اليهود نحو الثقافة والحضارة اليونانية من جهة ونشأة حالة انتظار ظهور المسيح لديهم من جهة أخرى. 
إن أكبر مدينة في منطقة الجليل والتي كانت تسمى "صفورية" وكانت تقع بالقرب من الناصرة، احترقت بنيران غضب الرومان بسبب طغيان يهود الجليل وأعدم فيها ألفا يهودي.
إن هيمنة الرومان وإرساء أسس حضارتهم، زعزع المبادئ القديمة وقوض أكثر فأكثر قدرة الدين.
وفي أعقاب هذه السلطة، دخل المسيحيون الناشئون في صراع مع الإمبراطوريين الرومان وتعرضوا للأذى لأكثر من ثلاثة قرون. إن إيذاء وقتل المسيحيين انتهيا عندما وجد الإمبراطور "كنستانتين" المسيحية بأنها ملائمة لمآربه وأقرها كدين رسمي للحكم الروماني.
وتواصلت الألعاب الأولمبية في عصر هيمنة الرومان على أوروبا، لأن الفكر والثقافة الرومية لم تكن في تناقض مبدئيا مع ثقافة عصر الكلاسيك اليوناني، إلى أن:
في القرن الرابع عشر للميلاد، وصلت الإمبراطورية إلى تيودوسيوس. وتيودوسيوس الذي كان مسيحيا مؤمنا ومتأثرا بكبير أساقفة ميلان (امبروواز)  كان يتألم من الضياع والتفسخ الخلقي لدى الرومان وما تبقى من اليونانيين وتقاليدهم المشوبة بالشرك. لذلك منع مراسمهم وأوعز بإغلاق معابدهم.
ويكتب إدوارد غيبون في هذا الخصوص:
إن زوال الوثنية الذي حدث في عصر تيودوسيوس، يمكن اعتباره النموذج الوحيد على الاستئصال المطلق للخرافة القديمة وعبادة الأوهام.
وكان تيودوسيوس قد أمر في قرار أصدره إلى والي حراس الإمبراطورية الشرقية واثنين من أمراء جيش الشرق ب:
إغلاق المعابد، ومصادرة أو تدمير أدوات ووسائل عبادة الأوثان. وإلغاء امتيازات الكهنة ومصادرة الأموال الموقوفة لصالح الإمبراطورية والكنيسة والجيش.
ومع إغلاق المعابد وتحريم تقديم القرابين للأرباب والآلهة، حظرت أيضا مشاركة الرياضيين بأجساد عارية والتي كانت تعتبر مكروهة.
لقد اتخذ امبروواز قرارا حاسما بالغاء هذه الألعاب وأصدر الإمبراطور القرار اللازم بتعطيلها. ويجب فهم إلغاء المسابقات القديمة للرومان برحابة صدر وحرية تفكير إلى حد ما.
إن اإافراط في بناء الأجسام وتلازم الرياضة مع اللهو واللعب، أدى إلى زوال هذه الألعاب.
وفي هذا القرن اعتبر الإمبراطور المسيحي هذه النزوة واللعب بأنهما شرك وإلحاد وأوعز بإحراق معبد زيوس. 
بدء القرون الوسطى
تحول الأساقفة منذ عام 395 للميلاد إلى الرؤساء الأصليين للبلاد ووضعوا يدهم على القضاء وتربية الشباب والتوجيه السياسي والاجتماعي لأوروبا.
وفي أواخر القرن الخامس، تغير وضع أوروبا كليا وانهار على إثر هجوم وغلبة المهاجرين. وكانت نتيجة ذلك، الدمار والركود وتراجع العلاقات المادية والمعنوية لأوروبا في القرن الخامس إلى السادس للميلاد.
وربما نستطيع القول بأن المسيحية الأولى أرسيت في الفترة من القرن الثالث إلى الخامس للميلاد على أساس الثقافة والمدنية الرومية، ونالت نصيبا منها. لكن تغير الأوضاع في القرن الخامس زعزع أركان الثقافة والمدنية الأوروبية لدرجة انه أصبح لابد من بناء صرح جديد على أنقاضها. العمارة الحديثة التي استفادت من المسيحية ازيد من القرون السابقة وتقبلت لون هذا الاعتقاد. لكن أسبابا عدة منها:
•    تلطخ المسيحية بالثقافة اليونانية؛
•    سيادة البدويين والغزاة؛
•    اهتمام أرباب الكنيسة بظاهر الدين والغفلة عن المبادئ والتعاليم الدينية؛
•    التفسخ الخلقي والحرص على الدنيا لدى بعض زعماء الكنيسة. شكل عقبة كأداء أمام نمو وبقاء الثقافة والمدنية التي كان يمكن ان تشكل نقطة فارقة بين الثقافة اليونانية والرومية والمسيحية المشركة. ومع ذلك، فإن نبراس العلم والمعرفة والفكر ظل مستنيرا على قاعدة الثقافة الدينية للكنيسة والمفكرين المسيحيين رغم جلبة القرون الخامسة إلى العاشرة للميلاد.
وبرغم الدعاية الخاصة التي مارسها أنصار المذهب الإنساني ومثقفو عصر حركة النهضة ضد القرون الوسطى، فإن الكتاب والمؤرخين المنصفين الاوروبيين، لا يملكون رؤية متقنة مائة بالمائة تجاه هذا العصر:
في مطلق الأحوال، فإن المجتمع الغربي في القرون المظلمة لم يغلق الباب تقريبا على المواهب، لاسيما وإن أصحاب موهبتين، كان بوسعهم ترقية أنفسهم إلى مرتبات أعلى، الأولى الموهبة الفكرية والإدارية العليا التي كان يكتسبها الفرد من خلال انخراطه في الكنيسة والأخرى الموهبة الحربية العليا خاصة إن كان أصحابها قادرین على الانسجام والمساومة مع الأوساط الرياضية الرجالية، كانتا ستجعلان الأفراد ينخرطون في الطبقة الحاكمة وتصنعا ن منهم "نبلاء". فالطريق الأول كان مفتوحا طوال فترة القرون الوسطى، لكن الطريق الثاني كان مفتوحا في عهد مروفنجرين وكارولتجرين، لكن كلما ابتعدنا عن القرون الوسطى، كان سلوك هذا الطريق يصبح أصعب فأصعب.
إن المؤرخين المغرضين والمثقفين من أنصار المذهب الإنساني، وبسبب كرههم للفكر الديني والثقافة الدينية، كلما أتوا على ذكر "القرون الوسطى" يعتبرونها عصر الظلمات وعصرهم العصر الزاخر بالنور لكن لا يخفى بأنه ذلك النور المرتبط بالتفكير السطحي والنزعة الظاهرية في مقابل التفكير المعمق والاهتمام بالمغيبات.
ويعطي البر مالة والعديد من المؤرخين والمفكرين الأوروبيين رأيا مختلفا عن القرون الوسطى. ويتطرق ماله إلى وضع العلوم والمعرفة في هذا العصر فيقول:
منذ القرن السابع عشر وحتى العصور المتأخرة، كانت القرون الوسطى تعتبر عصر الجاهلية وذلك بسبب بعض الموهومات واتباع القدماء وقصور العقول عن درك الأفكار غير اليونانية وغير الرومانية، لكن هذه الدورة كانت تتمتع في الحقيقة بمدنية خاصة منذ القرن الحادي عشر فصاعدا، إذ بلغت كمالها في القرن الثالث عشر وجعلت من فرنسا مركزا لها. ومنذ أن انتعشت الشؤون الاقتصادية، حصل توسع وانتشار في العلوم والفنون، بحيث تزايد عدد المدارس وأسست دور العلم (افتتحت حفرة دار العلم في النصف الأول من القرن الثالث عشر) ... إن حضارة القرون الوسطى وكما هو معلوم من إرهاصاتها، كانت مظهرا للنصرانية وهذه هي ميزتها وصفتها المميزة ... .
إن درك الوضع العام لأوروبا القرون الوسطى ونوعية علاقاتها الاجتماعية والسياسية، يعد الشرط الأول والضروري لمعرفة الوضع الثقافي والمدني لذلك العصر. بما في ذلك نظامها الاجتماعي الخاص أي "الإقطاع".
إن هذا النظام، حل محل نظام الإمبراطوريين السابق بعد هيمنة المسيحية على أوروبا وهجوم سكان الضواحي على روما، واستولى لقرون على بلاد أوروبا (اتحاد المسيحية الغربي) بوصفه تقليدا ثقافيا.
والملفت هو دور ومكانة الدين لدى ثقافات وحضارة أوروبا القرون الوسطى. وهذه المكانة كانت مختلفة تماما عن ما كان سائدا في العصور الوسطى. ففي القرون الوسطى كانت هناك كنيسة واحدة في أرجاء الغرب، وكان الجميع ينتمي إليها:
لقد كانت الكنيسة والدولة، منفصلتين عن أحدهما الاخر في الغرب بمفهوم ما، لكن هذا المفهوم يختلف تماما عن مفهوم عصرنا الحاضر. وبالنسبة لجمهور القرون الوسطى، كانت الدولة الدينية للبشرية والدولة السياسية، أداتين لازمتين للطرح الإلهي لحماية المجتمع البشري. وكان هذان، سيف الله. وكان هذان السيفان يستخدمان من قبل فئتين مختلفتين من "عمال الله المختلفون" وكانا كلاهما ضروريين.
وهذا الوضع استمر باختلاف طفيف، في أرجاء أوروبا حتى حوالي القرن الثاني عشر الذي شكل بداية حدوث التشقق والتشرذم في الكنيسة. ويقول ويل ديورانت عن كيفية إمضاء أوقات الفراغ في هذا العصر:
لقد خففت الكنيسة عبء المزارع في أيام الأحد والأيام المباركة. لأنها قررت بأن "تقديم الخدمة غير الدينية" في هكذا أيام، يعد من الذنوب. ... وفي هكذا أيام، وبعد أن كان الفلاح يتفرغ من أداء مراسم القداس، كان ينهمك بالغناء والرقص ... وكان الأفراد يشاركون معا أو أفراد قرية مع أفراد قرية أخرى في مسابقات كرة القدم والهوكي والمصارعة ورمي القرص الخشنة.
ولا ننسى بأن اتحاد "السياسة والديانة" وسلطة الكنيسة الكاثوليكية، في هذا العصر أدى إلى يتم تعريف السياسة في ذيل الديانة وإن تكون تابعة لها وإن يستمد مجمل الحكام والملوك، شرعيتهم من قادة الكنيسة.
سلك الفرسان
وفي هذه الدورة – القرون الوسطى- كان ينظر إلى الألعاب كوسيلة للهو والتسلية وتقضية الوقت، ولم تكن لتحظى بمكانة خاصة في نظام التربية وحتى "التربية البدنية". في حين ان التربية البدنية في هذا العصر والتي تمخضت عن ظهور أبطال او فرسان ذائعي الصيت، كانت خاضعة لتاثير التعليمات الدينية وكان يتم تربية تلامذة مدرسة الفرسان تحت التعاليم الدينية لخدمة المعتقدات الدينية، وكانوا يعتبرون ان واجبهم يتمثل في حماية كيان الثقافة الدينية والجغرافيا الترابية لاوربا.
إن سلك الفرسان، قابل للدراسة في تناسب وثيق ووطيد مع الجوهر الثقافي والديني لأوروبا العصر الوسطي. وكما يقول ويل ديورانت:
من التقاليد القديمة للإبداع العسكري لشعب الجرمان هو تلازما مع نفوذ الساراسنيين من ناحية إيران وسورية وإسبانيا وكذلك التصورات المسيحية حول العمالة والشعارات الدينية، نمت ونضجت الفروسية، تلك الظاهرة الناقصة، لكن الشهمة، وبلغت مرتبة الكمال.
إن الفروسية تعد التيار الوحيد الذي يربط "التربية البدنية" بالتقاليد الأخلاقية لأوروبا العصور الوسطى، ويقوم بوصفه تيارا تربويا منتظما، بإعداد أفراد مختارين للمشاركة في سوح القتال لنظام الإقطاع الأوروبي، وكما يشير ويل ديورانت، فإن هذا التيار لا يضرب بإطنابه في البنية الثقافية لأوروبا لكنه تأثر تدريجيا بالعلاقات الثقافية للغرب واكتسب لون ونكهة تلك الديار. بحيث أن سلك الفرسان هو الوجه البارز للتربية البدنية ويعتبر ضربا من "التربية الخاصة للشبان المختارين".
ومع أن الخلافات المحلية والمناطقية وبالتالي الوطنية كانت كبيرة في ثقافة القرون الوسطى، فإن الطبقة الإقطاعية كانت تعيش في أرجاء القرون الوسطى بالطريقة التي كانت فيها صاحبة حصة في ما نسميه نحن البطولة [الفروسية]. إن مجموعة تقاليد البطولة ظهرت على هيئة المعتقدات البسيطة لرجال الحرب بلغت مثلها مثل غالبية الأشياء المتعلقة بالقرون الوسطى، مرحلة الكمال في حدود القرن الثالث عشر.
إن انخراط الشبان في سلك الفرسان، كان منوطا بسلوك مراتب كانت تسهم في إعدادهم وتحضيرهم جسديا ونفسيا.
إن الشاب الذي كان متحمسا للانخراط في سلك الفرسان، كان عليه أن يمر بفترة طويلة من تطبيق قواعد الانضباط الشديد على نفسه. وكان يدخل الخدمة كغلام الفارس عندما كان في السابعة أو الثامنة من العمر.
وكانوا يتلقون هذا التعليم "تحت إشراف المعلمين أو اولئك المسؤولين أو قساوسة المنزل أو متخصصي التعليم والتربية، وكان لديهم معلم يدربهم على الفروسية والمبارزة بالسيف. وكانوا يتعلمون التعليمات العسكرية في العاشرة من العمر، التعليمات والفنون التي كانت تفيدهم في كل مراحل العمر بما فيها تعلم الفروسية والقتال على الخيول وارتداء الملابس الثقيلة لمقاتلة التماثيل أو المجسمات ومن ثم التقاتل بعضا مع بعض، في هذا العمر".
وفي هذه الطريقة فإن حدثا ما؛
كان يُرقى إلى منصب "حامل الدروع" في الثانية عشرة أو الرابعة عشرة من العمر ليكون في خدمة الزعيم، وجاهزا للخدمة على مائدة الزعيم أثناء التمرين بالرمح أو ساحة القتال في ركاب القائد. وكان يقوي روحه وجسمه بالمسابقات والرياضات الخطيرة وكان يتدرب على استخدام أسلحة الحرب الإقطاعية عن طريق التقليد أو الاختبار. 
وكان الحدث الذي يريد الانخراط في "سلك الفروسية" يُربى في قلعة بعض أصدقاء والده أو قلعة أخرى وكان يطلق عليه اسم "غلم الفارس".
ومن أجل أن يكون مفعما بالأمل للرقي إلى مرحلة حامل الدروع أو حدث ما، كان يجب عليه أن ينجز الكثير من الأعمال، ولزاما عليه التدرب عليها.
وفي هذا العمر، كانت وظيفته، خدمة سيدات الأسرة. وكان لزاما عليه تعلم الفروسية والقفز ورمي الرمح وتقليد الحرب وأن يتولى إلى جانب الفرسان، وظيفة حمل الدروع والتروس والرمح وأشياء من هذا القبيل ومساعدة الفرسان على ركوب الخيل، وكان يتمرن على المبارزة بالسيف الخفيف ويتعلم السباحة وتسلق الجبال وبالتالي كان عليه إطاقة البرد والحر والظمأ والجوع ويعود نفسه على تحمل ارتداء الدرع الثقيل.
وعنما كانت دورة التدريب تنتهي لديه، كانوا يقبلونه للدخول إلى سلك الفرسان من خلال سلسلة تقاليد تسودها الروعة والأبهة. وكان المتطوع يستحم في بداية الانخراط إلى سلك الفرسان، وكان ذلك مؤشرا على طهارة الروح أو ربما ضمانة لطهر الجسم. لذلك كانوا يطلقون على هذا الشخص "فارس الحمام" لكي يكون هذا العنوان تمييزا بينه وبين اولئك الذين يسمون "فرسان السيف". والفئة الأخيرة هم أفراد كانوا ينالون على الفور لقب الفارس مكافأة لهم على تضحياتهم وبطولاتهم في إحدى ساحات القتال.
وبعد هذا الجهد الدؤوب، فإن "فارس الحمام" يصبح قادرا على الحصول على لقب "الفارس" الذي كان يمنح له خلال مراسم خاصة.
في البداية كان الفارس الجديد يرتدي سترة بيضاء ورداء أحمر وقباء أسود، فالأبيض يرمز إلى نيل طهارة الأخلاق والأحمر إلى إراقة الدماء على طريق الكرامة أو الله والأسود إلى الاستعداد لمواجهة الموت بصمود. وكان يصوم لمدة يوم واحد ويصلي ليلة في الكنيسة. وكان يعترف بذنوبه لدى قس، ويشارك في مراسم القداس ويساهم في تنفيذ الشعائر المتعلقة به. وكان يصغي إلى موعظة حول الواجبات الأخلاقية والدينية والاجتماعية والعسكرية للفارس، ويتعهد من كل قلبه بأن يطبقها بحذافيرها. وعندها وفيما كان يعلق سيفا على رقبته، يتقدم نحو محراب الكنيسة، فكان القس يرفع السيف من على رقبته ويقدسه ويضعه ثانية في مكانه. ومن ثم كان المتطوع يتوجه إلى الزعيم الجالس في تلك الحوالي. وكان يجب أن يحصل منه على لقب الفارس. ويسمع منه هذا السؤال الصعب: لماذا تريد أن تنخرط في سلك الفرسان؟ فإن كنت تفكر باكتناز المال ونيل الراحة والاحترام، من دون أن تملك احترام الفرسان، اعلم بأنك لست جديرا بهذا اللقب، وإن منصبك بين الفرسان يشبه الأسقف الذي حصل على منصبه بواسطة المال. وكان المتطوع لديه الرد الجاهز. وبعدها كان الفرسان أو النساء يلبسونه مجموعة من أدوات القتال من قبيل الدرع والسترة والأذرع الفولاذية، ويسلمونه قفازا فولاذيا وسيفا وحمالات الفرسان. وبعدها كان الزعيم ينهض من مكانه فيضرب بعرض السيف على عنق أو كتف المتطوع ثلاث مرات، أو أن يصفعه في بعض الأحيان، وهاتان كانتا آخر الإساءات التي كان يجب أن يحتملها من دون ردة فعل انتقامية.
وأثناء إقامة هذه المراسم كان الزعيم، يردد هذه العبارة عادة:
بسم الإله وميكائيل القديس والقديس جورج، إني جاعلك فارسا.
وفي بعض الحالات:
كان منادي يُرسل من جانب الزعيم الكبير أو الملك إلى الأطراف والأكناف ليبشر الجميع بنيل شخص ما، لقب الفارس. 
وبلغت الفروسية وتقاليدها ذروتها في الفترة من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر للميلاد. وكان الرجل الشاب الذي ينال منصب "الفارس"، يقرا اليمين الخاص بالفرسان بصوت عال. وكان مضمون اليمين كالتالي:
1-    إنك ستؤمن بكل تعاليم الكنيسة وستحمي أحكامها وشرائعها.
2-    إنك ستحمي الكنيسة.
3-    إنك ستدافع عن جميع الضعاء.
4-    إنك ستحب الوطن الذي ولدت فيه.
5-    إنك لن تهرب أبدا من أمام العدو.
6-    إنك ستحارب الكفار بعناد.
7-    إنك ستنجز واجباتك تجاه الإقطاعيين، إن لم تكن تلك الواجبات مغايرة للقوانين السماوية.
8-    إنك لن تكذب أبدا وستبقى دائما وفيا لعهدك.
9-    إنك ستكون متحررا وشهما.
10-     إنك ستبقى دائما بطلا للحق والطيبة في مواجهة غياب العدل والسوء.
إن هؤلاء الفرسان أسدوا خدمات جمة لعالم المسيحية طوال حروب المائتي عام الصليبية. وكما نلاحظ، فإن تقليد سلك الفروسية يختلف عن تقليد سلك المجالدين الرومان والرياضيين اليونانيين القدماء وذلك بسبب ارتباط سلك الفرسان بالثقافة الدينية المسيحية، وكان يشبه بنحو ما الأبطال الإيرانيين القدامى.
والملفت هنا هو أن بطولة الإيرانيين المسلمين، كانت انعكاسا لمجمل الثقافة وكل التعاليم الدينية للإيرانيين، ولم يكن هناك تعارض ملحوظ بينهم والثقافة العامة للشعب المسلم وماضيهم التاريخي.
إن تقهقر سلطة الكنسية وتصدع البنية الثقافية والعلاقات المادية ، ألقى بظلاله على جل الشؤون السارية في القرون الوسطى بما فيها تقليد الفرسان والبطولة. وهذا التغير، نخر في جسد الفروسية وفرغها من محتواها وجعل روحها الدينية تخضع للمفاهيم الدنيوية.
والحقيقة أن التوازن الكلي للبطولة كان خاطفا وموجزا. وكانت الفروسية طريقا في الحياة، تعرضت للمبالغة بسهولة ولم تتمتع على أي حال بعمر طويل. إن الحرص على المظاهر الصورية وتصلب الشرايين الذي استولى حسب الظاهر على جميع ثقافات الغرب، استحوذ سريعا على هذه الثقافة البطولية. فتحولت فضيلة البطولة أي مراعاة المرؤوسين والضعفاء والمساكين، شيئا فشيئا إلى تقليد الأناس شبه الثملين. فأصبحت البطولة نوعا من حفظ أنانية النبلاء في مقابل القوة المتزايدة للتجار والصرافين. والأطرف من كل هذا هو أن القتال الذي كان سببا في يوم من الأيام في إيجاد طبقة الإقطاعيين الممتازة، تحول تدريجيا وبشكل سافر إلى رياضة ولهو. ومع تنامي القوة العسكرية في القرن الرابع عشر تحولت الحرب الإقطاعية إلى رياضة معقدة في الميدان وتسارعت وتيرة انحطاطها يوميا بعد يوم. وأصبحت قواعد هذه الطريقة صعبة للغاية. وأصبح درع القتال أكثر سماكة وقوة ... وكان الفارس حتى في الحالات التي يتمتع فيها بتوازن كامل، قلما يحمل انطباعا ممزوجا بالعطف تجاه الحب والمرأة.
وفي مستهل الحروب الصليبية الطويلة، تحول الفرسان التائهين إلى ملعبة بيد بعض أرباب الكنيسة. وفي الوقت ذاته كان هؤلاء يبحثون عن سبيل للنجاة بأنفسهم من وحل الضياع الناجم عن الحروب الصليبية مع المسلمين. ومن هنا فإنهم أرسلوا الفرسان التائهين إلى الشرق باسم الله، وهؤلاء الفرسان، كانوا يطمعون في هذا الخضم بممتلكات وأموال الشرق وجابوا كل الشرق الإسلامي ضمن حشد غفير من الجياع والحفاة.
يتبع إن شاء الله    
جـميع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافي
لا يسمح باستخدام أي مادة بشكل تجاريّ دون إذن خطّيّ من إدارة الموقع
ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.

الرجعة/ الحلقة الثالثة

$
0
0
الرجعة/ الحلقة الثالثة

الشيخ حميد الوائلي
نافذة نطلّ من خلالها على دولة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
تحدثنا في الحلقة الماضية عن أنّ الرجعة خاصة أو عامة، وهل هناك أكثر من رجعة؟ أو أنّها رجعة واحدة، وحديثنا في هذه الحلقة عن حقيقة الرجعة وهل هي من عالم الدنيا أو من عالم آخر…

نافذة نطلّ من خلالها على دولة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم

تحدثنا في الحلقة الماضية عن أنّ الرجعة خاصة أو عامة، وهل هناك أكثر من رجعة؟ أو أنّها رجعة واحدة، وحديثنا في هذه الحلقة عن حقيقة الرجعة وهل هي من عالم الدنيا أو من عالم آخر كعالم البرزخ أو القيامة أو غيرها.
وسنقدم البحث فيما تنتهي إليه النتائج على أساس الروايات الواردة من أهل البيت عليهم السلام، علماً اننا سنقتصر على رواية واحدة، فيما سنفرد ذكر الروايات في أبحاث لاحقة لانّها تنفع في جميع البحوث المترتبة على هذا البحث واللاحقة له.
فعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: (يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسليمان وأبو دجـانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصاراً)، وفي مضمون هذا الخبر روايات أُخرى.
ولابدّ من الالتفات إلى قضية في غاية الأهمية في مثل هذه الأبحاث، حيث الحديث عن الرجعة لا يمكن الوصول فيه إلى أي استنتاج ما لم يكن الاعتماد على الروايات في ذلك، فتفاصيلها غيب لا يظهر لنا إلا بمقدار ما أظهره أهل البيت عليهم السلام، وأطلعوا من خلال حديثهم الناس على تلك الحقائق الغيبية، فمن لا يملك هذا المنهج يصعب عليه الولوج في التفاصيل وتحديد النتائج للأسئلة التي تقدمت.
وحيث أنّ الرواية المتقدمة دلّت على أنّ هؤلاء النفر من الأمم السابقة سيرجعون مع الإمام المهدي عليه السلام وحيث أنّه عليه السلام لم يكن قد مات ليرجع معهم بل غاب وسيظهر وسيرجعون معه، فهو عليه السلام يعيش في ضمن الإطار الطبيعي للحياة الدنيوية ويمارس فيها أعماله على أساس القوانين الطبيعية والقانون الدنيوي، ونقصد بالقانون الدنيوي هو النظام الاجتماعي الذي نعيش فيه الآن دون أي اختلاف، وكل ما يترتب على هذا النظام من قوانين، فمثلاً نظام العلاقات الاجتماعية، ونظام العلاقة الأسرية، ونظام الثواب والعقاب، ونظام التكليف والنُظم الإدارية الأُخرى كلها نعيشها ونتعامل مع بعضنا البعض على أساسها.
فالنتيجة بكلمة واحدة أنّ كلّ من يرجع في زمان ظهور الإمام المهدي عليه السلام سيكون خاضعاً للنظام الطبيعي، سواء كان ذلك نظاماً إدارياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، وسواء كان ذلك النظام مؤسساً على أساس قواعد شرعية أو على أساس قواعد عقلائية، وكل من يرجع سيكون محكوماً لهذا النظام، فإذا كان الأمر كذلك، ونحن نعلم من أدلّة أُخرى سنتذكر في حينها أنّ البرزخ والقيامة وعوالم ما عدا الدنيا لها نُظم خاصة حدثتّنا عن بعضها الروايات وبقي البعض الآخر في كتم الغيب وعالم المجهول بالنسبة إلينا، فلا بدّ أنْ يكون الراجعون خاضعين لنُظم عالم الدنيا، فإنّ خصوصيات من يرجعون لابدّ أنْ تكون بعينها خصوصيات من هم موجودون الآن، لأنّه لو كان من يرجع يختلف من حيث اللطافة والتكليف لما صح إرجاعه مع من لا يتمتّع بهما ولأصبح إرجاعه لغواً.
وحيث أنّ الهدف الظاهري من الرجعة هو إشهاد الناس، الظالم والمظلوم بعض تجليات الرحمة الإلهية في تحقيق العدل، وهو عنصر مشترك بين ظهور الإمام عليه السلام وتحقّق الرجعة، فلابدّ أنْ تكون القوانين الحاكمة هي بذاتها التي وقع فيها الظلم، لكي يصح الاقتصاص من الظالم.
علماً أنّ من يدّعي أنّ الرجعة تخضع لقوانين أخرى غير التي نعيشها يكون قد ادّعى خلاف الأصل والمشاهد، وهو ما يحتاج إلى دليل.
فضلاً عن أنّ أدلّة التكاليف المطلقة لم ينص على نسخها أو تخصيصها أي دليل من أدلّة الرجعة فتكون سارية المفعول.

بين قصور العقول وضرورة المعرفة

$
0
0
بين قصور العقول وضرورة المعرفة

الشيخ حسين الأسدي
كثيرة هي معارف الإنسان التي نوّرت الحياة وجعلتها ذات بهجة، وكثيرة هي الخطوات التي تتابعت من العلماء والمفكرين حتى تمخّضت عن هذا التقدم الذي يعيشه الناس اليوم، وكثيرة هي التمحيصات التي مرت بها تلك المعارف والتي ازالت الكثير…

كثيرة هي معارف الإنسان التي نوّرت الحياة وجعلتها ذات بهجة، وكثيرة هي الخطوات التي تتابعت من العلماء والمفكرين حتى تمخّضت عن هذا التقدم الذي يعيشه الناس اليوم، وكثيرة هي التمحيصات التي مرت بها تلك المعارف والتي ازالت الكثير من الاخطاء وابقت الصحيح، وقد انتجت تلك المعارف _بخطواتها المتتابعة وتمحيصاتها الدقيقة_ عقولاً منفتحة، جيدة الإدراك وسريعة البديهة، وقوية الحجة والبرهان.
ولكن يوجد دائماً الى جنب كل ماذكرناه ما يمكن انْ يشوّش على العقول ويجعلها تعمل بشكل سيء، مما قد يجعلها ترى الحسن قبيحاً وبالعكس، وهذا ينتج بصورة تلقائية تيارات فكرية مختلفة كلها تدّعي ابتناء احكامها على قواعد العقل الرصينة، إلى الحد الذي قد تتحجّر عن قبول القول الآخر متلبّسة سروال التيبس، معلنة شعارها، صادحة به (اذا لم تكن معي فأنت عدوي) وقد يصل إلى حد الاختلاف بين ابناء الجلدة الواحدة، قال تعالى: (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما).
وهذه الحقيقة طالت جميع معارف الإنسان، حتى تلك المعارف الفطرية، ولذا عبد فلاسفة بقراً، وعلماء فأراً، وبقي إنسان بسيط على فطرته فعبد الله وحده، ولذا قاتل الخوارج أمير المؤمنين رغم أنهم كانوا يعلّقون المصاحف على صدورهم، لكن القرآن كان لا يجاوز تراقيهم، ولذلك نفسه ستقاتل البترية الإمام المهدي عليه السلام والمصاحف على صدورهم معلقات.
ومن المعارف التي طالتها يد التّشويش هي المعارف المهدوية، رغم انّ كثيراً من مفرداتها لا تتنافى مع احكام العقل، ولا تتعارض مع اساسيات الدين والفطرة، لكن التشويش طالها، فرفضها قوم وسخر منها آخرون ولم يبق من الناس على الايمان بها الاّ صبابة كصبابة الإناء...
ومن تلك المفردات نذكر:
1. مسألة طول عمر الإمام عليه السلام: فإنّ طول العمر أمر لا يأباه العاقل، ولا يرفضه الدين، والواقع التاريخي يشهد بذلك، لكن نجد اليوم من لم يستسغ انْ يطول العمر بالإمام المهدي عليه السلام.
2. مسألة متابعة الإمام عليه السلام لأمور رعاياه رغم غيبته، فإنّها صعبت على إدراك البعض، ولم يقبل الرعاية الابوية للإمام عليه السلام، ما لم يكن ظاهراً للعيان، ونسي (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) من خلف ستار الغيب، بل ونسي أنّ ربه جل وعلا يرعى أمور الكون ويدبّر أمور الوجود من دون أنْ يراه أحد.
3. مسألة ظهور الإمام عليه السلام شاباً، فإنّ طول العمر يستلزم الهرم والشيب وتجاعيد الوجه وتقوّس الظهر، فكيف يخرج شاباً سوياً أقل من الأربعين.
4. كيف سيقاوم المهدي عليه السلام هذه القوة الضخمة وترسانة الأسلحة التي ربما يصعب تصور قوتها التدميرية، بل كيف سيستطيع التغلب عليها في مدة قياسية لا تتجاوز البعض من الأشهر.
وهكذا تجد من يتوقف في بعض مسائل الغيبة أو الظهور من دون أنْ يستند إلى ركيزة عقلية، ومن دون انْ يتوكأ على مبدأ شرعي، بل يتوقف لمحض وجود تشويشات وتوهّمات وقعت فيها بعض العقول ممن لم يتنوّر أصحابها بنور أهل البيت عليهم السلام.
وأمام هذا الواقع علينا أنْ نلتفت إلى التالي:
1. ليكن معلوماً انّه كلما مضى الناس عاليا في مرقاة ما يسمى بالتقدم الحضاري، كلما كثرت أسباب التشويش على عقولهم، خصوصاً وأنّ التقدم الحضاري قد سبب انغلاقا على المصالح الشخصية لم يسبق له نظير، مما قد ابعد الناس عن النظر إلى سمو الهدف الذي وجدوا من اجله، وبالتالي الابتعاد عن مصادر الوحي.
إذن علينا أنْ نتريّث كثيراً في علاقتنا مع التقدم الحضاري وأنْ نقيّد علاقتنا به بما تمليه علينا الشريعة.
2. علينا أنْ لا نعتمد كثيراً على عقولنا، فإنها مهما كملت يبقى للنقص فيها حيّز واسع، وعلينا أنْ لا نعوّل كثيراً على تخميناتنا واستنتاجاتنا، فإنّها مهما قاربت الصواب لكن يبقى للخطأ فيها مجال رحب، وكما قالوا في علم الرياضيات أنّه يمكن أنْ يكون للوصول إلى نفس النتيجة بعدة طرق.
3. ديننا الحنيف لم يكن غافلا عن هذه الحقيقة لذلك زوّد اتباعه بما يحتاجون إليه، ليخوضوا غمار الحرب ضد مشوّشات العقل والاخطاء الشخصية، لذا علينا أنْ لا نغفل ضرورة المراجعة المستمرة للقائمين على حفظ الدين وأنْ لا نهمل آراءهم في هذا المجال.

محطات في رحلة الظهور/ النجف الأشرف - الحلقة الثانية

$
0
0
محطات في رحلة الظهور/ النجف الأشرف - الحلقة الثانية

مواقع وحواضر, أماكن, مثابات, نقاط ينطلق منها، أخرى يقصدها الإمام عليه السلام في رحلته التغييرية, سيراً في طريقه المبارك لتحقيق دولته, دولة العدل الإلهي, دولة الحق القدسية.



بالرغم من أنّ الإمام عليه السلام الذي لا يقود التغيير فقط عند ظهوره بل يقود العالم كلّه ويدير شؤون المعمورة كلها, ويكون سيره حثيثاً في مضمار التأسيس لدولته العادلة.
فعند خروجه من مكة المكرمة منطلقاً لتحقيق هدفه المرسوم نحو الكوفة (العراق) فإنّه يعرّج على مدينة جدّة (المدينة المنورة) ليجري هناك ما يستوجب من اصلاح تحقيقاً للعدل, فيثبت هناك حكم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد أنْ يزيل كل معالم حكم البداوة والجاهلية, حكم آل أبي سفيان, فيحرر مرقد الرسول ويرجع طيبة الى سابق عهدها.
وتستمر المسيرة المهدوية, فيكون مقصد الإمام بعد ذلك وبكامل جيشه الى حيث أبي الأئمة, سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام. إلى حيث العراق, الى ظاهر الكوفة, و بالضبط النجف الأشرف.
- جاء في (الإرشاد) 2/379:
عن أبي جعفر عليه السلام بطريق أبي بكر الحضرمي قال: (كأنّي بالقائم عليه السلام على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة, وجبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره, والمؤمنون بين يديه وهو يفرّق الجنود في البلاد).
- جاء في (غيبة النعماني) ص321:
عن الثمالي قال: قال ابو جعفر عليه السلام: كأنّي انظر الى القائم قد ظهر على نجف الكوفة, فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, عمودها من عمد عرش الله تبارك وتعالى, سائرها من نصر الله جل جلاله, لا يهول بها على أحد إلاّ أهلكه الله عز وجل: قال: قلت: تكون معه أو يؤتى بها؟ , قال عليه السلام: بل يؤتى بها يأتيه بها جبرائيل عليه السلام.
- جاء في (كمال الدين) 653:
عن ابان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كأني بالقائم على ظهر النجف إلى أنْ قال: ثم ينشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهي المغلبة, عودها من عمد غرس الله, وسائرها من نصر الله, لايهوى بها الى شيء إلاّ أهلكه, قال: قلت مغيبة هي أم يؤتى بها؟ قال: بل يأتي بها جبرائيل عليه السلام, وإذا نشرها أضاءلها مابين المشرق والمغرب, و وضع الله يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه وهم يتزاورون في قبورهم و يتباشرون بقيام القائم عليه السلام.
وفي بعض علامات ظهوره المقدس واعتلائه النجف الأشرف بعد قدومه العراق جاء على لسان أجداده آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرة عليهم السلام.
- جاء في (الصراط المستقيم) ج2س258 ب11, وفي اثبات الـهداة ج3ص578 ق 55 ح746:
عن علي عليه السلام قال:إذا وقعت النار في حجازكم وجرى الماء بنجفكم فتوقعوا ظهوره عليه السلام.
- جاء في (بيان الأئمة) 3/147, و(اثبات الهداة) 3/679, و(الكتاب المبين) 4/312:
عن زين العابدين عليه السلام إنه وقف على نجف الكوفة يوم وروده جامع الكوفة بعدما صلى فيه, وقال: هي هي يا نجف ثم بكى عليه السلام, قال يا لها من طامّة, فسئل عن ذلك فقال: إذا ملأ نجفكم السيل والمطر وظهرت النار في الحجاز المدر... فتوقعوا ظهور القائم المنتظر عليه السلام.


الوهابية ومعوقات التمهيد

$
0
0
الوهابية ومعوقات التمهيد

التاريخ السعودي الوهابي اليهودي مردخاي بن موشي هو الجد الأكبر لآل سعود/ الحلقة الثانية
سلسلة من الابحاث تسلط الضوء على الحركة الوهابية وتكشف إرتباطاتها الخفية

السيد مرتضى الرضوي
في عام (851هـ) ذهب ركب من عشيرة المساليخ من قبيلة (عنزة) لجلب الحبوب من العراق الى نجد، وكان يرأس هذا الركب شخص اسمه: سمحي بن هذلول، فمر ركب المساليخ بالبصرة، وفي البصرة ذهب أفراد الركب لشراء حاجاتهم من تاجر حبوب يهودي اسمه (مردخاي بن إبراهيم بن موشي) وأثناء مفاوضات البيع والشراء سألهم اليهودي تاجر الحبوب


في عام (851هـ) ذهب ركب من عشيرة المساليخ من قبيلة (عنزة) لجلب الحبوب من العراق الى نجد، وكان يرأس هذا الركب شخص اسمه: سمحي بن هذلول، فمر ركب المساليخ بالبصرة، وفي البصرة ذهب أفراد الركب لشراء حاجاتهم من تاجر حبوب يهودي اسمه (مردخاي بن إبراهيم بن موشي) وأثناء مفاوضات البيع والشراء سألهم اليهودي تاجر الحبوب:
من أين أنتم؟ فأبلغوه أنهم من قبيلة (عنزة..فخذ المساليخ) وما كاد يسمع بهذا الاسم حتى أخذ يعانق كل واحد منهم ويضمه إلى صدره قائلاً: إنه هو أيضاً من المساليخ لكنه جاء الى للعراق منذ مدة، واستقر به المطاف في البصرة لأسباب خصام وقعت بين والده، وأفراد قبيلة عنزة..
وما أن خلص من سرد أكذوبته هذه حتى أمر خدمه بتحميل جميع إبل أفراد العشيرة بالقمح، والتمر، والتمن (أي الرز العراقي) فطارت عقول المساليخ (لهذا الكرم) وسروا سروراً عظيماً لوجود (ابن عم لهم) في العراق، بلاد الخير، والقمح، والتمر، والتمن!..
وقد صدق المساليخ قول اليهودي أنه (ابن عم لهم) خاصة وأنه تاجر حبوب القمح والتمر، والتمن!.. وما أحوج البدو الجياع إلى ابن عم في العراق لديه تمر، وقمح، وتمن حتى ولو كان من بني صهيون.. (فالأصل ما قد حصل!) وما حصل هو التمر، والقمح، والتمن... وما أن عزم ركب المساليخ المزعومة للرحيل حتى طلب منهم اليهودي_مردخاي (ابن العم المزعوم) أن يرافقهم إلى بلاده المزعومة (نجد) فرحب به الركب أحسن ترحيب..
وهكذا وصل اليهودي _مردخاي_ إلى نجد، ومعه ركب المساليخ...
حيث عمل لنفسه الكثير من الدعاية عن طريقهم على أساس أنه ابن عم لهم، او أنهم قد تظاهروا بذلك من أجل الارتزاق كما يتظاهر الآن بعض المرتزقة خلف الأمراء..
وفي نجد جمع اليهودي بعض الانصار الجدد الاّ انّه من ناحية أخرى وجد مضايقة من عدد كبير من ابناء نجد، يقود حملة المضايقة تلك الشيخ صالح السليمان العبد الله التميم من مشايخ الدين في القصيم، وكان يتنقل بين الاقطار النجدية، والحجاز، واليمن مما اضطر اليهودي _مردخاي_ الى مغادرة القصيم، والعارض الى الاحساء، وهناك حرف اسمه قليلاً _مردخاي_ ليصبح (مرخان) ابن ابراهيم بن موسى... ثم انتفل الى مكان قرب القطيف اسمه الآن (ام الساهك) فأطلق عليه اسم (الدرعية) وكان قصد _مردخاي_ ابن ابراهيم بن موشي اليهودي _من تسمية هذه الأرض العربية باسم الدرعية بمناسبة هزيمة جيش المسلمين والاستيلاء على درع اشتراه اليهود بني القينقاع_من احد أعداء العرب الذين حاربوا الرسول محمدN في معركة _أحد_ وانهزم فيها جيشه بسبب خيانة ذوي النفوس الردئية الذين فضلوا الغنائم على انتصار الحق، وخانوا واجبهم، بينما هرعوا لاقتسام الأسلاب تاركين مركز الاستطلاع الذي وضعهم فيه محمدN فاستغل ذلك خالد بن الوليد وكان ما زال مع طغاة قريش ضد محمدN دون إعطاء المجال لجند الرسولN للتمتع بنصرهم، فكانت تلك الهزيمة التاريخية الشنعاء...
بعد هذه المعركة _معركة أحد_ أخذ أحد اعداء النبي العربي (درع) أحد شهداء المعركة... وباعه لبني القينقاع _يهود المدينة_ زاعماً انه درع النبي العربي محمد بن عبد اللهN...، وبمناسبة استيلاء بني القينقاع على الدرع القديم تمسك جد آل سعود اليهود_مردخاي بن ابراهيم بن موشي بذلك وهو ما يعتبره اليهود نصراً لهم _لكونهم اشتروا الدرع_ المزعوم لمحمد بن عبد اللهN بعد هزيمته في معركة _أحد_ التي كان اليهود وراءها...
وهكذا جاء اليهودي _مردخاي إبراهيم موشي_ إلى (أم الساهك) بالقرب من القطيف ليبني له عاصمة يطل من خلالها على الخليج العربي، لتكون بداية لإنشاء (مملكة بني إسرائيل) من الفرات إلى النيل...
وفي (أم الساهك) أقام لنفسه مدينة باسم (الدرعية) نسبة الى الدرع المزعوم.
وبعد ذلك، عمل مردخاي على الاتصال بالبادية لتدعيم مركزه.. الى حد انّه نصب نفسه عليهم ملكا.. لكن قبيلة العجمان متعاونة مع بني هاجر، وبني خالد ادركت بوادر الجريمة اليهودية فدكت هذه القرية من اساسها، ونهبتها بعد انْ اكتشفت شخصية هذا اليهودي (مردخاي بن ابراهيم بن موشي) الذي اراد انْ يحكم العرب لا كحاكم عادي، بل كملك أيضا... وحاول العجمان قتل اليهودي مردخاي، لكنه نجا من عقابهم هارباً مع عدد من اتباعه باتجاه نجد مرة ثانية حتى وصل الى ارض اسمها (المليبيد وغصيبة) قرب العارض _المسماة بالرياض الآن_ فطلب الجيرة من صاحب الأرض فآواه، وأجاره كما هي عادة كل إنسان شهم... لكن اليهودي مردخاي إبراهيم بن موشي لم ينتظر أكثر من شهر حتى قتل صاحب الأرض وعائلته غدراً، ثم اطلق على ارض المليبيد وغصيبة اسم (الدرعية) مرة اخرى!...
وقد كتب بعض نقلة التاريخ _نقلاً عن كتّاب مأجورين أو مغفلين زاعمين أنّ اسم الدرعية يشتق من اسم علي بن درع صاحب أرض _حجر والجزعة_ قائلين: إنه من عشيرة مردخاي، وأن ابن درع قد اعطاه الارض فسميت باسم الدرعية فيما بعد... لكن لا صحة لكل ما كتبوا إطلاقاً... فصاحب الارض الذي اجار اليهودي: مردخاي ابراهيم بن موشي، وغدر به اليهودي وقتله اسمه (عبد الله بن حجر)... وبعد ذلك عاد مردخاي جد هذه العائلة السعودية ففتح له مضافة في هذه الارض المغتصبة المسماة بـ (الدرعية)، واعتنق الاسلام (تضليلاً واسماً) لغاية في نفس اليهودي مردخاي، وكوّن طبقة من تجار الدين أخذوا ينشرون حوله الدعايات الكاذبة، وكتبوا عنه زاعمين أنّه (من العرب)، كما كتبوا زاعمين (أنّه قد هرب مع والده الى العراق خوفاً من قبيلة عنزة عندما قتل والده أفرادها فهددوه بالانتقام منه ومن ابنه، فغيّر اسمه واسم ابنه وهرب مع عائلته إلى العراق)، والحقيقة انّه لا صحة لهذا، بل انّ هذه الأقوال نفسها تثبت كذبهم...
وقد ساعد على تغطية تصرفات هذا اليهودي غياب الشيخ صالح السليمان العبد الله التميمي الذي كان من أشد الذين لاحقوا هذا اليهودين وقد اغتاله مردخاي _أثناء ركوعه في صلاة العصر بالمسجد في بلدة الزلفي..._ ومن بعدها عاش مردخاي مدة في (المليبيد وغصيبة) الذي اطلق عليها اسم (الدرعية) فيما بعد نسبة الى اسم الدرع المزعوم للرسول كما قلنا.
فعمّر الدرعية وأخذ يتزوج بكثرة من النساء والجواري، وأنجب عدداً من الاولاد فأخذ يسميهم بالأسماء العربية المحلية، ولم يكتف مردخاي وذريته، بالقتال بل ساروا للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد العربية بالغدر والاغتيالات حينا، وبالإغراءات، وبذل الأموال، وشراء المزارع، والاراضي، والارقاء، والضمائر وتقديم النساء _الجواري_ والاموال لاصحاب الجاه والنفوذ، ولكل من يكتب عن تاريخهم، ويزيف التاريخ بقدر الامكان (ليجعلهم من ذرية النبي العربي) ويجعلهم من نسل (عدنان) حيناً، ومن نسل (قحطان) حيناً آخر.
هكذا كتب الكتاب عنهم، وتنافسوا في تزوير تاريخهم.
ونسب بعض المؤرخين الأجراء تاريخ جد هذه العائلة السعودية _مردخاي ابراهيم موشي اليهودي_ إلى (ربيعة) وقبيلة (عنزة) وعشيرة المساليخ، حتى أنّ الآفاق.. (مدير مكتبات المملكة السعودية) المدعو محمد أمين التميمي، قد وضع شجرة لآل سعود، وآل عبد الوهاب _آل الشيخ_ أدمجهم: معاً في شجرة واحدة زاعماً أنهم من أصل النبي العربي (محمد(ص)) بعد انْ قبض هذا المؤرخ اللئيم مبلغ (35) ألف جنيه مصري عام (1362هـ_1943م) من السفير السعودي في القاهرة عبد الله إبراهيم الفضل، والمعروف انّ هذا المؤرخ الزائف محمد التميمي هو الذي وضع شجرة الملك فاروق _البولوني_ الذي طردته ثورة (23) يوليو 1952م من مصر العربية زاعماً هو الآخر بانه من ذرية النبي العربي، وانّ أصله النبوي جاء من ناحية امه...
وكما قلت مراراً: انّ الأصل لا يهم في شيء على الاطلاق بقدر ما يهم تزييف الأصل... خاصة اذا كان القصد من ذلك تبرير استعباد شعوب بكاملها لاسرة فاسدة دخيلة...

علي الاكبر صلوات الله عليه

$
0
0
علي الاكبر صلوات الله عليه

ولادته فهو المدينة المنوّرة ، من دون مبرر للشك والاختلاف في ذلك , اللهّم إلاّ إذا اعتبرنا ولادته في عهد خلافة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) ، فحينئذٍ تكون ولادته في مدينة الكوفة ، لا سيما وقد كان الإمام الحسين (عليه السّلام) مقيماً فيها يومذاك

وفقاً لما أفاده موقع شيعة اونلاين الإخباري تعوّدنا الاختلاف في الروايات المدوّنة حول كثير من الاُمور التاريخيّة , ووفق هذهِ العادة الملحوظة يأتي الكلام عن زمن ولادة عليّ الأكبر (عليه السّلام) .
أمّا مكان ولادته فهو المدينة المنوّرة ، من دون مبرر للشك والاختلاف في ذلك , اللهّم إلاّ إذا اعتبرنا ولادته في عهد خلافة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) ، فحينئذٍ تكون ولادته في مدينة الكوفة ، لا سيما وقد كان الإمام الحسين (عليه السّلام) مقيماً فيها يومذاك .
فزمن ولادته هو في خلافة عثمان(1) , وقيل : قبل قتل عثمان بسنتين(2) . وجاء أنه ولد بعد استشهاد الإمام علي أمير المؤمنين(3) .
ولعل ما أورده الأصفهاني أضبط من غيره ، مؤيّداً بما أورده النسّابة الكلبي ومصعب ؛ حيث ذكرا أنه ولد قبل قتل عثمان بسنتين . هذا وأنّ للأصفهاني قرائنَ تؤكّد ولادته حين ذلك , وتؤكّد معاصرته للإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) . فمما قاله الأصفهاني : وقد روى عن جدّه علي بن أبي طالب (عليه السّلام)(4) .
لكنه لم يسجّل لنا بعضاً ممّا رواه علي الأكبر عن جدِّه ؛ لضيق الوقت كما قال الأصفهاني , أو لعدم المناسبة في ذلك الموضوع .
أمّا فيما يتعلق بأخبار ميلاده الأغر فليس لدينا شيء منها ، بيد أنّ هناك مجموعة روايات عن عائشة بصدد ميلاد علي الأكبر ؛ فقد جاء في بعض الكتب المطبوعة أنّ لعائشة روايات كثيرة حول ولادته (عليه السّلام)(5) . ولكن لم يورد صاحب الكتاب تلك الروايات , والذي يبدو أنّ تلك المجموعة من الأخبار والروايات ليست موجودة أو مدوّنة ، وإنّما هي مجرّد إشارات ينوهون بها فقط .
ولو تجشّم المؤرخون بعض الأتعاب الجزئية لتدوينها وسردها لما أخذت منهم وقتاً طويلاً ، لا سيما وهي خير قرائن تفيد تحديد مدة ولادته الشريفة ومتعلقاتها ، وتوحي إلى عدة أمور يمكن الاستفادة منها .
نشأته وترعرعه (عليه السّلام)
ولد علي الأكبر (عليه السّلام) في بيت يتمتّع بالحضور الكامل للإيمان والتقوى , بيتٍ رحب الفكر , واسع المعرفة , مزدحم بالصالحين والطاهرين والذين لا تأخذهم في الله لومة لائم ، الذين لا يفتؤون يحرصون على صيانة مبادئ رسالتهم ، ويتمسكون بحرفيتها ، ويرفعون ألوية العقيدة عالياً .
بيت هو العقيدة بذاتها ؛ الأمر الذي يفسّر دعوة الله للناس كي يحبوا ذلك البيت ويوادّوه ، ويحاربوا من يكرهه ويعادوه . بيت عامر بكلِّ ما يمتّ للإسلام بصلة , وللحق والحقائق بروابط وعلائق .
ومن شأن الوليد الذي يفتح عينه في أجواء الصفاء لبيت الصفوة ، وأوساط الشرف والسؤدد ، وبيئة الخير والصلاح والهدى من شأنه أن ينشأ على إفاضات ذلك البيت النبيل ، وقبسات أهل ذلك البيت من الرجال الذين اُنيطت بهم حراسة القضية الإسلاميّة ، وصيانة الشرع الشريف ، وحفظ الدين المحمّدي الحنيف .
نشأ وهو يرتشف لبن صدور المؤمنات التقيات ، وقد تشرّب بأخلص العواطف وصادق الحنان ، وراح جسده ينمو وتنمو مشاعرهُ السليمة , وروحه الطاهرة ، ونفسه السوية . أكل وشرب ممّا أنعم الله به حلالاً طيباً لا يأتيه الباطل والشبهة .
نشأ على أسمى معاني المؤمنين الأتقياء ومزاحهم الجميل معه ؛ فمادته ومعنوياته من فيض حوض طاهر نقي ، بمعنى أنّ جسده وروحه تنزّها عن الشوائب المكدرة والأدران المقيتة .
ترعرع علي الأكبر في تلك الأوساط النظيفة ، حيث قضى سني حياة صباه يدرج بين صفوة الرجال وصفوة النساء ، وخيرة الفتيان والصبيان ، بين شخصيات جليلة القدر , وشباب يسمون نحو الكمال والعز والإباء .
نشأ وترعرع وهو ملء العين ، فتخطّى الزمن وتجاوز الأيام . مضى يقضي أياماً زاهرة وليالي مباركة ، وأشهراً وسنيناً خالدات ، متسلّقاً الدهر ، يعلو فوق هامة التاريخ شخصاً فريداً في مجمل خصوصياته ، وشاباً خلاّقاً في ربيع حياته ؛ فرجلاً بطلاً ينفرد في مميزات جمّة وجليلة سامية ؛ إذ نال من التربية ما يصعب على الكثيرين حصوله ونيله ، حتّى أبناء الملوك والاُمراء ، أبناء الأكاسرة والقياصرة . وما هو وجه الشبه حتّى نذكر ونمثّل بأبناء الملوك ؟!
تربيته (عليه السّلام)
شبّ نحو العُلا والكمال ؛ فهو بمستوى تعاطي القيم والمثل والتربويات القيّمة . والحقّ أن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) مكيّفون لذلك منذ الصغر , بدءاً من نعومة أظفارهم , أي لا يُشترط فيهم بلوغ سنٍّ معينة ليكونوا على استعداد لأمر ما ؛ كالتربية مثلاً التي تساير نشأتهم وترافق ترعرع صغارهم )الكبار) .
أخذ علي الأكبر (عليه السّلام) من التربية الشيء الكثير ـ دون أن نستكثره عليه سلام الله عليه ـ من أعضاء الأسرة الرسالية ؛ سواء الرجال أو النساء ، وخصوصاً والده الإمام الحسين (عليه السّلام) الذي يقع عليه عبء إعدادهِ وتعبئتهِ إن صح قولنا : عبء .
والحق إنّ ذلك لم يكن عبئاً بنظرتهم أهل البيت (عليهم السّلام) ؛ لأنّه من أخص خصوصياتهم ، فلا يصعب عليهم تكوين النموذج الحي في التربية.
لقد ندرك ببساطة عوامل بلوغ أحدهم مستوىً تربوياً عالياً جداً ، وهي بعض عوامل تضلعهم العلم , واضطلاعهم بالحكمة فضلاً عن التربية بالذات ؛ وذلك عندما نأخذ بنظر الاعتبار وجود العناصر أو توفّر المقدمات الأساسية هذهِ سلفاً ، وهي :
1 ـ خلو الشخصية من الشوائب السلبية المعكّرة والرافضة للإيجابيات , والنافرة من الصفاء.
2 ـ طهارة الروح وصفاء النفس.
3 ـ سلامة الضمير والتجاوب مع الوجدان.
4 ـ نزاهة المشاعر وسمو الأحاسيس .
5 ـ التطلّع للأفضل والتوق للأحسن .
6 ـ السعي للاقتراب من الكمال , وبلوغ مستوى المسؤوليات ومستوى حمل الرسالة.
هذه كلها مجتمعة تشكّل تربة الأرض الخصبة لبذر بذور التربية , وغرس أشجار التربية الراسخة الاُصول ، الضاربة الجذور , الثابتة في الواقع طالما تؤتي اُكلها كلَّ حين بإذن ربها .
لقد كانوا ـ أهل البيت (عليهم السّلام) ـ يحرصون على تطبيق نظرياتهم التربوية الرحبة ، ويشدّدون على ضبط الأساليب التهذيبيّة ، ويخلصون في ممارستهم المنهجية من أجل إعداد الإنسان إعداداً لا يقبلونه إن لم يكن معادلاً لمهامه , ومعادلاً لواجباته ومخاطر مسؤولياته الموكّل بها .
إنهم لا يقلّدون أحداً أو فئة في طرائق التربية ، وإنّما لهم عمقهم الفكري , وبُعد نظرتهم , وإبداع أساليبهم , وممارساتهم المبتكرة . إنّهم يأخذون من الإسلام ما فيه من شذرات ليضيفوا إليها ؛ ليوضّحوها ويفصلوها بتحويلها إلى فعل وعمل ، إلى ترجمة حيوية صادقة ؛ وذلك بجرِّها جرّاً إلى حيز التطبيق ، لتدخل دائرة التجربة المؤكّدة النجاح والحتمية العطاء .
أضف إلى تلك الممارسات الجادة امتلاكهم للخبرة الواسعة جداً , وإدراكهم للمناهج الفاشلة في هذا المضمار.
ثمَّ إنّ خرّيج مدارسهم إنسان رفيع في التربية ، عالٍ في العلم ، علوّاً يؤهّله وبجدارة لأن يكون هو بشخصه مربّياً ومعلّماً ينهج ويبدع في المنهج الإسلامي , بل يكون هو بالذات مدرسة مستقلّة كفيلة باستيعاب المجتمع وتقديم العطاءات الإصلاحية له ؛ لأنّ خرّيج مدارسهم مكيّف لذلك ، جاهز له بحكم مضمونه ومحتواه (وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ) .
ولمَن يريد الوقوف على مدارس التربية عند أهل البيت (سلام الله عليهم) ومناهجهم الواعية ، ولمن يريد التوفّر على نظرياتهم الثرية فما عليه إلاّ أن يراجع مذخوراتهم والثروة الكبيرة من التراث الذي خلّفوه (سلام الله عليهم).
إنّ خصوصيات مناهجهم التربوية قد انعكست على مواقفهم الصارمة الحاسمة ؛ ففوق أنها سر كمالهم فهي تفسير مواقفهم المبدئية وقراراتهم الخطيرة التي آلوا على ألاّ يفرّطوا في جنبها .
ونحن إذ نمجّد ، والمسلمون إذ يمجّدون ذلك فيهم فليس من باب الزهو بهم ، وإنّما من باب التأثّر والاقتداء بهم ؛ لندرك أسرار سيرتهم , وأبعاد أعمالهم الصعبة , وأمرهم المستصعب الذي عجز الرجال عن تحمّله ؛ لافتقارهم للرجولة , ولأنّ رجولتهم الضعيفة تنقصها تربويّات الإسلام وفق منهاجه التام .
أوصافه وصفاته (عليه السّلام)
تمتّع آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) بأوصاف جميلة وصفات جليلة ، أوصاف ظاهرة على شخصياتهم للعيان , وصفات كامنة تتجلّى منهم عند التعرّف إليهم ومعايشتهم كما لاحظها وعاشها المعاصرون لهم.
تمتّعوا بتجميع الكمالات لديهم دون استثناء أو افتقار لشيء صغير أو كبير, تمتّعوا بتجمّع كبريات المواصفات وحُسنيات الصفات النبيلة الساميات ، فلم يتركوا جميلاً جليلاً إلاّ ولهم فيه خصوصية ، وما من قبيح حقير إلاّ ولهم في النهي عنه وحربه ممارسات وظيفيّة ؛ ذلك لأنّ تمتّعهم بما ذكرنا هو من أخصِّ خصوصياتهم التي أهّلتهم للرسالة ، بل هو من أهمّ اختصاصاتهم ـ بتعبير أدق ـ ؛ إذ إنهم ينبغي أن يكونوا في مستوى ما يدعون إليه .
وليس من المعقول أن يكونوا روّاداً لنظريات ومبادئ وهم بعيدون عنها , أو يفتقرون لمؤهّلاتها ومتطلباتها ؛ سواء أثناء الدعوة أو خلال التطبيق لما لديهم من مقررات ؛ فالنظرية والتطبيق ممّا لا يمكن فصلهما قط ؛ وبذلك فإنّ اختصاصهم الفعّال هو كونهم المثل الأعلى والقدوة الحسنى .
ولو قمنا باستقصاء النظر في مميّزاتهم ، واستقرأنا مواصفاتهم وأخصّ خصوصيات شخصياتهم لما عدونا علي الأكبر عنهم فيما كانوا عليه ممّا لم يشاركهم أحد فيه . بل هو في ذروة المميزات , وله الحظّ الأكبر والقسط الأوفر منها ، بحكم أنه شبيه جدّه النبي (صلّى الله عليه وآله) الذي حاز قصب السبق ؛ إذ كان الأوّل كما كان المنبع والمصدر (صلّى الله عليه وآله).
وما قولنا بأنه شبيه جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مأخوذ من راوٍ أو مؤرّخ أو شاهد عيان بسيط ومعاصر عادي ، وإنّما هو مأخوذ عن شاهد دقيق النظر ، صادق صدوق ؛ فقد صرّح بذلك والده الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وعنه روى الراوي وأرّخ المؤرخ , لا سيما وأنّ الإمام أعرف الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وأكثرهم التصاقاً به , وأشدّهم تعلّقاً به , كما أنه ورث منه واكتسب عنه .
فلمّا ولد نجله علي الأكبر (عليه السّلام) وشبّ يافعاً أخذ يوحي بصورته وأخلاقه ومنطقه إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) ؛ فأضحى ذكراه وتذكاره حتّى كان الناس ـ من أهل المدينة ـ يشتاقون لرؤياه (سلام الله عليه) .
ثمّ ليس أكثر من أبيه الإمام الحسين (عليه السّلام) حضوراً لملامح جدّه ومعالم تلك الشخصية العظيمة ؛ وعليه فإنّ كلامه الذي يؤكّد محاكاة علي للنبي (صلّى الله عليه وآله) , وأنه أشبه الناس به خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً كلام بمستوى الحضور الحقيقي .
(وكان (علي الأكبر) من أصبح الناس وجهاً , وأحسنهم خلقاً)(6) حسبما اتّفق المؤرّخون فضلاً عن اتّفاقهم وإجماعهم على مضمون تصريح أبيه الحسين (عليه السّلام) من كونه مثيل الرسول (صلّى الله عليه وآله) من حيث الخلقة والأخلاق والنطق.
وحري بنا أن نعود لتسجيل بعض ما ورد عن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بالذات ؛ فقد كان (صلّى الله عليه وآله) يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع وأقصر من المشذب (أي الطويل القامة) ، عظيم الهامة , رجل الشعر(7) , أزهر اللون , واسع الجبين ، أزج الحواجب , سوابع في غير قرن(8) ، بينهما عِرق يدرّه الغضب .
أقنى العِرنين(9) ، وله نور يعلوه يحسبه من لم يتأمّله أشم(10) ، كثّ اللحية(11) ، سهل الخدّين(12) ، أدعج ، ضليع الفم(13) ، أشنب مفلج الأسنان(14) ، دقيق المسرُبة(15) كأن عُنقه جيد دُمية في صفاء الفضة , معتدل الخلق , بادناً متماسكاً سواء البطن والصدر , عريض الصدر … حتّى يقول : خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جُلّ نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ويبدر مَن لقي بالسّلام(16) .
تلك بعض أوصافه المقدّسة , وغيرها الشيء الكثير لذلك الرجل الكامل ، سيد الكمالات وصاحبها . على أنّ ما يُروى بهذا الصدد إنّما هو محاولة لتقريب شخصه الشريف للأذهان .
وبعد , فلنا أن نؤكّد حقائق هامة قبل أن نختم الموضوع ، فنقول : بأنّ حرصنا للوقوف على الأوصاف والصفات , وتأكيد التقاء علي الأكبر (عليه السّلام) بالنبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في مميزاته يرجع إلى أسباب هامة ومبررات موضوعية جادة ، منها مثلاً:
1 ـ إجلاء الشخصيّة الحيويّة السامية ، لا لأنها منتسبة إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وإنّما لما اتّسمت به ممّا توفّر في شخص الرسول (صلّى الله عليه وآله) بالذات ، ولمضمون الشخصية ومحتواها ، وبحكم أنها تشكّل المثل الأعلى.
2 ـ إنّ الانتساب للرسول (صلّى الله عليه وآله) كان يكفي للاحترام والامتناع عن القتل ، ولكن الأوصاف والصفات كانت تشكّل حجة أكبر بجمعها مع النسب الشريف المقدّس ؛ ومن هنا كان العدو يخشى قتل علي الأكبر (عليه السّلام) أو يتجنّبه كما قيل , لا لأنه سليل الرسول (صلّى الله عليه وآله) , بل لما فيه من اجتماع لمواصفات الرسول (صلّى الله عليه وآله)(17) , بيد أنهم تناسوا ذلك كله فانتهكوا حرمته .
3 ـ إنّ أوصافهم وصفاتهم تعطي إيحاءات راقية , ومفاهيم خلقية , وقيماً ومثلاً نبيلة لها دورها في إبراز مصداقية المعاني السامية الكريمة التي تكمن فيهم والتي يتسربلون بها.
4 ـ وأخيراً فمن الضروري جدّاً إدراك هذه الناحية , وهي أنه ليست المميزات  المتطابقة مهمة بقدر أهمية تطابق المواقف الرسالية .
وقد شهد التاريخ لعلي الأكبر (عليه السّلام) مواقف جدّه الصلبة الصارمة ، وشهد له أنه شبيه جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خلقاً وخُلقاً ومنطقاً وموقفاً وعملاً , فنحن إذ نقف على الخصال الخيرة المتطابقة فليس على حساب تطابق النتائج ، لا سيما وأنّ ثمة علاقة بين المميزات المتشابهة كمقدمات , وبين المواقف المصيرية كنتائج .
هذا والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين
ــــــــــــــــــ
(*) تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المقال قد اُخذ من منتدى خليج سيهات ـ بتصرّف من موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)
(1) انظر مقاتل الطالبيِّين / 81 .
(2) نسب قريش / 57 .
(3) الإرشاد ـ للشيخ المفيد .
(4) مقاتل الطالبيِّين / 81 .
(5) وسيلة الدارين ـ للسيد إبراهيم الزنجاني / 286 .
(6) كتاب (لواعج الأسجان) للسيد الأمين : ص 136 .
(7) رجل الشعر : ليس بمجعد ولا مسترسل .
(8) أي دقيق وطويل الحاجبين . والسوابغ : الاتصال بينهما.
(9) أي محدب الأنف .
(10) الشمم : ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه.
(11) أي كثيف الشعر في اللحية.
(12) أي قليل اللحم .
(13) يعني واسع وعظيم الفم .
(14) أشنب الأسنان : أبيضها . ومفلج أي مفرج بينها .
(15) المسرُبة : الشعر وسط الصدر إلى البطن .
(16) انظر كتاب (مكارم الأخلاق) ـ للشيخ الطوسي / 11 ـ 12 ط 6 بيروت / 1292.
(17) جاء عنه أثناء دخوله ساحة المعركة أنه أخذ يكرّ عليهم وهم لا يجسرون على قتله ؛ لأنّه شبيه بجدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وفيه شجاعة حيدر . (سفينة النجاة 1 / 74)

مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)

$
0
0
مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)

كان مسلم بن عقيل (عليه السلام) من أجِلَّة بني هاشم، وكان عاقلاً عالماً شجاعاً، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) يلقبه بثـقتي، وهو ما أشار إليه في رسالته إلى أهل الكوفة. ولشجاعته أختاره عمُّهُ أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب (صفين)، ووضعه على ميمنة العسكر

ولادته:
ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب في المدينة المنورة سنة (22 هـ) على أرجح الأقوال.
أمه أم ولد (جارية) اشتراها عقيل من الشام، أما زوجة مسلم فهي رقية بنت أمير المؤمنين (عليه السلام).
سيرته وفضائله:
كان مسلم بن عقيل (عليه السلام) من أجِلَّة بني هاشم، وكان عاقلاً عالماً شجاعاً، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) يلقبه بثـقتي، وهو ما أشار إليه في رسالته إلى أهل الكوفة.
ولشجاعته أختاره عمُّهُ أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب (صفين)، ووضعه على ميمنة العسكر .
وفي أمالي الصدوق: قال علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
((يا رسول الله إنك لتحب عقيلاً )) ؟ قال: ((أي والله إني لأحبه حُبَّين، حباً له وحباً لحب أبي طالب له، وإن ولده مقتول – ويقصد بذلك مسلم – في محبة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلي عليه الملائكة المقربون)).
ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى جرت دموعه على صدره، ثم قال: ((إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي)).
خروجه إلى الكوفة:
ارتأى الإمام الحسين (عليه السلام) أن يُرسل مندوبا عنه إلى الكوفة يهيىء له الأجواء، وينقل له واقع الأحداث، ليستطيع أن يقرر الموقف المناسب، ولابد لهذا السفير من صفات تؤهله لهذه السفارة، فوقع الاختيار على مسلم بن عقيل (عليه السلام)، لما كان يتصف به من الحكمة والشجاعة والإخلاص.
انطلق مسلم بن عقيل (عليه السلام) من مكة متوجهاً إلى العراق في الخامس عشر من شهر رمضان 60 هـ، ويصحبه دليلان يدلانه الطريق.
كان الوقت صيفاً ورمال الصحراء ترمي بشررها وظمئها الركب الزاحف نحو الكوفة.
مرت بالركب أهوال ومخاطر ومتاهات كان أشدها على مسلم بن عقيل (عليه السلام) هو أن الدليلين اللذين كانا معه ضلاّ طريقهما، فنفذ الماء وماتا من العطش.
تعذر على مسلم (عليه السلام) حمل الدليلين فتركهما وسار حتى اكتشف الطريق، ولاحت له منابع الماء فحط رحاله وهو منهك من التعب.
ثم واصل السير نحو الكوفة حتى دخلها في الخامس من شهر شوال من نفس السنة، فنزل دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، واتخذها مقراً لعمله السياسي في الكوفة.
ومنذ وصول مسلم بن عقيل (عليه السلام) إلى الكوفة ، أخذ يعبئ أهلها ضد حكم يزيد ويجمع الأنصار، ويأخذ البيعة للإمام الحسين (عليه السلام)، حتى تكامل لديه عدد ضخم من الجند والأعوان، فبلغ عدد مَن بايعه واستعد لنصرته ثمانية عشر ألفاً، كما ورد في كتاب (مروج الذهب).
لم تكن مثل هذه الأحداث لتخفى على يزيد وأعوانه، إذ كتب عملاء الحكم الأموي رسائل كثيرة إلى السلطة المركزية، نقتطف لكم ما جاء في أحد تلك الرسائل: (أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدِم الكوفة، وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً، ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يَتَضَعَّف).
وتسلم يزيد تلك الرسالة، وراح يناقش الأمر، ويبحث عن أكثر الناس قسوة وقدرة على التوغل في الإرهاب والجريمة، وأخيراً وقع الاختيار على عبيد الله بن زياد، ومنذ وصوله إلى قصر الإمارة، أخذ يتهدد ويتوعد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد.
وننقل هنا هذه الجملة من أقواله: (سوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي).
وهكذا بدأ الانعطاف، وبدأت مسيرة الجماهير الصاخبة تتخذ مجرى آخر، إذ لاحت بوادر النكوص والإحباط تظهر على جماهير الكوفة وبعض رجالاتها.
وراحت سلطة عبيد الله بن زياد تقوّي مركزها، وتمسك بالعصا الغليظة، وبوسائل القوة والسيطرة المألوفة لديها، من المال والرشوة والإرهاب وتسخير الجواسيس لجمع المعلومات وبث الأراجيف.
أما موقع مسلم بن عقيل (عليه السلام)، فبدأ يضعف ويهتز، واضطر إلى تغيير أسلوب عمله وموقعه.
فانتقل من دار المختار بن عبيدة إلى دار هاني بن عروة متخفياً بعيداً عن أعين السلطات، إلى أن كشفته عناصر الاستخبارات، وأخبرت عبيد الله بن زياد بمكانه، فاستدعى ابن زياد هاني بن عروة – المدافع عن مسلم بن عقيل (عليه السلام) – بشكل سري وغير مثير، بحجة أن الوالي بعث إليه ليزوره حتى تزول الجفوة بينهما.
وما أن دخل هاني القصر حتى وجد نفسه أمام محكمة، والتهم موجهة إليه والجواسيس شاهدة عليه في أنه يوالي الإمام الحسين (عليه السلام).
حاول هاني الإنكار إلا أنه فوجئ بالهجوم عليه من قبل ابن زياد بقضيب كان بيده وراح يهشم به وجهه، وكان هاني يدافع عن نفسه بقوة فلم يستطع، وأخيراً أصدر ابن زياد أوامره بحبس هاني في إحدى غرف القصر.
شهادته:
تسربت أخبار سجن هاني إلى أوساط الناس، فتطور الصراع، والأوضاع في الكوفة أخذت تنذر بانفجار خطير، وأخذ أزلام ابن زياد وجواسيسه ببث الإشاعات في كل أنحاء الكوفة، وأخذوا يُخَوّفُون الناس بأن هناك جيش جرار قادم من الشام.
كما بدأوا يُشيعون بين أوساط الناس روح التخاذل، والدعوة إلى حفظ الأمن والاستقرار لغرض كسب الوقت، وتفتيت قوى الثوار.
استمرت الأوضاع هكذا في الكوفة، والناس تنصرف شيئاً فشيئاً عن مسلم بن عقيل (عليه السلام) حتى لم يبق مع مسلم إلا عشرة رجال، صلى بهم جماعة فلما انتهى التفت خلفه فلم يجد أحداً منهم.
وبعد مواجهة هذا المنظر المروع راح يسير في شوارع الكوفة حتى يهتدي إلى حل أو طريق للخروج من الكوفة قبل إلقاء القبض عليه من قبل سلطات ابن زياد كي يُبلغ الإمام الحسين (عليه السلام) بانقلاب الأوضاع كي لا يقع في حبائل الغدر والخيانة.
ثم أصدر ابن زياد أوامره بتحرّي بيوت الكوفة بيتاً بيتاً وتفتيشها، بحثاً عن مسلم بن عقيل (عليه السلام)، الذي كان قد اختبأ في بيت إمرأة مجاهدة ومحبة لآل البيت (عليهم السلام) اسمها (طوعة).
فلما علم ابن زياد بمكانه، أرسل له جيشاً إلى تلك الدار، فقاتلهم مسلم بن عقيل (عليه السلام) أشد قتال، إلا أن الأقدار شاءت فوقع بأيدي قوات بن زياد.
ثم أرسلوه إلى القصر، فدارت بينه وبين ابن زياد مشادة كلامية غليظة، حتى انتهت بقول ابن زياد لمسلم (عليه السلام) : إنك مقتول ، ثم أمر ابن زياد جلاوزته أن يصعدوا به أعلى القصر ، ويضربوا عنقه ويلقوا بجسده من أعلى القصر.
ثم انهال على مسلم (عليه السلام) سيف الغدر، وحال بين رأسه وجسده، ليلتحق بالشهداء والصديقين والنبيين الصالحين .
ثم جاء الجلادون بهاني بن عروة (رضوان الله عليه)، واقتيد مكتوف اليدين إلى سوق الغنم في مدينة الكوفة فقتل هناك واقتطع رأسه.
وقام ابن زياد بإرسال رأسيهما الشريفين إلى يزيد في (9 ذي الحجة 60 هـ).
وأما الجسدان الشريفان فقد شَدَّهُما الجلادون بالحبال وجُرّا في أزقة الكوفة وأسواقها.
وهكذا انتهت المقاومة وخمدت الثورة في الكوفة لتبدأ ثورة جديدة، ولتتحول هذه الدماء الثائرة إلى بركان غضب وثورة، يصمت ـ البركان ـ برهة من الزمن، ثم ينفجر بوجه الطغاة وأعداء الله.
وبالفعل حدث ذلك بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) حيث تحول دمه ودماء أهل بيته إلى شعار سياسي وقوة محركة ضد الحكم الأموي.
فقامت ثورة التوابين الذين رفعوا شعار التوبة والتكفير عن تخلفهم من نصرة الحسين (عليه السلام).
وكذلك قامت ثورة المختار بن عبيدة معلنة شعار (يالثارات الحسين)، وظلت هذه الحركات تـقوّض كيان الحكم الأموي، حتى زال في عام (132هـ).

محطات بين يدي قمر بني هاشم ( عليه السلام )

$
0
0

من حقها أن تقف الأجيال بكل إكبار وإعظام إمام النهضة الإلهية الكبرى ، والملحمة الحسينية الخالدة ، وتستشرق مستلهمة للقيم الربانيّة التي خطّها الحسين ومن معه بدمائهم الطاهرة ، حتى تعرف الأجيال المعنى الحقيقي للعزة والكرامة والصمود .

وفقاً لما أفاده موقع شيعة اونلاين الإخباري في هذه العجالة نقف بكل إجلال وتقديس عند أحد أولئك الأفذاذ الذين كانوا من مفاخر التاريخ الإسلامي ، ومن شهداء كربلاء العظام ، نقف عند ذلك القمر الهاشمي ، والشبل العلوي والفدائي الحسيني ، نقف عند من قال فيه صادق أهل البيت (عليه السلام ) : (( كان عمُّنا العباس بن علي نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، وأبلى بلاءً حسناً ، ومضى شهيداً )) ، و يالها من شهادة كبيرة صدرت من المعصوم بحق رجل كان عماً للمعصومين ، وأخاً لمعصومين ، وإبنا للمعصوم .
نقف متصاغرين متواضعين عند سيدنا ومولانا أبي الفضل العباس بن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام ) ، وليس من الممكن أن نحتوي حياة بطل العلقمي في مقالة واحدة ، فهو كالبحر من أين تأتيه تغترف علما وهديا وإيمانا ، ولكننا نود الإشارة الى بعض المحطات من حياة كافل بنات الرسالة الكفيل الشهم والغيور الأبي فنقول :
المحطة الأولى:
لُقب العباس (عليه السلام) بمجموعة من الألقاب الجليلة التي تعبر عن عظمة شخصيته المقدسة ومن تلك الألقاب : ( السقَّاء ، أو ساقي العطاشى ) …
فقد روي إنه لمّا اشتد العطش على الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ، أمر أخاه العباس ( عليه السلام ) فسار في عشرين رجلاً يحملون القرب ، وثلاثين فارساً ، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ليلاً ، وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل اللواء ، فقال عمرو بن الحجّاج ، من الرجل ؟ قال نافع ، قال ما جاء بك ؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئاً ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين عطشان هو وأصحابه ، فقالوا : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء .
فقال نافع لرجاله : املؤا قربكم فملئوها ، وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، فحمل عليهم العباس ونافع بن هلال فكشفوهم وأقبلوا بالماء ، ثمّ عاد عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، وأرادوا أن يقطعوا عليهم الطريق فقاتلهم العباس وأصحابه حتّى ردّوهم ، وجاءوا بالماء إلى الحسين ( عليه السلام ) ، وكان هذا قبل يوم العاشر من المحرم ، وقال بعض المؤرخين كان ذلك في اليوم السابع ، ولذلك سُمي اليوم السابع  بيوم العباس .
والموقف الأكبر لساقي آل الرسول هو موقفه يوم العاشر ، لمّا اشتدَّ العطش بالحسين وأهل بيته وأصحابه ( عليهم السلام) ، وسمع بكاء النساء والأطفال يشكون العطش ، بادر الساقي الغيور أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) ، وطلب من أخيه الحسين ( عليه السلام ) السماح له بالبراز لجلب الماء ، فأذن له الحسين ( عليه السلام ) ، فحمل على القوم ، أحاطوه من كلِّ جانب ، ثم قتل وجرح عدداً كبيراً منهم ، وكشفهم وهو يقول :
لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رَقَا ** حتّى أواري في المصَاليتِ لُقَى
نفسي لنفسِ المُصطَفَى الطُّهر وَقَا ** إنّي أنا العبَّاس أغدو بالسقَا
ولا أخافُ الشرَّ يوم المُلتَقَى
وصل السّاقي إلى ماء الفرات ، فغرف منه غرفة ليطفئ لَظَى عطشه ، فتذكَّر عطش الحسين (عليه السلام ) ، ورمى بالماء وهو يرتجز ويقول :
يَا نفسُ مِن بعد الحُسين هوني ** مِن بعدِهِ لا كُنتِ أن تَكُوني
هَذا الحسينُ وَارِدَ المَنونِ ** وتشرَبينَ بَاردَ المَعينِ
تاللهِ مَا هَذي فِعَال دِيني
فملأ القربة وعاد فحمل على القوم ، وقتل وجرح عدداً منهم ، ولكن ؛ حين جرى ما جرى من قطع كفيه أخذ القربة بِفَمِه ، وبينما هو جاهد أن يوصلها إلى المخيَّم ، إذ صُوِّب نحوه سهمان ، أحدهما أصابَ عينه الشريفة ، وأما الآخر فقد أصاب القِربة فَأُرِيق ماؤها ، وعندها انقطع أمله من إيصال الماء ، فصار يقاتلهم بشدة طالبا للشهادة ، حتى نالها عزيزا شريفا مهابا.
وأيضا كان يلقب بـ  ( قمر بني هاشم)  …
فقد وصفه التاريخ انه كان رجلاً وسيماً جسيماً ، يركب الفرس المطهَّم ، ورجلاه تخطَّان في الأرض ، ويمكن لنا أن نفهم إنه قمر بني هاشم معنويا ، بمعنى أن إيمانه مشرقا ، وهو من الأولياء العارفين .
ولقب أيضا : ( بطل الشريعة ) أو ( بطل العلقمي ) أو ( سَبع القنطرة ) …
لأنه خاض على ذلك النهر قتالاً لم ترى العرب مثله ، حيث كان ينقّض على أعدائه كالنسر ، وهم يفرون من بين يديه كالخراف ، ولم يجدوا حيلة لإيقافه إلا بأن يبارزوه جميعا دفعة واحدة ، ومن هنا نادى المنادي : احملوا عليه من كل جانب ، ورغم إنهم شنوا عليه هجوما من كل جانب ، إلا أن شبل علي كان فيهم كالصاعقة ينقض عليهم من كل اتجاه ، حتى ظن أحدهم إنه يقاتل ألف رجل لا رجلا واحدا .
هذه الشجاعة الحيدرية والعزيمة التي أورثها إياه فارس بدر الكرار تجسدت في يوم عاشوراء ، حتى ظن الناضر إنه علي بن أي طالب أحيي من جديد ، وقد كان دافعها الأكبر إيمانا لا يلين ، وشوقا للشهادة وإصرارا في نصرة سيد شباب أهل الجنة ، مما جعله أسداً مغواراً يطحنهم طحنا .
ولقب أيضا : أنه ( باب الحوائج ) …
وما ذاك الا كرامة من الله أعطاها لسليل الكرار و وراث الأطهار ، ولعظيم إيمانه وشدة إخلاصه ، حيث جعل الله مرقده الشريف شمسا للتائهين ، وبحرا للواردين ، وغوثا للمظطرين ، وهناك العشرات بل المئات وربما الآلاف الذين حصلت لهم الكرامات ، ممن قضى الله حوائجهم ببركة التوسل الى الله تعالى بمقام أبي الفضل (عليه السلام ) .
ونذكر هذه القصة اللطيفة ، ففي كتاب أسرار الشهادة قال العلامة الدربندي عليه الرحمة : أخبرني جمع من الثقاة في هذا الزمان ، إن أحد المؤمنين كان يزور الحسين ( عليه السلام ) في كل يوم ثلاث مرات ، وما كان يزور العباس إلا في الأسبوع مرة ، وقد رأى في المنام الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) ، سلّم عليها فأعرضت عنه ؛ فقال : بأبي أنت وأمي لأي تقصير تعرضين عني ؟ قالت : لإعراضك من زيارتك ابني ، قال : أنا أزور ابنك في كل يوم ، قالت : تزور ابني الحسين ( عليه السلام ) ولا تزور ابني العباس إلا قليلا .
********************
المحطة الثانية:
حينما نذكر اخو زينب وكافلها ، لا يمكن نسيان تلك الأم التي ربته وتلك الأحضان الطاهرة التي أرضعته الولاء لآل الرسول ، وتلك المرأة المتيّقنة بأمر ربها ، التي أرسلته مع أخوته للشهادة ، أقصد طبعا السيّدة فاطمة بن حزام العامرية الكلابية ، المعروفة بأمِّ البنين ( عليها السلام ) .
وقد روي أنّ الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال لأخيه عقيل ـ وكان نسّابة عالماً بأخبار العرب وأنسابهم ـ : (( اختر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب ؛ لأتزوّجها لتلد لي غلاماً فارساً )) ، فقال له : أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية العامرية ، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس ، فتزوّجها أمير المؤمنين ، فولدت له وأنجبت ، وأوّل ما ولدت العباس ( عليه السلام ) ، وبعده عبد الله ، وبعده جعفراً ، وبعده عثمان .
ولا ينسى التاريخ موقفها الزهرائي الزينبي حين سمعت بمقتل أولادها فلم تكترث ؛ وكان اهتمامها منصبا في السؤال عن الحسين (عليه السلام) ، وحين علمت بشهادته أقامت عليه الحزن ثم على أولادها ، بل كان مقتل أولادها مسليا لها ، أن قدمتهم فدائيين دون ريحانه المختار ، وسليل الزهراء البتول.
*****************
المحطة الثالثة:
من المواقف الكبرى التي رويت عن سليل حيدر الكرار ما روي ، أنه لمَّا أخذ عبد الله بن حزام ابن خال العباس ( عليه السلام ) أماناً من ابن زياد للعباس وأخوته من أُمِّه ، قال العباس وأخوته : لا حاجة لنا في الأمان ، أمانُ الله خير من أمان ابن سمية .
وفي يوم عاشوراء لمَّا نادى الشمر : أين بنو أختنا ؟ أين العباس وأخوته ؟ فلم يجبه أحد ، فقال الحسين ( عليه السلام) :  (( أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنَّه بعض أخوالكم )) ، فأجابه العباس ( عليه السلام ) : ( ماذا تريد ) ؟ فقال : أنتم يا بني أُختي آمنون ، فقال له العباس ( عليه السلام)  قولاً يدهش منه أهل العالم : لعنك الله ، ولعن أمانك ، أتؤمِّننا وابن رسول الله لا أمان له ؟! ، وهذا موقف الأخ الأصيل والموالي النبيل ، فقد كان يرى أن الحسين إمام مفترض الطاعة ، وطاعة الله في طاعته .
*****************
المحطة الرابعة:
ولقد أكرمه الله أيما كرامة ، ومن هنا أثنى عليه المعصومون ( عليهم السلام ) ، فقد قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : (( رحم الله العباس ، فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه ، فأبدله الله عزّ وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وإنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة )) .
وليت شعري أي منزلة هذه التي يغبطها عليها الشهداء ، وهم أصحاب المنازل الجليلة يوم القيامة ، فقد ورد أن الزهراء ( عليها السلام ) ستخرج تطالب بمظلوميته في عرصات المحشر .
فمما جاء في مقام أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) ومنزلته عند أهل البيت ( عليهم السلام ) ، هو ما ذكره العلامة الدربندي في كتابه أسرار الشهادة ، قال : إنه إذا كان يوم القيامة واشتد الأمر على الناس ، بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى فاطمة ( عليها السلام ) لتحضر مقام الشفاعة ، فيقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : (( يا فاطمة ما عندك من أسباب الشفاعة ، وما ادّخرتِ لأجل هذا اليوم الذي فيه الفزع الأكبر )) ؟ ، فتقول فاطمة ( عليها السلام ) : (( يا أمير المؤمنين كفانا لأجل هذا المقام ، اليدان المقطوعتان من ابني العباس )) .
نسال الله بحق اليدين المقطوعتين أن يوفقنا لخدمة صاحبهما في الدنيا ، ولشفاعته في الآخرة  .

أبو فاطمة العذاري

أسماء أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) الذين استشهدوا معه في كربلاء

$
0
0
أسماء أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) الذين استشهدوا معه في كربلاء

قال الامام الحسين عليه السلام : فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيراً )) ، لقد كان أصحاب الحسين (عليه السلام) صفوة البشرية يومئذ ، وسادة المسلمين ، فبعضهم كانوا من الصحابة ، والبعض الآخر من التابعين

وفقاً لما أفاده موقع شيعة اونلاين الإخباري قال الإمام الحسين (عليه السلام) يوم كربلاء ، يصف أصحابه (( فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيراً )) ، لقد كان أصحاب الحسين (عليه السلام) صفوة البشرية يومئذ ، وسادة المسلمين ، فبعضهم كانوا من الصحابة ، والبعض الآخر من التابعين ، وجلهم حضر مشاهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، إضافة إلى ذلك منزلتهم الاجتماعية ، فهم زعماء المسلمين وفرسانهم ، وعلماء الأمة وجهابذتها ، وسادة الناس , فقد كان تصميمهم على الموت ، واستبشارهم بالشهادة لم يعهد في جيش من جيوش الاسلام ، ولم يكن هذا منهم من قبيل المصادفة ، سبل كان صدى لعقيدة راسخة ، وولاء صادق ، وقدم ثابة في الإيمان والجهاد , فجزاهم الله عن الإسلام خيرا ، وسلام عليهم يوم استشهدوا ويوم يبعثون

ينقسم أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) الى بني هاشم( آل البيت) : الأنصار , الموالي
=============================================

اولا : بني هاشم من آل أبي طالب (عليهم السلام)
أبناء الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
1- العباس بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)  (و إبناه ) :
2- عبدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)
3- محمد بن العباس بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
4- محمد الأصغربن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
5- أبو بكر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
6- ابراهيم بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
7- جعفر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
8- عبد الله الأصغر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
9-عثمان بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
10- عبدالله بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
11- عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)

ثانيا : أبناء الإمام الحسن بن علي  (عليهما السلام)  :
1- القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
2- أبوبكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
3- أحمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
4-بشر بن الحسن بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
5- الغلام عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
6- عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)

ثالثا :أبناء الإمام الحسين بن علي  (عليهما السلام)  :
1- علي الأكبربن الحسين بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
2-عبد الله الرضيع وهوعلي الأصغر بن الحسين بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
3- علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
4-محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)

5-عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
6- ابراهيم بن الحسين بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
7-حمزة بن الحسين بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
8- زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)
9- جعفر بن الحسين بن علي بن أبي طالب  (عليهما السلام)

رابعا : أبناء السيدة زينب عليها السلام
1- عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)
2- عبيدالله بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)
3- محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)

خامسا:أبناء عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
1- جعفر بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
2- جعفر بن محمد بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
3-عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
4-عبدالله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
5-عون بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
6- عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
7- مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
8- موسى بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
9- محمد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)
10-الغلام محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)

سادسا : انصار الحسين (عليه السلام) وهم من أهل المدينة المنورة و الكوفة و البصرة
1- ابراهيم بن الحصين الأسدي
2- أبو ثمامة عمروبن كعب الصائدي
3- أبو الحتوف الأنصاري
4-أبو الشعثاء يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي
5-أبو عامرالنهشلي
6- أحمد بن محمد الهاشمي
7- الأدهم بن أمية العبدي
8- أسلم بن كثيرالأزدي
9-أمية بن سعد الطائي
10- أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي
11- أنس بن الكاهل الأسدي
12- أنيس بن معقل الأصبحي
13- بشر بن عمرو( أبو عبد الله ) الحضرمي
14-بكر بن حي التميمي
15-جابربن الحارث السلماني
16- جابر بن الحجاج التميمي
17- جابر بن عروةالغفاري
18- جبلة بن علي الشيباني
19- جنادة بن الحارث السلماني
20- جنادة بن كعب الأنصاري
21- جندب بن حجيرالخولاني
22- جوين بن مالك الضبعي التميمي
23-الحارث بن امرئ القيس الكندي
24- الحارث بن نبهان مولى حمزة
25- حباب بن الحارث
26-الحباب بن عامر الشعبي
27- الحباب مولى عامر التميمي
28- حبشي بن قيس النهمي
29- حبيب بن مظاهر الأسدي
30- الحجاج بن بدر السعدي
31- الحجاج بن مسروق الجعفي
32- الحجاج بن يزيد السعدي
33- الحر بن يزيد الرياحي
34- الحلاس بن عمرو الراسبي
35- حنضلة بن أسعد الشبامي
36- حنضلة بن عمرو الشيباني
37- حيان بن الحارث السلماني الأزدي
38- خالد بن عمروبن خالد الأزدي
39- زهير بن بشرالخزعمي
40- زهير بن سليم العبدي الأزدي
41- زهير بن القين البجلي
42- زياد بن عريب الصائدي
43- سعد ابن الحارث الانصاري
44- سعد بن حنظلة التميمي
45- سعيد بن عبد الله الحنفي
46- سلمان بن مضارب البجلي
47- سوّار ابن أبي حمير الفهمي الهمداني
48- سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي
49- سيف بن الحارث بن سريع الجابري
50- سيف بن مالك العبدي النميري
51- شبيب بن عبد الله النهشلي
52- ضرغام بن مالك التغلبي
53- الطرماح بن عدي
54- عائذ بن مجمع العائذي
55- عابس بن شبيب الشاكري
56- عامر ابن حسان الطائي
57- عامر بن مسلم العبدي
58- عباد بن المهاجر الجهيني
59- عبد الأعلى بن يزيد الكلبي
60- عبد الرحمن بن عبد الله الارحبي
61- عبد الرحمن ابن عبد الله اليزني
62- عبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري
63- عبد الرحمن بن عروة الغفاري
64- عبد الرحمن بن مسعود بن الحجاج التميمي
65- عبد الله ابن أبي بكر
66- عبد الله بن بشر الخثعمي
67- عبد الله بن عروة الغفاري
68- عبد الله ابن عمير بن جناب الكلبي وزوجته أم وهب
69- عبد الله وعبيد الله ابنا يزيد ابن ثبيت العبدي
70- عبد الله بن يقطر
71- عقبة ابن سمعان
72- عقبة بن الصلت الجهني
73- علي بن مظاهر
74- عمار بن أبي سلامة الهمداني
75- عمار بن حسان الطائي
76- عمار بن سلامة الدالاتي
77- عمارة ابن صخلب الازدي
78- عمر بن الاحدوث الحضرمي
79- عمر بن خالد الصيداوي
80- عمر بن ضبيعة الضبعي
81- عمرو بن جنادة بن الحارث الانصاري
82- عمرو ابن خالد الازدي
83-عمرو بن عبد الله الجندعي
84- عمرو بن قرظة بن كعب الانصاري
85- عمرو بن مشيعة
86- عمرو بن المطاع الجعفي
87- عمران بن كعب ابن حارثة الاشجعي الأنصاري
88- عمير بن عبد الله المذحجي
89- قاسط بن زهير التغلبي
90- القاسم بن حبيب الازدي
91- قرة بن أبي قرة الغفاري
92- قعنب بن عمرو النمري
93- قيس بن مسهر الصيداوي
94- كردوس (أو كرش) بن زهير التغلبي.
95- كنانة بن عتيق التغلبي.
96- مالك بن انس الكاهلي
97- مالك بن ذودان
98- مالك بن عبد بن سريع الجابري
99- مجمع بن زياد الجهني
100- مجمع بن عبد الله العائذي
101-محمد ابن بشير الحضرمي
102- مسعود بن الحجاج التميمي
103- مسلم بن عوسجة الاسدي
104- مسلم بن كثير الازدي
105- المعلا
106- مقسط بن زهير التغلبي
107- الموقع بن ثمامة الاسدي
108- نافع بن هلال الجملي
109- النعمان بن عمرو الراسبي
110- نعيم بن عجلان الأنصاري
111- هانئ بن عروة المرادي
112- وهب بن عبد الله بن جناب الكلبي
113- يحيى بن سليم المازني
114- يحيى بن كثير
115- يزيد بن ثبيت العبدي
116- يزيد بن حصين الهمداني المشرقي
117- يزيد بن مظاهر
118- يزيد بن مغفل الجعفي

سابعا :أسماء الموالي من أنصار الحسين (عليه السلام)
1- نصر( مولى الإمام علي (عليه السلام))
2- أسلم التركي (مولى الحسين (عليه السلام))
3- جون (مولى أبي ذر الغفاري))
4- الحرث (مولى حمزة)
5- الحباب (مولى عامر التميمي)
6- رافع (مولى مسلم الأزدي)
7- سالم (مولى عامر العبدي)
8- سالم (مولى بني المدينة الكلبي)
9- سعد (مولى الإمام علي (عليه السلام))

10- سعد (مولى عمربن خالد الصيداوي)
11- سليمان بن رزين (مولى الحسين (عليه السلام))
12- شبيب (مولى الحرث الجابري)
13- شوذب (مولى عابس الشاكري)

Viewing all 1154 articles
Browse latest View live