Quantcast
Channel: العربية
Viewing all 1154 articles
Browse latest View live

شفاء سيد دامغان بفضل صاحب العصر والزمان

$
0
0
شفاء سيد دامغان بفضل صاحب العصر والزمان

غادر السيد محمد باقر مدينة دامغان، لينتقل إلى مدينة مشهد لمواصلة دراسته الحوزويّة. مضت السنوات، وذهب الزمان.. وقد أكمل السيد محمد باقر دراسته.. وأصبح من العلماء الروحانيين في مدينته الجديدة. ولكنّ الأمر لا يصفو دائماً، ولا يبقى الحال على ما إليه آل.. فلقد ابتلي سيدنا بمرض عضال ... إنّه السلّ.. هكذا هي العلامات والأعراض.. ممّا جعله ضعيفاً معتلاً.. سقيماً.

غادر السيد محمد باقر مدينة دامغان، لينتقل إلى مدينة مشهد لمواصلة دراسته الحوزويّة.
مضت السنوات، وذهب الزمان.. وقد أكمل السيد محمد باقر دراسته.. وأصبح من العلماء الروحانيين في مدينته الجديدة.
ولكنّ الأمر لا يصفو دائماً، ولا يبقى الحال على ما إليه آل.. فلقد ابتلي سيدنا بمرض عضال ... إنّه السلّ.. هكذا هي العلامات والأعراض.. ممّا جعله ضعيفاً معتلاً.. سقيماً.
لقد أصابه الخوار والهزال.. راجع العديد من الأطباء.. لم ييأس من روح الله.. ولكنه كان منزعجاً، فذهب لشرح حالته لأحد أصدقائه من مراجع الدين في المدينة.
بدا على صديقه التألّم والانزعاج فقال له:
- ألست علويّاً يا رجل؟ لماذا لم تمثل بين يدي بقيّة الله.. صاحب الأمر والزمان؟
أخذت السيد نوبة من البكاء الشديد.. نهض من مجلسه.. ورغم صعوبة حالته.. فقد غادر مسرعاً، وكأنّ شيئاً يريد أنْ يأخذه، ويسرع به إلى إمامه وسيّده، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
دخل الصحن الرضوي الشريف، لكنّه بدا له وكأنّه خال إلاّ من أشخاص معدودين، بينهم سيّد تبدو عليه سيماء الهيبة ... هذا هو حجّة الله في أرضه، فقال في نفسه:
- عليّ أنْ أناديه وأعرض عليه حالتي.
لقد كان تفكيراً في نفسه.. ونيّة في قلبه فقط، ولكنّه رأى أنّ الرجل أدار رأسه الشريف إلى ناحيته، ورمقه بنظرة من جانب عينه.
تصبّب جسم السيد عرقاً غزيراً، وأخذته رعشة.
ووقف عدة لحظات مبهوراً، لا يدري ماذا أصابه.. شعر فجأة وكأنّه أقوى ما يكون، رأى الصحن الشريف على حقيقته، مملوءاً بالزائرين. ولقد دب النشاط في جميع أنحاء جسمه.
لقد أصبح سيد دامغان على أتمّ صحّة وعافية بفضل صاحب العصر والزمان عليه السلام.


الحكمة من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان!

$
0
0
الحكمة من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان!

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (لا نبي بعدي)، وقوله : (وانا العاقب) يريد آخر الأنبياء وخاتمهم، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أنّ عيسى ينزل نبيا بشريعة متجددة وغير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، بل إذا نزل فإنّّه يكون يومئذ من أتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (لو كان موسى حياً ما وسعه الا اتباعي).

ذهب قوم إلى أنه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلاّ يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا امر مردود بقوله تعالى : (وخاتم النبييّن).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (لا نبي بعدي)، وقوله : (وانا العاقب) يريد آخر الأنبياء وخاتمهم، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أنّ عيسى ينزل نبيا بشريعة متجددة وغير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، بل إذا نزل فإنّّه يكون يومئذ من أتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (لو كان موسى حياً ما وسعه الا اتباعي).
فإنْ قيل : فما الحكمة في نزوله في ذلك الوقت دون غيره؟ فالجواب عنه في ثلاثة أوجه:
أحدها : يحتمل أنْ يكون ذلك لانّ اليهود همت بقتله وصلبه وجرى أمرهم معه على ما بيّنه الله تعالى في كتابه، وهم أبداً يدعون أنهم قتلوه وينسبونه للسحر وغيره إلى ما كان الله برّأه ونزهه منه، ولقد ضرب الله عليهم الذلة فلم تقم لهم منذ أعز الله الإسلام وأظهر رايته، ولا كان لهم في بقعة من بقاع الأرض سلطان ولا قوة ولا شوكة، ولا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة، فيظهر الدجال وهو أسحر السحرة، ويبايعه اليهود فيكونون يومئذ جنده مقدرين أنهم ينتقمون به من المسلمين، فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزل الله تعالى الذي عندهم أنهم قد قتلوه وأبرزه لهم ولغيرهم من المنافقين والمخالفين حياً، ونصره على رئيسهم وكبيرهم المدعي الربوبية فقتله وهزم جنده من اليهود بمن معه من المؤمنين، فلا يجدون يومئذ مهرباً وإن توارى أحد منهم بشجر أو حجر أو جدار ناداه: يا روح الله ها هنا يهودي حتى يقف عليه. فامّا أنْ يسلم وأما أن يقتل، وكذا كل كافر من كل صنف حتى لا يبقى على وجه الأرض كافر.
والوجه الثاني : وهو أنه يحتمل انْ يكون انزاله مدة لدنو أجله لا لقتال الدجال، لانّه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء لكن أمره يجري على ما قاله الله تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فيها نُعيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) . فينزل الله تعالى ليقبره في الأرض مدة يراها فيها من يقرب منه ويسمع به من نأى عنه، ثم يقبضه فيتولى المؤمنون أمره ويصلون عليه ويدفن حيث دفن الأنبياء التي أمه مريم من نسلهم وهي الأرض المقدسة، فينشر إذا نشر معهم، فهذا سبب إنزاله، غير أنه يتفق في تلك الأيام من بلوغ الدجال باب لد.
هذا ما وردت به الأخبار فإذا اتفق ذلك وكان الدجال قد بلغ من فتنته إن ادّعى الربوبية ولم ينتصب لقتاله أحد من المؤمنين لقتلهم كان أحق بالتوجيه إليه ويجري قتله على يديه اذ كان ممن اصطفاه الله لرسالته وأنزل عليه كتابه وجعله وأمه آية فعلى هذه الوجه يكون الأمر بإنزاله لا أنّه ينزل لقتال الدجال قصداً.
والوجه الثالث: أنّه وجد في الإنجيل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم حسب ما قال وقول الحق سبحانه : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجيلِ) فدعا الله عزوجل أن يجعله من امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فاستجاب الله تعالى دعاءه ورفعه إلى السماء إلى أن ينزله آخر الزمان مجدداً لما درس من دين الإسلام دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فوافق خروج الدجال فيقتله.
ولا بدّ على هذا أنْ يقال : إن قتاله للدجال يجوز أن يكون من حيث أنه إذا حصل بين ظهراني الناس وهم مفتونون قد عم فرض الجهاد أعيانهم وهو أحدهم، لزمه من هذا الفرض ما يلزم غيره، فذلك يقوم به، وذلك داخل في أتباع نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وبالله التوفيق.

هل المهدي عليه السلام آلة قتل ولا يخرج إلا للانتقام؟

$
0
0
 هل المهدي عليه السلام آلة قتل ولا يخرج إلا للانتقام؟

إن تصوير القضايا يختلف كثيرا عن واقعها، فكثيرا ما تكتشف أن القضايا التي سمعتها من أشخاص تثق بهم أو لا تثق بهم تتبين لك بعد فترة من الزمن أنها بعيدة عن الواقع ولا أساس لها يدعم مصداقيتها, وهذا ما يؤثر في نفسية المتلقي ويجعله يشكك في كل شيء سمعه, وقد كان من أهم الأسباب التي حرفت المسيرة للديانة المسيحية هو هذا الأمر وقد سجل بوضوح على أصحاب الكنائس أنهم كانوا يصورون القضايا على غير واقعها ويبنون على أساس هذه التصورات احكاماً ثم بعد ذلك تعمم هذه الأحكام وتكون حاكمة على القضايا الأخرى.

إن تصوير القضايا يختلف كثيرا عن واقعها، فكثيرا ما تكتشف أن القضايا التي سمعتها من أشخاص تثق بهم أو لا تثق بهم تتبين لك بعد فترة من الزمن أنها بعيدة عن الواقع ولا أساس لها يدعم مصداقيتها, وهذا ما يؤثر في نفسية المتلقي ويجعله يشكك في كل شيء سمعه, وقد كان من أهم الأسباب التي حرفت المسيرة للديانة المسيحية هو هذا الأمر وقد سجل بوضوح على أصحاب الكنائس أنهم كانوا يصورون القضايا على غير واقعها ويبنون على أساس هذه التصورات احكاماً ثم بعد ذلك تعمم هذه الأحكام وتكون حاكمة على القضايا الأخرى.
وقد أبتليت الأمة الإسلامية بفرقة ألمحت لها الروايات المنقولة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنها من الفرق المارقة وتخرج عن عباءة الدين, وهذه الفرقة تعمل هذا العمل، فتصور ما ليس بواقع على انه واقع، فتعطيه أحكاما، ثم تجعل هذا الحكم لهذه القضية التي ليس لها واقع حكما عاما وله شمولية وقدرة على التأثير في كثير من الأحكام الأخرى, ويسوق هذا الحكم إلى الناس على أساس انه من القضايا الواضحة والبديهية والتي لا يصلها حد النقاش والتشكيك, ومن قبيل ذلك ما يصورون عن وصف المهدي عليه السلام بأنه آلة القتل وسفك الدم للمذاهب الأخرى, إذ يقول عبد الله الغفاري في (بروتوكولات آيات قم)، والقفاري في (أصول مذهب الشيعة): إن القائم إذا قام عرضوا عليه كل ناصب فان اقر بالإسلام وهي الولاية والا ضرب عنقه أو اقر بالجزية فاداها كما يؤدي أهل الذمة ثم يقول: يقوم موتورا غضبانا يجرد السيف فيحصد أهل السنة, وفي مقطع آخر ويقطع أيدي بني شيبة ويعلقها بالكعبة ويكتب هؤلاء سراق الكعبة, ويقول: يجرد سيفه ثمانية أشهر يقتل هرجا, وفي مقطع آخر ينقل هؤلاء أنه ما بقي بين العرب والمهدي إلا الذبح, وانه لا يخرج مع القائم منهم أحد وغيره الكثير من النصوص والمقالات والمقاطع التي يمكن أن يرجع اليها بسهولة، حيث يجدها المتتبع في هذا الزمان مبثوثة منتشرة في أغلب كلماتهم.
وقد سمعت من بعض من يخرج على الفضائيات المسمومة، والتي لا شغل لها سوى إثارة ما يفرق المسلمين ويشتت كلمتهم أن المهدي عليه السلام ليس إلا آلة القتل ولا يخرج إلا للإنتقام.
ونحن لا نستغرب أن يصدر هذا الكلام من هؤلاء الأشخاص فهم أجهل الناس بما عندهم، فكيف ترى جهلهم بما عند غيرهم, ولكن لكي لا تبقى هذه الشبهة عالقة في أذهان بعض المؤمنين وتسوق على انها قضايا واضحة, نرى من المناسب أن يرد على هذه الشبهة من خلال المحاور التالية:
الأول: مصادر هذه الشبهة.
الثاني: أين هي الحقيقة في هذه القضية؟
الثالث: ماذا يفعل المهدي عليه السلام الذي يعتقد به الوهابية عندما يخرج؟
الرابع: لماذا الإكثار من الحديث بهذا الشكل عن الشيعة ومعتقداتهم في هذا الزمان؟
المحور الأول:
توجد مجموعة من الروايات تنص على أن المهدي عليه السلام عندما يخرج سيواجه مجموعة من الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين لا يخضعون لميزان من عقل أو حكمة أو دراية ولا يتمسكون بمنهج أو طريقة يتم من خلالها التحاور معهم, فلابد للمهدي عليه السلام حينئذ من خيارين، الأول أن يترك هؤلاء وما يعتقدون وأن يفعلوا ما يحلو لهم دون أي رادع, والخيار الثاني أن يقاتلهم بعد أن فشلت جميع سبل الحوار معهم و هذا المنهج الذي يتبعه المهدي مع هؤلاء هو منهج عقلائي شرعي، فإذا ذهبنا إلى سنن العقلاء التي يتعاملون بها ولنضرب مثالا نعيشه في أزماننا هذه ونحن نعيش حالة الغليان عند الكثير من الشعوب العربية فإن أول ما يلجئون إليه هو طريقة سلمية وحوار عقلائي فإذا ما فشلت هذه الطرق في اخذ الحق وإزاحة الظلمة من عروشهم فانه يصار إلى منهج آخر وهو القوة والسلاح, فالعقلاء يتعاملون بهذه الكيفية وحتى في عقر دار الوهابية مع أنهم يسوقون لذلك في إعلامهم إلا اننا لا نجدهم على الواقع يتعاملون معه فتشاهد الفتاوى والتصريحات من هنا ومن هناك التي تنص على إقصاء الآخر إبتداء بالسلاح.
اما على وفق ما سارت عليه الشرائع فإننا نجد أن ما قام به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو عين ما سيقوم به المهدي عليه السلام إذ سيعمد في بداية حركته كما عمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بان يكون هناك حوار سلمي عقلائي يدعو من خلاله الناس إلى اتباع المنهج الحق وطريق الهداية فإذا ما فشل في ذلك فانه سيأخذ على عاتقه أن ينهض بالسيف ليطهر الأرض من الأوثان والوثنية, والمهدي عليه السلام كذلك سيقوم بهذا الفعل اذ سيرسل للناس وخصوصا في مكة من يخبرهم أن المهدي عليه السلام قد خرج فإذا ما انصاعوا وأذعنوا فلا شك انه لا حاجة لقتالهم ولكن إذا استكبروا وعاندوا فلا سبيل إلا أنْ يضع السيف في رقابهم ليجتث أصول الظلم التي عشعشت في الأرض وأزاحت بصيص الامل في السعادة والعدالة على مدى قرون متمادية.
فمنهج المهدي ليس بدعا وليس مختصا به وإنما هو منهج شرعي وعقلائي ثم إننا نسأل الوهابية عن تاريخ دعوتهم وان كانت هذه المقارنة نظير من يقارن أمير المؤمنين عليه السلام بمعاوية ويعتبر كلاً منهما متكافئين وهذا من أشد ما يؤلم المؤمنين فإنه مجرد أن تطرح المقارنة بهذا الشكل وهذه الكيفية، فإنها ظلم ما بعده ظلم ولكن مع ذلك إذا اقتضى الإفهام والتفهيم للطرف الآخر فاننا نقول لو قدر وقد قدر فعلا للوهابية أن تمسك زمام الأمور في الجزيرة فماذا فعلت وكم من الدماء سفكت وأين مئات الآلاف من الرقاب التي قطعت وعلقت وكانت ثمنا لإقامة دولة الجماجم في بلاد الحرمين حتى هتك الحرمان واستبيحت حرمتهما لأجل أن يقام عرش يرى هؤلاء المتعصبون أنه منهج التوحيد وصفاء الدين، بينما هو في الحقيقة وعلى لسان علماء المسلمين منهج الشرك والتجسيم وأشد ما كدر صفو المسلمين منذ أن بزغ للإسلام صوت إلى يومنا هذا.
إذن فالمنهج الذي يقوم به المهدي عليه السلام هو المنهج العقلائي الشرعي، وقد نصت على ذلك روايات يبقى شيء لابّد من الإلتفات إليه، إن الروايات التي ينقلها هؤلاء من مصادر الشيعة نجدها تنص وبشكل واضح، إنّ حدود الحرب التي يشنها المهدي عليه السلام من حيث الزمان والجغرافية محدودة جدا ونسبة القتل محدودة جدا نعم, إنّ أي حركة تهدف لتحقيق الاصلاح وتواجه المعاندين فلابد أن تستخدم الحرب كأسلوب يلجأ إليه بعد أن تستنفذ الأساليب الأخرى, وقد نصت جملة من الروايات على أنّ المهدي عليه السلام يبعث إلى أهل مكة من يخبرهم بخروجه ويحتج عليهم بما يثبت حقانيته.
وكذلك في غير الرقعة الجغرافية التي تشمل مكة والمدينة بل تنص بعض الروايات على أنه يعمد إلى صلح مع الجانب الغربي، كما عمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل مكة, ومن يفعل ذلك بلا شك ليس راغبا في إقامة الحروب وسفك الدماء، خصوصا بعد أن يحقق انتصاراته في شبه الجزيرة العربية ومجمل البلدان الإسلامية, إذن فهذا اتهام مفرغ عن الواقع وبعيد عن الأدلة.
المحور الثاني:
إذا سألنا أنفسنا هذا السؤال، وهو كيف نصل إلى الحقيقة في هذه القضية، إنه لابد للإنسان الباحث عن الحقيقة أن يجهد نفسه في الوقوف على الأدلة وينقب بين ثنايا الكتب ليصل إلى شاطيء الأمان والحقيقة، إن هناك لغطا كبيرا وتشويشا متعمدا حول قضية الإمام المهدي عليه السلام، والاسباب كثيرة جدا ولا نريد الخوض فيه الآن، ولكن الذي سيتبين هو أن الحقيقة هي غير ما يقول عنه هؤلاء، بل ان ما يعتقدون في المهدي عليه السلام من تصرفات وافعال حين ظهوره قد تكون اشد صرامة من حيث الفعل الخارجي مما نعتقده نحن في المهدي عليه السلام، وهذا ما سيأتي الحديث عنه في محور آخر.
إذن فالحقيقة وبشكل واضح هي أنّ هناك تشويشاً متعمداً وسوقاً للكلام بغير مستند، لتشويه الصورة وتزييف الحقيقة، والحقيقة هي ان المهدي عليه السلام آلة الرحمة وهو الشخص الذي ينشر العدل ويرفع الظلم باتفاق الطرفين، فمن يخرج لبسط يد القسط ويجتث اصول الظالمين لا يسمى سفاحا ويحمل آلة القتل، فهل يعقل ان يقال ان الله سبحانه وتعالى عندما يبعث بالزلازل والكوارث على بعض البلدان التي تخرج عن الانصياع للأوامر الإلهية انه آلة قتل ويريد الدمار؟
لا يمكن لشخص يحترم فكره ووجدانه ان يحكم بذلك ولكن هؤلاء عندما يصلون إلى الحقيقة ويجدون انها ليست فيما يعتقدون وبعيدة عما يؤمنون يجحدونها ويصمونها بأبشع الأوصاف ولكن واقعها على النقيض مما يقولون.
المحور الثالث:
اذا وجهنا السؤال إلى الوهابية وقلنا لهم: ماذا يفعل المهدي عليه السلام الذي تؤمنون به عندما يخرج؟ فستأتيك الأجوبة ومن اعلي المصادر التي يعتمدونها في تمويل أفكارهم وعقائدهم: إن المهدي آلة القتل وسفك الدماء وانه سيقتل العرب بل انه لا يوجد في صف المهدي عليه السلام من العرب حتى بنسبة ١%, فالعرب اليوم على اقل تقدير يشكلون ما يفوق الـ ٣٠٠ مليون نسمة، وعندما تتحدث الأخبار عن ان القليل من العرب يلتحقون بالمهدي ولا يتجاوز عددهم بضع آلاف فإننا نسأل أنفسنا أين هذا العدد الهائل من العرب والذي هو في ازدياد من نصرتهم للمهدي عليه السلام، والكون في صفه وتحت رايته, فهذه أم شريك، ينقل عنها جابر بن عبد الله الأنصاري _كما يروي صحيح مسلم_ في الجزء الثامن ص٢٠٧ إنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ليفرنّ الناس من الدجال في الجبال قالت: يا رسول الله فاين العرب يومئذ قال هم قليل, فاين هذه الملايين من العرب ياتيك الجواب (كما رواه احمد ومسلم والترمذي) إنهم في بيت المقدس وماذا يفعل العرب في بيت المقدس وهم يعلمون أن المهدي يخرج من مكة اليس أن الدجال يخرج هناك وهل يعقل ان كل العرب يكونون أنصاراً للدجال، اذا كانت الأحاديث تدل على ذك وتنص عليها الصحاح كصحيح البخاري ومسلم وغيره فلابد ان يؤمن هؤلاء بأنهم اتباع الدجال، اذ تصفهم الروايات بأنهم قليلون وأنه لا يبقى منهم إلا بضعة آلاف وان جلهم في بيت المقدس وان هناك حالة استغراب من دور العرب وانحسار وجودهم في المكان الذي يعلمون جيدا انه موضع خروج المهدي.
إذن فالأخبار تنص على ان اغلب العرب ليسوا من أنصار المهدي عليه السلام، ولو كانوا من أنصاره لكانوا متواجدين في المكان الذي يخرج فيه لا انهم يتواجدون في المكان الذي يوجد فيه اعداء المهدي عليه السلام كالدجال وغيره.
إذن الحقيقة تقول ان آلة القتل عقيدة لهم لا عقيدة لنا, فهم عندما وجدوا أنفسهم أتباعا للدجال الإرهابي الأول في العقيدة التيمية، وما يمثله هذا الاعتقاد لهم من إحراج أمام جمهورهم حاولوا التغطية على ذلك بنعت الشيعة وعقيدتهم في المهدي بانها عقيدة القتل والإرهاب, فواقع الحال إنما هذا الاتهام لأجل التغطية على ما يؤمنون به من اعتقاد وما يخبؤون من نصرة للدجال وفرار من أرض الحرمين والالتجاء إلى دار اليهود ومسكن حلفائهم.
المحور الرابع:
إننا نجد أن الإكثار من الحديث وإبراز التهم بشكل ملفت في هذا الزمان تجاه التشيع وعقائده حتى صار العنصر السائد والجو الغالب في منطقتنا وذاك الجو المشحون والموبوء بالحمى الطائفية, فقد أضحت جملة من الفضائيات، وهي في ازدياد لا هم لها ولا شغل إلا كيل الاتهامات للشيعة وعقائدهم والإفتاء بخروجهم عن الإسلام وتكفيرهم والحكم باراقة دمائهم وسبي نسائهم والاستيلاء على أموالهم، والقضية ليست بخافية على أحد، فالفضائيات تجاهر بفتاوى من يقولون إن الشيعة كفار ويجب اراقة دمائهم بل وقد فعلها الوهابية في أول حركة لهم عندما اسسوا دينهم الجديد، والقضية ليست منحصرة بالشيعة، ولكن التشيع يؤخذ غطاء لشن الهجمات تجاه جميع الفرق الإسلامية الأخرى ما عدا اليهود، فانهم آمنون سالمون مطمئنون، فعقائدهم بمأمن من ألسنة هؤلاء ولا يجوز التعدي عليها، فلها القدسية والاحترام وان الناس أحرار فيما يعتقدون, اما الشيعة والفرق الإسلامية الأخرى فهؤلاء كفار مباحو الدم يجب ان تكال ضدهم التهم وان يصوروا للناس بأن عقائدهم تؤسس للإرهاب وان كل مشكلة في منطقتنا العربية انما هي بسبب هذا الوجود الشيعي، هذه السياسة التي باتت واضحة هذه الأيام تعكس لنا في الحقيقة عن شدة امرارة وقوة الألم والفقر الفكري والثقافي وخواء المعتقد لدى هؤلاء الخوارج الجدد, فلما تبين لهذا المذهب الوهابي ان عقيدته لا واقع لها ولا رصيد في نفوس الناس، اذا كشفت على ما هي عليه، قاموا لأجل التغطية عليها بذلك فشنوا الهجمات على الشيعة وعقائدهم وحيث ان أبرز قضية خلافية هي قضية الإمامة المتمثلة بإمامة المهدي عليه السلام كانت مسرحا أكثر من غيرها لكيل التّهم وتزييف الحقائق.
فالسر الكامن وراء اتهام الشيعة وعقيدة الانتظار هو خواء معتقد الآخر وانكشاف حقيقته لدى العلماء، فضلا عن الجمهور، فسبيلهم الوحيد التغطية على واقعهم المزري بكيل الاتهامات.

العلاقة بين المكلَّف (المنتظِر) وبين الإمام المهدي عليه السلام في عصر الغيبة الكبرى

$
0
0
العلاقة بين المكلَّف (المنتظِر) وبين الإمام المهدي عليه السلام في عصر الغيبة الكبرى

يتمثَّل هذا المحور من العلاقة مع الإمام المهدي عليه السلام في الإيمان به على أساس البرهان والدليل سواء أكان مستمدّاً من العقل كقاعدة اللطف وضرورة أن يكون هناك حجّة لله على الأرض لهداية الأمم والشعوب سواء أكان متمثّلاً بالرسول أو الإمام فيكون هو واسطة الفيض الإلهي.

بعيداً عن البدء بالتمهيد والمقدّمة والغور في عوالم العلاقات الاجتماعية وأسباب نشوئها واختلاف أهدافها وتنوّع أشكالها، أقول بعيداً عن كلّ هذا وذاك، فالبحث عن طبيعة العلاقة والارتباط بصاحب العصر والزمان في عصر الغيبة الكبرى من قبل المكلَّف المنتظِر يمكن أن يتمحور بثلاث نقاط:
١ _ الارتباط العقيدي.
٢ _ الارتباط التشريعي.
٣ _ الارتباط العاطفي.
النقطة الأولى: الارتباط العقيدي:
يتمثَّل هذا المحور من العلاقة مع الإمام المهدي عليه السلام في الإيمان به على أساس البرهان والدليل سواء أكان مستمدّاً من العقل كقاعدة اللطف وضرورة أن يكون هناك حجّة لله على الأرض لهداية الأمم والشعوب سواء أكان متمثّلاً بالرسول أو الإمام فيكون هو واسطة الفيض الإلهي.
أم كان مستمدّاً من النصّ الشرعي وهو متوفّر في العقيدة المهدوية بما يفوق التواتر الاجمالي أو المعنوي وحتَّى اللفظي.
ويمكن إجمال الارتباط العقيدي مع الإمام المهدي عليه السلام بالنقاط التالية:
١ _ الإيمان والاعتقاد بأنَّ الأرض لا تخلو من حجّة لله تعالى على خلقه.
٢ _ الاعتقاد بأنَّ خلفاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر أوّلهم أمير المؤمنين عليه السلام وآخرهم مهدي آل محمّد عليه السلام.
٣ _ الاعتقاد بأنَّ المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري ابن الإمام علي الهادي إلى أن يصل نسبه إلى أمير المؤمنين عليه السلام والزهراءP بنت رسول الله عليه السلام.
٤ _ الاعتقاد بأنَّه مولود سنة (٢٥٥هـ) وحصلت له غيبة بعد شهادة والده سنة (٢٦٠هـ)، وكان له نوّاب أربعة وبموت النائب الرابع علي بن محمّد السمري انقطعت الغيبة الصغرى وبدأت الغيبة الكبرى إلى أن يأذن الله تعالى له بالظهور.
٥ _ الاعتقاد بأنَّ له عليه السلام جميع المقامات المستحقّة للأئمّة عليهم السلام، وهو وارث علم الأوّلين والآخرين، وسوف يحقّق الله على يديه وعده الذي لا يُخلَف ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) ، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْـرِكُون)
وكما تصرّح الأحاديث الكثيرة على خلافته للأرض، نذكر منها للتبرّك حديثين شريفين:
١ _ عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر: (إنَّ المهدي من عترتي من أهل بيتي، يخرج في آخر الزمان، ينزل له من السماء قطرها، وتخرج له الأرض بذرها، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأها القوم ظلماً وجوراً).
٢ _ عن أبي سعيد رفعه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدّثون، مفهَّمون، آخرهم القائم بالحقّ يملأها عدلاً كما ملئت جوراً).
النقطة الثانية: الارتباط التشريعي:
ونعني به العلاقة الشرعية بين المكلَّف وبين الإمام المهدي عليه السلام، ومن أين يحصّل المكلَّف على حكمه الشرعي خلال مسيرة حياته الفردية والاجتماعية أو العبادية والمعاملاتية.
إذ هناك دعاوى من شذّاذ الناس إلى أنَّ الإنسان المرتبط مع الإمام المهدي عليه السلام يمكن أن يأخذ أحكامه الشرعية منه مباشرةً، وهذه الشبهة يراد منها تضييع الدين، ومن خلاله ضياع الإنسان المكلَّف، إذ بعد انتهاء الغيبة الصغرى وانقطاع النيابة الخاصّة حوَّل الإمام عليه السلام الرجوع في أمور الدنيا والدين إلى فقهاء الأمّة ومراجعها، كما جاء في التوقيع الشريف: (وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم).
بل لقد أسَّس أهل البيت عليهم السلام للرجوع إلى الفقهاء من قبل ذلك حفاظاً على دين الناس ورعايةً لشؤون الأمّة، فقد جاء الحديث الشريف عن العسكري عليه السلام: (من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه...).
النقطة الثالثة: الارتباط العاطفي:
يتمثَّل هذا المحور في إيجاد العامل الروحي والمعنوي للعلاقة مع الإمام المهدي عليه السلام عند الإنسان المنتظِر، كيف يزيد من شعلة الحبّ والولاء له عليه السلام؟ كيف يستشعر وجوده المقدَّس في ليله ونهاره؟ هنا يتسائل كلّ منّا _ نحن المنتظِرون _ كم هو غافل عن مولاه وسيّده؟ أترى هل يذكره بشكل يومي، أسبوعي، شهري؟ وما هي نوعية الذكرى؟ هل هي ذكرى عابرة ودعاء لقلقة لسان أم هو تعبير صادق يحكي عن ألم القلب ولوعة الفؤاد ودمعة العين؟ في مثل هذه الأجواء الروحية ينبغي أن يستشعر المنتظِر كلّ آلام الإمام عليه السلام ويستوحي كلّ رغباته حتَّى يكون سابقاً إلى إرادته بعد أن كان ممتثلاً لأوامره، وهي مرتبة عالية للمنتظِر تجعله عارفاً بمكنون رغبات سيّده وما يريده مولاه، فيبادر إلى تنفيذ رغبته ومراده قبل التفوّه به وقبل أن يأمر به.
وهنا يكون اختلاف رتب المنتظِرين بشكل جلي واضح، وإن كان الاختلاف حاصلاً أيضاً في النقطة الأولى، لأنَّ العلاقة العقدية أيضاً ذات مراتب، والمعرفة العلمية بحقائق أهل البيت والإمام المهدي عليهم السلام تختلف باختلاف المقامات العلمية للإنسان المنتظِر، ولكن الذي يتجلّى واضحاً للعيان هو مراتب قرب المنتظِر العاطفي من المولى صاحب العصر والزمان عليه السلام، فترى البعض لا يحسّ بوجود الإمام عليه السلام ورقابته عليه وألمه وحرقته على شيعته، وترى البعض عكس ذلك تماماً لا يرقى له جفن ولا يهدأ له بال، فهو متواصل الذكر ليله مع نهاره وفي سعادته وشقائه، وهذا ما عُبّر عنه في الرواية (نفس المهموم لنا المغتمّ لظلمنا تسبيح، وهمّه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرّنا جهاد في سبيل الله).
ويمكن إجمال محاور النقطة الثالثة بما يلي:
١ _ الارتباط الذكري (اللساني).
٢ _ الارتباط العملي (الفعلي).
٣ _ الارتباط القلبي وهو ما عُبّر عنه في بعض الروايات بالذكر الخفي، (وآنسنا بالذكر الخفي، واستعملنا بالعمل الزكي والسعي المرضي).
وختاماً نقول: إذا تحقَّق للإنسان المنتظِر هذه الأنواع الثلاثة من الارتباط كان مستحقّاً لأن يكون منتظِراً حقّاً، فالإمام لا يريد ارتباطاً عاطفياً أجوفاً بدون أن يكون مدعوماً بالدليل والبرهان العقلي والنقلي على صحَّة المسير وسلامة المعتقد، ودون أن يجسّد ذلك بنحو عملي في مسيرته الفقهية والشرعية باتّباع من اُمرنا باتّباعهم في عصر الغيبة وهم الفقهاء العدول، أمناء أهل البيت عليهم السلام على تراثهم وعلمهم.

مقامات الإمام المهدي عليه السلام:العراق - الحله

$
0
0
مقامات الإمام المهدي عليه السلام:العراق - الحله

قال الحموي في كتاب (معجم البلدان) ماملخّصه: إنّ الحلّة مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تسمّى الجامعين، وكان أوّل من عمّرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد(٤) الأسدي وذلك في محرم سنة ٤٩٥هـ، وكانت أجمة تأوي إليها السباع فنزل بها بأهله وعساكره وبنى  بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة، وتأنّق أصحابه في مثل ذلك فصارت ملجأً، وقد قصدها التجّار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدّة حياة سيف الدولة(٥).

إعداد: أحمد علي مجيد الحلي
الحلّة لغوياً:

الحلّة: بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام , تُقال على عدّة اشياء:

١) القوم النزول وفيهم كثرة.

٢) شجر شائك أصغر من العوسج.

٣) علم لعدّة أماكن:

أ) حلّة بني قيل بشارع ميسان بين واسط والبصرة(١).

د) حلّة بني مزيد, وهي المقصودة بالبحث هنا وكانت تُسمّى الجامعين.

قال الحموي في كتاب (معجم البلدان) ماملخّصه: إنّ الحلّة مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تسمّى الجامعين، وكان أوّل من عمّرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد(٤) الأسدي وذلك في محرم سنة ٤٩٥هـ، وكانت أجمة تأوي إليها السباع فنزل بها بأهله وعساكره وبنى  بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة، وتأنّق أصحابه في مثل ذلك فصارت ملجأً، وقد قصدها التجّار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدّة حياة سيف الدولة(٥).

أقول: نورد هنا عدّة فوائد, منها أنّها سُمّيت بـ(الحلّة السيفية), نسبة إلى ممصّرها سيف الدولة صدقة, وأوّل من سمّاها بالسيفية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حديث مدح الحلّة , ومنها أنّها سُمّيت بـ(المزيدية), نسبة إلى الجدّ الأعلى لمؤسّسها صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد, ومنها أن (الجامعين) ذُكرت في كتاب (التاريخ الكامل) لابن الاثير قبل سنة ٤٩٥هـ(٦).

موقع الحلّة: هي بين النجف وبغداد, فهي تبعد عن بغداد نحو ١٠٠كم, وعن النجف نحو ٦٠كم، وعن بابل نحو ٧كم.

الحلّة بلدة النور: الحلّة هي وريثة بابل, وكانت بابل وسوراء وحواليهما معقل العلم قبيل الإسلام وبعده ومركز الاصطكاك العقلي بين مفكّري الأمم الهندوايرانية من الشرق والسريان والآراميين من الغرب, ثمّ صارت معقل الشيعة، ومنها كان الشيعة ببغداد يستلهمون المنعة والقوة, وبعد الاضطهاد السلجوقي لهم واحراق مكتباتهم والتجاء الشيخ الطوسي رحمه الله منها إلى النجف في سنة ٤٤٨هـ, تعاون المزيديون والأكراد الجاوانيون القاطنون بمطير آباد وأسد آباد والنيل حوالي بابل مع السباسيري ببغداد فألغوا الخلافة العبّاسية في ٤٥٠هـ وخطبوا للمستنصر الفاطمي، ثم بعد قتل السباسيري ورجوع الأتراك السلجوقيين والخلافة العباسية إلى بغداد, قام سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي مع الجاوانيين ببناء الحلّة, فصارت مركز الشيعة وذلك في المحرّم سنة ٤٩٥هـ، وبقيت كذلك حتّى سقوط بغداد ٦٥٦هـ(٧).

فكانت في حقبة من الزمن حاضرة من الحواضر العلميّة ومثابةً لطلاّب العلوم الدينية ودارسي فقه آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وقد بلغت أوجها في هذا المضمار في القرن السابع الهجري، وكان لأمتيازها هذا بواعث وأسباب، منها كونها من معاقل الشيعة الإماميّة منذ تأسيسها حتّى اليوم، ومنها قربها من مدينة النجف الأشرف التي كانت عاصمة العلم ومازالت, فإنّ هذا القُرب كان له الأثر الفاعل في إذكاء جذوة التفاعل بين الحاضرتين الشيعيتين, النجف والحلّة, فإن يأفل نور العلم فيها فتلك قبور العلماء فيها زيت النور, وإن يخفت مرّة أخرى فهاهم طلبة العلم من الحلّيين في النجف لأخذ العلم إليها, كي لا يطفئ فيها نور العلم , منذ تأسيسها إلى الآن.



في معرفة تاريخ المقام من خلال المخطوطات

«المخطوطة الأولى ٦٣٦هـ/١٢١٦م»

(مخطوطة الشيخ ابن هيكل)

إنَّ أهَمّ ما يرشدنا في هذه المخطوطة إلى تأريخ مقام صاحب الزمان صلى الله عليه وآله وسلم بالحلّة هو وجود تأريخ لعمارة المقام سنة ٦٣٦هـ، فيظهر منها أنّ المقام كان قبل هذا التاريخ بسنوات عدّة، ولكن وللأسف الشديد لم أعثر أنا على تأريخ قبل هذا التأريخ، أي بقي تأريخه غامضاً علينا نحو مئة وأربعين سنة من سنة ٤٩٥هـ ـ وهي سنة تمصير الحلّة ـ إلى سنة ٦٣٦هـ، ولكن اعتناء العلماء بهذا المقام وزيارتهم إيّاه وعمارته والدرس فيه يدلّ على عنايتهم به وأي عناية, فلا بدّ من أثر وعلى قولهم (الأثر يدل على المسير) والآن نأتي على تفصيل ماذكرناه:

قال المحقّق الحجّة السيد محمد صادق بحر العلوم (١٣١٥ـ١٣٩٩هـ) في تحقيقه لكتاب (لؤلؤة البحرين) للشيخ يوسف البحراني رحمه الله ص٢٧٢ ناقلاً عن آية الله العظمى السيد أبي محمد الحسن الصدر في كتابه النفيس (تكملة أمل الآمل): «رأيت بخط الشيخ الفقيه الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي ـ تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلّي ـ ما صورته: حوادث سنة ٦٣٦هـ, فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نمّا الحلي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلّة السيفيّة, وأسكنها جماعة من الفقهاء».

أقول: إنّ من هذه الأسطر نستخرج عدّة فوائد، فمنها

١ـ وجود عمارة للمقام الشريف قبل سنة ٦٣٦هـ.

٢ـ وجود مدرسة بجانب المقام قبل سنة ٦٣٦هـ.(وهي المدرسة التي أتكلّم عليها فيما بعد).

٣ـ أنّ ابن نما هذا لم يؤسّس المدرسة هذه، بل عمّرها من خراب أو صدع وقع فيها.

٤ـ كان لا يسكن هذه المدرسة إلاّ الفقهاء (بصريح قول ابن هيكل).

والآن نأتي على ذكر مصدر المخطوطة:

أقول: كتاب (تكملة أمل الآمل) في علماء جبل عامل للعلاّمة الشريف شيخ المحدّثين آية الله في العالمين أبي محمد السيد حسن بن الهادي بن محمد علي من آل صدر الدين الموسوي العاملي (١٢٧٢ـ١٣٥٤هـ) صاحب التصانيف المنيفة على التسعين والتي لم يُطبع منها الاّ نحو عشرين، وفيها أسمى الفوائد وأجود العوائد(٨), وياحبّذا لو يُلتفت إليها, طبع الجزء الأوّل من هذا الكتاب وهو ما يخصّ علماء جبل عامل في سنة ١٤٠٦هـ في قم المقدسة بإشراف مكتبة السيد المرعشي رحمه الله وبتحقيق السيد احمد الحسيني (دامت بركاته) وبقي منه جزءان في غير علماء جبل عامل لم يُطبعا, ولأنّ ابن نما من غير علماء جبل عامل، فمن المؤكّد أن هذه العبارة موجودة في الأجزاء الباقية لهذا الكتاب.

وأمّا ابن هيكل: فهو الشيخ الجليل علي بن فضل الله بن هيكل الحلّي تلميذ الشيخ أبي العبّاس أحمد بن فهد الحلّي الذي توفّي سنة ٨٤١هـ له كتاب الأدعية والأوراد والختوم.

«المخطوطة الثانية – سنة ٦٧٧هـ / ١٢٥٦م»

(نهج البلاغة)

إنّ أهمّ ما يرشدنا إلى تاريخ المقام في هذه المخطوطة أنّها كُتبت في داخل مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف سنة ٦٧٧هـ كما صرّح به جمع من العلماء , وسوف نأتي على ذِكر كلامهم, ولتسليط الضوء على هذه النسخة, نأتي على ذكر أصل الكتاب وجامعه وأحوال الناسخ ومواصفات تلك النسخة ومكانها, وهذا المطلب يتطلّب ذكر عدّة أمور، فلنأتِ على ذكرها.

في أصل الكتاب وجامعه:

نهج البلاغة: كتاب عربي, اشتهر في مملكة الأدب ألأُممي اشتهار الشمس في الظهيرة, وهو صدف لآلئ من الحكم النفيسة, ضمّ بين دفّتيه ٢٤٢ خطبة وكلاماً و٧٨ كتاباً ورسالة و٤٩٨ كلمة من يواقيت الحكمة وجوامع الكلم لأمير المؤمنين عليه السلام, ويُعدّ الكتاب الوحيد الذي جُمع بأسلوب فريد روايات منتقاة من بليغ آثاره وبديع كلامه عليه السلام والذي وُصف بأنّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين, والذي حظى عبر القرون, استنساخاً وشرحاً وتعليقاً من قبل أعلام البلاغة والأدب وحملة العلم والحديث جيلاً بعد جيل, وتمّ شرحه شروحاً عديدة تربو على السبعين, وأُلّفت عنه مؤلفات كثيرة. 

الجامع لنهج البلاغة: السيد محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، المشهور بالشريف الرضي رحمه الله (٣٥٩ـ٤٠٦هـ) الذي جمعه خلال ١٧عاماً تقريباً(٩).

أحوال الناسخ: السيد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمد الطبري الآبدار آبادي(١٠), من تلاميذ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد الحلّي تـ٦٩٠هـ، كتب له إجازة على نسخة (نهج البلاغة) في ٦٧٧هـ وصفه فيها: بالسيد الأجل الأوحد الفقيه العالم الفاضل المرتضى نجم الدين أبو عبد الله الحسين...... (١١) كما كتب نسخة من كتاب (النهاية) للشيخ الطوسي رحمه الله وأتمّها في يوم الثلاثاء ١٥شهر ربيع الاول سنة ٦٨١هـ , وقرأ الكتاب على العلاّمة الحلّي فأجازه بإجازتين في شهر ربيع الآخر وجمادى الآخرة من سنة ٦٨١هـ وقال في الاجازة الاولى:  قرأ عليّ الشيخ العالم الفقيه الفاضل الكبير الزاهد المحقّق العلاّمة نجم الملّة والدين عزّ الإسلام والمسلمين.... قراءة مهذّبة تدلّ على فضله، وتنبئ عن علمه.  

تاريخ النسخ: يوم السبت من أواخر شهر صفر سنة ٦٧٧هـ.

مكان النسخ: مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلّة السيفيّة.

مواصفات النسخة: النسخة مقروءة أكثر من مرة على غير واحد من أعلامنا وعليها إنهاءاتهم وإجازاتهم ورواياتهم للكتاب بأسانيدهم عن مؤلّفه الشريف الرضي رحمه الله.



ثمّ بعد ذلك هي مقابلة ومصححة بخطوط العلماء:

ففي نهاية المخطوط:

«تمّ الكتاب بعون الله وحسن توفيقه...يوم السبت من (أ) واخر صفر سنة سبع وسبعين وستمائة،  فرغ من نقله  الحسين بن اردشير الطبري الاندراوذي بالحلّة السيفيّة في مقام صاحب الزمان عليه السلام»،  والتاريخ يصلح أن يقرأ سبع وسبعين كما قرأه صاحب رياض العلماء، حيث رأى هذه النسخة في أصفهان وترجم لكاتبها في رياض العلماء ٢/٣٦، كما قرأها الاستاذ دانش بزوه وتحدّث عنها في نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران ٥/٤٢١.

ورآها شيخنا صاحب الذريعة رحمه الله في مكتبة العلاّمة الاديب الشيخ محمد السماوي رحمه الله وترجم لكاتبها في أعلام القرن السابع من طبقات أعلام الشيعة وقرأ تاريخ النسخة (سبع وستين)، وهذه المخطوطة قرأها كاتبها على الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي (٦٠١ـ٦٨٩هـ)، فكتب له الانهاء في آخرها:

«أنهاه أحسن الله توفيقه قراءة وشرحاً لمشكله وغريبه نفعه الله وإيّانا به وبمحمد وآله، وكتب يحيى بن احمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي بالحلّة حماها الله في صفر سنة سبع وستين (وسبعين) وستمائة».

وكتب له أيضاً بأوّل النسخة إجازةً برواية الكتاب عن مؤلّفه الشريف الرضي رحمه الله، ونصّها: «قرأ عليّ السيد الأجل الأوحد, الفقيه العالم الفاضل, المرتضى نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمد الطبري ـ أصلح الله أعماله وبلّغه آماله بمحمد وآله ـ كلّ هذا الكتاب من أوّله إلى آخره, فكمل له الكتاب كلّه, وشرحت له في أثناء قراءته وبحثه مشكله, وأبرزت له كثيراً من معانيه, وأذنت له في روايته عنّي, عن السيد الفقيه العالم المقرئ المتكلّم محي الدين أبي حامد محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي, عن الشيخ الفقيه رشيد الدين ابي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني, عن السيد أبي الصمصام ذي الفقار بن (محمد بن)(١٢) معد الحسني المروزي, عن أبي عبد الله محمد بن علي الحلواني, عن السيد الرضي ابي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الموسوي.

وعنه عن الفقيه عز الدين أبي الحارث محمد بن الحسن بن علي الحسيني البغدادي, عن قطب الدين أبي الحسين الراوندي، عن السيدين المرتضى والمجتبى ابني الداعي (الحسني) (١٣) عن أبي جعفر الدوريستي، عن السيد الرضي، فليروه (عنّي متى شاء وأحبّ....)سنة سبع وسبعين وستمائة» وقد حصل في هذا الموضع  طمس وتلف ذهبا بتوقيع المجيز, لكنّ الظاهر أنّه هو نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي لتشابه خط الاجازة والانهاء, ولأنّ الشيوخ المذكورين في الاجازة هم من مشايخه رحمهم الله جميعاً.

ثم انتقلت المخطوطة من الحلّة إلى النجف الأشرف فقُرئت على السيد محمد بن ابي الرضا العلوي, فامَإ أنَ كاتبها قرأها  أو قرأها غيره وهو الأظهر وقد  كتب الآوي بخطه: «أنهاه أدام الله بقاه قراءة مهذّبة وكتب محمد بن أبي الرضا».



«المخطوطة الثالثة ـ في بداية القرن الثامن الهجري»

(الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة)

إنّ أهمّ ما يُرشدنا إلى تأريخ المقام في هذه المخطوطة هو أنّها كُتبت مجاور مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة السيفية, ولكن وللأسف الشديد لم يُذكر في النسخة تأريخ صريح, لأنّ نسخة الكتاب مخرومة الآخر, ولتسليط الضوء على هذه النسخة, نأتي على ذكر أصل الكتاب ومؤلّفه وأحوال الشارح للكتاب ومواصفات تلك النسخة, ومكانها, وهذا المطلب يتطلّب ذكر عدّة أمور, فلنأتِ على ذكرها.

الأمر الأول: ـ في أصل الكتاب ومؤلّفه.

أقول: إنّ أصل الكتاب هو (الأبحاث المفيدة في تحقيق العقيدة) وهو في علم الكلام, وهو مختصر لكتاب (منهاج الهداية ومعراج الدراية)(١٤), وهو من تآليف آية الله العلامة الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن ابن الشيخ سديد الدين يوسف، ابن زين الدين علي بن المطهّر الحلي المولود في ٢٩من شهر رمضان سنة ٦٤٨هـ والمتوفّى في يوم السبت الحادي والعشرين من المحرّم سنة ٧٢٦هـ, ولم نرَ موجباً لذكر ترجمة له رحمه الله, لأنّ الكتب الرجاليّة والفقهيّة والحديثيّة وغيرها تعطّرت بأريج ذكره , ومثلي لايستطيع وصف مثله.

الأمر الثاني: في ذكر عدّة فوائد تخص هذه النسخة الخطية.

الفائدة الاولى: في اسم المخطوطة

(الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة) اقول: إنّي لم أرَ من سمّى هذا الكتاب بهذا الاسم سوى ثلاثة أعلام وهم:

١ـ مؤلّف الكتاب: وهو الناسخ له، وهذا ماصرّح به في مقدمة الكتاب.

٢) الواقف للنسخة: وهو الشيخ أسد الله بن محمد مؤمن الخاتوني العاملي المشهدي، وهو ماكتبه على ظهر النسخة.

٣) السيد محسن الأمين العاملي رحمه الله: في كتابه «أعيان الشيعة» وهو الذي رأى تلك النسخة بعينه, وقرأ ماصرّح به المؤلّف والواقف على ظهر النسخة, عِلماً اَّنّ جميع من كتب عن هذه النسخة سمّاها بـ(شرح الابحاث المفيدة في تحصيل العقيدة) دون ذكر الاسم.

الفائدة الثانية: في أحوال الشارح وهو الناسخ للمخطوطة.
اقول:  هو الشيخ عزّ الدين أبو محمد الحسن بن ناصر بن إبراهيم الحدّاد العاملي, وانفرد السيّد الأمين في أعيانه بتسميته بمحمد حسن.



ماكتب على ظهر النسخة:

خطّ المؤلف: ابتدأت في تصنيفه ثامن عشرين شعبان، وفرغت في أربع عشرين رمضان، فكان مجموع المدّة ستة وعشرين يوماً، وذلك في الحلّة مجاور مقام صاحب الزمان على ساكنه أفضل الصلاة والسلام(١٥)،

خطّ الواقف: كتاب (الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة) تصنيف الشيخ الإمام الفاضل الكامل أنموذج السلف، بقيّة الخلف، عين أعيان الزمان، عزّ الملّة والدين، أبو(١٦) محمد حسن بن ناصر الدين إبراهيم الحدّاد العاملي (قدّس الله روحه).

الواقف للنسخة: الشيخ أسد الله بن محمد مؤمن الخاتوني, سنة الوقف: ١٠٦٧هـ



«المخطوطة الرابعة في سنة ٧٢٣هـ /١٣٠٢م»

(تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية)

إنّ أهمّ ما يرشدنا إلى تاريخ المقام في هذه المخطوطة، هي أنّها كُتبت في داخل المقام سنة٧٢٣هـ، ولتسليط الضوء على النسخة، نأتي على ذكر اسم النسخة ومؤلّفها وأحوال الناسخ ومواصفات تلك النسخة ومكانها وهذا المطلب يتطلّب عدّة أمور، فلنأت على ذكرها:



الأمر الأوّل: في أسم الكتاب ومؤلفه٠

(تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية)، تأليف العلامة الحلي رحمه الله الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (٦٤٨ـ٧٢٦هـ)، من المتون الفقهية المهمّة للعلاّمة رحمه الله صاحب الموسوعات الفقهية والمصنّفات الأصولية والكلاميّة، وهو دورة كاملة من الطهارة إلى الديات، يشتمل على معظم المسائل الفقهية، مع إيراد أكثر المطالب التكليفية الشرعية الفرعية، من غير تطويل بذكر حجّة ودليل، مقتصراً على مجرد الفتوى، تاركاً الاستدلال، مستوعباً الفروع والجزئيّات، مستخرجاً لفروعٍ لم يُسبق إليها، مرتّباً على ترتيب كتب الفقه في أربع قواعد في العبادات، المعاملات، الإيقاعات، الأحكام، صنّفه العلامة في ١٠ ربيع الأول من سنة ٦٩٠هـ(١٧)



الأمر الثاني: في اسم الناسخ وأحواله٠

اسم الناسخ: محمود بن محمد بن بدر٠

أقول: وأحتمل أنّه محمود بن محمد بن بدر الرازي الغزّي المجاور بالحرم الشريف الغروي، الناسخ لكتاب (مختلف الشيعة في أحكام الشريعة) للعلاّمة الحلي رحمه الله وفرغ من نسخه يوم الأربعاء ٢٤شوال سنة ٧٣٧، و نسخة الكتاب المذكور هي الموجودة في مكتبة الآخوند في همدان وتحت رقم ٤٥٩١(١٨).

أقول: ويظهر منها أنّه إنتقل إلى الغريّ بعد وفاة العلاّمة رحمه الله.

مكان النسخ: في مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلّة٠

تأريخ النسخ: فرغ منها يوم الثلاثاء سادس رجب سنة ٧٢٣هـ (وهي نسخة عصر المؤلف)٠



«المخطوطة الخامسة – سنة ٧٧٦هـ / ١٣٥٥م »

(قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام)

وأهمّ ما يرشدنا في هذه المخطوطة أنّها كُتبت في مقام صاحب الزمان عليه السلام في سنة ٧٧٦هـ، وهذا مانطلبه نحن في بحثنا هذا. ولمعرفة الأمور التي تخصّ تلك النسخة نأتي على ذكر عدّة أمور مهمّة منها: ـ

الأمر الاول: وقفة مع الكتاب ومؤلّفه.

(قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام): هو كتاب في الفقه ومسائل الحلال والحرام من تصانيف آية الله العلاّمة الحلّي رحمه الله المتوفّى سنة ٧٢٦هـ, وهو أجلّ ما كُتب في الفقه الجعفري بعد كتاب (شرائع الاسلام)، فهو حاوٍ لجميع أبواب الفقه, وقد لخّص مؤلفه فتاواه, وألفّه بالتماس ولده فخر الدين، وختمه بوصيّة غرّاء لولده فخر الدين, وقد اعتمد عليه كافّة المتأخّرين وعلّقوا عليه الحواشي وشُرح شروحاً كثيراً(١٩).

إسم الناسخ: جعفر بن محمد العراقي وأخوه الحسين بن محمد العراقي.

تاريخ النسخ: هناك اختلاف يسير بين صاحب فهرست مكتبة الآخوند في همدان وبين السيّد المحقّق عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله في كتابه (مكتبة العلامة الحلي) حول تاريخ بداية ونهاية نسخ النسخة, وأظنّ من كلام السيد الطباطبائي في وصفه النسخة أنه رآها, فلنأت على قولهما:

قال صاحب الفهرست (ماترجمته بالعربية): البداية في يوم السبت أوّل جمادى الآخرة ٧٧٦هـ(خمسين سنة بعد وفاة المؤلف) قام كاتب هذه النسخة بعد إتمام كتابتها بمقابلتها وتصحيحها وكتب في آخرها: قمت بمقابلة وتصحيح هذه النسخة مع نسخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان بمدينة الحلّة في فصل حار وبتعب شديد, حتّى أتممت المقابلة في ١٢جمادى ألاول سنة ٧٨٦هـ. ثمّ يضيف: فرغت من قراءة وحلّ الكلمات المشكلة في ١٨ شهر رمضان ٧٨٦هـ.



«المخطوطة السادسة – سنة ٩٥٧هـ/ ١٥٣٧م»

(المختصر النافع)

وأهمّ ما يرشدنا في تاريخ المقام في هذه النسخة وجوده بوجود المدرسة التي بجانبه والتي سوف نتحدّث عنها فيما بعد, حيث تاريخ هذه النسخة سنة ٩٧٥هـ, فلنأت على أهمّ ما يخصّنا عن هذه النسخة:

أقول: (المختصر النافع) لنجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي المشهور بالمحقّق على الاطلاق, وحيد عصره, كان ألسن أهل زمانه وأقومهم بالحجّة وأسرعهم استحضاراً, تـوفيّ شهر ربيع الآخر سنة ٦٧٦هـ, وهو خال العلاّمة الحلّي رحمه الله، وكتابه هذا لخّصه من كتابه (شرائع الاسلام في مسائل الحلال والحرام)، وهو مرتّب على اربعة أقسام العبادات والعقود والايقاعات والأحكام.

تاريخ النسخ:١٦شهر ربيع الأول سنة٩٥٧هـ.

مكان النسخ: مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلّة السيفية.



في ذِكر من زار مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة

أقول قبل الشروع في ذكر من زار المقام: إنّ الزائرين لهذا المقام المنيف يختلفون من حيث الطبقات, فمنهم العلماء المؤلّفون, ومنهم النسّاخ, ومنهم الأمراء, ومنهم الولاة, ومنهم الرحّالة, ومنهم من شاهد كرامة, وأنا ذاكرهم بعد حسب التسلسل التاريخي لزياراتهم.

١) في آخر شهر صفر سنة ٦٧٧ هـ / ١٢٥٦م:

زار المقام السيد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمد الطبري وأنهى في هذا التأريخ نسخ كتاب(نهج البلاغة)للسيد الرضي(أعلى الله مقامه)(٢٠).

٢) في سادس رجب سنة ٧٢٣هـ /١٣٠٢م:

زار المقام محمود بن محمد بن بدر وفرغ في هذا التاريخ من نسخ كتاب (تحرير الأحكام الشرعية) للعلاّمة الحلّي رحمه الله في داخل المقام, وأنهى العلاّمة الحلي رحمه الله تأليفه هذا في ٢٦ جمادى الآخرة سنة ٧٢٤هـ، ذكر ذلك في نهاية القاعدة الأولى في مخطوطته(٢١).

٣) في سنة ٧٢٥هـ / ١٣٠٤م:

زار المقام الرحّالة ابن بطوطة , وسوف نأتي على ذكر كلامه في آخر هذا الباب.

وابن بطوطة هو: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المغربي، ولد سنة ٧٠٣هـ بطنجة,  وتقلّب في بلاد العراق ومصر والشام واليمن والهند, ودخل مدينة دهلي واتّصل بملكها, وساح في الأقطار الصينية والتترية واواسط افريقية وبلاد السودان والاندلس, ثم انقلب إلى المغرب واتّصل بالسلطان أبي عنان من ملوك بني مدين, وزار ضريح أمير المؤمين عليه السلام سنة ٧٢٥هـ, واستغرقت رحلته ٢٧سنة، وكان معاصراً لفخر المحقّقين ابن العلاّمة الحلّي، وألّف كتابه (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) المعروف برحلّة ابن بطوطة, ومات في مراكش سنة٧٧٩هـ(٢٢).

٤) في ثامن عشر شعبان سنة....... (بداية القرن الثامن الهجري):

زار المقام أبو محمد الحسن الحدّاد العاملي, وصنف في هذا التاريخ, كتابه (الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة) للعلأمة الحلي رحمه الله, وأنهاه في السادس والعشرين من شهر رمضان, وذلك في الحلّة مجاوراً مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام, علماً أنّ هذا الكتاب خلا من التاريخ السنوي, ولكن مصنّفه كان حيّاً سنة ٧٣٩هـ.

٥) في بداية القرن الثامن الهجري:

زار المقام  حاكم الحلّة, المسمى بمرجان الصغير, وكان هذا الحاكم شديد البغض للشيعة الإمامية, وكان كلّما يدخل في هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه, وعندما شاهد قضية أبي راجح الحمامي, تغيّرت عقيدته , وصار يستقبل القبلة اذا جلس فيه(٢٣).

٦) في سنة ٧٤٤هـ / ١٣٢٣م:

زارت المقام أم عثمان, المرأة العمياء التي كُشف بصرها في داخل المقام, وباتت فيه هي وبعض النسوة المؤمنات, وكانت أم عثمان هذه سنية فتشيّعت هي وولدها عثمان بعدما كشف الله بصرها ببركة صاحب الزمان أرواحنا فداه(٢٤).

٧) في سنة ٧٥٩هـ / ١٣٣٨ م:

زار المقام , المولى الكبير المعظم جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري , وبات فيه ,  وكان مصاباً بالفالج فشُفي من ليلته.

٨) في غرّة جمادى الآخرة سنة ٧٧٦هـ / ١٣٥٥م:

زار المقام , جعفر بن محمد العراقي , وفرغ في هذا التاريخ , من نسخ كتاب (قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام) للعلاّمة الحلي رحمه الله, في داخل هذا المقام(٢٥).

٩) في سنة ٩٦١هـ / ١٥٤٠م:

زار المقام, سيّد علي رئيس وكان هذا السيّد مرسلاً من قِبل سلطان مصر, وكان أمير قبطانيته, وأرسله إلى العراق لغرض إحضاره السفن الموجودة في ميناء البصرة إلى مصر، كما زار هذا المبعوث مشهد الشمس ومقام عقيل أخي الإمام علي عليه السلام في الحلّة ثم عاد إلى بغداد(٢٦).



في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة

إن الباحث عن تاريخ عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة, يجد أنّ تأريخ هذا المقام ظل متواكباً مع تاريخ الحلّة من ابان بزوغ عصرها العلمي, فهو فيها كالقلب من الجسد, فتجد فيه العالم والمتعلم والوالي والرعية والمعافى والسقيم, حتّى أنّه ما مر بالحلّة من وافد إلاّ وتشرّف بمشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه, فذاك ابن بطوطة وذا سيد علي رئيس المصري وغيرهم, ولولا حقد المتعصّبين لذكر لنا التاريخ عدّة من الزائرين لهذا المقام الشريف, وسوف نذكر في هذا الباب تاريخ عمارة المقام حسب التسلسل التاريخي لها:

١) في القرن السادس الهجري:

لاعلم لنا بتاريخ عمارة المقام وإنشائها في هذا القرن, إلاّ أنّها كانت موجودة, وبحسب التواريخ التالية, وللأسف الشديد فُقد كتاب (المناقب المزيدية في أخبار الدولة الأسدية)(٢٧) للمؤلّف أبي البقاء هبة الله بن نما, فإنّ البلاد الاسلامية خلت من هذه النسخة , سوى نسخة واحدة موجودة في المتحف البريطاني وتحت رقم (٢٣٠٢٩٦) ولابد من ذكر لهذا المقام في هذا الكتاب لأنّ مؤلفه كان من رجال ذلك القرن.

٢) في القرن السابع الهجري:

كانت العمارة موجودة, ومنذ بدأ هذا القرن وهذا ما نجده في ما كتبه الشيخ الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلّي تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلي ما صورته: ـ

حوادث سنة (٦٣٦هـ): فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلّي بيوت الدرس إلى  جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلّة السيفيّة, وأسكنها جماعة من الطلبة(٢٨).

سنة (٦٧٧ هـ): في داخل المقام نسخ السيد الحسين الطبري رحمه الله كتاب (نهج البلاغة)(٢٩)

٣) في القرن الثامن الهجري:

كانت عمارة المقام شامخة في قلب الحلّة وعلى شهرة واسعة من الذكر من قبل الخاصّ والعام، ففي بداية هذا القرن وفي داخل المقام كتب الشيخ محمد حسن بن ناصر الحداد كتابه الدرّة النضيدة(٣٠). 

وفي سنة (٧٢٣هـ):  في داخل المقام نسخ محمود بن محمد بن بدر كتاب (تحرير الأحكام الشرعية) للعلاّمة الحلّي رحمه الله(٣١).

في سنة (٧٧٦هـ):  في داخل المقام نسخ جعفر بن محمد العراقي كتاب (قواعد الأحكام) للعلاّمة الحلّي رحمه الله(٣٢).

وأمّا وصف عمارة المقام في القرن الثامن الهجري فعلى ما يلي:

محراب المقام:  ورد ذكر المحراب علي لسان الراوي لحكاية (أبي راجح الحمامي) وهو الشيخ محمد بن قارون, والحاصلة في هذا القرن قائلاً: ـ (وكان يجلس في مقام الامام عجل الله تعالى فرجه في الحلّة ويعطي ظهره القبلة الشريفة, فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها)(٣٣), والقبلة الشريفة كناية عن محراب المقام.

باب المقام:  ورد ذكر باب المقام على لسان (ابن بطوطة) في رحلته الحاصلة في سنة (٧٢٥هـ) قائلا: ـ (وبمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول، وهم يسمّونه مشهد صاحب الزمان)(٣٤).

قبة المقام: ورد ذكر لقبّة المقام في هذا القرن أربع مرّات في حكاية (ابن الخطيب وعثمان) الحاصلة في سنة (٧٤٤هـ) قائلاً (أي الراوي للحكاية): (فلمّا كانت ليلة الجمعة حملنها حتّى أدخلنها القبّة الشريفة في مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه... وبتن باجمعهن في باب القبّة.. لمّا جعلتنّني في القبة وخرجتنّ... ورأيت القبّة قد امتلأت نوراً)(٣٥)

وذُكرت القبّة ثانيةً في هذا القرن في حكاية (جمال الدين الزهدري) الحاصلة في سنة (٧٥٩هـ) على لسان الراوي لها مرّتين قائلاً: (وقيل لها: ألا  تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلّة المعروفة بمقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه... وقد أباتتني جدّتي تحت القبة)(٣٦).

وآخر الذكر لعمارة هذا المقام هو ماجرى على لسان ابن ابي الجواد النعماني حينما سأل الامام القائم عجل الله تعالى فرجه قائلاً: (يا مولاي لك مقام بالنعمانيّة ومقام بالحلّة، فأين تكون فيهما؟)(٣٧)

٤) في القرن التاسع الهجري:

وفي سنة(٨٧٣ هـ /١٤٥٢ م):  قال الغياثي في تأريخه في حوادث تلك السنة (أرسل حسن علي ـ أمير بغداد ـ جيشاً إلى الحلّة للقضاء على حكومة شاه علي بن اسكندر, فلمّا وصل الجيش إلى قلعة بابل رأى قراغول (حراس)، فجرت معركة بين الطرفين, ثمّ اصطلحوا وعاب القرغول أميرهم وقالوا لهم: الجسر منصوب نمضي على غفلة, وساروا وعبروا الجسر والناس يظنّونهم القرغول الذين أرسلوا ومضوا إلى أن وصلوا إلى دار السلطان وأحاطوا بها، وكان ابن اسكندر وابن قرا موسى في القلعة فأخذوهما عريانين وقتلوا ابن قرا موسى, وأمّا ابن اسكندر فألقى بنفسه إلى صاحب الزمان, وقال: كنت درويشاً وجاء بي ابن قرا موسى قهراً وطلب الأمان.......)(٣٨).

أقول: هكذا وردت العبارة في تاريخ الغياثي، والظاهر أن المقصود بعبارة (فالقى بنفسه إلى صاحب الزمان) أنّه القى بنفسه إلى مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه, داخلاً بذمّته آملاً منه أن يتركوه، لأنّه احتمى بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ويؤيّد كلامنا هذا أنّه لا يوجد شىء يُنسب إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلّة سوى هذا المقام الشريف, فحذف كلمة مقام أو مشهد من العبارة إمّا أن تكون من سهو النّساخ, أو إنما وردت على سبيل المجاز والأتساع بحذف المضاف، وهو شائع في لغة العرب ومحاوراتهم وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعإلى (وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَ إِنَّا لَصادِقُونَ)(٣٩)  والتقدير على ما أجمع عليه المفسرون: أهل القرية وأهل العِير, كما أنّه شائع في لغتنا اليوم, فيقول أحدنا: زرت علياً عليه السلام وزرت الحسين عليه السلام يريد أنّه زار كلاًّ من مشهديهما.

٥) في القرن العاشر ومابعده:

ذكرت عمارة المقام عندما زاره سيد علي رئيس المرسل من قبل سلطان مصر سنة (٩٦١هـ).(٤٠) وفي عهد الدولة الصفوية (٩٣٠ـ١١٢٠هـ) ذكرت عمارة المقام أيضا حينما عينت تلك الدولة (ال القيم) لسدانة المقام.(٤١)

٦) في القرن الرابع عشر:

في سنة (١٣١٧هـ/١٨٩٦م)(٤٢), سعى لعمارة مقام الغيبة الواقع في الحلّة العلاّمة الكبير السيد محمد ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد أحمد القزويني (١٢٦٢ـ ١٣٣٥هـ) الذي كان يهتمّ بعمارة الآثار التأريخية.

أقول: بقيت هذه العمارة إلى سنتنا هذه وهي سنة (١٤٢٥هـ)، وقد أرّخ تلك العمارة الشيخ محمد الملا (ت ١٣٢٢هـ) في آخر قصيدة له قائلا: ـ
آخيت(٤٣) اسمك اشتقّ من الحمدِ
تهــدي إلى الايمان والرشـدِ
مـقـام قدسٍ شامخ المـجـدِ
علـى لسـان الحرِّ والـعبـدِ
(شاد مقام الخلف المهدي(٤٦))   

مـحمداً فيك العلا قسمت(٤٤)
بأنــّك الحائز علـماً بـه
شيـّدت للقائم مـن هاشـم
فلم يزل تهتف فيك العلى(٤٥)
ذا خلف المهدي قد(٤٧) أرّخوا


والشعر هذا موجود ومكتوب إلى الاّن على باب المقام كتب بالقاساني الأزرق, ولم يتغيّر إلى الآن، وأنا نقلته هنا على ما كُتب على باب المقام، وقد أورد الشيخ الخاقاني رحمه الله في كتابه (شعراء الحلّةج٥ ص٢٤٢) هذا الشعر باختلاف يسير, أوردته بالهامش.

كما انّ الحاج عبد المجيد العطار (١٢٨٢ـ١٣٤٢هـ) أرّخ هذه العمارة ببيتين من الشعر ضمّنهما بـ(٢٨) تاريخاً قائلاً: ـ
بفتحك بالنصر العزيز رواقا
نجدّ اقتراباً ما أجار وراقا(٤٨) (٤٩)   

توقّع جميل الأجر في حرم البنا
بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا


٧) في القرن الخامس عشر الهجري:

سنة ١٤٢٢هـ / ٢٠٠١ م:

سعى المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) بتجديد عمارة المقام وبجهود   بعض المؤمنين الخيّرين, بالرغم من تلك الظروف الحرجة من محاربة وطمس آثار التشيّع من قبل حزب البعث الحاكم آنذاك، وتضمن هذا التجديد:

١ـ تغليف القبّة المنيفة السامية الشامخة للمقام بالقاساني الازرق.

٢ـ تغليف أرضيّة المقام وجدرانه بالمرمر الفاخر.

٣ـ تزيين سقف المقام والقبّة من الداخل بالمرايا.

٤ـ تغيير الآيات التي كُتبت على واجهة المقام.

٥ـ تكييف المقام وإنارته بالمصابيح والنُّجف.

ولقد أرّخ هذه العمارة الشاعر السيد عصام الحسيني السويدي قائلاً:
نحظى بنيلِ السّعدِ
رةِ سابقت والايدي
(أنظر مقام المهدي)   

شُدنا مقامكَ علّنا
أرواحنا قبل الحجا
بالحمدِ تمّ مؤرّخاً


والشعر هذا مكتوب على لوحة وضعت فوق باب المقام من الداخل.

ط ـ موضع الشبّاك الحالي في داخل المقام: دأب الشيعة أن يضعوا في مقامات أئمّتهم (شبّاكاً) أو نحو ذلك وعلى جهة القبلة، فهذا مسجد السهلة ومقاماته، وكذلك مسجد الكوفة ومقاماته وغيرها من المقامات المشهورة عند الشيعة, لكنّ ما نراه الآن أنّ شبّاك هذا المقام يقع في ظهر القبلة بالنسبة للمصلّي في داخل المقام، وهذا يخالف القاعدة، وممّا يؤيّده قول الشيخ محمد بن قارون في حكاية أبي راجح  الحمامي التي أوردناها في الباب الثالث (كان حاكم الحلّة المسمى مرجان الصغير كلّما يدخل هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه، وعندما شاهد قضية أبي راجح الحمامي, تغيرت عقيدته, وصار يستقبل القبلة إذا جلس فيه) (أنتهى).

والحال أنّ في الوقت الحالي جميع الداخلين للمقام حالهم كحال هذا الحاكم في جلوسه الأوّل, لأنّ القبلة الشريفة كناية عن هذا الشبّاك الموضوع في جهة القبلة.

ظ ـ قول الراوي في حكاية ابن الخطيب المذكورة في البحار (وبتنً بأجمعهن بباب القبة) أي مجموعة النساء اللواتي كنّ يرافقن أم عثمان, والحال أنّ من يبيت الآن بباب القبّة ينام في وسط السوق لضيق المحل.

م ـ قول الشيخ الزهدري في حكايته الواردة في البحار (وأنطبق عليً الناس حتّى كادوا أن يقتلونني, وأخذوا ماكان عليً من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرّكون فيها, وكساني الناس من ثيابهم, ورجعت إلى البيت) والحال أنّ مساحة المقام الحالية لا تسع لدخول القليل  من الناس فضلاً عن الكثيرمنهم كما وصفهم ابن الزهدري.

و ـ قول السيد حيدر آل وتوت في كتابه (المزارات والمراقد العلماء في الحلّة الفيحاء) إنّ هناك من أخبرني أنّ مساحة مقام الأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف المشار اليها قد تمّ اختصارها بسبب بناء الجامع المعروف بجامع الحلّة الكبير الذي يقام فيه خطبة الجمعة وصلاة الجماعة عند اخواننا السنة، حيث انضمّ قسم كبير من أرض المقام وأصبح ضمن الجامع.

وهذا يكفي لاثبات المساحة الأصلية للمقام.

(في ذكر مدرسة صاحب الزمان تعالى فرجه الشريف المجاورة للمقام)

مما يعرفه كلّ باحث في تاريخ الحلّة وتراجم علمائها, أنّ اولئك العلماء الأعلام, لابد أن يكون لهم مدارس ومعاهد علمية يلقون فيها دروسهم ويحاضرون بها تلامذتهم, وينسخون فيها كتبهم, ولم يرد في التواريخ إحصاء دقيق لهاتيك المدارس والمعاهد العلمية, فلابدّ أن تكون مدرسة مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف والتي تقع بجانبه من جملة المدارس التي كانت تضم طلبة العلوم الدينية في الحلّة الفيحاء, وقد دلّت الأثار التي وقفنا عليها في بعض المخطوطات (كما أشرنا إليها سابقاً في الباب الأوّل من كتابنا هذا) على وجود مدرسة تعرف بـ(مدرسة صاحب الزمان)، ولا يختلج في نفس المتتبّع ريب أنّ مشاهير أعلام الحلّة ـ كابن إدريس وآل نما وآل طاووس والمحقّق والعلاّمة ـ كانوا يلقون دروسهم في هذه المدرسة, لبركتها وكونها متّصلة بمقام بقية الله الخلف المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. والآن نأتي على ماعثرنا عليه من التواريخ التي تخص تلك المدرسة المباركة:(٥٠)

التاريخ الأول:

قال ابن هيكل رحمه الله في حوادث سنة ٦٣٦هـ: فيها عمَر الشيخ محمد بن نمَا الحلي  بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلّة السيفية وأسكنها جماعة من الطلبة.(٥١)

أقول: يظهر من العبارة  المذكورة آنفاً: ـ

أوّلاً: أنّ المدرسة كانت موجودة قبل هذا التاريخ أي (٦٣٦هـ) وأنّ الشيخ الجليل محمد بن جعفر بن نمَا لم يكن هو المؤسّس, بل كان المعمر لها والساعي بتجديدها.

ثانياً: اهتمام العلماء الاجلاّء أمثال الشيخ ابن نّما بتلك المدرسة المباركة.

ثالثاً: يظهر من عظيم منزلتها أنّه لا يسكنها إلاّ الفقهاء من الطلبة.

التاريخ الثاني:

في بداية القرن الثامن صرّح ابو محمد الحسن بن ناصر الحدّاد العاملي وهو من تلاميذ العلاّمة الحلّي رحمه الله بكتابة كتابه (الدرّة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة) مجاور مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه بالحلّة.(٥٢) 

أقول: يظهر من عبارة التاريخ الأوّل أنّ ابن الحدّاد العاملي كتب مخطوطته بهذه المدرسة المجاورة  للمقام، إذ أنّ معنى كلمتي جانب ومجاور واحد.

التاريخ الثالث:

في سنة ٧٧٦هـ نسخ حسين بن محمد العراقي لابنه سعد الدين محمد كتاب (قواعد الأحكام) للعلامة الحلي رحمه الله وانتهى من نسخه غرّة جمادى الآخرة من تلك السنة في مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه.(٥٣)

التاريخ الرابع:

في سنة ٧٨٦هـ قابل جعفر بن محمد العراقي نسخته من كتاب (قواعد الأحكام) للعلامة الحلي رحمه الله على نسخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان.(٥٤)

التاريخ الخامس:

في ١٦ شهر ربيع الاول سنة ٩٥٧هـ نسخ بمدرسة صاحب الزمان عليه السلام كتاب (المختصر النافع) للمحقق الحلي رحمه الله.(٥٥)



في ذكر سدنة المقام

اهتمّ الشيعة الإماميّة بمشاهد العترة الطاهرة, فبقوا يحافظون على تلك المشاهد المنسوبة إليهم بالعمارة بعد العمارة, وفي كلّ مشهد من تلك المشاهد المعظمة وضعوا طائفة وظيفتها أن تهتمّ بتنظيف تلك المشاهد والعناية بها واحترام زائريها وتقديم الخدمات لهم, وسمّوا تلك الطائفة بالسدنة, ومن تلك المشاهد مشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة, فإنّ مشهده لم يخلُ من تلك الطائفة، لكنّ التاريخ لم يحفظ لنا أسماءً من تلك الطائفة, إلاّ ما وجدته من اسم واحد, وبيت واحد, وهو بيت (آل القيم) وأكرم به من بيت, فبخدمتهم لهذا المقام الشريف نالوا ذلك اللقب السامي, وقد نال هذا البيت الحظّ الأوفر من تلك السدانة وبحقبة زمنية تُقدّر بنحو ثلاثة قرون أو أكثر, يستلمها خلف عن سلف، وصاغر عن كابر, فقد ذكرهم الشيخ الخاقاني عليه الرحمة في كتابه (شعراء الحلّة) قائلاً: إنّ صاحب كتاب (ديوان القيم) الذي جمعه الشيخ محمد علي اليعقوبي  رحمة الله عليه, هو حسن بن الملاّ محمد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي، وكان جدّه هذا سادناً على مقام الغيبة التي في نهاية سوق الهرج من جهة الغرب، ومن هنا جاءهم لقب (القيم)، وكانت السدانة لهم من لدن دولة الصفويين في العراق (٩٣٠ – ١١٢٠هـ)، وهم حتّى اليوم يستغلّون ثمرة أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلّة , ولد المترجم له أي الشاعر سنة ١٢٧٦هـ.(٥٦)

أقول:  ربما إنّ أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلّة هي ممّا وقفه الحكام الصفويّون للمقام الشريف, وكان هذا من عادتهم مع المشاهد الشريفة.

ومن ثمّ انتقلت السدانة إلى بيت آخر من بيوتات الحلّة ولمدّة قصيرة, ومن بعد تحوّلت إلى بيت آخر ثالث يدعى بـ(ال الصفّار). وكان السادن الأوّل منهم الحاج حميد حسين الظاهر الصفار الخفاجي الذي خدم المقام نحواً من أربعة عقود، وكان معروفا بتديّنه وورعه، وتوفي هذا السادن سنة (١٤٠٨هـ)، ثمّ استلم السدانة بعده ولداه عبد الله وعبد علي اللذان كانا يسعيان بين حقبة وأخرى لترميم وصيانة وتطوير المقام وبالشكل اللائق وببعض جهود الخيرين دامت توفيقاتهم. وأخبرني سادن المقام عبد الله الصفار عن كرامة رآها بأم عينيه أحببت تدوينها هنا وهي من املائه عليّ، قال:  في سنة (١٤٠٨هـ/١٩٨٨م) وفي الشهر الخامس وفي يوم الجمعة حدثت كرامة في هذا المقام وهي: كان مفتاح باب المقام عند رجل كبير السن وكان مؤمناً اسمه حمزة الحمود (ابو ابراهيم الصفار)، أُمر هذا الرجل من قِبل سدنة المقام لغيابهم عنه في تلك المدة بفتح وغلق باب المقام، وعندما أغلق الباب ليلة الجمعة أغفل امراً مهمّاً وهو أن بعضاً من النساء وضعن  بعض الشموع مباشرة على كرسي خشب قديم كان داخل المقام، وكان المقام مفروشاً بحصير من النايلون (البلاستك) لأنّ الموسم كان صيفاً، فأغفل الرجل إطفاء تلك الشموع التي وُضعت على الكرسي مباشرة، فجاء يوم الجمعة صباحاً لفتح باب المقام فوجد أمراً عجيباً قد حدث، وهو أن الكرسي قد احترق بأكمله ولم يبق إلاّ رمادُ ولم يروا  أثراً لاحتراقه على الحصير سوى بقع صغيرة بقدر الدرهم والحصير لم يحترق، فاجتمع الناس لرؤية هذه الكرامة، وأخذ الناس رماد ذلك الكرسي للتبرّك، فببركة صاحب هذا المقام لم يحترق الحصير، ولو احترق الحصير لأحرق المقام بأكمله لكن أبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.

أقول:  لقد انطفأ النور الناتج من احتراق الكرسي عندما حضر النور الالهي تواضعاً منه لذلك النور المقدس، فخمدت تلك النيران ببركات يُمن وجوده عجل الله تعالى فرجه الشريف كما خمدت نيران كسرى ببركات يمن جدّه صلى الله عليه وآله .

الأمر الثاني: في ذكر الأوقاف الخاصة بالمقام

دأبت الشيعة الامامية (أنار الله برهانهم) بجعل وقفاً من الأراضي أو المشاريع الخيرية وذلك لتعاهد عمارة تلك المشاهد بالبناء والتعمير، وقد قدّمنا ذكر أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلّة التي من المحتمل أن تكون خاصّة بهذا المقام, والآن نأتي على ماتبقى من الذكر.

أقول: إنّني زرت في سنة ١٤٢٥هـ دائرة الوقف الشيعي في الحلّة فعثرت في طيّات مخزوناتها على أوراق عثمانية يدّعى فيها وجود مقام للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في منطقة المدحتية التابعة للحلّة، ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو قطعة ١١٤و١١أو١٤و١٥العوادل خيكان الغربي وخيكان الشرقي رحمه الله مدحتية, كما عثرت في أوراق عثمانية أخرى على ادّعاء وجود مقام آخر للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في قضاء الكفل التابع للحلّة، ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو ٥و٦م مربع هور الشوك رحمه الله كفل, جار ابن الجباوي, والذي اعتقده أنّ الموضعين المذكورين ليس فيهما مقامان للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لعدم وجود عين ولا أثر لهما، ولو كان لهما وجود لما طمست اثارهما ودرست معالمهما، وأغلب الظن أنّهما من جملة المواضع الموقوفة على مقام الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلّة الذي كتبنا هذا البحث في تحقيقه, وقد لا يبعد أن يكون ذكر هذين المقامين في المكانين المزبورين هو من تزويرات الدولة العثمانية المتعصّبة على الشيعة تعصّباً لا هوادة فيه، (وتوظيفاً) لهذا التعصب وبدافع التشويش والتضبيب على عقائد الشيعة اختلقت لهم ما لم يعرفوه ولم ينقله منهم ناقل. 

(في موقع ووصف مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة)

يقع المقام في مركز مدينة الحلّة السيفية في منطقة تدعى (السنية) وفي سوق الصفّارين على يمين الداخل إلى هذا السوق، ويقع على يسار الداخل للسوق الكبير، وخلف جامع الحلّة الكبير بالضبط. والمشهور عند أهل الحلّة (مقام الغيبة) مشتقة من الغائب الذي هو اسم من أسمائه عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وفي يوم ٢  من شهر  ربيع الأول من سنة ١٤٢٥هـ تشرّفت  بزيارة المقام كما كنت أتردد عليه كثيراً وخاصّة عند نزولي في الحلّة وهي البلدة التي ولدت فيها في سنة (١٣٩١هـ) في منزل يقع بالقرب من قبر المحقّق الحلي صاحب كتاب (شرائع الاسلام)، ثم انتقلت إلى الأرض المقدسة التي حوت جسد أمير المؤمنين عليه السلام وعشت بجواره متنعّماً مدّة حياتي سوى خمس سنين وأشهر قضيتها في الحلّة أوائل عمري.

وعوداً إلى بدء أقول: إنّ المقام يطلّ على السوق بمساحة قدرها (٩.٥م)، والمساحة الكلية للمقام بنحو (٣٥م٢)، ويتوسّط واجهة المقام باب من خشب الساج ارتفاعه (٢م)، ويعلو الباب شِعر يؤرّخ عمارة السيد القزويني (١٣١٧هـ)، ويعلو واجهة المقام آية التطهير جددت عام (١٤٢٢هـ) وزيارة مختصرة للإمام عليه السلام، وزُيّنَت واجهة المقام بالزخارف الإسلامية،  ويقع على يمين الداخل من الخارج مكان للوضوء. وعند الدخول للمقام ترى أمامك شبّاكاً مصنوعاً من خشب الساج علوه (١.٧٥م) وعرضه (١م) تعلوه زيارة للامام عليه السلام، وهي الزيارة المعروفة بـ (السلام على الحقّ الجديد….)(٥٧)  كتبت بالقاساني الأزرق، وعند توجّهك إلى جهة القبلة يكون الشباك خلفك وتكون باب المقام أمامك، وكتب على لوح فوق الباب من الداخل شعر يؤرّخ العمارة الاخيرة وهي في سنة (١٤٢٢هـ)، ثم يعلو الباب الدعاء المعروف (يا من أظهر الجميل…) (دعاء أهل البيت المعمور) وعليه تأريخ كتابته عام (١٤١٧هـ/١٩٩٦م) وكتب بالقاساني الازرق، والقبّة من الداخل مزيّنة وكُتب فيها آية النور وأسماء اهل البيت عليهم السلام يعلوها لفظ الجلالة وتتوسّطها ثريا جميلة وفاخرة، وصعدنا على مكان مرتفع لنشاهد القبّة الشريفة السامية المنيفة، فرأيتها قد جُدد تغليفها حديثاً، وهي خالية من الكتابة والتأريخ سوى أسماء المعصومين عليهم السلام  وهي شامخة ظاهرة للعيان من بُعد، ومن خلال قلمنا هذا ندعو العلماء  الأعلام ودائرة الوقف الشيعي  والاخوة المؤمنين والمؤسسات الخيرية الذين يريدون أن يعظّموا شعائر الله أن يلتفتوا لتوسعة حرم المقام الذي لا تتجاوز مساحته سوى (٣٥م٢)، وذكرنا  أنّ المقام كان أوسع بكثير ولكن…) فإنّ مساحته لا تليق وعمره التأريخي وذلك بضمّ بعض المحلات إلى مساحته حتى تشملهم رعاية الإمام ولطفه.

الامر السابع: في سرعة إجابة الدعاء في هذا المقام الشريف.

سألت أحد المجاورين للمقام ـ وهو السيد عصام الحسيني السويدي ـ هل من كرامة رأيتَها بالعيان حتّى أدوّنها؟

قال: لم أرَ بالعيان, ولكن كثرة توافد الزائرين للمقام تدلّ على سرعة الاجابة فيه وحدوثها عاجلة وهي مما جُرّب كثيراً.

أقول ـ وأنا الفقيرـ: إنّ أهل الحلّة يعتقدون اعتقاداً شديداً بهذا المقام وصاحبه عجل الله تعالى فرجه الشريف, ولذلك يتوافدون عليه بكثرة, وإنني ما زرت هذا المقام فوجدته فارغاً قط,  حتّى في وقت الظهيرة, وحتّى في أثناء عمارته وبدون انقطاع, ومن عادة أهل الحلّة من رجال ونساء أن يفرّقوا بعض الحلوى في المقام الشريف بعد إجابة دعواتهم, حتّى انّي في بعض زياراتي للمقام أكلت من تلك الحلوى التي تفرّق على زائري المقام الشريف.




الهوامش

(١) قد ذكرت بكتاب (تقويم البلدان) بحلة بني صلد , راجع رياض العلماء ١/٣٧٠ (كاتب السطور).

(٢) ورد في المصدر السابق (الاشعري) , فلاحظ.

(٣) انظر:  المصدر السابق.

(٤) ورد اسمه في المصدر السابق (مؤيد) والاصح (مزيد) , فلاحظ.

(٥) انظر: تاريخ الحلة ج١ ص١ , كذلك سفينة البحار ط  ,ح  ,ج٢ ص٢٩٩.

(٦) انظر:  تاريخ الحلة ج١ ص١.

(٧) انظر:  الانوار الساطعة ص٨.

(٨) من أراد التفصيل عن ترجمته وكتبه ومكتبته فعليه بكتاب(المسلسلات في الاجازات) لجامعه الحجة السيد محمود المرعشي ج٢ ص١٠٠ـ١٠٦ (كاتب السطور).

(٩) انظر:مجلة تراثنا عدد ٦٥ , كذلك طبقات أ‘علام الشيعة (القرن الخامس).

(١٠) ضبطه الشيخ آغا بزرك في الانوار الساطعة ص٢ (آبدار اوادي) وضبطه السيد أحمد الحسيني في تراجم الرجال ص١٦٢(الأندرا أو ذ ي) , (كاتب السطور).

(١١) أنظر:الانوار الساطعة ص٤٦ ./  (٤) تراجم الرجال ج١ ص١٦٧.

(١٢) زيادة عما في رياض العلماء وفيه معد الحسيني وليس الحسني والذي عليه  الكثير أنه ذو الفقار بن معبد وذكر صاحب كتاب(عمدة الطالب)في أولادموسى الجون ابن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى ابن الامام الحسن عليه السلام وهو المعروف لكن الشيخ منتجب الدين رفع نسبه في الفهرست إلى إسماعيل بن ابراهيم ابن الامام موسى الكاظم عليه السلام ونقل كلامه المعلًق على (العمدة)في عقب اسماعيل. (كاتب السطور).

(١٣) في رياض العلماء (الحلبي).

(١٤) هذا ماصرح به مؤلفه العلامة اعلى الله مقامه في اجازته للسيد مهنا بن سنان رحمه الله عند سرد مؤلفاته وهي ضمن المسائل المهنائية ـ انظر:بحار الانوار,ج١٠٤, ص١٤٨.

(١٥) قال السيد محسن العاملي رحمه الله: ولكنه مع الاسف لم يذكر التاريخ وهذا الشرح بهذه السرعة يدل على كمال فضله.

(١٦) كذا في الاصل , وصوابها: ابي محمد.

(١٧) انظر: مجلة تراثنا عدد ٦٨ وكتاب الذريعة ج٣ ص٣٧٨.

(١٨) انظر:مكتبة العلامة الحلي ص١٧٧، علما انني كتبت (همدان)بالدال المهملة مع ان حقها ان تكتب بالمعجمة (همذان)وبفتح الميم لكن جرينا على شائع الاستعمال عند المتاخرين و(همدان)بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة اسم قبيلة يمانية (قحطانية)كانت من شيعة الامام امير المؤمنين عليه السلام. (كاتب السطور).

(١٩) انظر: اعيان الشيعة , الأمين  ج٥ ص٤٥٥ , تحت رقم ٩٨٥ , (بتصرف).

(٢٠) انظر: مكتبة العلامة الحلي , الطباطبائي رحمه الله, ص٧٩ , (بتصرف).

(٢١) انظر: تاريخ الكوفة , البراقي رحمه الله, تحقيق ماجد العطيه , ص٣٩ , (بالهامش).

(٢٢) انظر: اعيان الشيعة /الامين رحمه الله, ج٩ , ص١٧٩ , تحت رقم ٣٦٣, (بتصرف).

(٢٣) انظر: حكاية ابو راجح التي اوردناها في الباب الثالث.

(٢٤) انظر: النجم الثاقب/ النوري رحمه الله, ج٢ ص٢٢٢.

(٢٥) انظر: النجم الثاقب / النوري رحمه الله  ج٢ , ص٢٢٣.

(٢٦) انظر: مكتبة العلامة الحلي / الطباطبائي رحمه الله, ص١٤٣ , تحت رقم ٢٤ , (بتصرف).

(٢٧) انظر: تاريخ الحلة / ابن كركوش رحمه الله, ص١١٥ , (بتصرف).

(٢٨) انظر: تاريخ الحلة / ابن كركوش رحمه الله ج٢ ص٥٠ , علما ان هذا الكتاب لم يذكر في كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) للشيخ بزرك  الطهراني فهو مما يستدرك عليه.

(٢٩) انظر: لؤلؤة البحرين/ البحراني رحمه الله ص٢٧٢ تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم رحمه الله.

(٣٠) انظر: الباب الثاني من كتابنا هذا.

(٣١) انظر: المصدر السابق.

(٣٢) انظر: المصدر السابق.

(٣٣) انظر: الباب الثالث من كتابنا هذا.

(٣٤) انظر: الباب الرابع من كتابنا هذا.

(٣٥) انظر:  المصدر السابق.

(٣٦) انظر: الباب الثالث من كتابنا هذا.

(٣٧) انظر: تأريخ الحلة ,لأبن كركوش ج ١ ص١١٠.

(٣٨) أنظر:سورة يوسف,آية٨٢العِير:القافلة.

(٣٩) أنظر:الباب الرابع من كتابنا هذا.

(٤٠) انظر: الباب الثامن من كتابنا هذا.

(٤١) ذكر السيد محسن امين العاملي رحمه الله في كتابه اعيان الشيعة ج٤٧ , ص٧٢ ان تاريخ عمارة المقام سنة(١٣١٥هـ) والحال انها حصلت في سنة ١٣١٧هـ حسب ماأرخه الشاعر محمد الملا في قصيدته , وهو ماكتب على باب المقام ايضاً.

(٤٢) هو الشيخ محمد بن حمزه بن حسين بن نور علي التستري الاهوازي الحلي المعروف  بالملا , اديب كبير , وخطيب مفوه, ومربي ممتاز هاجر جده الاعلى من تستر إلى الحلة قبل قرنين من الزمن , وذكره صاحب الحصون المنيعة في ج٢ ص٣٣ فقال: كان شاعرا ماهرا اديبا طريفا , نظم الشعر في صباه فاعاد إلى الفيحاء عهد الصفي الحلي في تحري البديع والفن فيه حتى اصبح علما من اعلام هذا الفن.

(٤٣) الأصح (محمد) ورد في شعراء الحلة (محمد فيك العلا اقسمت).

(٤٤) هكذا ورد في الاصل والذي يقتضيه السياق (حيث) وورد في شعراء الحلة (ان اسمك .....).

(٤٥) ورد في شعراء الحلة (فلم يزل يهتف فيك الثنا).

(٤٦)  ورد في شعراء الحلة (ذا خلف المهدي مذ ارّخوا).

(٤٧)  انظر: شعراء الحلة / الخاقاني رحمه الله  ج٥ ص٢٤٢ وكذلك اعيان الشيعه / الامين رحمه الله ج٤٧ ص٧٢.

(٤٨) ويلحق هنا في تأريخ المقام في هذا القرن قول المرحوم الشيخ  جعفر ال محبوبة تـ(١٣٧٧هـ) في كتابه ماضي النجف وحاضرها ج١ ص٩٥ (حدثني بعض الثقاة المتتبعين للاثار والاخبار انه وجد في بعض الكتب المؤلفة في غيبة الامام  ان للحجة عليه السلام مقاماً في النعمانية , وفي الحلة , وفي مسجد السهلة , وفي النجف.

(٤٩) انظر: البابليات ج٣ ق٢ ص٧٠/ اليعقوبي.

(٥٠) اقول: إنني وجدت في كتاب (ديوان الشيخ يعقوب) للشيخ محمدعلي اليعقوبي رحمه الله ص ١٠٦بالهامش أن دبيس بن سيف الدولة صدقة بن منصور المزيدي ت٥٢٩هـ,شيدأبوه من عمارات الحلة وتوسيع نطاق مدارسها ومعاهدها العلمية والادبية (أنتهى)وبأعتبارأن المقام ومدرسته الدينية من تلك المعاهد العلمية والادبية ربما شملتها رعاية ذلك الأمير,علما ان الشيخ يوسف كركوش رحمه الله في كتابه (تاريخ الحلة) والسيد هادي كمال الدين رحمه الله في كتابه(فقهاء الفيحاء) لم يذكرا هذه المدرسة بتاتاً (كاتب السطور).

(٥١) أنظر: الباب الأول (المخطوطة الأولى).

(٥٢) انظر: الباب الاول (المخطوطة الثالثة).

(٥٣) انظر: الباب الأول (المخطوطة الخامسة).

(٥٤) المصدر السابق.

(٥٥) أنظر: الباب الأول (المخطوطة السادسة).

(٥٦) انظر: شعراء الحلة / الخاقاني رحمه الله ج٣ ق١ ص٥٠ (بتصرف) وذكر لي بعض اهل العلم الثقاة انه سأل الحاجّ خليلاً القيّم حفيد الحاج حسن القيم المذكور عن نسبهم فاجابه انهم ينتمون إلى بني اسد.

(٥٧) هذه الزيارة موجودة في كتاب (مفاتيح الجنان) وهي زيارة مطلقة يزار بها في كل الازمنة والامكنة،  نقلها السيد ابن طاووس في كتابه (مصباح الزائر)،  ولم اوردها هنا خوف الاطالة.

المهدي والزهراء عليهما السلام في الكتاب المقدس

$
0
0
المهدي والزهراء عليهما السلام في الكتاب المقدس

أجمعت فرق المسلمين على أن المهدي المنتظر ينحدر من عترة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام أي أن الزهراء عليها السلام، تكون أمه (جدته) سواء كان من الفرع الحسني أو الحسيني، فيكون نسب المهدي عليه السلام أشرف الأنساب طرا، فأصله يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق أمه فاطمة الزهراء وآبائه سلسلة الذهب طاهر من طاهر وصادق من صادق إلى سيد الأوصياء ومثل هكذا نسب لا يوازيه نسب قبله ولا بعده. وعند الرجوع إلى الكتاب المقدس وبالتحديد إلى سفر (رؤيا يوحنا) نجد إشارة واضحة إلى السيدة الزهراء،...

أجمعت فرق المسلمين على أن المهدي المنتظر ينحدر من عترة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام أي أن الزهراء عليها السلام، تكون أمه (جدته) سواء كان من الفرع الحسني أو الحسيني، فيكون نسب المهدي عليه السلام أشرف الأنساب طرا، فأصله يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق أمه فاطمة الزهراء وآبائه سلسلة الذهب طاهر من طاهر وصادق من صادق إلى سيد الأوصياء ومثل هكذا نسب لا يوازيه نسب قبله ولا بعده. وعند الرجوع إلى الكتاب المقدس وبالتحديد إلى سفر (رؤيا يوحنا) نجد إشارة واضحة إلى السيدة الزهراء، ففي الإصحاح ١٢: ١-٦ (وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا . وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد. وظهرت آية أخرى في السماء . هو ذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبعة تيجان. وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض. والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت.
فولدت ابنا ذكرا عتيدا أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد. واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه. والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكي يعولوها هناك ألفا و مئتين وستين يوما) فيبتدئ يوحنا اللاهوتي رؤياه بمشاهدة امرأة في السماء تلبس الشمس وكان القمر تحت قدميها فإذا قلنا إن المرأة هي الزهراء عليها السلام فيكون الشمس والقمر أبيها وأمها وهذا أشبه برؤيا يوسف عليه السلام حيث يقول القران الكريم على لسان يوسف عليه السلام (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لي‏ ساجِدينَ) وكذلك فإن الكتاب المقدس يذكر هذه الحادثة في سفر التكوين ٣٧: ٩-١٠ (ورأى حلما آخر فقصه على إخوته قال (رأيت حلما آخر كأن الشمس ساجدة لي والقمر واحد عشر كوكبا)) وتفسير الآية القرآنية والنص هو أن الشمس والقمر هما أبوا يوسف والأحد عشر كوكبا هم إخوته من أبيه وعند الرجوع إلى النص الأول بعد أن قلنا إن الشمس والقمر هما أبوا تلك المرأة، فالأب هو خير البشر وأفضل الأنبياء والمرسلين، والأم هي أفضل أزواج النبي وأولاهن، وأوّل النساء إيمانا، والمواسية لرسول الله بمالها ونفسها وهي حقا كما قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء عن أم سلمة زوج النبي (فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: خديجة وأين مثل خديجة، صدقتني حين كذّبني الناس وآزرتني على دين الله وأعانتني عليه بمالها، إنّ الله عز وجل أمرني أن أبشّر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) ولعل الإشارة في النص (والقمر تحت رجليها) هو لعلوّ مقام فاطمة الزهراء، فهي أفضل من أمها خديجة بل هي أفضل نساء العالمين على الإطلاق.
وأما قوله (وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا) فنودّ أن نشير إلى أن هذا العدد وهو (اثنا عشر) قد ورد كثيرا في القران الكريم والكتاب المقدس حيث إن وعد الله لنبيه إبراهيم في ولده إسماعيل بأن يكثره وينميه ويجعله أمة عظيمة ويلد اثني عشر رئيسا (إماما), وأبناء يعقوب كان عددهم اثني عشر، ونقباء بني إسرائيل الذين اختارهم نبي الله موسى، واحداً من كل سبط من أسباط بني يعقوب (إسرائيل) كانوا اثني عشر أيضا، ورسل المسيح (حواريوه) كانوا اثني عشر، ويخبر الإنجيل بأنهم سيجلسون على اثني عشر كرسيا ليدينوا أسباط بني إسرائيل الاثني عشر، وعموم المسلمين يعتقدون بصحة الحديث المروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بكون الأئمة اثني عشر وكلهم من قريش وإن اختلفوا في مصداق هؤلاء الأئمة, إلا أن الأمامية يعتقدون أن الاثني عشر إماما القرشيين هم عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولهم علي أمير المؤمنين وأخرهم القائم المهدي عليه السلام.
وبالرجوع إلى النص نجد أن هؤلاء الاثني عشر كوكبا مرتبطين بتلك المرأة الوالدة لذلك الذكر العتيد الذي يحكم العالم كله بسيفه, وعندما نريد تطبيق معنى الاثني عشر على أي من الموارد السالفة الذكر فنجد أنه لا ينطبق إلاّ على الزهراء عليها السلام والأئمة الاثني عشر الذين يعتقد بإمامتهم الشيعة الإمامية, حيث أن الزهراء تكون نقطة الوصل بين مقام الخاتمية والرسالة من جهة ومقام الإمامة التي بشر الله بها إبراهيم بأن تكون في صلب ولده إسماعيل من جهة أخرى, فالأئمة من بنيها كان لهم ميراث النبوة من جدهم، وميراث الإمامة من أبيهم الذي هو نفس رسول الله ووارثه، والأغرب الأعجب أن مثل هذا المقام السامي للائمة تقوم بعض الفرق من المسلمين بتطبيقه على مثل معاوية ويزيد وعبد الملك وأولاده الأربعة متغاضين عن كل الجرائم والفسوق والمعاصي التي كانوا يرتكبونها نهارا جهارا.
أمّا التنين الذي تم ذكره في النص فهو حيوان أسطوري كبير واسمه الحية وهو يمثل الشيطان، والشيطان هو الشر المطلق الذي يحاول أن يضطهد تلك المرأة ويقتل طفلها حين الولادة، أي أن ذاك الشر المطلق يعلم أن الخير المطلق يكمن في المولود الجديد الذي سيدمر ذلك الشر ولذا هو يريد القضاء عليه حال إبصاره للنور وقبل أن تكون له الشوكة والقوة ليحكم العالم كله كما كان يعلم الفرعون بأن ولدا من بني إسرائيل سيولد ويدمر عرشه فعمد إلى قتل كل ولد ذكر يولد لكن الله نجي موسى من مكائد الفرعون بان أخفى حمل أمه ثم تحقق الوعد الإلهي ودمر موسى عرش فرعون وانتصر لدين الله والشيطان أيضا باء بالفشل كما تقول الرؤيا حيث ان المرأة ولدت ذك المولود وكان ذكرا عتيدا مخططا له أن يخضع العالم كله تحت سلطته ويحكمهم بسيفه ولعظم هذه المهمة الربانية وللحفاظ على القائد المناط به أمر تنفيذ هذه المهمة فإن الله أخذ ذلك المولود إليه بعد أن مكّن المرأة من الهرب من وجه ذلك الشيطان ثم بعد ذلك يسترسل النص ليذكر الحرب التي تقوم بين ميخائيل وملائكته وبين الشيطان وأتباعه، وكيف يسقط الشيطان في نهاية الأمر إلى الأرض.

الوهابية ومعوقات التمهيد

$
0
0
الوهابية ومعوقات التمهيد

سلسلة من الابحاث تسلط الضوء على الحركة الوهابية وتكشف ارتباطاتها الخفية

استباحة دماء امسلمين في المساجد :  يستغرب البعض مما وقع في حرم الله الآمن بمكة المكرمة من تقتيل للحجاج الأبرياء حتى أنه لم يسلم من ذلك حتى الشيوخ والنساء؛ لا لسبب إلا أنهم نددوا باليهود والنصارى أيام الحج الأكبر إتباعا للهدي النبوي، حيث قرئت سورة براءة على الملأ.

 

سلسلة من الابحاث تسلط الضوء على الحركة الوهابية وتكشف ارتباطاتها الخفية

استباحة دماء المسلمين في المساجد

يستغرب البعض مما وقع في حرم الله الآمن بمكة المكرمة من تقتيل للحجاج الأبرياء حتى أنه لم يسلم من ذلك حتى الشيوخ والنساء؛ لا لسبب إلا أنهم نددوا باليهود والنصارى أيام الحج الأكبر إتباعا للهدي النبوي، حيث قرئت سورة براءة على الملأ.

إن هذا الاستغراب مرده إلى الجهل بالعقيدة الوهابية وتأريخها، فالمنظّر لهذا المذهب، محمد بن عبد الوهاب كان لا يتردد في لمز الناس بالشرك ليستحل بذلك دماء مخالفيه، حتى وصل به الحال الى لمز سيدنا آدم عليه السلام وأمّنا حواء عليها السلام بالشرك في كتابه (التوحيد)، وقد مارس ذلك وبكل وقاحة ضد المسلمين في جزيرة العرب، لسفك دمائهم واستباحة أعراضهم ونهب أموالهم، وسنضرب على ذلك مثالا مما دوّنه الوهابية أنفسهم، فقد جاء في الصفحة (٩٧) من كتاب أصدرته الحكومة السعودية بعنوان (تاريخ نجد) للشيخ حسين بن غنّام في جزأين الأول يستعرض فيه مؤلفات الشيخ محمد عبد الوهاب، والجزء الثاني يستعرض فيه حروب الوهابيين، وقد أشرف على طباعة الكتاب الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ _مفتي السعودية الحالي وأحد أفراد عائلة محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية_.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (إن عثمان بن معمر _حاكم بلد عيينة_ مشرك كافر، فلما تحقق المسلمون من ذلك تعاهدوا على قتله بعد انتهائه من صلاة الجمعة، وقتلناه وهو في مصلاه بالمسجد في رجب ١١٦٣هـ) ويقول ابن بشر: (فلما سلّم من الصلاة قام إليه من ذكرنا فقتلوه ...) وقد فعلوا ذلك من قبل مع (دهام بن داوس) حاكم الرياض بقرية العارض حيث أرسلوا إليه من اغتاله.

هكذا يغتالون المسلمين حتى في المساجد! وكيف ان حاكم العينة هذا مشركا كافراً وهو المقتول غيلة في مصلاه بالمسجد بعد أدائه صلاة الجمعة؟! إن الجاهل من المسلمين يعلم أن المتهم بالردة عن الإسلام لا يقتل غيلة بل يستتاب، وكيف يصح أن يكون كافراً من قتل في مصلاه بالمسجد؟!

ولم يكتف ابن عبد الوهاب بذلك بل (سار الشيخ رحمه الله تعالى _أي محمد بن عبد الوهاب_ إلى العيينة فأمر بهدم قصر ابن معمر فهدم).

نعم والتاريخ يشهد إلى يوم القيامة أن محمد بن عبد الوهاب وحزبه دمروا بلدة العيينة المكتظة عن بكرة أبيها؛ لأنهم ثاروا على الحاكم الذي عينه الوهابية، فأضحت البلدة منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا قاعاً صفصفا، بل ومنع بناءها منذ ذلك اليوم، ولقد قال محمد بن عبد الوهاب قولا لا يرتضيه عاقل عندما علل إفناء بلدة العيينة بقوله (إن الله سبحانه وتعالى قد صب غضبه على العيينة وأهلها، وافناهم تطهيراً لذنوبهم، وغضبا على ما قاله حاكم العيينة: عثمان بن معمر، فقد قيل لحاكم العيينة إن الجراد آت إلى بلادنا، ونحن نخشى أن يأكل الجراد زراعتنا، فأجاب حاكم العيينة قائلا ساخراً من الجراد: سنخرج على الجراد دجاجنا فتأكله،وهذا غضب الله سبحانه لسخرية الحاكم بالجراد آية من آيات الله لا يجوز السخرية منها... ولهذا أرسل الله الجراد على بلدة العيينة فأكلها عن آخرها) هكذا يستخف محمد بن عبد الوهاب بعقول السذج, فلو يؤاخذ الله الناس بذنوبهم ما ترك عليها من دابة, هذا لو قطعنا جدلا أن مقولة حاكم العيينة في الجراد ذنب, وهل هذا من الشرك الذي يستحق عليه حاكم العيينة القتل في المسجد؟! ومتى كان الجراد يأكل الجدران والرجال ويأخذ ما تبقى رقيقا, ويهدم الآبار!

فكيف نستغرب أن يأتي اللاحق من الوهابية فيقتل المئات من النساء والشيوخ المسلمين عند المسجد الحرام, بل وكيف نستغرب أن يأتي ابن باز ليفتي بجواز قتل العراقيين وإن كانوا في الصلاة؟!

اننا نقول لكل مخدوع إلى مسارعة البراءة من هؤلاء، ذوي الأيدي الملوثة بدماء المسلمين، فموالاتهم إعانة لهم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (من شرك في دم حرام بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله).

وجاء من طريق أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قوله صلى الله عليه وآله وسلم (لو أن أهل السماء وأهل الأرض أشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار).

لذا فقد كان ابن عباس يرى (أنه ليس لقاتل النفس المؤمنة من توبة) كما رواه مسلم.

بلاد الشام قبيل الظهور

$
0
0
بلاد الشام قبيل الظهور

جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يظهر الابقع في مصر, بعد النجم المذنب, وانكساف الشمس, وانخساف القمر, (ومعنى ذلك أن ظهوره يكون مقاربا ليوم الفرج على أساس هذه العلامات الثلاث المميزة عن غيرها مما يشابهها عادة من الظواهر الطبيعية والآيات).

الأصهب والأبقع:

جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يظهر الابقع في مصر, بعد النجم المذنب, وانكساف الشمس, وانخساف القمر, (ومعنى ذلك أن ظهوره يكون مقاربا ليوم الفرج على أساس هذه العلامات الثلاث المميزة عن غيرها مما يشابهها عادة من الظواهر الطبيعية والآيات).

وقال أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم: ثم يقوم العلج الأصهب, ثم تشتد الفتن, وتكثر الوقائع, (والعلج هو القوي الشديد البأس من غير العرب, واللفظة لا تنهض بدليل كاف على هويته الحقيقية, وإن كان هناك رأي يقول انه حامل راية اليهود).

وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً:

_ التقاء ثلاث رايات في الشام: السفياني, والأصهب, والأبقع إلا ان اولها الهجري, والعطري, والرقطي (والظاهر من هذا الخبران الهجري هو اليماني, والرقطي: أي منقط الثوب هو الأبقع, أما العطري فلا يدل على ثائر إلا رمزاً, وهذا لا يتيح لي دلالة أجزم عليه فيها وإن كنت أميل إلى انه السفياني الذي يعاصرهما).

وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام تحذير خاص قال عليه السلام فيه:

_ اتق شر الأصهب والأبرص. فقيل: وما الأصهب؟ قال: الأبقع. قيل: وما الأبقع؟ فقال: الأبرص.. واتق شر السفياني ...).

(وما نلاحظه ان هذا الخبر جعل الأصهب والأبقع واحداً, مع أنهما اثنان, وقد حصل ذلك من تعاقب ألسنة النقلة وكثرة النسخ, فمضمون الخبر تحذير من حشود الأصهب والأبرص, ومن حشود السفياني وحشود الشذاذ الذين يتهوسون ويدعون المهدوية كاذبة وهذا يعني تجنب هذه الحشود وعدم الانحياز إلى اي واحد منها).

وقد ذكر الإمام علي عليه السلام:

_ (اذا رأيت الترك قد جاوزوا دمشق إلى الجزيرة, وأقبلت الروم حتى نزلت الرملة, وهي سنة اختلاف كثير في كل أرض من أرض العرب. وان أهل الشام (اي بلاد الشام بحدودها الواسعة) يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب, والأبقع, والسفياني).

وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً:

_ (ستقبل اخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة, وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة, فتلك السنة اختلاف كثير في كل ارض من ناحية المغرب (ولفظة المغرب هذه برأيي انها لم تكن محرفة عن لفظة العرب أو ان الإمام عليه السلام كان يقصد مغرب الجزيرة الواقع على شاطيء البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر شرقاً أي البلاد العربية الغربية من جنوب تركيا إلى اقصى الجنوب في اليمن, وهذا الجزء هو الذي يخيم عليه جو الفتن اليوم, ونحن قد نعيش تأويل حديثه الشريف.

وعن الائمة عليهم السلام:

_ فأول أرض تخرج (أي تثور وتحارب) أرض الشام: يختلفون عند ذلك ثلاث رايات هي راية الأصهب, وراية الأبقع, وراية السفياني, فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون ويقتله السفياني ومن معه ويقتل الأصهب.


الجاهلية الحديثة ( الثانية):المساجد المناقضة للقواعد وأبنية الشرك والنفاق

$
0
0
الجاهلية الحديثة ( الثانية):المساجد المناقضة للقواعد وأبنية الشرك والنفاق

بقلم إسماعيل  شفيعي سروستاني
يقول الإمام الصادق (ع) عن أبيه، في تفسير الآية  33 من سورة الأحزاب "وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى" ما مضمونه الا تتبرجن تبرج نساء عصر الجاهلية الأولى .
إن مفردة التبرج مأخوذة توسعا من مفردة البرج. واستنادا إلى  المغفور له العلامة طباطبائي في تفسير "الميزان" فإن التبرج يعني الظهور كما تظهر الأبراج لناظريها.
وربما يمكن اعتبار التبرج بهدف إظهار وإبراز الزينة والاستعراض ولفت الأنظار هو الأقرب مفهوما إلى  التبرج الجاهلي.

 

إسماعيل  شفيعي سروستاني
يقول الإمام الصادق (ع) عن أبيه، في تفسير الآية  33 من سورة الأحزاب "وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى" ما مضمونه الا تتبرجن تبرج نساء عصر الجاهلية الأولى .
إن مفردة التبرج مأخوذة توسعا من مفردة البرج. واستنادا إلى  المغفور له العلامة طباطبائي في تفسير "الميزان" فإن التبرج يعني الظهور كما تظهر الأبراج لناظريها.
وربما يمكن اعتبار التبرج بهدف إظهار وإبراز الزينة والاستعراض ولفت الأنظار هو الأقرب مفهوما إلى  التبرج الجاهلي.
إن التظاهر بمعنى الاستعراض وإظهار الزينة، هو الشئ المخفف للتبرج. الرغبة في الاستعراض والتظاهر. الإسقاط الخاص الذي يقف تماما في مقابل الأحجام وضبط النفس والحياء وحتى كتمان السر. وهو نوع من الاستعراض المتهور أمام الناس.
وهذا الاستعراض المتلازم مع التفاخر يُذكّي نار الرغبة والحسد ويدفع النفس الامارة المستقرة في الجسم الصغير لألوف الشيوخ والشباب لخوض سباق كبير.
إن التبرج هو مضاد للستر ومخالف له، لذلك فإن المعصومين (عليهم السلام) وأهل الحكمة والتعقل قد ذموه ونهوا عنه وهو من صفات وسمات إنسان عصر الجاهلية الأولى. وهو الذي يعود ويظهر بعد مضي قرون، على هيئة الجاهلية الثانية في آخر الزمان ويقف في مواجهة إمام الزمان (ع).
وإن نظرنا من منظر القرآن الكريم أي نهي وذم التبرج والتظاهر في الميادين الثقافية والحضارية في السابق والحاضر، نجد بأن المدن هي معاقل التبرج والتظاهر. كما أن البيوت والملابس ووسائط النقل تشبه الأبراج في الاستعراض ولفت الأنظار والتظاهر، كلها تفتقد إلى  صفة الستر، وتشبه الزجاج الشفاف الذين يظهر ويبدي كل ما يكتنز خلفه.
إن الأزقة والأحياء وكل ما في المدينة، تنطوي على مظهر من مظاهر هذه الصفات المذمومة، وتعرض ما لديها على كل مار وماش.
بعبارة أخرى، فإن المدن والأحياء تكون مقر ظهور التبرج التام في نهاية الزمان.
المباني الشامخة التي تناطح السماء، تتفاخر وتتباهى مع بعضها البعض في منافسة حادة. وتظهر تفوقها وتبرز روعتها والوانها وواجهاتها وأمنيات بانيها وأصحابها. إنها تعرض قدرها لتأسر قلوب وعيون مشتريها والمطالبين بها.
وكل بناية تخفي في باطنها استعراض صاحبها وحرصه على التظاهر.
إن المراكز التجارية والمحال وواجهات المحال التجارية و... تعكس كلها ألوانا زاهية لتكسب ود القادم والذاهب، الآتي والراحل. مثلما أن الاطعمة والألبسة والأشربة تزيد من كثافة هذا التظاهر، فقد انفلتت كلها من عقالها ومنزلتها وتحولت إلى  أداة للتبرج والتظاهر.
فالمدن مليئة بأناس يستعرضون أنفسهم منذ الصباح الباكر. إن بزوغ الفجر وشروق الشمس يشكلان منطلقا لمسابقة كبيرة خبرت في العصر الجاهلي وقد عادت في حلة جديدة. وربما أن المدن هي السبب في تباهي الإنسان وفساده أخلاقيا وثقافيا. مثلما أن ابن خلدون يرى في "المقدمة": إن شخصية الإنسان يخلقها نوع معيشته. إن الإنسان يفضل في الكثير من الحالات الحياة في البادية على الحياة في المدن ويرى بأن الشجاعة والتدين والبطولة والأخلاق  والفطرة النزيهة تتراجع في المدن وحتى إنه يرى بأن جميع هذه الصفات المحمودة تضعف وتتضاءل في المدن إلى  أن تنهار نهائيا وحتى إنه يعتقد بأن المدينة والحياة الحضرية سبب للانحطاط وانقراض الدين والدولة.
إن المدينة والشارع والمركز التجاري والمحال التجارية والابراج والاحياء كلها من قماشة واحدة وتحمل صفات مشتركة. فكلها تظهر باطن إنسان العصر الحاضر الذي يدور مثل عصر الجاهلية الأولى حول مدار التظاهر والتبرج. وكل شئ وكل شخص يعرف في نطاق التظاهر والتبرج، ونبحث خطا عن التبرج في تسريحة شعر الفتيات. فنغلق اعيننا في غفلة من الزمن على الدور الرئيسي لبناء وتخطيط المدن والعمارة والمنازل في تبلور شخصية الإنسان وتنشئة الأجيال ونعتبرها كلها بأنها لا أثر لها.
وذات يوم مر رسول الله (ص) من مكان فشاهد بناية تعلوها قبة، فسأل من صاحب هذه البناية قالوا: إنها لرجل أنصاري. وبعد فترة، جاء ذلك الرجل في زيارة للنبي الأكرم (ص) فأعرض عنه صلى الله عليه وآله وسلم وأظهر استيائه من تشييد ذلك المبنى. وكان النبي الأكرم (ص) يعتبر تشييد هكذا مبان بأنه يتسبب بمشاكل للناس.
ويعد الستر في الحضارة الإسلامية، السمة البارزة للمباني ومحط اهتمام الثقافة النبوية والعلوية، وهو الذي يظهر في العمارة وبناء المدن والمنازل. وفي المقابل، فإن العري والتعري يعد الصفة الذاتية للثقافة والحضارة الغربية.
وقد نقل عن النبي الأكرم (ص) ما مضمونه إن دار كل أمر حرمه.
ومن هذا المنطلق فإن النبي الأكرم (ص) يعتبر بيت الناس كالمسجد الحرام، آمن ويرى أن من دخل بيته فهو آمن كما من دخل المسجد الحرام فهو آمن. 
وبذلك كيف يمكن تصور أن المنادي بهذه الثقافة النبوية والعلوية، يصادق على هذا "التبرج والتظاهر والتزاحم" العفن الكائن في بناء الأبراج وحتى عمارة المساجد الحديثة في مدننا والتي لا تنطوي إلا على إيجاد المتاعب للخلق وإزاحة الستار عن المحارم؟
إن العمارة الحديثة وبناء الأبراج الحديثة وبسبب منشأها الليبرالي والنابع من الفلسفة الإنسانية التي تحكم المهندسين والمعمارين، ترفع إذن الدخول عن جميع البيوت وأماكن الخلوة والمواقع الآمنة للناس. بالضبط مثلما كان سائدا في عصر الجاهلية، إذ كان سكان الحجاز في عصر الجاهلية الأولى أزالوا تقليد كسب الإذن لدخول المنازل والبيوت، إلى  أن أعلن القرآن الكريم في زمن البعثة:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".
وكيف يمكن أن تعيش في سكينة وهناء وأنت جالس بجوار المعتدين؟
وأليس جعلنا في زحمة الأبراج والمنافذ، الكل عرضة لسهام النظرات السامة لغير المحارم؟ وفي هكذا وضع، فإن الهدوء والطمأنينة والأمن، تصبح كيمياء بعيدة المنال. وجوهرة خسرناها بثمن بخس من دون أن نفكر فيها.
وورد أن ابوسعيد الخدري كان واقفا أمام بيت النبي الأكرم (ص) وكان يريد الحصول على إذن للدخول، سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بألا تحاول الحصول على إذن وأنت أمام الباب.
إن أمن المحارم وأهل الدار يتم تكريمهم لدرجة أنه يتم وضع شروط لكيفية الحصول على إذن للدخول إلى  المنازل ناهيك عن حذف كافة الشروط تحت ذرائع اقتصادية بحتة لا يمكن الدفاع عنها ووضع الناس العزل كما كان في العصر الجاهلي عرضة لسهام العيون السامة، السهام  التي قد يضرب ويصيب كل منها أهل الدار بطريقته.
وهل فكرنا عندما نقرأ في دعاء "الندبة": "أين هادم أبنية الشرك والنفاق" كيف سيتعامل الإمام (ع) في وقت الظهور مع معطلي الفرائض والسنن ومشيدي أبنية الشرك والنفاق؟
إن قراءة هذه الأدعية ستكون وبالا علينا إن لم نتقيد بادب المنتظرين الحقيقيين وما لم نستعد لإحياء الفرائض والسنن وما لم تكن هناك إرادة جادة لمتابعة الثقافة النبوية والعلوية الحقيقية والتي تتجلى بالكامل في الثقافة المهدوية. إننا عندما نتلو الأدعية والأذكار نكون قد قطعنا عهدا أمام الله والمعصومين (ع) ونضع أنفسنا أمام العهود والمواثيق حتى وإن لم نكلف أنفسنا الوفاء بتلك العهود والمواثيق، وبناء على ذلك فإننا نرضخ لكم كبير من الابتلاءات والتداعيات الناتجة عن نكث العهد والميثاق.
إن هكذا قراءة للأدعية تجرنا أحيانا إلى  حد الاحتيال على حجة الله الحي.
إن نكث العهد مع الله ورسوله (ص) ستكون له حسب السنن الإلهية نتائج مثل هيمنة الأعداء وانقطاع بعض النعم.
إن الإشارة إلى  أبنية الشرك والنفاق وتهديمها في وقت الظهور تنطوي على إشارة أيضا إلى  المشيدين والبنائين المنافقين والمشركين لهذه الأبنية، كما تنطوي في وجه آخر على إشارة إلى  قيام هذه الأبنية على أسس الشرك والنفاق في الميدان الفكري والثقافي، وفي كلتا الحالتين فإن هذه الأبنية تؤسس للشرك والنفاق الخفيّ والجليّ في الحقل الثقافي والحياة المادية للمسلمين.

وأليس التبرج والتظاهر والرياء، يحمل في طياته شركا ونفاقا ويتسبب بهما؟ والكلام لا يدور حول وجود مشركين ومنافقين في هيئة معمارين وبنائين، أقاموا وشيدوا الأبنية لنا، بل الحديث يدور حول الأسلوب الذي تتبعه  العمارة وتخطيط المدن على الأسس النظرية القائمة على الشرك والنفاق، حتى وإن كان مسلم مؤمن قد شيدها. لذلك وانطلاقا من أن الإناء ينضح بما فيه، فإن صورة المبنى تعكس باطنه المتسم بالشرك وتؤسس للنفاق والحياة المتسمة بالشرك في الأرض.
قال ابوهاشم الجعفري : كنت عند الإمام الحسن العسكري عليه السلام فقال : إذا قام القائم يهدم المنار والمقاصير التي في المساجد . فقلت في نفسي لأي معنى هذا ؟ . فأقبل علي فقال : معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة.
ويقول العلامة المجلسي في توضيح هذا الحديث: لأن الإشراف والتسلط على بيوت الناس حرام.
إن من يفعل بمنائر ومقاصير المساجد المشرفة هكذا، كيف سيفعل إذن بالأبراج الشيطانية والموبوءة بالتبرج الجاهلي؟ ويمكن من دون الرجوع حتى إلى رواية واحدة ونهج وسلوك المعصومين (ع) ومن خلال الاستعانة بهذه العلوم الحديثة فهم ودرك تداعيات وتبعات هذه العمارة على جسم وروح سكان المدن.
وكأننا تركنا لوحدنا. ونعتبر أنفسنا بلا إمام ولا سنة ولا حكم، بحيث لوثنا بهذه الطريقة مدننا وديارنا وجعلنا المسلمين يصابون بالأمراض والإنهاك والإبتلاء بالعذاب الدنيوي والأخروي.
وفي أعقاب الإتيان بمستندات حول الإنشاءات والمباني الهرمية في طهران وبعض المدن الإيرانية الأخرى بما فيها مشهد وشيراز ورشت و...، حظر المجلس البلدي في طهران تشييد المباني هرمية الشكل في مدينة طهران.
وإذ نشيد ونقدر هذا الإجراء اللائق لأعضاء المجلس البلدي بطهران نأمل بأن يحذو رؤساء البلديات والمجالس البلدية في البلدان الأخرى حذو طهران وأن يتخذوا إجراء كهذا ويوعزوا بوقف إصدار تراخيص تشييد هكذا مبان لأنها ذات منطلق شيطاني.
لكن ما يدعو للأسف اأ هرطقة حديثة اتبعت في بناء المساجد. وهذه البدعة والهرطقة تعززت في ضوء الاستنساخ من أسلوب العمارة ما بعد الحداثة. وعلى الرغم من أنه يتم استخدام رموز من العمارة الإيرانية والإسلامية في هذه المساجد وعناصر مثل الجنينة والعقد و... في تزيين وإضفاء الجمالية على هذه المساجد وزخرفة فضاءاتها الخارجية، لكن وبسبب اعتماد عمارتها الرئيسية على الأسس الفكرية للمذهب الإنساني فإن الروح السائدة في هذه المباني تظهر نوعا من النظرة الخارجية الخاصة أو بالأحرى  المسلك الذي يسلكه الإنسان الغربي وهو المذهب الإنساني في الميدان الثقافي. وهذا الشئ أخرج هذا البناء العبادي الإسلامي أي المسجد من روحه ومكانته الرئيسية. وحسبما يقول أحد الأساتذة الكبار فإن هذا الوجه البارز أدى إلى  أن يكون المبنى داعيا الناس لنفسه بدلا من دعوة المصلين إلى عبادة الله الواحد الأحد.
ويتابع هذا الناقد فيقول:
إن هذا البناء الذي صمم على أساس العمارة ما بعد الحداثة مثل ديكونستراكشن  وفولدينغ وكاسموجنيك، ينادي مباشرة بفلسفة ديكونستراكشن  وفولدينغ. وربما لا نرى أبدا أي معمار ينتهج هذا الأسلوب قريبا بهذا القدر إلى  توجه فلسفي ما.
إن المسجد في الأنموذج الإلهي، هو مكان السجدة وعبادة الله. وفي الأنموذج الإنساني حيث لا يوجد الله، فمكان سجدة وعبادة من؟ إن هكذا تقليد مثير للسخرية يظهر نفسه هنا أكثر  فأكثر  من أن "مسجدا على طريقة المذهب الإنساني" وصممه وصنعه أسلوب عمارة ديكونستراكشن ، نابع من أوهام ذهن جاك دريدا فيلسوف ما بعد الحضارة الفرنسي. لذلك فإن فلسفة ديكونستراكشن  وهي فلسفة الاضطراب والإيهام والإزدواجية وغياب الاستقرار والخداع وعدم الجدوى والتناقض، لا يمكن أن تتحول إلى  أساس نظري لعمارة مسجد ما.
كما أن فلسفة فولدينغ   التي هي حصيلة ذهن جيل دلوز فيلسوف ما بعد الحداثة الفرنسي، تعتمد الغموض وعدم وجود أفضلية في أي شئ ونبذ التراتيبية العمودية والتأكيد على الحركة الأفقية.
وحقا يجب التساؤل: ما موقع فلسفة الإيهام والتزلزل وعدم الثبات والاستقرار في عمارة مسجد يشيد من أجل اليقين والتوحيد؟
وفي الأعوام الأخيرة من عقد التسعينيات (السبعينيات في التقويم الإيراني) عكفت جماعة تحمل فكرا رجعيا ودابت على التقويض والإضعاف التدريجي للمجال الثقافي الديني والثوري على استهداف القواعد والمعاقل الرئيسية للثورة الإسلامية أي المساجد ووضعت على جدول أعمال أمانة العاصمة طهران تأسيس مراكز ثقافية على طريقة فرنسيي العصر. وقد بدأ هؤلاء هذه الخطوة من أبعد مناطق طهران جنوبا. والطريف أنه تقليدا للماسونيين الفرنسيين الذي حولوا للمرة الأولى ملحمة في باريس إلى  مركز ثقافي، قاموا بإعادة تأهيل مسلخ مدينة طهران في جنوب العاصمة وتحويله إلى  مركز ثقافي.
ونحمد الله أن يدهم لم تطل تركيبة المساجد وسمحوا بأن تبقى سلالم السماء هذه في أرجاء المدينة عسى أن تكفل ارتباط الأرض وأهل الأرض بالعالم الماورائي والقدسي.
والمؤسف أنه بسبب الغفلة المزمنة في مجال الدراسات الثقافية وضرورة الثورة الثقافية الشاملة، استغل الماسونيون والمتشبهون بالماسونية الظروف السائدة، ليستهدفوا بصلافة تامة الأسس الرئيسية للعمارة. فقد أقدم هؤلاء في الخطوة الأولى مستغلين غفلة مجموعات خبراء البلديات، على تأسيس مباني هرمية الشكل وبعد هذه التجربة الشاملة، توجهوا في الخطوة الثانية نحو المساجد.
وقد شهدنا في كل حدب وصوب في طهران تشييد مساجد طغت عليها العمارة في سياق مناقضة البنيوية والتركيبة النمطية بشكل واسع النطاق فكسرت طابعها التوحيدي والعبادي للمسلمين وجعلت المساجد تعتمد وتبنى على أسس وركائز المذهب الإنساني ومعتقدات محافل عبادة الشيطان الماسونية.
وكما أسلفنا، فقد قام هؤلاء المعمارون وفي خطوة تنم عن كسر القواعد بشكل خاص وفي ظل صمت الحجر والإسمنت والفولاذ، بالتنكر لأي نداء توحيدي وحقيقة سماوية تنطوي على نبذ الشرك وعبادة الأنماط المختلفة، لتنادي بالتعددية.
وفي سياق ما يعرف بفلسفة ديكونستراكشن  وقام المعمارون حديثو العهد بتشيد مساجد طهران على أساس هذا الأسلوب المعماري، ثمة جهد حثيث لنبذ أي ادعاء يسعى للإعلان والجهر بنوع من الحقيقة الثابتة والتوحيد في عالم الخلقة والكون وتنظيم العلاقات الإنسانية وبالتالي إحلال نوع من التعددية محله من خلال اعتماد أسلوب كسر ومناقضة القواعد. وهذا الأسلوب من كسر القواعد عن طريق العمارة، وضعه فرانك غري المعمار الأمريكي المتحدر من أصل كندي.
وكما يستشف من هذه الفلسفة، فإنه لا يتم تفضيل شئ على شي آخر وتتناقض مع مفهوم الأوج والتسامي والانطلاق من التعددية نحو الوحدة في العمارة الإسلامية. ولهذا السبب فإنه ليس هناك حاجة إلى  القبة والمنارة اللتين تعكسان التحرك من التعددية إلى  الوحدة والعروج والتسامي في العمارة الإسلامية.
وتم تبيان هذا الموضوع والمفهوم بلغة أخرى في فلسفة الفيلسوف الفرنسي فولدينغ.
إن فولد  تعني الطيّة والثنية أي إن كل ثنية بجانب ثنية أخرى وكل شئ بجانب أحده الآخر. وأي ثنية لا يتم تفضيلها على ثنية أخرى، كما أن الفولدينغ تعني العمودية ونبذ أي تراتيبية وتصنيف. وبذلك فإن الفولدينغ تعني النظام الذي يجعل الأفقية تحل محل التراتيبية.
وفي هذا النسيج، فإن أي فكر لا يتفوق على الآخر. وليس هناك تفسير أسمى وأرفع من الآخر. وكل شئ أفقي. بعبارة أخرى إن فلسفة فولدينغ تسعى لتبديل منطق القيمتين إلى  ديكونسترانت أو مناقضة القواعد وإلى منطق التعددية والتباين.
وعلى الرغم من أن المعمارين الغربيين بمن فيهم بيتر ايزنمن قاموا بتصميم وتنفيذ كنائس على طريقة الفولدينغ، لكنه يجب الانتباه إلى  أنه حتى إن أراد المعمارون الإيرانيون تقليد المعمارين ما بعد الحداثة الغربيين تقليدا شكليا بحتا، فعليهم أن يعلموا بأن العمارة ما بعد الحداثة أرضية النزعة، أي إنه يجب إيلاء اهتماما خاصا ضمن هذا الأسلوب إلى  الأرضيات الثقافية والاجتماعية ومعتقدات وتقاليد المجتمع الذي يمارسون مهنة العمارة فيه.
ونظرا إلى  ما أسلفنا، يكفي أن نتساءل:
•    ما النسبة القائمة بين عمارة مسجد ما وهذا الأسلوب من العمارة؟
•    ما العوامل التي تسعى لمناقضة القواعد والثورة على عمارة المساجد في هذه الديار الإسلامية؟
•    لِمَ ينظنون بأننا نعيش في مدينة العميان وأن أعين جميع خلق الله مغمضة على ما يفعلونه؟
•    لماذا يرى المجلس البلدي بطهران أنه في غنى عن امتلاك مجمع ثقافي ونخبوي لدراسة أساليب  العمارة الحضرية المهمة؟
•    من المسؤول أو المسؤولون عن منع اتباع هذه الهرطقات السافرة؟
•    وهل هؤلاء جهزوا أنفسهم للتعرض للمحاسبة والمؤاخذة على يد الصاحب الرئيسي الشريعة؟
وكل هذا بغض النظر عن الدور الذي تضطلع به العمارة الحديثة والمعتمدة على الأفكار النابعة من الفلسفة الإنسانية والشيطانية للمعمارين الماسونيين في إطلاق يد القوى الشيطانية لتعبث بحياة وجسم ورح سكان هذه المدينة العزلاء.

الهواشی :

  1. بحار الانوار، ج 22، ص 189
  2. تفسير الميزان، ج 16، ص 309
  3. نقلا عن فصلية "فرهنك كوثر"، الرقم 50، ص 56
  4. نهج الفصاحة، ص 331، ح 1582؛ الخصال، ج 1، ص 122
  5. الدكتور آيتي،تاريخ نبي الإسلام، ص 561
  6. سورة النور (24)، الآية  27
  7. تفسير الميزان، ج 14، ص 135
  8. الغيبة للشيخ الطوسي، ص 123؛ المناقب لابن شهر اشوب، ج 4، ص 437
  9. روضة المتقين، ج 2، ص 109
  10. ابراهيم ارجمندي، "مسجد الإمام الرضا (ع)"، العمارة ما بعد الحداثة، مشرق نيوز
  11. المصدر السابق
  12. folding
  13. مشرق نيوز
  14. Deconstruction
  15. Fold
  16. سورة الذاريات (51)، الايتان

 

المهدية بين اتجاهين

$
0
0
المهدية بين اتجاهين

كتب فهمي عبد اللطيف وهو عالم ازهري في الاربعينات كتاباً عن المهدية في الاسلام كان اتجاهه انكار فكرة المهدية جميعاً.
يقول فهمي عبد اللطيف ان هذه الفكرة أو هذا الاتجاه هو اتجاه انساني تلجأ اليه الجماعات بخيالاتها عندما تصاب بالصدمات العنيفة وعندما تصاب باليأس ويصبح اعتمادها على…

نحن نعلم أن كبار السن هم أكثر تعقلاً وأصوب منطقاً وأهدأ سلوكاً في العادة من الشباب الذين يغلب على تصرفاتهم التسرع في أطلاق الأحكام وكثرة عثرات اللسان.
ولكن في الوقت نفسه نجد أن الرواية الشريفة تؤكد على أن أنصار الإمام المهدي عليه السلام كلهم من الشباب إلا ما ندر ! ففي (غيبة النعماني) ص ٣٢٩ -٣٣٠ عن أبي يحيى حكيم بن سعد ، قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : (إن أصحاب القائم شباب لا كهول فيهم إلا كالكحل في العين ، أو كالملح في الزاد ، وأقل الزاد الملح).
فيا ترى لماذا يبتعد أصحاب التعقل والتريث عن المشاركة الفعالة في الحركة المهدوية !
وربما يمكننا تلمس اسباب ذلك فيما يلي آخذين بنظر الاعتبار أن الرواية الشريفة لم تذكر أن كبار السن سيعارضون الإمام ! وإنما ذكرت أن مشاركتهم الميدانية ستكون أقل بكثير من مشاركة الشباب :
أولاً : إن المرء حينما يتقدم في السن ، فإنه عادة يفقد كثيراً من مرونته العقلية والنفسية - على غرار ما يفقد من مرونته الجسمية - وبالتالي يكون التيبس عادة هو سيد الموقف لديه. وهذا التيبس ليس خاصاً بفقرات ظهره ، وإنما يتعدى ذلك ليشمل النواحي العقلية في كثير من الأحيان ، لذلك نجد الحنين إلى الماضي والتمسك بتقاليد الآباء أهم شيء لديهم _الكهول والشيوخ_ وبالتالي سيكون موقفهم من التغيير موقفاً (يابساً) حتى وإن لم يعارضوه ، أي أنهم لو قبلوا بالتغيير نظرياً فإنهم لا يشاركون فيه ميدانياً.
طبعاً هذا ليس أمراً عاماً وقاعدة كلية ، إنما قد يوجد عند مجموعة من كبار السن ، خصوصاً إذا مُزج كِبَرُ السن بشيء من الأمية والعصبية.
ثانياً : الواقع المعاش شاهد على أن الأجيال الناشئة -بسبب حداثة السن - تبدي مطاوعة أكثر لأية حركة تجديد وتغيير ، وهي أكثر تسامحاً بلحاظ التقاليد والأعراف والعادات ، أما كبار السن فيعيش غالبهم شعار (قديم تعرفه خير من جديد لا تعرفه)
وبالتالي ستكون استجابة الشباب للدعوة المهدوية التجديدية متناسبة مع ما بنى عليه الشباب عليه أمرهم.
ثالثاً : إن أي تغيير مهما كان بسيطاً ، فإنه يحتاج إلى بذل جهد إضافي فوق المعتاد ، وهذا يتطلب قوة البدن على الأقل ، فكيف إذا كان التغيير شاملاً لجميع مناحي الحياة !
وحركة الإمام المهدي عليه السلام التغييرية تحتاج - كما في الرواية - إلى بذل جهد جهيد ، قد لا يتناسب مع كبر السن.
ففي (بحار الأنوار) ج ٥٢ - ص ٣٠٨ (... رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله ، أشد من الحجر ، لو حملوا على الجبال لأزالوها ... يتمسحون بسرج الإمام عليه السلام يطلبون بذلك البركة ، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب ، ويكفونه ما يريد فيهم . رجال لا ينامون الليل ، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل ، يبيتون قياما على أطرافهم ، ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، هم أطوع له من الأمة لسيدها ، كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل ، وهم من خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة ، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله شعارهم : يا لثارات الحسين ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر).
وبعد هذا لا بد أن نذكر بأن الرواية الشريفة لم تذكر أن الكهول سيعارضون الإمام عليه السلام، وإنما هم لأسباب موضوعية ربما لا يستطيعون المشاركة الميدانية ، ولكن ربما يكون إيمانهم قوياً جداً مما يؤهلهم لمناصب إدارية أو ما شابه، خصوصاً وإن الرواية الشريفة تؤكد على أن المعنى الحقيقي للفتوة والشباب في الدين هو قوة الإيمان فأهل الكهف كانوا كهولاً ، ولكن القرآن عبر عنهم بالفتية ، وليس لنا أن تستبق الأحداث أكثر من هذا المقدار ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.


عالمية الخلاص وحتمية الظهور

$
0
0
عالمية الخلاص وحتمية الظهور

إن فكرة (المنتظر) فكرة لا يكاد يخلو منها مجتمع بشري أو عقيدة دينية، فجذور الانتظار تضرب في أعماق التاريخ والمعتقد الديني ، وهي فكرة مرادفة لمفهوم الخلاص، والخلاص شعور إنساني عام، وهو آتِ من الشعور الديني، لأن الفكر الإنساني جاء في الأصل من الفكر الديني، وسوف نفاجأ بأن الفكر السياسي…

إن فكرة (المنتظر) فكرة لا يكاد يخلو منها مجتمع بشري أو عقيدة دينية، فجذور الانتظار تضرب في أعماق التاريخ والمعتقد الديني ، وهي فكرة مرادفة لمفهوم الخلاص، والخلاص شعور إنساني عام، وهو آتِ من الشعور الديني، لأن الفكر الإنساني جاء في الأصل من الفكر الديني، وسوف نفاجأ بأن الفكر السياسي له نفس الشعور الإنساني في انتظار الخلاص،وما المحاولات الدؤوبة في الفكر السياسي الغربي المعاصر لنشر نظريات مثل نهاية العالم أو صدام الحضارات أو العولمة، ما هو إلا اختصار الطريق من أجل التمهيد لخلاص البشرية من مفهوم أحادي النظرة، وعنصري الشروح والتعليقات، لأن التبشير بنهاية العالم يعني وصول الإنسان للخلاص بالاندماج في الغرب ، وهو نفس ما يشير للعولمة وصدام الحضارات من أجل سيادة الجنس الأبيض.
فالخلاص إذن له وجود في الفكر السياسي رغم أنه فكر مغلوط ، ولكن وبنفس الدرجة نجد تلك المفاهيم عند الشعوب الأخرى في فترات تاريخية، فكانت النظرية الشيوعية الجدلية تبشر الشعوب بالخلاص في شيوع الملكية ، وهو ما تحاوله الرأسمالية الغربية الآن ، ولكن تلك المحاولات السياسية لم تجد يوما ما يجمع الناس من حولها ، لأنها ابتعدت عن الفكر الإنساني المرتبط بالوحي الإلهي ، فالخلاص له امتداد روحي وديني وعقلي في أدبيات الأديان ووجدان الشعوب وضميرها.
ولو نظرنا إلى فكرة المخلّص الموعود نجدها واضحة في الأديان السماوية أكثر منها في الديانات الوضعية والأفكار البشرية السياسية والاجتماعية، ولأن هناك إجماعا بين الديانات السماوية على حقيقة ظهور المخلص يوما ، كان علينا التأكد منه بالحقيقة لا المجاز ، وسوف نجد أنه واحد في أدبيات الديانات، هو المهدي عليه السلام، الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام، لأن عقيدة انتظار المهدي ليست حكراً على الديانة السماوية الإسلامية وإنما احتوتها الديانات السماوية الأخرى(اليهودية والمسيحية) لكن بلفظ المنقذ أو المخلّص.
إذن عقيدة انتظار مخلص أو منقذ أو مصلح عالمي على اعتباره ينشر العدل والرخاء في ظهوره، وتتطهر بظهوره الأرض من الظلم والقهر، في كل العقائد سواء أكانت سماوية أو فكراً إنسانيا وضعياً، وقد كان للظواهر الطبيعية والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية دور في ظهور عقيدة الانتظار، وقد اختلفت شخصية هذا المنقذ عند العقائد الوضعية، فنلاحظ مثلاً انه النيل عند المصريين القدامى، وتارة أخرى تمثلت شخصيته (بالإله تموز) عند العراقيين القدامى، وأخرى تمثلت في شخصية (كرشنا) و(رامي) عند الديانة الهندوسية، و(بوذا) عند الديانة البوذية، و(زرادشت) عند ديانة الفرس القديمة، وأخرى تظهر لنا (بطبقة البروليتاريا) عند المفكرين الماركسيين ، أي أن كل الأدبيات تظهر حتمية ظهور المخلص بعد انتظاره، لأن فكر الإنسان مرتبط بما أودعه الله في عقل الإنسان ووجدانه ، وإن تنكب هذا الإنسان في معرفة ماهية من ينتظر وموعد انتظاره .
وتلتقي العقائد الوضعية والسماوية اليهودية والمسيحية مع الدين الإسلامي الذي يرى ضرورة الثورة العالمية ضد الظلم الذي أرتكب بحق الإنسان ، وتعد عقيدة انتظار مخلّص أو منتظر منقذ للبشرية من الظلم واحدة من العقائد المهمة بل والأساسية عند المسلمين، والمنتظر عندهم هو الإمام المهديعليه السلام .
إن عقيدة انتظاره عليه السلام موضع اتفاق بين المذاهب والفرق الإسلامية ، وذلك لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي أوردت خبر المهدي عليه السلام وانتظار الفرج في ظهوره ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وردت عند كل من أئمة وعلماء السُنّة والشيعة .
كذلك تعد عقيدة انتظار المهدي عليه السلام عند أهل السنة من العقائد المهمة، فهي عندهم شرط من أشراط الساعة الكبرى، وأن الإيمان ببعثه واجب شرعي، وهو أصل من أصول العقيدة وذلك لبلوغ الأحاديث التي ذكرت خبره حد التواتر، ومن ينكر ويجحد خبر المهدي عليه السلام يدخل في دائرة الكفر ويخرج عن الملّة .
ان المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة هو الإمام أو الخليفة الذي سيقود المسلمين، وهو من أهل البيت عليهم السلام نسباً، حيث ستكون خلافته، حسب اعتقادهم ، على منهاج النبوة، وهو رجل من المسلمين، من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، من ولد الحسين بن علي وفاطمة عليهما السلام وهو لم يولد بعد، أسمه محمد بن عبد الله، أي أسمه على أسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسم أبيه على أسم والد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
يؤمن المسلمون الشيعة الأثنا عشرية بعقيدة انتظار المهدي عليه السلام ، كما هو عند أهل السُنّة، فلا يوجد فرق عند الجميع في شخصيته ومواصفاته التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا في علامات ظهوره ومعالم ثورته، لكن الفرق الوحيد هو في ولادته، حيث يعتقد أهل السنة أنه لم يثبت انه مولود وغائب ، بل سيولد ويحقق ما بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بينما يعتقد الشيعة الاثنا عشرية بولادة المهدي عليه السلام ، حيث ولد في بيت أبيه الحسن بن علي العسكري عليهما السلام في سامراء في ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ هـ
فالمهدي المنتظر عليه السلام عند الشيعة الاثنى عشري امام معين هو محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
وله غيبتان، صغرى وكبرى، وأن سبب الغيبة يتمثل في ظلم الحكام وتضييقهم ومحاولاتهم في قتله ، وكذلك قلة ناصريه.

المواجهة الحتمية في حياة المنتظِر

$
0
0
المواجهة الحتمية في حياة المنتظِر

هناك قوتان تتجاذبان الإنسان في كدحه في الحياة ، هما:
١. المبادئ، وهي تلك القوة التي تدعوه نحو إحكام الروابط مع الدين ، وعدم تجاوزها ، وهذه المبادئ عبر عنها القرآن بأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها ، ولذا نقل أحد علماء الآثار أنه من المستحيل أن نجد مدينة أثرية بلا معبد ، وإن أمكن…

 

هناك قوتان تتجاذبان الإنسان في كدحه في الحياة ، هما:
١. المبادئ، وهي تلك القوة التي تدعوه نحو إحكام الروابط مع الدين ، وعدم تجاوزها ، وهذه المبادئ عبر عنها القرآن بأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها ، ولذا نقل أحد علماء الآثار أنه من المستحيل أن نجد مدينة أثرية بلا معبد ، وإن أمكن أن توجد مدينة بلا أسوار أو بلا ساحة قتال ...
٢ . المصالح ، فالإنسان دوماً يسعى لأن يكون متمولاً ومتسلطاً، وذا كلمة مسموعة ورأي نافذ.
والملاحظة المهمة هنا ، هي أن كلاً من المبادئ والمصالح أمور غير متناهية ، فالمبدأ يقول (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)، والمصلحة قال عنها النبي الأكرمN: لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانياً ، ولو كان له واديان لابتغى إليهما ثالثاً ...
وهذا لا يمثل مشكلة في حد ذاته ، إنما المشكلة تكمن في أن هذه الحياة بنيت على أساس محدودية الفرص ، وهذا ما لا يتلاءم مع عدم تناهي المصالح ، وبالتالي سيواجه الإنسان عموماً والمنتظر خصوصاً - مواقف يدور أمرها بين أن يلتزم مبدأه ويضحي بمصلحته ، وبالعكس ، ليقع في اختبار لا ينجو منه أحد، والأشد في هذا الاختبار أنه لا بد من الاختيار بينهما، بمعنى عدم إمكان جمع المصالح على (لا تناهيها) والمبادئ على (لا تناهيها) أيضاً ، فإنه لا بد أن يقع المرء في تعارضهما شاء أم أبى ، وهنا يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الانتظار !
من هنا يمكن أن نفهم حديث (القابض على دينه كالقابض على جمرة) – ولو فهماً جزئياً – خصوصاً في زماننا هذا، حيث المصالح تسوّق مغلفة بالمفاسد والخطايا، وحيث أصبحت الأمور الكمالية أهم من الأساسية في حياة البشر، وحيث جواري هارون العباسي دخلت البيوت عنوة، وحيث أصبح الحلم جبناً، والسفه شجاعة، وحيث رأى الكثير من الناس المنكر معروفاً بل وأمروا به، ورأوا المعروف منكراً بل ونهوا عنه....
هنا تتجلى المواجهة على أشدها ، فيقف المنتظِر العارف وقفة لا تستقل منه المعاول، ليبدي استعداده لالتزام مبدأه، رافعاَ شعار (مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) مستكيناً لربه (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير) منتظراً وعده (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) ...
هنا يكون المنتظر كالمتشحط بدمه، ويكون كمن جاهد بين يدي الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا يدخل السرور على قلب الإمام الصادق عليه السلام حينما يقال عنه : هذا من شيعة جعفر ، هذا ما أدب به جعفر شيعته ! وهنا يكون من الذين عملوا بما يقرب به من محبة أهل البيت عليهم السلام وتجنبوا سخطهم ، ليكون مرتاح البال في أية لحظة يأتي أمرهم الفجاءة ، وحينئذ لا يخسر خسارة من لا تنفعه التوبة ، ولا يندم ندامة من لا ينجيه الندم على الحوبة!


قصة الرياضة في الغرب

$
0
0
قصة الرياضة في الغرب

إن التربية البدنية هي القصة الطويلة لحضور الإنسان في ساحة المواجهة مع الكرة الأرضية. قصة جداله الضخم مع الطبيعة أو مع ذاته ومع جميع الأحلام والتطلعات الهائلة التي يصبو إليها.   إن كتاب "التربية البهلوانية" (قصة الرياضة في إيران) وهذا الكتاب (قصة الرياضة في الغرب) هما حصيلة دراسات ثقافية وتاريخية حول "التربية البدنية" ومسار تطورها. لاسيما وإن الكتاب الذي بين أيديكم يعرف القارئ على المبادئ والأسس النظرية والثقافة والأخلاق التي تحكم التقليد الرياضي في الغرب ومسار تطوره. وعلى الرغم من ضرورة القيام بالدراسات الثقافية ودراسة مسار تطور موضوع التربية البدنية، لكن هذا الأمر أغفل لأسباب مختلفة، والمؤمل أن يشكل هذا الكتاب، مقدمة للحديث حول هذا الموضوع. بإذن الله.

قصة الرياضة في الغرب

(مسار التطور التاريخي والثقافي للرياضة في الغرب)

دراسات ثقافية مخصصة للشباب

 

إن التربية البدنية هي القصة الطويلة لحضور الإنسان في ساحة المواجهة مع الكرة الأرضية. قصة جداله الضخم مع الطبيعة أو مع ذاته ومع جميع الأحلام والتطلعات الهائلة التي يصبو إليها.
إن كتاب "التربية البهلوانية" (قصة الرياضة في إيران) وهذا الكتاب (قصة الرياضة في الغرب) هما حصيلة دراسات ثقافية وتاريخية حول "التربية البدنية" ومسار تطورها. لاسيما وإن الكتاب الذي بين أيديكم يعرف القارئ على المبادئ والأسس النظرية والثقافة والأخلاق التي تحكم التقليد الرياضي في الغرب ومسار تطوره. وعلى الرغم من ضرورة القيام بالدراسات الثقافية ودراسة مسار تطور موضوع التربية البدنية، لكن هذا الأمر أغفل لأسباب مختلفة، والمؤمل أن يشكل هذا الكتاب، مقدمة للحديث حول هذا الموضوع. بإذن الله.

الناشر



مقدمة

لقد استحدث التاريخ الغربي الجديد خلال السنوات الأربعمائة الأخيرة، عالما جديدا وإنسانا حديثا يحملان توجها جديدا نحو الكون.
إن هذا التاريخ، قد ألقى بظلاله على مقدورات ومقدرات سكان الربع المسكون تدريجيا لدرجة أن مجمل الثقافات والحضارات غير الغربية، يمكن تحديدها والتعرف عليها في ظل وذيل هذا التاريخ.
إن غلبة الثقافة الناتجة عن هذا التاريخ، وبالأسس النظرية والفكرية للفلسفة الإنسانية في العصر الحديث، كان سببا كي تكتسب مجمل التعاريف والمقاصد والتوجهات وبالتالي أداء الإنسان، وجها جديدا. الوجه الذي كان يختلف أصلا عن انطباعات الإنسان الشرقي المستأنس بالثقافة الدينية ونظرته إلى الكون وأدى لزوما إلى نشأة حضارة مختلفة أيضا. بعبارة أخرى، مثلما أن الحضارة الغربية كانت المظهر الكامل للفكر والثقافة الغربية، فإن الإنسان الغربي كان يُبدي مجمل الحضارة الغربية. وبناء على ذلك فإن حصيلة عمل هذا الإنسان في إطار كافة التعاملات والعلاقات الفردية والجماعية، كانت تلك المرآة التي تعكس الثقافة والفكر الغربيين.
إن مراجعة  كافة تعاريف المتقدمين بما فيها ما يخص البداية والوجهة وكيفية تجاوز الإنسان لتقلبات الحياة، ساهمت في إرساء نمط خاص من التربية والتعليم. المنظومة التي جعلت جسم وروح الأطفال والأحداث جاهزة لدخول العالم الغربي، وكانت تربيهم وتنشئتهم للتواجد والسير في هذا العالم الخاص.
إن نظام التعليم والتربية للأمم الشرقية تولى في الحقيقة خلال الأعوام المائة والخمسين الأخيرة خمس وظائف مهمة وهي:
1-    جعل الفكر والنظرة الحديثتين تجاه الكون، تستوليان على ذهن ولغة الجيل الصاعد؛
2-    إصلاح الرؤية السابقة وجعل ذهن ولغة غير الغربيين، متطابقتين مع أدب وأدبيات ورؤية الإنسان الغربي؛
3-    علمنة جميع الثقافات الدينية والشرقية وجعلها منصهرة في الفكر والثقافة الغربية؛
4-    إعداد الإنسان للسير السريع والصريح في العالم الحديث وبسطه في الأرض حتى تحقيق هذه الثقافة والحضارة بالكامل في جميع ميادين العالم وساحاته؛
5-    التمهيد للسيطرة (السياسية والاقتصادية والثقافية) الغربية وبلامنازع على جميع مقدورات ومقدرات سكان الربع المسكون.
إن نظام التعليم والتربية كان يتولى في الحقيقة تنشئة جيل حمل على أكتفافه البناء الثقافي والمادي للغرب ووفر إمكانية مواصلة حياته، الجيل الذي كان يعمل على تأصيل وتنظيم وإضفاء القانونية على حصيلة آراء ونظريات المفكرين لتتجلى على هيئة الأخلاق والعلاقات الاجتماعية والبنية الاقتصادية للجمهور.
وإن كان وضع وحال الإنسان الغربي قد دُرس بصورة صحيحة، لكان يتضح بنيانه الفكري وأساسه العقائدي على خلفية جميع أفعاله وردود أفعاله الرسمية وغير الرسمية حتى في هيئة أعماله الأدبية والفنية.
ويمكن القول بتجرؤ أنه يمكن من خلال الدراسة المعمقة في العلاقات المادية للإنسان الغربي، تحديد الاتجاه الكلي لتياره الفكري والثقافي والتحدث بشانه.
وواضح أن هذا المقال لا يتسع للحديث عن مسار تطور "التعليم والتربية"، لكننا نأتي على ذكر هذا الموضوع كمقدمة ولو بإيجاز في العهد الجديد للتاريخ الغربي الذي بدأ مع عصر النهضة ويستمر إلى الوقت الحاضر - وإن في تأزم -.
إن محورية الذات والإنسان المحور اللذين بدءآ مع المذهب الإنساني، دفعت بالإنسان الغربي إلى الإعراض عن مذهب الحق وكما أعلن ماركس في بيانه (مانيفستو) أنه مع بدء العصر الجديد فإنه أصبح لا مكان للإيمان ب "الأمر القدسي" وحل محله مذهب المنفعة والمصلحة الفردية والجماعية (البراغماتية).
وفي ظل هكذا وضع، فإن العقود الاجتماعية لعصر "روسو" وباقي أصحاب الموسوعات حلت محل القوانين السماوية لتحل بذلك سيادة تمنيات الجماهير (الديمقراطية) محل الحكم الإلهي. وبناء على ذلك، فإن الإنسان الباحث عن الكمال المعنوي، قضى حياته في بيداء التمنيات الطبيعية الدنيئة والرقي المادي البحت.
وبذلك فإن الإنسان الغربي، فقد تعلقه ووده للكتب المقدسة وأحكام الأديان لكي يستطيع في ضوء الحرية غير المقيدة (الليبرالية) الاستمتاع بالأرض وتجربة السيادة والعِظَم فيها.
إن نبذ عالم المعنى والحقيقة السماوية لم تكن نتيجته سوى إضفاء الإصالة والشرعية على الحواس الظاهرة والتعويل على الإدراك الحسي، لذلك فإن جميع أدوات معرفة الإنسان اقتصرت على الحواس الظاهرة والعقل الكمي والميكانيكي، وكل هذا أدى إلى نشوء الإنسان المتنور والمثقف. الإنسان الذي ركز كل اهتمامه من خلال نبذ ورفض باطن الكون وعالم الغيب، على نمط ومستوى من الحياة وكان بصدد الاستيلاء على كل ذلك.    
إن غاية المذهب التجريبي الجديد، لا تتمثل في كشف الحقيقة، بل نيل السلطة.
وكان مونتني  عالم المذهب الإنساني الإيطالي الشهير قد قال:   
من لا يدري بأن كل شئ في حكومة ما يتوقف على طريقة تربية الأطفال وتغذيتهم.
وقد أبدى في آرائه المتعلقة بتنشئة الطفل، اهتماما خاصا بالمعرفة التجريبية والموضوعية ويقول:
بدلا من جعل الطفل حائرا وتائها في القضايا المجردة والخارجة عن نطاق تفكيره، يجب سوق فكره نحو الأشياء التي يستطيع رؤيتها ويلمسها بيده ويشخصها بنفسه.
وبعده كتب فرنسيس بيكن حول أهداف العلم وغاياته:
إن ايجاد طبيعة جديدة في جسم مفترض أو ربط الطبائع الجديدة على أساس مادي محدد، هو عمل وهدف السلطة الإنسانية.
وبعده جاء جان جاك روسو واعتنق الفكر الحر والمتحرر. روسو الذي تبنى الكثيرون أفكاره وآراءه في مجال تعليم وتربية الأطفال ويعتبرون أنه أحد كبار منظري مطلع القرن الثامن عشر للميلاد، وآرائه وأفكاره بأنها أرست للنظام التربوي الحديث. وقد أعلن روسو:

إني حر بأن اختار ما يناسبني أو أشخص بأنه مناسب لي، من دون أن يدفعني أي عامل آخر سواي إلى اتخاذ هذا القرار.
وعندها يقول في ظل "الوجدان الأخلاقي" المنفصل عن السماء:
إن عملي هو أن استشير نفسي بشان ما أريد القيام به، إن ما أشعر بأنه جيد، فهو جيد وما أشعر بانه سيئ فهو سيئ. وهذه قاعدة بسيطة وحاسمة أن اتبعناها وتبنيناها، سنكون أناسا نبلاء.
وعبارة روسو هذه هي بمثابة الإعلان عن كون الإنسان حجة في النظرية والتطبيق واستغنائه عن جميع الحجج الإلهیة. وبناء على ذلك فإن روسو يعتبر حرية العمل وحرية الإنسان بأنها تندرج في سياق اللذات الحقيقية والمهمة للإنسان . وبذلك فإن التجربة الحرة والحسية للإنسان وتحرره في الأرض – من دون أن يوجهه ويهديه أحد – وحرية التصرف لنيل السلطة، تحولت إلى جوهر الانطباع العام لإنسان العصر الحديث عن حياته.
إن تحول كل همة الإنسان ونظرته إلى الأرض والاعتماد التام على الأرض والتجربة الملموسة والمحسوسة جعل الظاهر والظاهراتية والسطحية تستولي على حياة الإنسان لدرجة أن نيل السلطة والاستيلاء على الطبيعة والتدخل والتصرف في العالم أصبح الغاية النبيلة للإنسان والعلم الحديث.
وربما لهذا السبب يعتبرون أن مذهب الإنسان الغربي والإنسان المنبهر بالغرب هو "مذهب الظاهر".
وبلا شك فإن النظام التربوي الأوروبي الحديث، ينشئ الجيل الجديد على أساس متطلبات ومقتضيات الزمان وعلى قاعدة النظام النظري للمفكرين من أنصار المذهب التجريبي، وهذا الإنسان عندما ينشأ، يكون بمثابة المرآة التي تعكس بالكامل التيار الثقافي للغرب. لذلك فإن الإنسان ووفقا لقناعاته، لم يكن يعتبر نفسه مسؤولا الا امام وجدانه الذي يصوغه الجهاز النظري لامثال روسو ولم يتقبل اي رادع ووازع سوى امنياته في طريقة سلوكه وكلامه. ومن هذا المنطلق، أصبح الإنسان ذاته معيارا لجميع الحسنات والسيئات والخير والشر.
وجلي بأن الإنسان الذي ينشأ في هكذا نظام، يخرج جميع الأمور من اعتبارها المعنوي ويضفي عليها شأنا أرضيا.
وفي الحقيقة فإن ازالة القدسية عن العالم والإنسان، كان واجبا جادا يقع على عاتق التعليم والتربية الجديد لكي يعتلي الإنسان كفاعل مختار ومستغن عن الأحكام السماوية، عرش خالق الكون ويرفد رايه بالنظرية والتطبيق. ولذلك فإن مكانته وبرغم تصوره الباطل، تتنزل إلى أدنى مراتبها، ليشبع غرائزه.
وفي هكذا ظروف فإن "التمتع الجسدي وضخامته" حل محل أي ضرب من التسامي الروحي والمعنوي الذي كان يتصدر أهداف وغايات التعليم والتربية التقليدية والدينية.
ولا نبالغ إن قلنا بأن الأحياء الثقافي و "حركة النهضة" في أوروبا كانت بمثابة تجديد الثقافة الرومانية واليونانية المشركة التي كانت تعتبر الجسد الآدمي وضخامة جسمه معيارا لكل جمال وخير، وزينت حياتها بجسده العاري.
ويبين الكتاب والباحثون، تاريخ الفكر الاجتماعي وروح المذهب الإنساني كالتالي:
إن العصر المعروف بحركة النهضة والذي دام قرنين ونصف القرن (1450 – 1700)، انطوى على تطورات ثقافية مختلفة، ولا يجوز افتراض أن تلك التطورات موحدة ونسميها باسم واحد هو حركة النهضة. وبتقديرنا، فإن عبارة حركة النهضة يجب إطلاقها فقط على نهضة المذهب الإنساني.
ولفت المذهب الإنساني في ظل إحياء الثقافة الكلاسيكية اليونانية، انتباه الأوروبيين إلى الأعمال المختلفة – العلمية منها والعملية – المنتمية إلى الأعصار القديمة. وحسب المفكرين الغربيين فإن:
المذهب الإنساني لم يكن له أثر مباشر على تطور العلم وحوّل فقط من خلال إحياء الثقافة الدنيوية الكلاسيكية، انتباه الأوروبيين الذين كانوا أسرى الدين، إلى القضايا الدنيوية... .
واعتبر آراسموس ، المفكرين الكلاسيكيين الذين كانوا عبدة الأوثان وفي ضلال، بأنهم من القديسين وفضلهم على الحكماء الاسكولاستيك المسيحيين المنتمين لكنيسة القرون الوسطى وقال:

"أفضل أن أتخلى عن اسكوتوس  وعشرين عالما من طرازه لا عن سيسرون واحد أو بلوتارك واحد".
إن هذه العودة إلى الثقافة اليونانية المشركة، لم تقتصر على الفلسفة والفن بل طالت جميع الميادين النظرية والأخلاقية والعملية. بحيث أن هذا العصر شهد ترجمة أعمال أدبية وفلسفية وفنية وحقوقية وحتى رياضية أو إنها اعتمدت كتعليمات أرسي من خلالها أساس العمل والأداء الاجتماعي والسياسي لأوروبا الحديثة.
وكانت نهضة الإصلاح الديني (البروتستانتية) هي الابن الخلف لهذا الإحياء والتجديد الفكري والعودة الأوروبية. وفي هذا العصر، دعا مفكرون غربيون بمن فيهم مونتني ومونتسكيو إلى نبذ التقاليد القديمة.
ويجب معرفة أن الأمر استغرق عدة قرون إلى أن تم صياغة الموضوعات النظرية الجديدة في المنظومة الفكرية للمفكرين بشكل قانوني ومنتظم ومن ثم عرضها على شكل النظام الثقافي الغربي الجديد.
إن التطورات التدريجية التي طرأت في القرنين السادس عشر والسابع عشر للميلاد والتي ساهم في إيجادها أناس مثل فرنسيس بيكن وكبلر وغاليلة وديكارت ونيوتن واسبينوزا ولايب نيتس مهدت لحدوث تطورات اجتماعية هائلة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
إن العودة إلى الثقافة اليونانية والتي بدأت مع ترجمة الأعمال الكلاسيكية، نشرت الأخلاق والمعتقدات اليونانية في أوروبا بسرعة وغيرت شيئا فشيئا الكثير من معالم حياتهم المادية والمدنية.
وبذلك فإن بنية العلاقات الاجتماعية والسياسية ووضع القوانين الحقوقية والمدنية وكذلك التربية البدنية، خرجت من الاعتبار الديني للمسيحية متاثرة بهذه العودة لتوفر إمكانية تحرر الإنسان الغربي من جميع الالتزامات المعنوية والدينية.
ومذاك، انزلقت قدما الإنسان الغربي في طريق شديد الانحدار بحيث لم تتوفر له فرصة النظر حتى إلى الخلف وفقد فرص العودة والإنابة عن العصيان ما كدّر قلبه وروحه. واتخذت كل تشعبات وتشققات العلاقات الاجتماعية للناس – في الغرب – شكلا جديدا متاثرة بآراء المنظرين بعد عودتهم إلى أسس الفكر اليوناني واعتمدت صورة وجسدا يتلاءمان مع ظروف العصر الحديث.
ولم تكن التربية البدنية بوصفها امرا إنسانيا، مستثناة عن هذه القاعدة.
إن إحياء الرياضات اليونانية والمسابقات الأولمبية أتاح الإمكانية اللازمة لتوجه الإنسان الجديد نحو "الثقافة والعمل" النابعين من المذهب الإنساني على هيئة التربية البدنية واتجه نحو الحرفية لينسلخ من جميع الاعتبارات السامية إلى أن أصبح كليا في خدمة التجارة والسياسة.
والغاية من تأليف هذا الكتاب، عقب صدور كتاب "قصة الرياضة في ايران"  تتمثل في إعطاء صورة واضحة عن "الرياضة الحديثة" وأوجهها الثقافية والعملية في العصر الحديث. ولا شك أنه بعد دراسة مسار التطور التاريخي والثقافي ل"التربية البدنية" في إيران والشرق الإسلامي، بات ضروريا دراسة "مسار التطور التاريخي والثقافي" للرياضة الغربية الحديثة لتتوفر بذلك إمكانية إنجاز دراسة مقارنة للأسس النظرية والأوجه التطبيقية لهذا التيار.
وهذه الدراسة الموجزة تغطي الحقبة الزمنية الواقعة بين "العصر القديم" و "إحياء الأولمبياد".
والمؤمل أن تمهد هذه المجموعة لإنجاز دراسة جادة في مجال التربية البدنية في إيران الإسلامية لاسيما على يد المراكز الآكاديمية وطلبة الجامعات.
آمل أن ينال هذا العمل المتواضع، رضا وقبول حضرة صاحب العصر والزمان عليه السلام. إن شاء الله.
اسماعيل شفيعي سروستاني







تكلّم الإمام المهدي عليه السلام وهو في المهد

$
0
0
 تكلّم الإمام المهدي عليه السلام وهو في المهد

إظهار المعجز على يد الأنبياء والأولياء حقيقة لا تقبل الإنكار، وذلك للتدليل على صحَّة دعواهم كما هو مقرَّر في علم الكلام، وأنَّهم على اتّصال بالقدرة المطلقة، وإلاَّ لما وضح الفرق بين الرسل وبين أدعياء الرسالة، ونؤكد هنا أنَّ الإمام المهدي عليه السلام...

إظهار المعجز على يد الأنبياء والأولياء حقيقة لا تقبل الإنكار، وذلك للتدليل على صحَّة دعواهم كما هو مقرَّر في علم الكلام، وأنَّهم على اتّصال بالقدرة المطلقة، وإلاَّ لما وضح الفرق بين الرسل وبين أدعياء الرسالة، ونؤكد هنا أنَّ الإمام المهدي عليه السلام عنده جميع معاجز الأنبياء والرسل، كما جاء في الرواية عن أبي جعفر عليه السلام: (نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحن حوزته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء...) وكما جاء في الحديث الشريف (ما من معجزة من معاجز الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء) (اثبات الهداة ج٣/٧٠٠) مضافاً إلى ما قُرّر في علم الكلام من أنَّ الأفضلية المطلقة _ وليست الجهوية _ لأهل البيت عليهم السلام وحسب اعتقاد الطائفة الحقّة تقتضي إحراز أهل البيت عليهم السلام ومنهم الإمام المهدي عليه السلام على جميع فضائل ومقامات الأنبياء والرسل السابقين عليهم السلام، ومن ضمنها المعاجز التي جرت على أيديهم عليه السلام.
ومن جملة الآيات والمعجزات التي ظهرت على يديه تكلّمه وهو في المهد صبياً، وهذا الأمر المعجز قد تحقَّق على يد نبيّ الله عيسى عليه السلام بنصّ القرآن الكريم، قال تعالى: (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَني‏ نَبِيًّا).
وبما أنَّ مقام الإمام المهدي عليه السلام هو بلا شكّ أفضل من مقام سائر الأنبياء والرسل عدا خاتمهم وسيّدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خصوصاً وأنَّ عيسى عليه السلام يصلّي خلفه بعد ظهوره، ومن الواضح لدى جميع الفِرَق أنَّ الإمام أفضل من المأموم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تقدَّم على قوم من المسلمين يرى أنَّ فيهم من هو أفضل منه فقد خان الله ورسوله والمسلمين).
لذا فمن الطبيعي تحقّق هذا المعجز على يديه أيضاً، وقد أشارت الروايات الكريمة إلى ذلك ونحن نذكر الموارد التي تكلَّم فيها عليه السلام وهو في المهد صبياً، كالتالي:
١ _ تشهّده الشهادتين حين الولادة، كما في رواية حكيمة عمّة الإمام الحسن عليه السلام وهي طويلة، وفيها: (... فجئت به _ أي الإمام المهدي عليه السلام _ إليه، فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثمّ أدلى لسانه في فيه وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: (تكلَّم يا بني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة عليهم السلام إلى أن وقف على أبيه، ثمّ أحجم).
٢ _ سلامه على اُمّه نرجس حين الولادة، وفي رواية حكيمة أيضاً: (ثمّ قال أبو محمّد عليه السلام: (يا عمّة اذهبي به إلى اُمّه ليسلّم عليها وائتني به)، فذهبت به فسلَّم عليها...).
٣ _ تكلّمه عليه السلام بعد عطاسه حين الولادة، فعن السياري، قال: حدَّثتني نسيم ومارية، قالتا: إنَّه لمَّا سقط صاحب الزمان عليه السلام من بطن اُمّه جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه إلى السماء، ثمّ عطس فقال: (الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله، زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة، لو اُذن لنا في الكلام لزال الشكّ).
٤ _ تشهده عليه السلام الشهادتين ودعاءه بالفرج حال السجود حين الولادة، وبسند آخر عن حكيمة أيضاً، قالت: (فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها، وإذا أنا بها _ أي اُمّ الإمام المهدي عليه السلام _ وعليها من أثر النور ما غشى بصري، وإذا أنا بالصبي عليه السلام ساجداً لوجهه، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه، وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ جدّي محمّداً رسول الله، وأنَّ أبي أمير المؤمنين)، ثمّ عدَّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه. ثمّ قال: (اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً)).
٥ _ قراءته عليه السلام للقرآن حين الولادة وهو ساجد، فعن محمّد بن عثمان العمري، قال: لمَّا ولد الخلف المهدي عليه السلام سَطَعَ نُورٌ مِنْ فَوْقِ رَأسِهِ إِلَى أعْنَانِ السَّمَاءِ، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالى ذكره، ثمّ رفع رأسه وهو يقول: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ).
٦ _ استعاذته عليه السلام من الشيطان الرجيم وقراءته آيات من القرآن حين ولادته في رواية أخرى عن حكيمة أيضاً: (... وقال له _ أي الإمام العسكري عليه السلام_: (يا بني انطق بقدرة الله)، فاستعاذ وليّ الله عليه السلام من الشيطان الرجيم، واستفتح: (بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)، وصلّى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام واحداً واحداً حتَّى انتهى إلى أبيه).
٧ _ وفي رواية أخرى تكلّمه عليه السلام حين الولادة بعد عطاسه، قالت حكيمة: (لَمَّا سَقَطَ مِنْ بَطْن اُمَّهِ إِلَى الأرْض وُجِدَ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعاً بِسَبَّابَتَيْهِ، ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ: (الْحَمْدُ للهِ رَبَّ الْعالَمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ عَبْداً دَاخِراً غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٍ)، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: (زَعَمَتِ الظَّلَمَةُ أنَّ حُجَّةَ اللهِ دَاحِضَةٌ لَوْ اُذِنَ لِي لَزَالَ الشَّكُّ).
٨ _ كلامه عليه السلام مع الخادمة نسيم في بشارة العطاس بعد مولده بليلة، فعن نسيم خادم أبي محمّد عليه السلام، قالت: قال ليس صاحب الزمان عليه السلام وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده فقال لي: (يرحمك الله)، قالت نسيم: ففرحت بذلك، فقال لي عليه السلام: (ألا اُبشّرك في العطاس؟)، فقلت: بلى يا مولاي، فقال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيّام).
٩ _ تشهّده الشهادتين وقراءة القرآن في اليوم السابع، وفي رواية حكيمة أيضاً: (... قالت حكيمة: فلمَّا كان في اليوم السابع جئت فسلَّمت وجلست، فقال: (هلمّي إليَّ ابني)، فجئت بسيّدي عليه السلام وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنَّه يغذيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: (تكلَّم يا بني)، فقال: أشهد أن لا إلاَّ إله الله)، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتَّى وقف على أبيه عليه السلام، ثمّ تلا هذه الآية: بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).
١٠ _ قراءته عليه السلام لجميع صحف الأنبياء والمرسلين في اليوم السابع من ولادته كما في رواية حكيمة أيضاً: (...ثُمَّ قَالَ لَهُ: (اقْرَأ يَا بُنَيَّ مِمَّا أنْزَلَ اللهُ عَلَى أنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ)، فَابْتَدَأ بِصُحُفِ آدَمَ فَقَرَأهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَكِتَابِ إِدْريسَ، وَكِتَابِ نُوح، وَكِتَابِ هُودٍ، وَكِتَابِ صَالِح، وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَتَوْرَاةِ مُوسَى، وَزَبُور دَاوُدَ، وَإِنْجِيل عِيسَى، وَفُرْقَان جَدَّي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ قَصَّ قِصَصَ الأنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ إِلَى عَهْدِهِ).
١١ _ كلامه عليه السلام مع الخادمة نسيم في البشارة بالعطاس بعد مولده بعشر ليال، فعن نسيم الخادم، خادم أبي محمّد عليه السلام، قالت: دخلت على صاحب الزمان عليه السلام بعد مولده بعشر ليال، فعطست عنده فقال لي: (يرحمك الله)، ففرحت بذلك، فقال: (ألا اُبشّرك في العطاس؟ هو أمان من الموت ثلاثة أيّام).
ولا مانع من التكرار في كلامه عليه السلام حين العطاس، فلا تعارض بين الحديث الثامن وهذا الحديث لإمكانية حدوثه مرَّتين.

انتظار الفرج

$
0
0
انتظار الفرج

ورد في العديد من الروايات الشريفة أن أفضل أعمال هذه الأمة هو انتظار الفرج. وهذا المصطلح (انتظار الفرج) ينطوي على عدة أبعاد :
الأول: أن الوضع الذي يعيشه العالم بأسره هو حالة من الضيق والاختناق والشدة. فالمنتظر يقرّ ويذعن بمدى انحراف الواقع الفعلي عن الحقيقة والصواب، ووصل إلى مستوى…

ورد في العديد من الروايات الشريفة أن أفضل أعمال هذه الأمة هو انتظار الفرج. وهذا المصطلح (انتظار الفرج) ينطوي على عدة أبعاد :
الأول: أن الوضع الذي يعيشه العالم بأسره هو حالة من الضيق والاختناق والشدة. فالمنتظر يقرّ ويذعن بمدى انحراف الواقع الفعلي عن الحقيقة والصواب، ووصل إلى مستوى من الانزجار والتنفر بحيث يرى نفسه والعالم بأسره سجناء مقيّدين بأنواع القيود, لذا فهو ينتظر (الفرج) من هذا الوضع الذي يعيشه.
علينا أن لا نقتصر في رؤيتنا إلى الوضع الشخصي أو القومي. انظر إلى العالم كله, ستراه يعيش حالة من التخبط والابتعاد عن الله تعالى, عالم يسوده الظلم والقهر والفساد. ومن جهة أخرى يجب أن لا تقتصر رؤيتنا على البعد المادي, بل لا بدّ أن نستشعر الحاجة الروحية والمعنوية والأخلاقية.
امّا الثاني فهو: الخلاص الحقيقي والتام لهذا العالم لا يكون إلاّ على يد المهدي عليه السلام الذي بشّر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالبشر مهما قام بواجبه في الإصلاح ومحاربة الفساد فإنه يؤدي وظيفته الشرعية, ويصلح بمقدار جزئي. أما الإصلاح التام والشامل لهذه الأرض فهو على يد الإمام المهدي عليه السلام الذي يملأ الله تعالى به الأرض قسطاً وعدلاً.
والبعد الثالث: ما دمت منتظراً للإمام المهدي عليه السلام فأنت مؤمن به, مرتبط به, ذاكر له. وكل هذه الأمور من ركائز الإيمان وموجباته.
والبعد الرابع: ما دمت منتظراً، إذن ما زال الأمل مشتعلاً في قلبك, ولم يدخلك اليأس من روح الله ورحمته بسبب الشبهات أو طول المدة. وقد ورد في الدعاء الشريف (اللّهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته وانقطاع خبره عنا، ولا تنسنا ذكره وانتظاره والإيمان وقوة اليقين في ظهوره والدعاء له والصلاة عليه حتى لا يقنطنا طول غيبته من ظهوره وقيامه).
البعد الخامس: من ينتظر حدوث أمر ما؛ فإنه يهيّء نفسه لاستقبال ذلك الأمر. مثلاً: من ينتظر مجيء ضيف لا شك أنه يهيء نفسه والمكان واللوازم لاستقباله, ولا يبقى ساكناً بلا حركة.
فمن ينتظر موعد الامتحانات الجامعية يبدأ بالاستعداد النفسي لها وتهيئة الجو المناسب ومراجعة الدروس والمذاكرة. لذا فانتظار المصلِح تعني الأمور التالية :
١. أن يصلح الإنسان نفسه بالقيام بالواجبات والابتعاد عن المحرمات. لا يمكن أن يكون الإنسان منغمساً في الشهوات أكثر فأكثر, ومع ذلك يدعي حبه وانتظاره للمصلح.
٢. إيقاد شعلة الأمل بالنصر والتأييد الإلهيين في نفسه, وفي نفوس بقية المؤمنين.
٣. نصرة قضية الإمام المهدي وأهدافه حتى قبل ظهوره, وذلك كلٌ من موقعه. فالشاعر ينصر القضية بشعره, وصاحب الفنون الجميلة ينصرها بفنه, وأصحاب المجموعات البريدية بما لديهم من قدرات وهكذا.
٤. التمهيد لخروج الإمام المهدي, وقد جاء في الروايات الشريفة أن هناك من يمهّد أو يوطأ للخروج, كراية الخراساني, والرايات السود من المشرق. إذن (فكرة التمهيد) للخروج هي فكرة تعتمد على الروايات الشريفة, على عكس ما يفهم البعض من لزوم السكون التام إلى أن يحصل الظهور المبارك.


كيفية دلالة قاعدة اللطف على ضرورة وجود إمام العصر

$
0
0
كيفية دلالة قاعدة اللطف على ضرورة وجود إمام العصر

من منظار الكثير من متكلمي الشيعة كالشيخ المفيد (ت/413هـ) والشريف المرتضى (ت/436هـ) وشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (ت/460هـ) ونصير الدين الطوسي (ت/672هـ)، أنّ من أهم مصاديق اللطف الإلهي هي صب الهداية العامة للبشر في قالب الإمامة، ومن الواجب على الله تعالى أنْ يختار أوصياء للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم من أجل تحصيل الغرض من خلق الإنسان، حيث يأخذ هؤلاء الأوصياء على عاتقهم مهمة إرشاد الناس إلى الفلاح والفوز والسعادة.

من منظار الكثير من متكلمي الشيعة كالشيخ المفيد (ت/413هـ) والشريف المرتضى (ت/436هـ) وشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (ت/460هـ) ونصير الدين الطوسي (ت/672هـ)، أنّ من أهم مصاديق اللطف الإلهي هي صب الهداية العامة للبشر في قالب الإمامة، ومن الواجب على الله تعالى أنْ يختار أوصياء للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم من أجل تحصيل الغرض من خلق الإنسان، حيث يأخذ هؤلاء الأوصياء على عاتقهم مهمة إرشاد الناس إلى الفلاح والفوز والسعادة.
وفي هذا يقول الشيخ المفيد (ت/413هـ): (فإن قيل حكمة الله تعالى تقتضي نصب الإمام وتوجبه أم لا؟ فالجواب الحكمة تقتضي ذلك وتوجبه.
فإن قيل ماحدّ الإمام؟ فالجواب الإمام هو الإنسان الذي له رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنْ قيل ما الدليل على انّ الإمامة واجبة في الحكمة؟ فالجواب الدليل على ذلك انها لطف واللطف واجب في الحكمة على الله تعالى فالإمامة واجبة في الحكمة ).
وأيضاً : (وأقول إنّ الله تعالى لايفعل بعباده ماداموا مكلفين إلاّ أصلح الأشياء لهم في دينهم ودنياهم وأنه لايدّخرهم لهم صلاحاً ولا نفعاً وإنّ من أغناه فقد فعل بهم الأصلح في التدبير، وكذلك من أفقره ومن أصحّه ومن أمرضه فالقول فيه كذلك).
وأقول إنّ ما أوجبه أصحاب اللطف انما وجب من جهة الجود والكرم لا من حيث ظنوا أن العدل أوجبه وانه لو لم يفعله لكان ظالماً.
وأيضاً: (فإن قيل من الإمام بعد علي؟ فالجواب ولده الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي التقي الجواد ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم الخلف القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين.

فإن قيل ما الدليل على إمامة كل واحد من هؤلاء المذكورين؟ فالجواب الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص عليهم نصاً متواتراً بالخلافة مثل قوله عليه السلام: (ابني هذا الحسين إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً).
قوله في حق القائم عليه السلام: (لو لم يبق من الدنيا إلا ساعة واحدة لطوّل الله تلك الساعة حتى يخرج رجل من ذريتي اسمه كاسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً).
ويجب على كل مخلوق متابعته لأنّ كل إمام منهم نص على من بعده نصاً متواتراً بالخلافة ولانهم عليهم السلام ظهر عنهم معجزات وكرامات خارقة للعادة لم تظهر على يد غيرهم كعجن الحصى وختمه وامثال ذلك.
فإن قيل مَن إمام هذا الزمان؟ فالجواب القائم المنتظر المهدي محمد بن الحسن العسكري صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.
فإن قيل هو موجود أم سيوجد؟ فالجواب هو موجود في زمان أبيه الحسن العسكري عليه السلام لكنّه مستتر إلى أن يأذن الله تعالى له بالخروج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
فإن قيل ما الدليل على وجوده؟ فالجواب الدليل على ذلك أن كل زمان لابد فيه من إمام معصوم وإلا لخلا الزمان من إمام معصوم مع أنه لطف واللطف واجب على الله تعالى في كل زمان.
فإن قيل ما وجه استتاره؟ فالجواب وجه استتاره لكثرة العدو وقلة الناصر وجاز أن يكون لمصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها.
فإن قيل قد تقدم أن الإمام لطف واللطف واجب على الله تعالى فإذا كان الإمام مستترا كان الله تعالى مخلاً بالواجب تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً؟ فالجواب اللطف الواجب على الله تعالى في الإمام هو نصبه وتكليفه بالإمامة والله تعالى قد فعل ذلك فلم يكن مخلاً بالواجب وإنما الإخلال بالواجب من قبل الرعية فإنهم يجب عليهم أن يتابعوه ويمتثلوا أوامره ونواهيه ويمكّنوه من أنفسهم فحيث لم يفعلوا ذلك كانوا مخلين بالواجب فهلاكهم من قبل أنفسهم.
ويقول السيد الشريف المرتضى (ت/436هـ):
فإن قالوا: ما هذا الأمر الذي فعله الظالمون فمنعوا منه الإمام من الظهور، بينوه لنعلم صحة ما ادعيتموه من تمكنهم من إزالته، والانصراف عنه؟
قيل له: المانع _في الحقيقة_ عندنا من ظهوره هو اعلام الله تعالى أن الظالمين متى ظهر أقدموا على قتله وسفك دمه، فبطل الحجة بمكانه...
فإن قال: إذا كان المانع هو ماذكرتموه فيجب في كل من كان في المعلوم أن رعيته تقتله من إمام أو نبي أن يوجب الله تعالى عليه الاستتار والغيبة، ويحظر عليه الظهور وإلاّ فإن جاز أن يبيح الله تعالى لبعض (من) يعلم أنه يقتل من حججه الظهور جاز مثل ذلك في كل إمام،فبطل أن يكون المانع ما ذكرتموه.
قيل له: انما أوجبنا أن يكون ما بيناه مانعا بشرط أن تكون مصلحة المكلفين مقصورة على ذلك الامام بعينه، ويكون في معلوم الله تعالى أن أحداً من البشر لا يقوم في مصلحة الخلق بإمامته مقامه، ومن اباحة الله تعالى التصبر على القتل من حججه وأنبيائه لم يتجه ذلك إلا مع العلم بأنه إذا قتل (قام) مقامه غيره من الحجج فهذا واضح لمن تأمله.
وشيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت/460هـ) يقول:
فإن قيل: فما تقولون: في هذا الرئيس الذي ذكرتم انه لطف: أذاته هي لطف للمكلفين أم تصرفه وأمره ونهيه؟ وإن قلتم: ذاته هي اللطف، قيل لكم فما الفرق بين ذاته وذات غيره...؟ وإن قلتم: تصرفه وأمره ونهيه هو اللطف، قيل لكم: كيف يمكنكم إدعاء ذلك _وهو لم يوجد منذ سنين كثيرة عندكم_ وهلّا دلّكم ذلك على أنّ الرئاسة ليست لطفا أصلا....؟
قيل له: الذي نقول في ذلك: إن تصرف الإمام وأمره ونهيه وزجره ووعده ووعيده هو اللطف. وإنما أوجبنا وجوده من حيث لم يتم هذا التصرف إلاّ به، فجرى مجراه في تمام حصول شرائط التكليف.
والشيخ مثّل في كتابه (الاقتصاد فيم يتعلق بالاعتقاد) بأن (الصلاة لطف لكل مكلف، فمن لم يصلّ لم يجب سقوط تكليفه لأنه أتي من قبل نفسه، وكذلك ههنا).
وللمحقق الطوسي هنا كلام في الأسلوب والنظام في غاية الفصاحة والتمام كانّه كرامة وإلهام وهو:
(والمفاسد معلومة الانتفاء وانحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء ووجوده لطف وتصرفه آخر وعدمه منّا).
الاستنتاج:
يدرك الإنسان الباحث عن الحقيقة أن وجود الإمام المعصوم في كل عصر وزمان، لطف من قبل الله تعالى. وأن هذا اللطف واجب على الله تعالى أيضاً، لأنّ الإمامة استمرار للنبوة، ولا يتاح تبيين الوحي بشكل كامل إلاّ عن هذا الطريق، وبما أن الوحي وتفسيره الصحيح يمثّل الطريق الوحيد لمعرفة الإنسان بسعادته الحقيقية وطريق بلوغها، لذلك يعدّ عدم تنصيب الامام مساويا لإغلاق طريق التكامل والصد عن الانطلاق نحو الهدف النهائي للخلق. وعليه ينبغي أن يعين الله تعالى إماماً في كل عصر، كي يرشد البشرية للغاية التي لابدّ أن تسعى لها وتثابر من أجل بلوغها.

مظلومية الشيخ حسن شحاته تجسيد للماضي وامتداد للمستقبل

$
0
0
مظلومية الشيخ حسن شحاته تجسيد للماضي وامتداد للمستقبل

تنتابنا في بعض الأحيان جملة من الأحاسيس التي لا تكاد تفارق مخيّلاتنا وأرواحنا عن كثير من القضايا التاريخية أو المستقبلية والتي لا نلتمس إلى الإحساس الواقعي بها أية وجهة تعطينا تصويراً يشفي ذلك الغليل المشاعري المتقد في وجداننا عن تلك القضايا، وتبقى هذه الحالة تصارع العقل وترغمه على الانصياع لها بأنّ تلك الأفكار يصعب التصديق بها أو يتزلزل الإيمان بمضامينها في بعض الأحيان، بينما قوة العقل تقهر هذا الشعور وتولّد في النفس حالة التصديق والإذعان بالمضمون.

تنتابنا في بعض الأحيان جملة من الأحاسيس التي لا تكاد تفارق مخيّلاتنا وأرواحنا عن كثير من القضايا التاريخية أو المستقبلية والتي لا نلتمس إلى الإحساس الواقعي بها أية وجهة تعطينا تصويراً يشفي ذلك الغليل المشاعري المتقد في وجداننا عن تلك القضايا، وتبقى هذه الحالة تصارع العقل وترغمه على الانصياع لها بأنّ تلك الأفكار يصعب التصديق بها أو يتزلزل الإيمان بمضامينها في بعض الأحيان، بينما قوة العقل تقهر هذا الشعور وتولّد في النفس حالة التصديق والإذعان بالمضمون.
وفي الحقيقة يمكن للإنسان أنْ يوجد من خلال الحالات التي يمر بها أثناء مسيرة حياته والتجارب التي يراها لدى الآخرين، قوة تؤهله وتمكّنه من التصديق بتلك المضامين، ولكن ينبغي الالتفات إلى تلك التجارب الشخصية او الاجتماعية وتوظيفها لتقوية هذا الشعور وترسيخ الإيمان بالمضمون.
ولنضرب لذلك مجموعة من الأمثلة توضيحاً للفكرة، فمثلاً نسمع كثيراً عن الوفاء، ويسجّل لنا التأريخ الكثير من قصص الوفاء قد يصعب على بعض الناس تصديق بعضها، والمهم من هذه القصص ذلك الوفاء العقائدي النابع من جذور إيمانية راسخة كوفاء العباس عليه السلام للحسين عليه السلام ووفاء أنصار الحسين عليه السلام له عليه السلام، ووفاء وطواعية أنصار الإمام المهدي عليه السلام لإمامهم على ما تحدثنا به الأخبار عند الظهور، فإنّ القصص المروية في هذا الشأن كثيرة وكبيرة بمضمونها.

وهو وفاء يصعب على ذوي المشاعر المهزوزة والأحاسيس المتخمة أنْ يصدّقوه، ولكنّ التجارب البشرية التي يمر بها أغلبنا ولمرات عدّة تثبت هذه القضية وتطعّمها بالتصديق الوجداني ترسيخاً وتثبيتاً وتأكيداً وإمضاءً.
واليوم ونحن نعيش حالة الطحن الطائفي والتسويق التكفيري والإقصاء الفكري ومقولة إنّ شيعة أهل البيت عليهم السلام لابد أنْ يسحقوا بدلاً من أنْ يناظروا، فهذه القضية بحد ذاتها دليل على حقانية ما يمتلكه هؤلاء، إذ لو كان يصدَق الوهابيون ومن لف لفهم بأنّهم أهل حق، وأنّهم أهل توحيد وديانة لناظروا هؤلاء ولأفحموهم بحقهم إن كان لديهم حق بينما لا نجد من ذلك أثراً إلاّ النداء بأنّ الشيعة هم العدو فاحذرهم واقتلوهم، ولا نجد إلاّ فتاوى استباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، في حين يعيش أعداء الإسلام الحقيقيون من الصهاينة وأتباعهم آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
فحالة الوفاء التي سمعنا بها روائياً وتاريخياً، وحدّثتنا عنها أخبار المستقبل تجسدت اليوم وفي زمان الطحن الطائفي وكنموذج يلتمس من خلاله ولو بنسب متفاوتة ما عاشه أصحاب الأئمة وخصوصاً مع الحسين عليه السلام من الوفاء، وما سيعيشه الأنصار مع المهدي عليه السلام، إذ رأيت بعض التسجيلات التي نقلت أحداث المأساة والقتل على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك عندما تصدّى مجموعة من الصبية بعد أنْ شحنتهم أبواق الفتنة والتكفير فهجموا على شخص سبعيني لا يحمل إلاّ ولاء أهل البيت عليهم السلام وأمير المؤمنين عليه السلام فقتلوه قتلة شنيعة سأتحدث عن تفاصيلها بعد قليل وألتمس من أحداثها ما وقع تاريخياً وما يستشرف وقوعه مستقبلاً، ولكنني أريد أنْ أنظر إلى حادثة مقتل الشيخ حسن شحاته وأستفيد منها عنصر الوفاء الذي استشعرته بكل كياني وبقي يعيش معي أياماً وأنا أتصور الحالة التي رأيتها وأقيس عليها ما حدث للحسين عليه السلام في كربلاء، فقد رأيت ذلك الشيخ المفعم بالولاء والذي جاء لإحياء ذكرى ولادة الإمام عليه السلام في الخامس عشر من شعبان وبعد أن طوّقته جموع كبيرة من أصحاب الحقد والخواء الفكري، من دعاة القتل وصبية الدماء، وبين حالة الشد والجذب خرج الشيخ ليجنب النساء والأطفال بعد إصرار القتلة وتزايد أعدادهم وتسلقهم الجدران وتهديم السقف، فهنا رأيت شيئاً عجباً لم أسمع عنه إلاّ في قصص الوفاء الكربلائي أو ما قرأته من روايات أنصار الإمام المهدي عليه السلام، حيث احتضن أربعة من الأشخاص الشيخ حسن شحاته، والعصي بل والسيوف تنهال عليهم ضرباً وكل أدوات القتل تقع على رؤوسهم، ولكن يأبى وفاؤهم إلاّ حماية الشيعي الموالي ولم أر ضربة واحدة وقعت على الشيخ رحمه الله وفي هؤلاء النفر رمق من الحياة، نعم كانت الضربات التي وقعت على رأسه بعد أن فقد الحماة أرواحهم أو كادوا فسنحت الفرصة هنا لنابشي القبور وآكلي الأكباد وقاتلي النفس المحترمة ان يتفردوا، وهم آلالاف... بالشيخ الوحيد الذي لم يتحدث بشيء وكان صامتاً وأظنه _ولا أشك في ذلك_ يستحضر واقعة كربلاء وما وقع على الحسين عليه السلام من تلك الجموع المؤلفة المشتتة قلوبها التي لم يجمعها إلاّ سفك الدماء.
نعم لقد هزّتني الواقعة وذكّرتني بوفاء كربلاء.
فالذي يشكك في ما حصل في الماضي من وفاء الأصحاب للأئمة عليهم السلام وما سيحصل في المستقبل، فهذه الحقيقة تتحدث بالصوت والصورة وتجسد وفاء مع من أحبّ أمير المؤمنين عليه السلام فكيف بأبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام.
والبعد الثاني الذي أريد أنْ أتحدث عنه هو تلك البشاعة والوحشية التي رأيتها في هذه الحادثة والتي جسدت أمامي ما حدث في كربلاء أيضاً وما سيحدث للشيعة قبيل الظهور، تلك الأحداث التي حدّثتنا عنها الروايات من قتل وسفك للدماء وانتهاك للحرمات، لا لشيء إلاّ لأنّ هؤلاء هم من شيعة علي عليه السلام، فالصور التي تتسابق إلى ذهني والتي رأيتها من مقاطع الفيديوهات المنتشرة على شبكة الانترنت والتي تعكس حالة من الخواء الروحي والفكري والعقائدي لدى هؤلاء الجزارين، فإنني أقسم بأن مصر مقدمة على تشيّع سيهز أركان الوهابية، لأنّ كل منصف متحرر عاقل يحترم نفسه ودينه سيتبرأ من أفعال هؤلاء التي ارتكبوها باسم الدين الوهابي وسيكون هذا الفعل حافزاً لهؤلاء للبحث عن سر الإصرار لدى هذه الثلة، التي أرخصت دماءها من اجل حفلة لذكرى ولادة المنقذ عليه السلام، وسيبدأ البحث عن هذا المذهب وستكون هذه الدماء مفتاحاً لقلوب أبناء كنانة لتنقلهم، وتمزّق تلك الغشاوة التي وضعت على أعينهم، إلى ماضيهم في ود أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، تلك الحالة المريرة التي ذكّرتني بمسلم بن عقيل عليه السلام وأحداث الكوفة وما وقع عليه من ظلم الجلاوزة أسلاف هؤلاء الوهابية الحاقدين الذين سحلوا جسده الطاهر في أزقة تلك المدينة التي كانت آنذاك مخيفة ولا يأمن فيها أحد على دينه، بينما اليوم هي شعاع التشيّع.
وهكذا ستثمر دماء الأبرياء _المسحولين_ لتجعل من أرض كنانة مصر شعاعاً من أشعة التشيّع، وستقصم تلك الحادثة ظهور عقيدة الوهابية خوارج العصر وسفّاكي الدماء.

إجابات المرجعية حول علم الحروف والجفر

$
0
0
إجابات المرجعية حول علم الحروف والجفر

في معرض جوابه عن سؤال بخصوص جواز الاعتماد على العلوم الغريبة (الحروف والجفر) على وقت ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وما مدى صحة هذه العلوم، وهل بالامكان التوقيت لظهوره المبارك؟

في معرض جوابه عن سؤال بخصوص جواز الاعتماد على العلوم الغريبة (الحروف والجفر) على وقت ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وما مدى صحة هذه العلوم، وهل بالامكان التوقيت لظهوره المبارك؟
أجاب سماحة آية الله العظمى الشيخ إسحاق الفياض(دام ظله) قائلاً:
علم الجفر هو علم الحروف وعلى تقدير صحته لا يترتّب عليه إلاّ بعض الآثار الدنيوية ولا يمكن أنْ يكون هذا العلم طريقاً الى ما وراء هذا العالم وهو عالم الغيب وكاشفاً عنه لانّ علم الغيب ذاتاً مختص بالله تعالى بنص الآية الشريفة: (فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً*إِلاَّ مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ) ولا طريق لأحد إليه، وحيث أنّ مسألة ظهور الإمام المهدي عليه السلام من الأمور الغيبية فلا يعلمها إلاّ الله تعالى، وبالجملة إنّ مسألة الظهور بأمره تبارك وتعالى فمتى ما رأى مصلحة في الظهور امره بذلك. امّا التكهّنات والحدسيات والادعاءات حول ظهوره والنيابة عنه وإنْ كانت قد كثرت في الآونة الأخيرة من هنا وهناك إلاّ أنّها لا أصل لها ولا أثر لها سوى الاضرار بالمذهب وبمقام إمام العصر والزمان عليه السلام واعتقاد الناس به، فإنّه إذا ظهر خلاف تلك التكهّنات او كذبها اثر في اعتقاد الناس سلباً.
ثم أنّ إشاعة هذه الأمور أمّا من المغرضين وأعداء المذهب، أو لأجل المصالح الدنيوية، أو للجهل والوقوع تحت تأثير الأفكار المنحرفة، ومن هنا يجب على المؤمنين كافة الرجوع إلى العلماء والمراجع في مثل هذه الحوادث والعمل على طبق آرائهم، كما ينبغي لهم طلب الفرج والظهور من المولى عزّوجلّ، وتكذيب كل من يحدّد وقت الظهور لانّه كذاب ودجال، وكذلك ينبغي عليهم تكذيب كل من يدّعي النيابة الخاصة عن الإمام عليه السلام لانّه كذاب ودجال ولا دين له، وفي الختام نسال الله تعالى للمؤمنين التوفيق والثبات.

في ذکري ميلاده المبارك: قبسات من الامام الرضا(عليه السلام)

$
0
0
في ذکري ميلاده المبارك: قبسات من الامام الرضا(عليه السلام)

نبارك الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) والامة الإسلامية بمناسبة ميلاد الإمام الرضا (علیه السلام) ونقدّم إليکم إضاءات من فضائل وعظمة الإمام الرضا (علیه السلام).  أشرقت الأرض بمولدالامام الرضا عليه السلام، فقد وُلد خَيرُ أهل الأرض ، وأكثرهم عائدة على الإسلام



قبسات من الامام الرضا(عليه السلام)

ولادة الإمام الرّضا(عليه السلام)

أشرقت الأرض بمولدالامام الرضا عليه السلام، فقد وُلد خَيرُ أهل الأرض ، وأكثرهم عائدة على الإسلام .

وَسَرَتْ موجاتٌ من السرور والفرح عند آل النبي صلى الله عليه وآله ، وقد استقبلالامام الكاظم عليه السلام النبأ بهذا المولود المبارك بمزيد من الابتهاج ، وسارع إلى السيدة زوجته يهنيها بوليدها قائلاً : ( هَنِيئاً لكِ يا نَجمَة ، كَرامَةٌ لَكِ مِن رَبِّكِ ) .

وأخذ عليه اليلام وليده المبارك ، وقد لُفَّ في خرقة بيضاء ، وأجرى عليه المراسم الشرعية ، فأذَّن في أُذنِه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ودعا بماء الفُرَات فَحنَّكه به ، ثم رَدَّهُ إلى أمه ، وقال عليه السلام لها : ( خُذِيه ، فَإِنَّهُ بَقِيَّةَ اللهِ فِي أرضِهِ ) .

لقد استقبل سليل النبوة أول صورة في دنيا الوجود ، صورة أبيه إمام المتقين ، وزعيم الموحدين عليه السلام، وأول صوت قرع سمعه هو : اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ الله .

وهذه الكلمات المُشرِقَة هي سرُّ الوجود ، وأُنشُودَةِ المُتَّقِين .

وسمَّى الامام الكاظم عليه السلام وليده المبارك باسم جده الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام تَبَرُّكاً وَتَيَمُّناً بهذا الاسم المبارك ، والذي يرمز لأَعظَم شَخصيةٍ خُلِقَت فِي دنيا الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وآله ، والتي تَحلَّت بِجميع الفضائل .

وكانت ولادته عليه السلام في ( 11 ) ذي القعدة سنة ( 148 هـ ) ،‍ وهذا هو المشهور بين الرُواة ، وهناك أقوال أخرى في ولادته عليه السلام.

مناظرات الإمام الرضا (عليه السلام)

عاش الإمام الرضا ( عليه السلام ) في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية ، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيِّين والرومانيِّين وغيرهم ، وازداد التشكيك في الأصول والعقائد من قبل الملاحِدة وأحْبار اليهود ، وبطارقة النصارى ، ومُجَسِّمة أهل الحديث .

وفي تلك الأزمنة أُتيحت له ( عليه السلام ) فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم ، فظهرَ بُرهانه ( عليه السلام ) وعلا شأنُه ، ويقف على ذلك من اطَّلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء .

ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذكر ما يلي :

دخل أبو قُرَّة المحدِّث على أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) فقال : رَوينا أنَّ الله قسَّم الرؤية والكلام بَين نبيَّين ، فقسَّم لموسى ( عليه السلام ) الكلام ، ولِمُحمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) الرؤية .

فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : ( فَمَنْ المُبَلِّغ عَنِ اللهِ إِلَى الثَّقَلَينِ الجِنَّ والإِنْس ، إنَّه : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) ـ الأنعام : 103 ـ وَ : ( لاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ـ طه : 110 ـ وَ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ) الشورى : 11 .

فقال أبو قُرةَّ : أَلَيسَ مُحمَّد ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( بَلَى ، يَجِيءُ رَجُلٌ إلى الخَلْقِ جَميعاً ، فَيُخْبِرُهُم أنَّهُ جَاءَ مِنْ عِندِ اللهِ ، وَأنَّهُ يَدْعُوهُم إلى اللهِ ) ؟ .

فقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( فَكَيفَ بِأمْرِ اللهِ ؟ فيقول : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) ، وَ : ( لاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ، وَ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .

ثم يقول : أنَا رأيْتُهُ بِعَينِي وأحَطْتُ بِهِ عِلْماً ، وَهو عَلَى صُورَةِ البَشَر ، أمَا تَستَحيُون ؟! مَا قَدرَتْ الزَّنَادِقَة أنْ تَرمِيهِ بِهَذا : أنْ يَكونَ آتياً عَنِ الله بِأمْرٍ ثُمَّ يَأتي بِخِلافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخرٍ ) .

فقال أبو قرة : فإنه يقول : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) النجم : 13 .

فقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( إنَّ بَعد هَذِه الآيَة مَا يَدُلُّ عَلى مَا رَأى ، حَيثُ قَالَ : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) النجم : 11 .

يَقُولُ : مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ ( صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ ) مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ ، ثُمَّ أخْبَرَ بِمَا رَأَى ، فقال : ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) النجم : 11 .

فآيَاتُ اللهِ غَيْرُ اللهِ ، وَقَالَ : ( لاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ، فَإِذَا رَأتْهُ الأبْصَارُ فَقَدْ أحَاطَ بِهِ العِلْمُ ، وَوَقَعَتْ المَعْرِفَةُ ).

فقال أبو قُرَّة : فَتكذِّب بالرواية ؟

فقال ( عليه السلام ) : ( إِذَا كَانَتِ الرِّوايَةُ مُخَالِفَةً للقُرآنِ كَذَّبْتُهَا ، وَمَا أجْمَعَ المُسلِمُونَ عَلَيه : إِنَّهُ لا يُحَاطُ بِهِ عِلْماً ، وَلا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ ، وَلَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ ) .

سخاؤه (عليه السلام)

لم يكن شيء في الدنيا أحب إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) من الإحسان إلى الناس والبِر بالفقراء ، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من جوده وإحسانه ( عليه السلام ) ، وكان منها ما يلي :

أولاً : أنه ( عليه السلام ) أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان ، وذلك في يوم عرفة .

فأنكر عليه الفضل بن سهل ، وقال له : إن هذا المغرم ..

فأجابه الإمام ( عليه السلام ) : ( بل هو المغنم ، لا تحدث مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً .

إنه ليس من المغرم في شيء صِلَة الفقراء والإحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى ، وإنما المغرم هو الإنفاق بغير وجه مشروع ، كإنفاق الملوك والوزراء الأموال الطائلة على المغنيين والعابثين ) .

ثانياً : وفد على الإمام الرضا ( عليه السلام ) رجل فَسلَّم عليه وقال له : أنا رجل من مُحبِّيك ومحبِّي آبائك ، ومصدري من الحج ، وقد نفذت نفقتي ، وما معي ما أبلغ مرحلة ، فإن رأيت أن ترجعني إلى بلدي فإذا بلغت تصدقت بالذي تعطيني عنك .

فقال ( عليه السلام ) له : ( اِجلس رحمك الله ، وأَقبلَ على الناس يحدثهم حتى تفرقوا ) .

وبقي هو وسليمان الجعفري ، وحيثمة ، فاستأذن الإمام منهم ودخل الدار ثم خرج ، وَرَدَّ الباب ، وخرج من أعلى الباب ، وقال ( عليه السلام ) : ( أين الخراساني ) .

فقام إليه فقال ( عليه السلام ) له : ( خذ هذه المائتي دينار واستعِن بها في مؤنتك ونفقتك ، ولا تتصدق بها عني ) .

فانصرف الرجل مسروراً قد غمرته نعمة الإمام ( عليه السلام ) ، والتفت إليه سليمان فقال له : جُعلت فداك ، لقد أجزلت ورَحِمت ، فلماذا سَترتَ وجهك عنه .

فَأجابهُ ( عليه السلام ) : ( إِنَّما صنعتُ ذلك ، مخافة أن أرى ذُلَّ السؤال في وَجهِهِ لِقضَائِي حاجتَهُ ، أما سمعت حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : المُستَتِرُ بالحسنة تعدل سبعين حجة ، والمُذِيعُ بالسيِّئةِ مَخذُول .

أما سمعت قول الشاعر : مَتى آَتِهِ يَوماً لأَطلبَ حَاجَةً ** رَجِعتُ إِلَى أَهلِي وَوَجهِي بِمَائِهِ ) .

علم الإمام الرضا ( عليه السلام )

إن الشيء البارز في شخصية الإمام الرضا ( عليه السلام ) هو إحاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف.

فقد كان ( عليه السلام ) – بإجماع المؤرخين والرواة – أعلمَ أهلِ زمانه ، وأفضلَهُم ، وأدراهُم بأحكام الدين ، وعلوم الفلسفة ، والطب ، وغيرها من سائر العلوم .

وقد تحدث أبو الصلت الهروي عن سعة علومه ( عليه السلام ) ، وكان مرافقاً له يقول : ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي .

وقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان ، وفقهاء الشريعة ، والمتكلمين ، فَغَلَبَهُم ( عليه السلام ) عن آخرهم ، حتى ما بقي منهم أحد إلا أقرَّ له بالفضل ، وأقرَّ له على نفسه بالقصور .

إذن ، فإن الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان أعلم أهل زمانه ، كما كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي ، الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة ، والفروع الفقهية .

ويقول إبراهيم بن العباس : ما رأيت الرضا ( عليه السلام ) يسأل عن شيء قَطّ إلا علم ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء ، فيجيب ( عليه السلام ) .

وقد دلت مناظراته ( عليه السلام ) في خراسان والبصرة والكوفة حيث سُئِل عن أعقد المسائل ، فأجاب ( عليه السلام ) عنها جواب العالم الخبير المتخصص .

وقد أذعنت له جميع علماء الدنيا - في عصره - وأقروا له بالفضل والتفوق عليهم .

وظاهرة أخرى له ( عليه السلام ) وهي إحاطته الشاملة بجميع اللغات ، ويَدلُّ على ذلك ما رواه أبو إسماعيل السندي قال :

سمعت بالهند أن لله في العرب حجة ، فخرجت في طلبه ، فَدُلِّلْتُ على الرضا ( عليه السلام ) .

فقصدته وأنا لا أحسن العربية ، فَسَلَّمتُ عليه بالسندية ، فَردَّ عليَّ بِلُغَتِي ، فجعلت أُكلِّمه بالسندية وهو يردُّ عليّ بها .

وقلت له : إني سمعت أن لله حجة في العرب فخرجت في طلبه ، فقال ( عليه السلام ) : ( أنا هو ) .

ثم قال ( عليه السلام ) لي : ( سَلْ عما أردته ) .

فسألته عن مسائل فأجابني عنها بِلُغَتِي ، وقد أكد هذه الظاهرة الكثيرون ممن اتصلوا بالإمام ( عليه السلام ).

يقول أبو الصلت الهروي : كان الرضا ( عليه السلام ) يكلم الناس بلغاتهم ، فقلت له : في ذلك فقال : ( يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه ، وما إن الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أَوَ مَا بلغَكَ قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أوتِينَا فَصلَ الخطاب ، وهل هو إلا معرفته اللغات ) .

وقد أخبر الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها ، وتحققت بعد ذلك على الوجه الأكمل الذي أخبر ( عليه السلام ) به .

وهذا يؤكد - بصورة واضحة - أصالة ما تذهب إليه الشيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) المزيد من الفضل والعلم ، كما منح رُسله ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، ومن بين ما أخبر ( عليه السلام ) به ما يلي :

أولاً :روى الحسن بن بشار قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : ( إن عبد الله - يعني المأمون - يقتل محمداً - يعني الأمين - ) .

فقلت له : عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون .

قال ( عليه السلام ) : ( نعم ، عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد ) .

وكان يتمثل بهذا البيت :

وإن الضغن بعد الضغن يفشو عليك ويخرج الداء الدَّفينا

ولم تمضِ الأيام حتى قتل المأمون أخاه الأمين .

ثانياً :ومن بين الأحداث التي أخبر ( عليه السلام ) عنها : أنه لما خرج محمد بن الإمام الصادق ( عليه السلام ) بِمَكَّة ودعا الناس إلى نفسه ، وخلع بيعة المأمون ، قصده الإمام الرضا ( عليه السلام ) .

فقال له : يا عَم ، لا تُكَذِّب أباك ، ولا أخاك - يعني الإمام الكاظم ( عليه السلام ) - فان هذا الأمر لا يتم .

ثم خرج ولم يلبث محمد إلا قليلاً حتى لاحقته جيوش المأمون بقيادة الجلودي ، فانهزم محمد ومن معه ، ثم طلب الأمان ، فآمنه الجلودي .

ثم صعد المنبر وَخَلَع نفسه وقال : إن هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق .

ثالثاً :روى الحسين نجل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : كُنَّا حول أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ونحن شبان من بني هاشم ، إذ مَرَّ علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رَثُّ الهيئة ، فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته .

فقال الرضا ( عليه السلام ) : ( لَتَرَوُنَّهُ عن قريبٍ كثير المال ، كثير التبَع ) .

فما مضى إلا شهر ونحوه حتى وَلِيَ المدينة ، وَحَسُنَتْ حَالُه .

عبادة الإمام الرضا ( عليه السلام )

من أبرز خصوصيات الإمام الرضا ( عليه السلام ) انقطاعه إلى الله تعالى ، وتمسكه به .

وقد ظهر ذلك في عبادته التي مثلت جانباً كبيراً من حياته الروحية التي هي نور وتقوى وورع .

يقول بعض جماعته ( عليه السلام ) : ما رأيته قط إلا ذكرتُ قوله تعالى : ( كَانُوا قَلِيلاً فِي اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ ) الذاريات : 17 .

ويقول الشبراوي عن عبادته ( عليه السلام ) : إنه كان صاحب وضوء وصلاة ، وكان ( عليه السلام ) في ليله كُلِّهِ يتوضأ ويصلي ويرقد ، وهكذا إلى الصباح .

وقد كان الإمام ( عليه السلام ) أتقى أهل زمانه ، وأكثرهم طاعة لله تعالى .

فيروي رجاء بن أبي الضحَّاك عن عبادة الإمام ( عليه السلام ) – وكان المأمون قد بعثه إلى الإمام ( عليه السلام ) ليأتي به إلى خُراسان ، فكان معه من المدينة المنورة إلى مرو – يقول : ( والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله منه ( عليه السلام ) ، ولا أكثر ذِكراً له في جميع أوقاته منه ، ولا أشد خوفا لله عزَّ وجلَّ .

كان ( عليه السلام ) إذا أصبح صلَّى الغداة ، فإذا سلَّم جلس في مُصَلاَّه يُسَبِّح الله ، ويحمده ، ويُكبِّره ، وَيُهَلِّله ، ويصلي على النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) حتى تطلع الشمس .

ثم يسجد ( عليه السلام ) سجدةً يبقى فيها حتى يتعالى النهار ، ثم يقبل على الناس يحدثهم ، ويعظهم إلى قُرب الزوال ، ثم جدد وضوءه ، وعاد إلى مُصَلاَّه .

فإذا زالت الشمس قام ( عليه السلام ) وصلى ست ركعات ، ثم يؤذّن ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يقيم ويصلي الظهر ، فإذا سَلَّم سَبَّح الله وحمده ، وكبره ، وهَلَّله ما شاء الله .

ثم يسجد ( عليه السلام ) سجدة الشكر ويقول فيها مائة مرة : شكراً لله ، فإذا رفع رأسه قام فصلى ست ركعات ، ثم يؤذن .

ثم يصلي ( عليه السلام ) ركعتين فإذا سلم قام وصلى العصر ، فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يسبح الله ، ويحمده ، ويكبِّره ، ويُهَلِّله ، ثم يسجد سجدة يقول فيها مائة مرة : حَمْداً لله .

فإذا غابت الشمس توضأ ( عليه السلام ) وصلَّى المغرب ثلاثاً بأذان وإقامة ، فإذا سلَّم جلس في مُصلاَّه يُسبِّح الله ، ويحمده ، ويُكبِّره ، ويُهَلِّله ما شاء الله ، ثم يسجد سجدة الشكر ، ثم يرفع رأسه ولا يتكلم حتى يقوم ويصلي أربع ركعات بِتَسلِيمَتَين ، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتى يُمسِي .

ثم يفطر ( عليه السلام ) ، ثم يَلبث حتى يَمضي من الليل قريب من الثـلث ، ثم يقوم فيصلي العشاء والآخرة أربع ركعات ، فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يذكر الله عزَّ وجلَّ ، ويُسبِّحه ، ويحمده ، ويُكبِّره ، ويُهَلِّله ما شاء الله ، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوي إلى فراشه .

وإذا كان الثلث الأخير من الليل قام ( عليه السلام ) من فراشه بالتسبيح ، والتحميد ، والتكبير ، والتهليل ، والاستغفار ، فَاسْتَاكَ ثم توضأ ، ثم قام إلى صلاة الليل ، ويصلي صلاة جعفر بن أبي طالب ، ويحتسب بها من صلاة الليل ، ثم يصلي الركعتين الباقيتين .

ثم يقوم ( عليه السلام ) فيصلي ركعتَي الشفع ، ثم يقوم فيصلي الوَتْر ، ويقول في قنوته : ( اللَّهم صَلِّ على محمد وآل محمد ، اللَّهم اهدِنَا فيمن هديت ، وعَافِنَا فيمن عافيت ) .

ثم يقول ( عليه السلام ) : ( أستغفرُ الله وأسألُه التوبة ) ، سبعين مرة ، وإذا قرب الفجر قام فَصلَّى ركعتَي الفجر ، فإذا طلع الفجر أَذَّن وأقامَ وصَلَّى الغداة ركعتين ، فإذا سَلَّم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس ، ثم سجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار .

فهذه هي صلاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) المفروضة ونوافلها ، وما يقرأ فيها من سور القرآن الكريم ، والتعقيبات التي يؤديها .

ومعنى ذلك أنه ( عليه السلام ) كان في أغلب أوقاته مشغولاً بعبادة الله ، فإنه ( عليه السلام ) قد سَرى حُبُّ الله في قلبه ، وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتى صار عنصراً من عناصره ، وخصوصية من خصوصياته ( عليه السلام ) .

زهد الإمام الرضا ( عليه السلام )

من ذاتيات الإمام الرضا ( عليه السلام ) وعناصره هو الزهد في الدنيا ، والإعراض عن مباهجها وزينتها .

وقد تحدَّث عن زهده محمد بن عباد قال : كان جلوس الرضا ( عليه السلام ) على حصيرة في الصيف ، وعلى مسح في الشتاء ، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز الناس تزيأ .

ويقول الرواة : إنه التقى به سفيان الثوري ، وكان الإمام ( عليه السلام ) قد لبس ثوبا من خز ، فأنكر عليه ذلك وقال له : لو لبست ثوبا أدنى من هذا ؟

فأخذ الإمام ( عليه السلام ) يده برفق ، وادخلها في كمه ، فإذا تحت ذلك الثوب مسح ، وقال ( عليه السلام ) له : ( يا سفيان : الخِزُّ للخلق ، والمسح للحق ) .

فقد كان الزهد من أبرز الذاتيات في خلق الإمام الرضا ( عليه السلام ) ومن أظهر مُكوّناته النفسية .

ويجمع الرواة أنه ( عليه السلام ) حينما تقلَّد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة ، ولم يُقِم لها أيَّ وزنٍ ، ولم يرغب في أي موكبٍ رسمي ، وَكَرِه ( عليه السلام ) مظاهر العَظَمة التي يقيمها الناس لملوكهم .

شهادته(عليه السلام)

استشهد الإمام الرضا (ع) يوم 17 صفر 203ه، وقيل: اليوم الأخير من صفر في مدينة طوس في خراسان نتيجة للصراع الدائر بين أهل البيت(عليهم السلام) وأنصارهم، وبين بني العباس ـ بالإضافة إلى بروز شخصية الإمام الرضا(عليه السلام) وتفوّقها على شخصية المأمون ـ دفع المأمون إلى التفكير بشكلٍ جدِّي بتصفية الإمام(عليه السلام) واغتياله، وتمّ له ذلك عن طريق دسِّ السم للإمام(عليه السلام).

فضل زيارة الإمام الرضا ( عليه السلام )

أثرت عن الإمام الجواد ( عليه السلام ) عدّة روايات تحدّث بها عن فضل الزيارة لمرقد أبيه الرضا ( عليه السلام ) ، وما أعدّه الله للزائر من الأجر والثواب ، وهذه بعضها :

1- روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : سمعت محمّد بن علي الرضا ( عليهما السلام ) يقول : ( ما زار أبي أحد فأصابه أذى من مطر أو برد أو حرّ إلاّ حرّم الله جسده على النار ... ) .

2- روى علي بن أسباط قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) : ما لمن زار أباك بخراسان ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( الجنّة والله الجنّة).

3- روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : قلت لأبي جعفر : قد تحيّرت بين زيارة أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) وبين زيارة قبر أبيك بطوس فما ترى ؟ فقال لي : ( مكانك ) ، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خدّيه ، فقال : ( زوّار أبي عبد الله كثيرون ، وزوّار قبر أبي بطوس قليلون ) .


المسيحيون المتصهينون :مؤامرات الاستعمار والقضاء على المستضعفين

$
0
0
المسيحيون المتصهينون :مؤامرات الاستعمار والقضاء على المستضعفين

بقلم اسماعیل شفیعی سروستانی
ولابد هنا من إلقاء  نظرة مقتضبة على الأوجه المختلفة لثقافة الانتظار ودراسة أذهان الشبأن المنفتحة على مختلف الآفاق  وألا نبقى أسرى الموضوعات البسيطة والكليشية.

 

ولابد هنا من إلقاء  نظرة مقتضبة على الأوجه المختلفة لثقافة الانتظار ودراسة أذهان الشبأن المنفتحة على مختلف الآفاق  وألا نبقى أسرى الموضوعات البسيطة والكليشية.
وواضح بأن عاصفة الفتنة والبلاء تضرب كل يوم وأكثر  من السابق بابناء البشرية  فيما تزول آليات الوقاية ودروع الحماية للأرض والإنسان واحدة تلو الاخرى، ومع زوالها تصبح الأرض  والإنسان مهيئان للإصابة بآفة.
إن مسببي الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية أي الكارتلات المالية الكبيرة وأصحاب المؤسسات والشركات متعددة الجنسيات وأعضاء بيلدربرغ ولجنة 300 وكذلك منظمتا ايلوميناتي والماسونية السريتين والتي كانت منذ مئات السنين من قبل بصدد تاسيس الحكومة الكونية، هم قادة تحالف الصليب وصهيون ممن يتحكمون اليوم بالعالم والحكومات الغربية. ولا يفرق إن كانوا يعتلون العرش في قصر "باكينغهام" كملكة لبريطانيا أو في "الفاتيكان" في منصب البابا. إن هؤلاء يجتمعون حول طاولة واحدة في التحالف الشيطاني لتقرير مصير الحكومات وسكان بلاد الشرق والغرب.
إن تحالف الصليب وصهيون ومع معرفته بتحديات آخرالزمان يعتبر الأديان  الإلهية والمؤمنين بالأديان  لاسيما المسلمين والشيعة بانهم أكبرعقبة وعدو يعترضان طريقه وهو يقدس في معابده ابليس ويسبح له ويتخذ القرار لإزالةوحذف العقبات والحواجز. ولا نقول هذه العبارات من آأجل التعبير عن الكراهية أو الذم والقدح بل إن عبادة الشيطان لاكتساب السلطة وحفظها تشكل أكثر  الاسرار سرية لدى أوساط ايلوميناتي والماسونية والمحافل السرية، ممن نطلق عليهم اسم تحالف قادة الصليب وصهيون. لذلك فإن الحقد على الموعود المقدس والعمل للقضاء على المراكز التي تعنى بالفكر الموعودي والتواطؤ لإزالةأرضيات وفرص الظهور المقدس وحتى هزمه، تعد من أهم أهداف هذا التحالف وأكثر ها سرية.
وتزداد هذه الفتن يوما بعد آخر وتجتاح كل الأرضوسكانها. وعندما يُخرج الإنسان نفسه من دائرة الامن والامان في الأرضوالسماء، فلن يبقى له حفاظا وملاذا، وحسبما يقول اية الله بهجت (رض): اننا مثل الطائفة والمجموعة التي تسجن رئيسها وتتخذ في مواقع البلاء والكوارث قرار الحرب والسلم. اننا فعلنا ذلك ولا نسمح بأن ياتي لمعالجة الامور، رغم علمنا انه ان أتى فإن بوسعه حل المشاكل، ومع ذلك فاننا ابقيناه سجينا.
وعندما كان يتصور بأن البشرية قد ارتاحت وتخلصت نهائيا من الأمراض المعدية والجرثومية في ظل تطور علم الطب واكتشاف أنواع المضادات الحيوية، أعلنت منظمة الصحة العالمية قبل أعوام بأن الأمراض المعدية والجرثومية في طريقها للعودة من جديد ومن أنها اكتسبت حصانة في مقابل أنواع المضادات الحيوية.
وفي الاعوام التي تسبق ظهور امام الأرضصاحب الزمان (ع)، فإن جنود ابليس من الجنّ والانس يسخرون كل قواهم للاستيلاء على الأرضوفرض سيادة وحكم ابليس وجنوده. ان اوجه وابعاد محاولات جنود ابليس للقضاء على المؤمنين والمستضعفين، متنوعة. ان خفض عدد سكان الأرض  والابادة التدريجية للناس الذين يعتبرون مستهلكين ولا طائل من ورائهم من وجهة نظرهم، قد وضع لسنوات على جدول اعمال المنظمات السرية. وبدراسة خاطفة ندرك انهم يعملون لقتل وابادة الملايين من ابناء البشرية من المستضعفين من خلال اتباع أنواع المكائد والحيل بما فيها الحروب الإقليمية وفوق الإقليمية ونشر الامراض وبث السموم.
وتفيد الارقام والاحصاءات انه على الرغم من اوروبا تعد مركز الفساد والخراب، فإن لديها 570000 مصاب بالايدز فقط، لكن افريقيا تملك أكثر  من 29000000 شخص مصاب بهذا المرض الفتاك.
إن نشر الفيروس المصطنع يدويا خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، كان احد طرق القتل الجماعي للانسان. وقد لا يعرف البعض بانهم ينتجون قرص "الاسبرين" بجودة اعلى لهم. وفي المركز الأول  يقع الجيش الامريكي والكيان المحتل للقدس، وياتي سكان اميركا واوروبا في المراكز الخمسة اللاحقة تدريجيا.
إنهم حتى يحقنون أنواع المواد الكيميائية في المياه والمواد الغذائية لشعوب العالم على اساس معطيات طبية مغلوطة إلى حد ما ويسعون لتقصير عمر الناس من خلال ابتداع اساليب جديدة للتغذية. وطيلة القرن العشرين كانت مؤسسة قوية وثقافية في الظاهر تدعى "تاويستاك" تتولى مهمة دراسة وكشف طرق القتل الصامت للشعوب المستضعفة في العالم. وان كان الناس يعرفون بأن التغذية على الطريقة الحديثة لاسيما ما يطلق عليه اسم "Fast Food " او الوجبات السريعة ما هي الا الحقن التدريجي للسموم القاتلة في جسم الإنسان، لما كانوا يقتربون من هذه الاطعمة اطلاقا.
وعندما أعلن جورج بوش الاب مشروع النظام العالمي الجديد في عقد التسعينيات، لم يكن احد قادرا على التكهن بفظاعة المشروع الكامن تحت هذا العنوان. وكان بوش أعلن عن مشروع، كانت أعلنته في مطلع الثمانينيات اي قبل اربعين عاما المحافل السرية التي تحكم الغرب اي نادي روما واللجنة الثلاثية و CFR او مجلس العلاقات الخارجية الامريكية. وبعد عشرة اعوام اي في مطلع الثمانينيات، تم قبول هذا المشروع رسميا من قبل الادارة الامريكية تحت عنوان "عالم 2000" واتفقت بشانها القوتين العظميين آنذاك. وتم في هذا المشروع فرض مجموعة من القرارات والاطر العالمية البيئية عن طريق الأمم  المتحدة على شعوب العالم. واحد الفصول الرئيسية لهذا المشروع الشيطاني يتمثل في القضاء على السود والسمر. وهم المجموعة التي يعتبرونها مستهلكة ولا طائل من ورائها.
وكان مقررا خفض عدد سكان العالم بطرق مختلفة وتقوم الاسرة البريطانية المالكة والشركات متعددة الجنسيات واسرة روكفلر بتمويل هذه الخطة.
وقد اعتمدت جميع الادوات لهذا الغرض، اي تقليص عدد سكان العالم ووقف التوالد. وكان أهم فصول مشروع العالم عام 200 عبارة عن:
1-    خفض سني عمر شعوب العالم بنسبة 2 إلى 5.6 عام؛
2-    خفض وتيرة النمو في ما تسمى الدول المتقدمة؛
3-    خفض اسعار المخدرات والمواد المكملة للتصدير من المناطق الاقل نموا؛
4-    خفض استهلاك المواد الغذائية بنسبة 18% في افريقيا واسيا؛
5-    زيادة الامراض المختلفة في المناطق الحضرية في العالم الثالث.
وكان متوقعا من خلال تطبيق هذا المشروع ان يتم تقليص ما لايقل عن 170 مليون انسان من سكان العالم. ان القتل الصامت عن طريق انتاج ونشر الامراض المصنعة على يد شركات تصنيع الادوية وإعقام النساء وتغيير اساليب الغذاء التقليدية واضافة المواد المكملة للدورة الغذائية والصحية للناس (مثل الفلورايد والكلور) وترويج المثلية الجنسية والحد من الانجاب الطبيعي، تعد كلها من اساليب وطرق ابناء الشيطان بالتبني لتطبيق مشروع العالم عام 2000.
وفي هذا الخضم، فقد وضعت البلدان الإسلامية على قائمة الدول التي كان يجب اعقامها. وكان الاردن وسورية وتونس وايران وسائر البلدان الإسلامية تقف في هذا الدور.
وهرعت وسائل الاعلام صنيعة الجامعات الغربية والمنظمات العالمية لنجدة الحكومات التي كانت مكلفة من علم او دون علم بخفض سكان العالم واعقام المسلمين لحساب قادة المنظمات السرية والتابعة للاستكبار العالمي. وفي هذا المجال ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية للانباء عام 1992 ان ايران احتلت اعلى مركز من بين 75 دولة نامية في مجال تحديد النسل. واعتبر القسم الدولي في الوكالة في العام ذاته ايران في عداد الدول الموفقة في مجال تحديد النسل وفي المقابل أعلن بأن روسيا كانت بلدا غير موفق في هذا الخصوص وحتى ان رئيس "الاتحاد الدولي للاسرة المبرمجة" A.R.P.F كان قد طلب من البلدان الإسلامية عام 1994 اعتماد النموذج الايراني في تحديد النسل.
والله يعلم انه ان كان العراق ولبنان وفلسطين اتبعوا لحد الآن نموذجنا، لكانوا قد زالوا من الخارطة الجغرافية. ان الدول المحورية اي اميركا وبريطانيا والاخرون كانوا يحاولون الايحاء بأن ازدياد السكان في العالم الثالث وراء المشاكل التي يعاني منها المجتمع البشري اليوم. التيار الانحرافي الذي ادى فقط إلى نهب مصادر وثروات العالم.
انهم واستنادا إلى فرضيات ماسونيين مثل مالتوس كانوا ينظرون إلى سكان البلدان الضعيفة والدينية والمسلمة في الغالب كقطيع من الغنم.
وخلال هذه العملية، تم اعقام مليون امراة شيعية ايرانية وأكثر  من ثمانين الف رجل شيعي على طريق خفض النمو السكاني إلى 8/1 بالمائة وفق اهواء انصار مالتوس وتلامذته الايرانيين.
والملفت ان وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي الايراني آنذاك تمنى ان يتم خفض النمو السكاني في ايران إلى نسبة 8/1 بالمائة عن طريق تعزيز برامج تنظيم الاسرة بالتعاون مع المنظمات الدولية ذات الصلة.
والمثير للانتباه انه في هذا الوقت كان الرئيس الامريكي جورج بوش يعارض برنامج تنظيم الاسرة، في حين ان صندوق الأمم  المتحدة للسكان وبدلا من تقديم الماء والغذاء لجياع العالم رصد ميزانية قدرها 200 مليون دولار بجانب ملايين الدولارات التي قدمتها الدول طوعيا عام 1988 لتنفيذ ما مجمله 3266 مشروعا لتحديد النسل وتنظيم الاسرة في 147 بلدا.
وفي المقابل ووفقا لتقارير وكالات الانباء عام 1993 كتبت صحف الكيان المحتل لفلسطين، بأن سكان اسرائيل بلغوا  5.28 مليون نسمة. وحسب آخر  احصاءات البنك الدولي، فإن النمو السكاني لهذا الكيان بلغ 2.8 بالمائة سنويا حتى عام 2000 وهو اعلى معدلات النمو في العالم.
وفي عام 1994 أعلن مسؤول "الفاتيكان" في الأمم  المتحدة:
ان الكنيسة الكاثوليكية للفاتيكان ستستعين بالبلدان الإسلامية لمكافحة برامج الأمم  المتحدة لتحديد النسل.
ولم يكن هؤلاء يعرفون بأن البلدان الإسلامية هي الرائدة في تطبيق مشروعات المنظمات الدولية.
وقبل اعوام، كشف النقاب عن مؤامرة كبيرة لوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي اي اية) لاعقام نساء الهنود الحمر. وقامت السي اي اية وبمساعدة الاطباء الامريكيين باعقام أكثر  من عشرة الاف سيدة من الهنود الحمر ممن راجعن الطبيب لاي مرض كان. وبمحاذاة ذلك، تم اعقام ملايين الفتيات من الهنود الحمر في كندا واميركا على يد الاطباء.
وفي بلدان بما فيها مصر، قامت النساء الاعضاء في الجمعية الدولية للايدز والتي كانت تدار من قبل شبكة للدعارة في الكيان المحتل للقدس، بإصابة عدد كبير من سكان مصر بالايدز. وورد في الاخبار بأن الرعايا الامريكيين والاسرائيليين المصابين بمرض الايدز والمتواجدين في مصر، قاموا باغواء الاطفال والاحداث وممارسة اعمال مخلة بالاداب والاحتشام معهم من أجل نشر فيروس الايدز القاتل في هذا البلد.
إن مأموري الغرب الواعين وجهلاء بلدان الشرق، يسعون لتحميل المستضعفين المساكين وتوالدهم مسؤولية جميع المشاكل القائمة، لكي يتمكنوا في ظل تطبيق المشاريع الغربية المعادية للانسان من القضاء على عالم المستضعفين والمسلمين في سياق مشروع شيطاني وصامت.
ويجب التساؤل: هل ان خدمات صندوق الأمم  المتحدة للسكان التي تغطي 147 بلدا في العالم، وتقدم لها برامج وخطط، تغطي الكيان المحتل للقدس ايضا؟
والجواب، كلا. ان المكان الوحيد الذي لا يُطلق فيه شعار "اولاد اقل، حياة افضل"، بل العكس يسعى سكانه لاشغال الكرة الأرض ية من خلال التوالد والانجاب وفقا لتعاليم "التوراة" هو الكيان المحتل لفلسطين، لكن هؤلاء يصدرون تعليمات واوامر للبلدان الإسلامية لممارسة الاعقام الممنهج. وبحسبة بسيطة، فإن استمر هذا الاسلوب في تحديد النسل في مقابل النمو السكاني الكبير لبعض الفرق الدينية التي لا تعتمد تحديد النسل وفقا لفتاوى فقهائها، فإن ايران ستخرج خلال السنوات المقبلة من مجموعة الدول التي يعتبر الشيعة العدد الأكبر  من السكان فيها.
ويشير الراحل ادوارد سعيد الباحث من اصل فلسطيني والمعروف في الأوساط الاكاديمية إلى خصائص الشرق الإسلامي مقارنة بالغرب ويقول:
ان الغرب تعامل مع الشرق الإسلامي من منطلق الحقد والخوف دائما. ويمكن ذكر ادلة واسباب علم نفسية ودينية مختلفة لهذا الحقد والخوف، لكن مجمل عداء الغرب يعود إلى نظرته إلى نهاية الزمان.
ان سر هذه الضغينة يكمن في الحقيقة في تخوف وحقد الغرب من الشرق الإسلامي فيما يخص آخر  الزمان. ومن هذا المنطلق فاننا لابد ان ناخذ بعين الاعتبار وعي الغرب وتحالف الصليب وصهيون بتحدي آخر الزمان في تحليلاتنا للتطورات والموضوعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الصحية والغذائية. وباقي القضايا، صورية وسطحية ومؤقتية وعابرة.
إن مصطلح "يوجنيكس" اي علم تطوير النسل، ابتدع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من قبل فرنسيس غالتون البريطاني الذي كان يعتبر بأن اليهود متفوقون على سائر الأمم ، ولا سبيل سوى الاعقام من أجل الحد من ولادة اشخاص غير مرغوب فيهم ينالون الحرية لكنهم يقعون خارج نطاق السيطرة الاخلاقية. واقترح التدخل الاجتماعي من أجل زيادة جودة النسل.
إن سياسة الداروينية الاجتماعية الالمانية والهتلرية هي من النوع المباشر لتطبيق هذا المشروع. ولا ننسى بأن هتلر كان مرتبطا بمحافل المنظمات السرية بقدر ارتباط الامراء الاوروبيين من اصحاب الشهرة بها.
إن مشروع بناء الجيل الافضل والانعدام العرقي للمجتمعات البشرية النابع من الطبيعة العنصرية لليهود والذي تجسد من خلال فرضيات امثال داروين وطرح تطور الاصناف، كان بمثابة النظرية الاجتماعية الداروينية التي سادت الغرب وسياسييه طوال سنيي القرن العشرين. وان بطله كان السيد ادولف هتلر الذي كان بصدد ايجاد العرق الآري والجرماني الافضل. وقد بادر الحزب النازي عام 1933 إلى تشكيل محكمة السلامة وقضى بموجبها باعقام 225 الف الماني عديمي القيمة. ومن وجهة نظرهم فإن العرق الدنئ والمستهلك، يعد معاكسا ومضايقا وعقبة امام الحكومة الصليبية والصهيونية الكونية، لذلك فانه يجب شطب وحذف هذه الفئة من الناس باي طريقة وخدعة كانت، سواء عن طريق الحرب او عن طريق نشر الامراض الوبائية او اعقام النساء والرجال وتنفيذ مشروع تحديد النسل.
انهم يريدون السيطرة والحكم على جميع العالم باقل عدد ممكن من السكان.
وما يشد الانتباه هو انهم يعرفون جيدا بأن الديانات السماوية تعد الحامي الوحيد للانسان في مقابل كل هذا الدمار، لذلك فانهم يركزون جل جهدهم من أجل إزالةما تبقى من العناصر الدينية واضفاء الاصالة على التجارب المخبرية لتشويه التعاليم والاحكام السماوية. وفي إطار هذا العداء، تقف معاداة الإسلام لاسيما التعاليم الشيعية في المقدمة.
والسبب واضح، لان التقليل من شان الدين والتدين، يكسر كل مقاومة امام الهواجس والعوامل والجنود الشيطانيين فضلا عن انه يزيل الدوافع للمواجهة.
إن الهاء الإنسان بنفسه وهواجسه والانغماس في الملذات والشهوات يتبعه موت الروح والدوافع الروحانية ويؤدي إلى تقديم زوال البشرية ودمارها. وان وليتم وجوهكم اليوم نحو اي مكان سترون وسائل وارضيات الانشغال والانغماس في الملذات والشهوات قائمة على قدم وساق.
وقد حصلوا على نتائج جيدة من خلال تقليص الدوافع النبيلة والعامة لدى الناس المتدينين والمسلمين إلى دوافع طائفية وإقليمية، بما في ذلك إشعال نار فتنة إبادة الشيعة وتكفير جمع غفير من المسلمين المؤمنين على يد جماعة أخرى منهم. وكل من لديه أدنى معلومات عن دعاة العالم آحادي الحكم ، سيعرف من هي الجماعة التي تنفذ أوامر هؤلاء الشياطين في منطقتنا والعالم الإسلامي. إن اشباه المسلمين من قادة بعض البلدان  الإسلامية انتخبوا من بين الماسونيين من ذوي المراتب العليا وحتى المرتبة 33.
إن صدام كان ماسونيا. ومجمل جهاز بهلوي كان متورطا بالتيار الماسوني حتى العظم. وبعض الدول العربية بما فيها المثلث المقيت الذي يفتك اليوم بالمسلمين والشيعة متورطة هي الاخرى بهذا التيار الماسوني. ان الماسونية العالمية التي تسعى لاقامة عالم احادي الحكم، تفتك بشعوب العالم.
واعترف ابوعمر البغدادي القيادي في تنظيم القاعدة والذي اعتقل في بغداد بأن اجهزة استخبارات بعض الدول والامراء الشهيرين، وظفوا نيابة عن المنظمات الماسونية العالمية كل رساميلهم لقتل الشيعة وبث الفوضى في العراق. ان رصاصاتهم ليست موجهة ضد الجنود الامريكيين والاسرائيليين والا لكان بوسعهم من خلال نصف هذه الرساميل والقوى الانتحارية طرد كل الجنود الامريكيين والبريطانيين من المنطقة. وبالتزامن مع هذه البلوى، يسيء البابا بنديكت السادس عشر إلى المقدسات الإسلامية. ويذهب إلى الكيان الاسرائيلي المحتل ويضع قلنسوة اسرائيلية على راسه وينحني امام اصنام الهولوكوست. 
وحسبما يقول الشاعر كليم كاشاني: تنهار احجار الفتنة من منجنيق الفلك، وانا الجاهل الجأ إلى حصار من زجاج.
ويجب اللجوء إلى حصار الأرض  الآمن. ويجب التساؤل كما يقول اية الله بهجت: ماذا فعلنا حتى بقينا من دون مشرف ومعيل، لم نصلح انفسنا، لا ولن نصلح انفسنا.
وان كنا اصلحنا انفسنا، لما ابتلينا بهذه البلايا. ولالف عام تركنا مشرفنا مغلق اليدين.
ومن هذه الموضوعات، موضوع الغذاء ومؤامرة اليهود واعداء الإسلام لتخريب وتلويث الغذاء. الشئ الذي ليس يفسد الجسم ويُمرضه فحسب بل يؤدي إلى دمار الروح وينتزع كل الفاعلية والقوة من المسلمين لكي نفتقد إلى القدرة على مواجهة العدو.
ولعدة اعوام دبرت بعض الدول الغربية مؤامرة كبرى تحت ذريعة توفير المواد الغذائية. وتفيد المعلومات المتوافرة بأن اسر بني اسرائيل المعروفة والكبيرة مثل روكفلر والصهاينة يضطلعون بدور رئيسي في هذا المجال. ويواجه اليوم أكثر  من مليار انسان في العالم، المجاعة، لكن التذرع بالجياع والتحسين الوراثي للبذور والحبوب والحيوانات لزيادة المردودية، ادى إلى اندلاع ازمة كبيرة شغلت اذهان الكثير من الناس في العالم. ويتم اليوم تسمية هذه العملية بالقتل العرقي او الابادة الجماعية الخفية. ان البلدان المستضعفة وبلدان العالم الثالث تكبدت أكبر  الخسائر والاضرار من جراء ذلك. وتم العبث بالحيوانات والنباتات واستحداث جيل جديد من الامراض الفتاكة. ومن أجل صرف الانظار يطلق على هذه التغيرات الوراثية اسم الثورة الخضراء.
وقامت انظمة مثل الكيان الصهيوني الغاصب بإزالةالبزور المناطقية في مختلف الدول الاسيوية وروجت محلها بزور عقيمة تستخدم لمرة واحدة وهي هرمونية وتم العبث بها عموما.
ولكيسنجر كلام غريب حيث يقول:
إن اردتم السيطرة على الحكومات، فسيطروا على النفط والطاقة وان اردتم السيطرة على الشعوب وجعلها منقادة لكم، فسيطروا على موادها الغذائية.
إنهم ومن خلال جعل الدول تابعة لبزورهم المخصصة للاستهلاك لمرة واحدة المنتجة من قبلهم والتي تفتقد إلى القدرة على التوليد المجدد، والسيطرة على انتاج وتوزيع المواد الغذائية، مهدوا لتطوير وتوسيع الامراض التي تتسبب اليوم بموت العديد من الناس.
وتعتبر اليوم امراض مثل ابولا والزايمر واوتيس وانفلونزا الخنازير وانفلونزا الطيور بانها امراض من صنيعة اليد. ان المواد المستخدمة في انتاج معجون الاسنان الذي يحوي على الفلورايد، والمشروبات المخصصة للحمية ومستحضرات التجميل زهيدة الثمن والتي تحتوي على الرصاص وكذلك انتاج الفواكه والمواشي والدواجن التي يتم العبث بها وراثيا، ادت إلى ايجاد الموت المبكر وامراض حديثة الظهور، وهو حدث يخدم مصالح الاستكبار والصهاينة ويجعل الأرض  خالية من الاناس الطاهرين والمؤمنين لكي يبقى هؤلاء دائما في السلطة والحكم.
إن ايجاد الجهوزية لدى الجيل المنتظر للظهور غير ممكنة من دون السؤال عن طعام ودواء هذا الجيل، ومن دون جعل الجسم والطعام سليما ومعافى لا يمكن توقع ان يكون هذا الجيل قادرا على فهم المعارف المهدوية ومعرفة العدو مواجهته.
وآسف لقول انه في الدارة الشيعية لولي العصر والزمان (ع) والتي يجب ان تتمتع بالضرورة بأكبر  قدر من المعرفة والوعي تجاه المؤامرات التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين والإنسان و الإنسانية، لم اعثر على موضوعات جادة بقدر صفحتين على مواقع الانترنت الفارسية.
ويحظر دخول المواد النباتية والحيوانية المعدلة إلى بعض الدول مثل "كندا". وفي بعض الدول فإن البائعين ملزمين بذكر المحاصيل ونوعيتها من هذه الناحية. وهنا يفتقد هذا السؤال وهو : اي شخص او منظمة تتولى مهمة تحديد المحاصيل الزراعية ومنتجات الماشية ومستحضرات التجميل والمواد الغذائية المستوردة ومنع دخول المحاصيل الغذائية المنتجة عن طريق التغيرات الوراثية؟
ومن الأهداف الرئيسية للشركات متعددة الجنسيات هي التسميم التدريجي للناس عن طريق المواد الغذائية وكما يقولون هم الابادة الجماعية الصامتة.
وفي البرنامج المهدوي، خصصوا مكانا للحديث عن التآمر ضد الإنسان والإنسانية. ان رواياتنا تتحدث باشكال مختلفة عن فتن ومؤامرات آخر  الزمان، وانهي كلامي هنا بحديث للامام الثامن على  بن موسى الرضا (ع) حيث يقول ما مضمونه: ان ايا من شيعتنا لا يمرض الا ومرضنا نحن لمرضه ولا يحزن الا وحزنا نحن لحزنه ولا يفرح الا وفرحنا نحن لفرحه وان ايا من شيعتنا اينما كان في شرق الأرض  وغربها، لا يخفى عنا، وان كان احدهم مدينا بعد وفاته، فإن دَينه في رقبتنا.

Viewing all 1154 articles
Browse latest View live