Quantcast
Channel: العربية
Viewing all 1154 articles
Browse latest View live

شيعة أهل البيت بين الإعلام المعادي وشهادات أعلام مدرسة الصحابة

$
0
0
شيعة أهل البيت بين الإعلام المعادي وشهادات أعلام مدرسة الصحابة

يشهد عالم اليوم ذو المسحة الإعلامية المرئية واسعة الإنتشار محاولات عديدة لاستغلال هذه الجنبة في إيصال رسالة خاطئة للعالم أجمع حول معالم مدرسة أهل بيت العصمة والطهارة وتصوير الشيعة كونهم كفار مرتدين عن الدين الحنيف وشعارهم اللعن والتكفير وانقسام الأمة، وما هؤلاء إلا شرذمة قليلة مدعية للعلم والمعرفة وسبحان الله وجدت من يصغي إليها ويتفق معها ولايعلم انما هم عداء للدين ويساهم في تمزيق الأمة الى أشلاء.

بسم الله الرحمن الرحيم
يشهد عالم اليوم ذو المسحة الإعلامية المرئية واسعة الإنتشار محاولات عديدة لاستغلال هذه الجنبة في إيصال رسالة خاطئة للعالم أجمع حول معالم مدرسة أهل بيت العصمة والطهارة وتصوير الشيعة كونهم كفار مرتدين عن الدين الحنيف وشعارهم اللعن والتكفير وانقسام الأمة، وما هؤلاء إلا شرذمة قليلة مدعية للعلم والمعرفة وسبحان الله وجدت من يصغي إليها ويتفق معها ولايعلم انما هم عداء للدين ويساهم في تمزيق الأمة الى أشلاء.
ان  الرسالة التي يزعم هؤلاء ايصالها هو عدم مشروعية مذهب أهل البيت عليهم السلام وان الشيعة لاحظ لهم من صدق دعواهم وللرد على هؤلاء نقول وبالله التوفيق.

الإسلام والوحدة:

الإسلام ينص على وجوب وحدة المسلمين، كما قال سبحانه: (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الأنبياء:92.
فابتعاد المسلمين بعضهم عن بعض، خلاف ما أمر به الإسلام، وخلاف ما صرح به علماء السنة العظام قديماً وحديثاً..
وإليك كلمات بعضهم:

العلامة الذهبي:
انظر الى كلام العلامة الذهبي الذي هو من أعاظم العلماء عندهم اذ يقول في ميزان الإعتدال ج1ص5: (فهذا ـ أي التشيع ـ كثر في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلوردَّ حيث هؤلاء ـ أي الشيعة ـ لذهبت جملة الآثار النبوية).
وقد ذكر العلامة الأجل شرف الدين في كتابه القيّم (المراجعات) ص54 المراجعة رقم 16 ط دار العلوم بيروت أسماء مائة من رجال الشيعة الذين أخذت عنهم العلماء في كتب الحديث وغيرها.

الشيخ شلتوت:

وقد اقتفى آثار أولئك السابقين من العلماء علماؤهم الحاضرون في هذا الأمر، فهذا شيخ الجامع الأزهر السابق الأكبر الشيخ محمود شلتوت أفتى صريحاً بأن:
(مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر المذاهب، فينبغي للمسلمين ان يعرفوا ذلك وان يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة)
وقد أكد على ما أفتاه الشيخ الشلتوت، العديد من علماء السنة، واليك بعض أقوالهم ـ على ما ذكره مروان خليفات في كتابه (أكرمتني السماء):

الدكتور الأزهري محمد محمد الفحام:
«الشيخ محمود شلتوت، أنا كنت من المعجبين به وبخلقه وعلمه وسعة اطلاعه وتمكنه من اللغة العربية وتفسير القرآن ومن دراسته لأصول الفقه، وقد أفتى بذلك ـ أي جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية ـ فلا أشك ـ أنه أفتى فتوى مبنية على أساس في اعتقادي» أنظر: في سبيل الوحدة الإسلامية للرضوي: ص8.
وقال: «ورحم الله الشيخ شلتوت الذي التفت الى هذا المعنى الكريم، فَخَلُد في فتواه الصريحة الشجاعة، حيث قال ما مضمونه: بجواز العمل بمذهب الشيعة الإمامية»  المصدر السابق:59.

الداعية الشيخ محمد الغزالي:
«واعتقد ان فتوى الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت، قطعت شوطاً واسعاً في هذا السبيل، واستئناف لجهد المخلصين من أهل السلطة وأهل العلم جميعاً، وتكذيب لما يتوقعه المستشرقون، من أن الأحقاد سوف تأكل الأمة، قبل ان تلتقي صفوفها تحت راية واحدة... وهذه الفتوى في نظري، بداية الطريق وأول العمل».
«إنَّ الشيعة يؤمنون برسالة محمد، ويرون شرف علي في انتمائه الى هذا الرسول، وفي استمساكه بسنته، وهم كسائر المسلمين، لا يرون بشراً في الأولين ولا في الآخرين أعظم من الصادق الأمين» دفاع عن العقيدة والشريعة: ص257.

عبد الرحمن النجار مدير المساجد في القاهرة:

«فتوى الشيخ شلتوت نفتي بها الآن حينما نُسأل بلا تقييد بالمذاهب الأربعة، والشيخ شلتوت إمام مجتهد رأيه  صادق عين الحق. لماذا نقتصر في تفكيرنا وفتوانا على مذاهب معينة وكلهم مجتهدون» في سبيل الوحدة الإسلامية، للرضوي:ص66.

الدكتور مصطفى الرافعي:
«هما المذهبان ـ يقصد الإمامية والزيدية ـ الوحيدان من مذاهب الشيعة اللذان يلتقيان مع مذاهب أهل السنة ويصح التعبد وفق أحكامها».
«ولست أرى ما يمنع من اعتماد المذهب الجعفري، الى جانب المذاهب الاربعة» إسلامنا: ص32،59.

حسن البنا:

«اعلموا انّ أهل السنة والشيعة مسلمون، تجمعهم كلمة لا إله إلا الله محمداً رسول الله، وهذا اصل العقيدة، والسنة والشيعة فيه سواء وعليه التقاؤهم، أمّا الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب فيها بينها» ذكريات لا مذكرات عمر التلمساني: ص249، مجلة العالم عدد:519ص40.

الأستاذ أحمد بك المصري ـ استاذ شلتوت وأبي زهرة ـ :
«والشيعة الإمامية مسلمون، يؤمنون بالله ورسوله وبالقرآن وبكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله.. وفي الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً فقهاء عظام جداً وعلماء من كل علم فن، وهم عميقوا التفكير، واسعوا الإطلاع، ومؤلفاتهم تعد بمئات الألوف، وقد اطلعت على الكثير منها».

شيخ الأزهر سيد محمد طنطاوي:
«إن المسلمين سنة وشيعة يؤمنون بالله ونبيه، وإن اختلاف الآراء لا يقلل من درجة إيمان الأشخاص» (تاريخ التشريع الإسلامي).

الأستاذ محمود السرطاوي:
وهو عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية واحد كبار المفتين:
«إنني أقول ما قاله سلفنا الصالح: الشيعة الإمامية إخواننا في الدين لهم علينا حق الأخوة، ولنا عليهم مثل ما لهم علينا، ما يوجد بيننا وبينهم من اختلاف في وجهات نظر، إنما هي في الفروع» المصدر السابق:ص90.

الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود:
«إنَّ في عقيدتي أن الشيعة هم واجهة الإسلام الصحيحة، ومرآته الصافية، ومن أراد ان ينظر الى الإسلام، عليه أن ينظر من خلال عقائد الشيعة ومن خلال أعمالهم، والتاريخ خير شاهد على ما قدَّمه الشيعة من الخدمات الكبيرة في ميادين الدفاع عن العقيدة الإسلامية.
وان من علماء الشيعة الأفاضل هم الذين لعبوا أدوارا لم يلعبها غيرهم في الميادين المختلفة فكافحوا وناظلوا وقدَّموا أكبر التضحيات من أجل اعلاء الإسلام ونشر تعاليمه القيمة وتوعية الناس وسوقهم الى القرآن» (في سبيل الوحدة الإسلامية).

شيخ الأزهر:

وقال شيخ الأزهر في فتواه التي نشرتها مطبعة (دار البصري ببغداد) سنة 1385هـ في كتاب المؤتمر الإسلامي العراقي ما نصه:
(فلقد علمت منذ تقليدي منصبي في العام الماضي (أنذاك) على جمع كلمة المسلمين وإزالة ما بينهم من خلافات مذهبية.. وقد أسرّني أن يلبي الدعوة (أي دعوة المؤتمر) علماء خمس وثلاثين دولة إسلامية وفي مقدمتهم علماء العراق).
ثم ذكر أنه تشرف برئاسته موسوعة في الفقه تعدّ موسوعة فقهية للمذاهب الإسلامية بما فيها المذاهب الأربعة المعروفة ومذهب الزيدية والشيعة الإمامية.

مفتي الأردن:

الشيخ عبد الله القلقيلي المفتي العام لمملكة الأردن (آنذاك) في كلام له في نفس المصدر السابق:
(وان الذين قاموا في مصر من العلماء والفضلاء بتأليف جمعية للتقارب بين الفريقين قد سلكوا بذلك سبيل الرشاد ونهجوا نهج السداد).
وبعد هذه الشهادات القيمة لا بد من القول ان من يهاجم الشيعة الإمامية الإثني عشرية اليوم هم عملاء حاقدون على الإسلام المحمدي الأصيل هادفين الى إثارة النعرات الطائفية وتمزيق الأمة في محاولات اطفاء نور الله الا ان الله سبحانه يأبى إلا ان يتم نوره ولو كره الكافرون.
والحمد لله رب العالمين.








الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف ميزات وخصائص

$
0
0
الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف ميزات وخصائص

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
للامام المهدي عجل الله فرجه الشريف خصائص انفرد بها وميزات اختص بها، وهي عوامل ساعدت وستساعده سلام الله عليه في تحقيق الهدف والمنشود من بعثة الانبياء والمرسلين كافة ونستطيع ابراز بعضها فيما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
للامام المهدي عجل الله فرجه الشريف خصائص انفرد بها وميزات اختص بها، وهي عوامل ساعدت وستساعده سلام الله عليه في تحقيق الهدف والمنشود من بعثة الانبياء والمرسلين كافة ونستطيع ابراز بعضها فيما يلي:

النور الزاهر:
غلبة نور ظله في عالم الملكوت على نور سائر الائمة عليهم السلام؛ كما ورد في جملة من الأخبار المعراجية بان نوره عليه السلام يزهر ويسطع من بين انوار سائر الائمة كما تزهر النجمة الوضاءة من بين سائر النجوم «يتلألأ وجهه من بينهم نوراً كأنه كوكب درى» ارشاد القلوب، ج2 ، ص416 ـ البحار، ج3 ص379 ـ عيون اخبار الرضا، ح1 ص58 ح27.

شرافة النسب:
فانه عليه السلام قد حاز شرافة نسب جميع آبائه الطاهرين عليهم السلام فان نسبهم أِشرف الأنساب، وينتهي نسبه عليه السلام من قبل امه إلى قياصرة الروم المنتهي نسبهم إلى شمعون الصفا وصي عيسى عليه السلام المنتهي نسبه إلى كثير من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام.

السفر الى الملكوت:
ذهاب ملكان به يوم ولادته إلى ملكوت السماوات، وخطاب الله تعالى له: «مرحباً بك عبدي لنصرة ديني واظهار أمري ومهدي عبادي، آليت اني بك آخذ وبك اعطي ولك أغفر وبك أعذب... » البحار، ج51، ص27.

بيت الحمد:
بيت الحمد؛ وقد روي ان لصاحب الأمر عليه السلام بيتاً يقال له بيت الحمد فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف لا يطفىء (سفينة البحار، ج1، ص115 ـ ومثله في اعلام الورى، ص431).

الكنية والإسم:
الجمع بين كنية رسول الله صلى الله عليه وآله واسمه المبارك؛ وروي في المناقب انه سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي (البحار، ج16، ص114ح42، عن المناقب) وكما روي حرمة ذكر اسمه المبارك، كما مر ذكره.

خاتمة الأوصياء:
انه خاتم الأوصياء والحجج في الأرض.

نشأةٌ في الملأ الأعلى:
غيبته منذ ولادته واستيداعه عند روح القدس ونموه وتربيته في عالم النور وفضاء القدس، بحيث لم يتلوث أي جزء من أجزائه بقذارات ومعاصي العباد والشياطين بل كان عليه السلام يجالس الملأ الأعلى والأرواح القدسية.

عدم البيعة للظلمة:
عدم معاشرته ومجالسته الكفار والمنافقين والفساق وذلك للتقية؛ فقد غاب عليه السلام منذ ولادته ولم تصل إليه يد ظالم ولا كافر ولا منافق، ولم يصاحب أحداً منهم، فلم يكن في عنقه بيعة لأحد من الجبارين؛ وقد روي في أعلام الورى عن الامام الحسن العسكري انه قال: .... ما منا أحد الا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه الا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلقه.. اعلام الورى، ص401، ووجدناه عن الامام الحسن المجتبى عليه السلام.

علامة كعلامة الرسول:
له علامة على ظهره كالعلامة التي على  ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله التي يقال لها علامة ختم النبوة، ولعلها فيه عليه السلام تدل على ختم الوصاية.

في الكتب المقدسة:
اختصاصه بان الله تعالى ذكره في الكتب السماوية والأخبار المعراجية بلقبه بل بألقاب متعددة من دون ذكر اسمه.

آيات الحق:
ظهور آيات غريبة وعلامات سماوية وأرضية عند ظهوره عليه السلام، والتي لم تكن لأحد من الائمة قبله حتى انه روي في  الكافي عن أبي بصير عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: سألته عن قول الله عز وجل: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى‏ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فصلت: 53.
قال: يريهم في أنفسهم المسخ ويريهم في الآفاق انتقاض الأفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق، قلت له: (حتى يتبين لهم انه الحق) قال: خروج القائم هو الحق من عند الله عز وجل، يراه الخلق لا بد منه الكافي، ج8 ص381، ح575 ـ عنه البخار، ج51، ص62، ح63.
وهذه الآيات والعلامات كثيرة حتى أن البعض عدها أربعمائة آية.

الصيحة:
سماع نداء من السماء حين ظهوره كما ورد ذلك في روايات كثيرة، وروى علي بن ابراهيم في تفسير قوله تعالى: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَكَانٍ قَرِيبٍ) ق: 41.
قال: ينادي المنادي باسم القائم عليه السلام واسم ابيه تفسير القمي: ج2، ص327.
وروي في غيبة النعماني عن الامام الباقر عليه السلام انه قال: ... ينادي مناد من السماء باسم القائم عليه السلام فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد الا استيقظ، ولا قائم الا قعد، ولا قاعد الا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فان الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين [وهو في شهر رمضان شهر الله ليلة الجمعة في الثالث والعشرين منه] الغيبة للنعماني، ص254 ـ عنه الحبار، ج52، ص230، ح96.
والأخبار بهذا المضمون كثيرة، بل تجاوزت حد التواتر.

بطء الفلك:
بطء حركة الأفلاك وتقليل سرعتها حين ظهروه عليه السلام، كما روى الشيخ المفيد عن أبي بصير عن الامام محمد الباقر عليه السلام انه قال في خبر طويل يذكر فيه سيرة القائم عليه السلام، إلى أن قال: .... فيمكث على ذلك سبع سنين كل سنة عشر سنين من سنينكم هذه، ثم يفعل الله ما يشاء.
قال: قلت له: جعلت فداك فكيف يطول السنين؟ قال: يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الايام لذلك والسنون، قال: قلت له: انهم يقولون ان الفلك إن تغير فسد، قال: ذلك قول الزنادقة فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شق الله تعالى القمر لنبيه صلى الله عليه وآله ورد الشمس قبله ليوشع بن نون عليه السلام واخبر بطول يوم القيامة وانه: (... كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) الارشاد، ص365، والآية في سورة الحج رقم 47.

مصحف أمير المؤمنين عليه السلام:
ظهور مصحف أمير المؤمنين عليه السلام الذي دونه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله من دون تغيير وتبديل، وفيه كل ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله على سبيل الاعجاز، إذ بعد ما اكمله الامام عليه السلام عرضه على الصحابة فأبوا أن يقبلوه فأخفاه، فالمصحف باقٍ على حاله حتى يظهره القائم عليه السلام، ويأمر الناس بقراءته وحفظه وهذا الأمر من التكاليف الشاقة عليهم لاختلاف ترتيبه مع المصحف الموجود الذي أنسوا به.

غمامة تظله:
تظليل غمامة على رأسه الشريف دائما وصوت مناد من تلك الغمامة بحيث يسمعه الثقلان بأن هذا مهدي آل محمد عليهم السلام يملأ الأرض عدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً، وهذا النداء غير الذي مر في الرقم الرابع عشر راجع البحار، ج51، ص81.

التأييد الغيبي:
حضور الملائكة والجن في عسكره عليه السلام لنصرته.

شيخ السن شاب المنظر:
عدم تغير هيئته وهندامه بمرور الأيام والسنين وبقائه على قوته ومزاجه وهيئته الأولى، فانه عليه السلام حيننما يظهر (مع مامضى من عمره الشريف إلى حد الآن سنة والله العالم إلى اين يصل إلى أن يظهر عليه السلام) يكون على هيئة الرجل الذي مضى من عمره ثلاثون أو أربعون سنة، وكل طويل عمر الانبياء وغيرهم يشكو الشيب، فتارة يكون معنياً ـ كما في القرآن ـ بالقول: (... وَهذَا بَعْلِي شَيْخاً... ) هود: 72 وأخرى يشكو ضعفه: (... إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً... ) مريم: 4.
وروى الشيخ الصدوق عن أبي الصلت الهروي انه قال: قلت للرضا عليه السلام: ما علامات القائم منكم إذا خرج؟ قال: علامته أن يكون شيخ السن شاب المنظر حتى ان الناظر اليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها كمال الدين، ص652، ح12، باب 57 ـ عنه البحار، ج52، ص285، ح16.

التعايش السلمي:
عدم استيحاش الحيوانات بعضها من البعض الآخر وذهاب خوفها من الانسان ايضاً والألفه بينهما كالحال التي كانت قبل مقتل هابيل، وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: «... ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها الا على النبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه... » الخصال، باب الأربعمائة، ص626ـ عنه البحار، ج52، ص316، ج11.

إحياء الموتى:
احياء بعض الموتى وحضورهم في ركابه؛ وقد روى الشيخ المفيد انه يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً (الارشاد، ص365 ـ والبحار، ج52، ص346، عن العياشي).
وروي عن الصادق عليه السلام انه من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد وهو: «اللهم رب النور العظيم» كان من انصار قائمنا وان مات أخرجه الله إليه من قبره [ وأعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة] البحار، ج94، ص41.

كنوز الأرض وبركات السماء:
اخراج الأرض كنوزها وذخائرها المختبية فيها، غزارة الأمطار وكثرة الثمار وسائر النعم بحيث تختلف حال الأرض حينذاك عما كانت قبله مصداقاً لقوله تعالى: «يَوْمَ تُبَدُّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ» ابراهيم: 48.

تكامل القول:
تكامل الناس ببركة ظهوره عليه السلام، حيث يضع عليه السلام يده على الرؤوس فيذهب الحقد والحسد واللذان أصبحا من جبلّه الانسان الثانوية منذ قتل هابيل، وكثرة علومهم وحكمتهم حيث يقذف العلم في قلوب المؤمنين فلا يحتاج المؤمن إلى علم أخيه فيظهر انذاك تأويل هذه الآية الشريفة: (يُغْنِ اللّهُ كُلّاً مِن سَعَتِهِ) النساء: 130.

قوة السمع والبصر والعمر:
القوة الخارفة للعادة في ابصار واسماع اصحابه عليه السلام بحيث يرون الامام ويسمعون كلامه من مسافة أربعة فراسخ، طول أعمارهم، فقد روي أن الرجل يعمر من ملكه عليه السلام حتى يولد له ألف ولد ذكر لا يولد فيهم أنثى (أعلام الورى، ص434، فصل3) وذهاب البلايا والعاهات والضعف عن أنصاره وأعوانه عليه السلام واعطاء قوة أربعين رجلاً لكل من أصحابه وأنصاره.

إشراقة الإمام:
استغناء الخلق بنوره عليه السلام عن نور وضوء الشمس والقمر، كما روي في تفسير قوله تعالى: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) الزمر: 69، بان رب الأرض هو الحجة صلى الله عليه وعلى آبائه راجع تفسير القمي، ج2، ص253، سورة الزمر.

الراية المقدسة:
اصطحابه عليه السلام راية رسول الله صلى الله عليه وآله، ولبسه عليه السلام درع رسول الله صلى الله عليه وآله وانها لا تستقيم الا على بدنه المبارك.

تسخير السحاب:
ان الله تعالى سخر له عليه السلام سحاباً فيه الرعد والبرق، فيجلس الامام عليه، فيذهب الغمام به إلى طرق السماوات السبع والأرضين السبع.

الإستخلاف في الأرض:
33ـ زوال التقية والخوف، والتمكن من عبادة الله وتنظيم امور الدين والدنيا حسب النواميس الالهية والأوامر السماوية من دون رفع اليد عن بعضها خوفاً من الأعداء والمخالفين، ومن دون ارتكاب الأعمال غير اللائقة طبقاً لهوى الظالمين، وذلك كما وعد الله تعالى في قوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا  مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى‏ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً...) النور: 55.

نفوذ سلطانه:
إكتساحه عليه السلام العالم وسلطنته على الشرق والغرب، البر والبحر، الجبال والصحاري، ولم يبق مكان لم يجر حكمه فيه، والأخبار بهذا المضمون كثيرة: (...وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..) آل عمران: 83.

البشارة العظمى:
إمتلاء الأرض قسطاً وعدلاً، بحيث تخل الأرض ـ في الأغلب ـ رواية نبوية أو حديث قدسي سواء كان خاصاً وعاماً عن البشارة بهذه الفقرة.

قضائه عليه السلام:
حكمه عليه السلام وقضاؤه بيِّن فيهم بعلم الإمامة من دون احتياج الى حضور شاهد أو بيّنة كحكم داوُد وسليمان عليهما السلام، إتيانه عليه السلام بأحكام مخصوصة جديدة لم تكن ظاهرة وجارية من قبل، كقتله الشيخ الزاني ومانع الزكاة، وأنّه يورث الأخ أخاه في الأظلّه (راجع البحار ج52ص309ح2 باب27).
أي اللذان عقد بينهما عقد الأخوة في عالم الذر وقال الطبرسي: «إنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين...» (أعلام الورى ص445 المسألة السابعة ـ البحار ج52ص381 في تذييل).

سعة العلوم:
ظهور جميع مراتب العلوم كما روى القطب الراوندي في الخرائج فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتّى اليوم غير الجزءين فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثها في الناس وضمَّ إليها الجزئين حتى يبثها سبعة وعشرين جزءاً (الخرائج ج2ص841ح59 عنه البحار ج52ص336ح73).

سيوف الله:
مجيء سيوف من السماء لأنصاره عليه السلام (راجع الكافي ج2ص387).

طاعة المخلوقات:
إطاعة الحيوانات لأنصاره عليه السلام.

أنهار من ماء ولبن:
خروج نهرين من ماء ولبن في ظهر الكوفة مقر خلافته عليه السلام في صخرة نبي الله موسى عليه السلام كما روي في الخرائج عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «إذا قام القائم في مكة وتوجه الى الكوفة نادى مناد: «ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً».
ويحمل معه حجر موسى بن عمران عليه السلام الذي انبجست منه إثنا عشر عيناً فلا ينزل منزلاً إلا نصبه فانبعثت منه العيون فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظمآناً روي، فيكون زادهم حتى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة فإذا أنزلوا ظاهرها إنبعث منه الماء واللبن دائماً، فمن كان جائعاً شبع ومن كان عطشاً روي (الخرائج ج2 ص387).

نزول عيسى:
فقد روي نزول نبي الله عيسى عليه السلام الى الأرض من السماء لنصرته عليه السلام وصلاته خلف الإمام المهدي عليه السلام كما ورد ذلك في روايات كثيرة، وعدَّ الله تعالى هذه من مناقبه وفضائله عليه السلام كما روي في كتاب المحتضر للحسن بن سليمان الحلي في خبر طويل ان الله تعالى قال لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله ليلة المعراج: «...وأعطيتك أن أخرج من صلبه (أي علي بن أبي طالب عليه السلام) أحد عشر مهدياً كلّهم من ذريّتك من البكر البتول وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى بن مريم عليه السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملأت ظلماً وجوراً، أُنجي به من الهلكة وأهدي به من الضلالة وأُبريء به الأعمى وأشفي به المريض (راجع البحار ج51ص69).

قتل الدجّال:
قتل الدجّال اللعين هو من عذاب الله على أهل القبلة كما روي على بن إبراهيم عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى‏ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِن فَوْقِكُم) الأنعام: 65.
قال هو الدخّان والصيحة (والدّجال) (تفسير القمي ج1ص204).
وأضاف إنه ما من نبي مرسل إلا وقد حذّر الناس من فتنة الدجّال.

التكبير سبعاً على جنازة:
عدم جواز التكبير على جنازة أحد بسبع تكبيرات بعد أمير المؤمنين عليه السلام إلّا عليه، وقد ذكر ذلك في فصل وفاة أمير المؤمنين في وصيّته لإبنه الحسن عليهما السلام.

تسبيح الإمام:
إنَّ تسبيحه عليه السلام من اليوم الثامن عشر الى آخر الشهر، وأعلم أن للحجج الطاهرة عليهم السلام تسبيحاً في أيّام شهر ففي اليوم الأول تسبيح رسول الله صلى الله عليه وآله وتسبيح أمير المؤمنين في اليوم الثاني، وتسبيح الزهراء عليها السلام في اليوم الثالث وهكذا باقي الأئمة الى الإمام الرضا عليه السلام فتسبيحة في اليوم العاشر والحادي عشر وتسبيح الإمام الجواد عليه السلام في اليوم الثاني عشر والثالث عشر وتسبيح الإمام الهادي عليه السلام في يوم الرابع عشر والخامس عشر وتسبيح الحجة عليه السلام في اليوم الثامن عشر الى آخر الشهر، وإليك تسبيحه: «سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله مداد كلماته سبحان الله زنه عرشه والحمد لله مثل ذلك» (الدعوات الراوندي).

دولة العدل الإلهية:
إنقطاع دولة الجبابرة والظالمين بظهوره ووجوده ودوام دولته عليه السلام أو دولة أولاده الى يوم القيامة أو يوم القيامة أو رجعة سائر الأئمة عليهم السلام، وقد روي أن الإمام الصادق عليه السلام كان كثيراً ما يكرر هذا البيت:
لكل أُناس دولة يرقبونها       ودولتنا في آخر الدهر تظهر






في ذكرى ولادته العطرة .. عليٌ عليه السلام لمستقبل أفضل

$
0
0
في ذكرى ولادته العطرة .. عليٌ عليه السلام لمستقبل أفضل

ان تتعامل مع الإمام كنهج للحياة، للدنيا التي هي مزرعة الآخرة، فإذا تعاملت معه كنهج لما بعد الحياة الدنيا فانك سوف لن تستفيد منه شيئا أبداً، فعظمة النهج في مدى قدرته على التفاعل مع الحياة، وليس مع الموت أو مع ما بعد الحياة الدنيا، فكما ان القرآن الكريم تكمن سر عظمته في انه نهج لحياة سعيدة وكريمة، كذلك فان نهج الإمام يجب ان نتعامل معه كنهج حياة وليس نهج ممات، اوليس هو عدل القرآن؟.

بسم الله الرحمن الرحيم
لا يسع الإنسان في ذكرى ولادة الإمام علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين عليه السلام في الثالث عشر من شهر رجب الاصب في جوف الكعبة المشرفة، بيت الله الحرام، الا ان يحاول الغوص في بحر علومه ويصطاد بعضاً من جواهره الثمينة، ولا يتحقق ذلك لكل من غاص، فللأمر شروطه، منها:
أولاً: ان تتعامل مع الإمام كنهج للحياة، للدنيا التي هي مزرعة الآخرة، فإذا تعاملت معه كنهج لما بعد الحياة الدنيا فانك سوف لن تستفيد منه شيئا أبداً، فعظمة النهج في مدى قدرته على التفاعل مع الحياة، وليس مع الموت أو مع ما بعد الحياة الدنيا، فكما ان القرآن الكريم تكمن سر عظمته في انه نهج لحياة سعيدة وكريمة، كذلك فان نهج الإمام يجب ان نتعامل معه كنهج حياة وليس نهج ممات، اوليس هو عدل القرآن؟.
هذا يتطلب منك ان لا تتعامل مع الإمام بالغيبيات، لان الغيب لا يصلح لان يكون حجة على الإنسان، فلو لجأ المرء إلى تفسير كل ما لا يفهمه من حياة الإمام عليه السلام للغيب لتفسيره وفهمه، فان ذلك يعني ان الإمام سيتحول إلى أسطورة غيبية لا تصلح لان تكون حجة على الخلق أجمعين إلى يوم الدين، فالإمام كان يتعامل مع الحياة كأي بشر، بواقعية، بحلوها ومرها، فكان، مثلا، يصبر على الاذى في سبيل الله، بل انه عليه السلام عرض نفسه على طبيب نصراني ليفحصه ويقف على حالته المرضية عندما تعرض لضربة عدو الله ابن ملجم في محراب الصلاة وبذلك السيف المسموم.
ثانياً: ان لا تتعامل معه على أساس انه تاريخ مضى وانقضى، أبداً، وانما يجب ان تتعامل معه كشاهد حاضر في مواقفه وخطبه وحكمه ورسائله ونصائحه، في سلمه وفي حربه، كرجل في السلطة وخارجها، كمؤمن يتعبد الله بطريقة الاحرار لأنه أهل للعبادة، وهكذا.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان عليك ان لا تحصره في زاوية من التاريخ، تستقطع منه ما يثير فضولك وتتجاهل ما يحكمك، تستقرئ ما ينفعك وتتجاوز عما يفرض عليك التزاماً ولو من نوع ما.
ثالثاً: ان تتعامل معه كمنهج شامل فلا تسجنه بقضايا تاريخية أو بمذهب محدد أو حتى بدين بعينه.
انه منهج للحياة أولاً ولمستقبل أفضل وأحسن ثانياً، وهو منهج شامل يمكن ان يتعلم منه الإنسان إذا ما انفتح عليه بلا تعصب أو تمذهب أو تحزب أو طوباوية أو حتى مثالية.
لو لم يكن الإمام منهج للحياة لما تأثر به غير المسلمين، ولو لم يكن نهجاً إنسانياً لتجاهله الآخرون، بل لما ظل خالدا بأفكاره وآرائه ومواقفه ودروسه كل هذا الزمن المديد، لتأتي الأمم المتحدة، وبعد (14) قرنا لتوصي الدول التي تريد ان تحقق التنمية البشرية وعلى مختلف الأصعدة، بتبني عهده عليه السلام إلى مالك الاشتر لما ولاه مصر، أو لا يعني ذلك ان نهجه في بناء الدولة والذي كان قد حدده قبل (1400) عاما يصلح اليوم، وفي القرن الواحد والعشرين، ليكون نهجا لبنائها كذلك؟.
يأخذ علي البعض أحيانا، عندما استشهد بقول للإمام أو خطبة أو رأي، بان الاستشهاد هذا دليل على تشيعي مثلا، أو تعصبي، أو حتى على تخلفي، في مسعى من البعض لتحجيم الإمام وتقزيم هويته وحصر عنوانه، وكل ذلك خطأ في خطأ بل جريمة لا تغتفر، فان وضع الإمام في صندوق، مهما كان عنوانه، ووصد أبوابه، ليس خسارة للإمام أبداً، فالإمام لا يخسر شيئا في هذه الحالة، وانما الخسارة ستكون لنا عظيمة لأننا نخسر بذلك نبعا عظيما وثرا ومتدفقا من الفكر والثقافة وقيم الحضارة ومعاني السمو الأخلاقي، ولذلك فان من يتعامل مع الإمام على انه تاريخ انقضى أو انه يتعامل معه كغيب لا يجوز تفسير حياته بوعينا ومقاييسنا أو ان يتعامل معه على انه (إمام الشيعة) مثلا أو حتى (خليفة المسلمين) فانه واهم وهو الخاسر الأكبر من كل ذلك.
ان الإمام ليس لزمان محدد، وهو ليس لطائفة دون أخرى، أو لدين دون آخر أو لقومية دون أخرى، انه للإنسان، في كل زمان ومكان، فلماذا لا يحق لأمثالي الاستشهاد بنظرياته وآرائه بحجة تقادم الزمن عليه؟ أو بسبب هويته، مثلا؟ لماذا يحق للآخرين ان يستشهدوا بأفلاطون ونظرياته وبأرسطو وأقواله وبمونتسكيو وكتاباته وبماركس وأقواله وبكائن من كان ولا يحق لي ان استشهد بما قاله الإمام؟ لماذا يحق للأمريكان مثلا ان يفتخروا بدستورهم الذي مر عليه أكثر من قرنين من الزمن من دون ان يقول احد بأنه قديم النزعة أو مستهلك في آرائه، ولا يحق لي ان افتخر بالإمام الذي لم يظهر لحد الآن كاتب أو باحث أو مفكر أو منظر في كل العالم ليشير إلى خطأ واحد في قول من أقواله أو نهج من مناهجه أو نظرية من نظرياته؟ بل ان كل من كتب أو نظر أو بحث في القضايا التي تخص الإنسان وعالمه وحياته، من سياسة واجتماع واقتصاد وتربية وحقوق وإدارة ودولة وحرب وسلم ونظام وسلطة ومعارضة وغير ذلك، لابد له ان يستلهم من الإمام شيئا ان لم يكن أشياء، ولمن أراد المزيد بهذا الصدد يمكنه قراءة كتاب الأديب اللبناني الكبير الأستاذ جورج جرداق والموسوم (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية) والذي قارن بين الإمام عليه السلام وأرسطو كنموذج للفكر الإنساني، وبينه وبين الثورة الفرنسية كحركة تغييرية معاصرة وبينه وبين شرعة حقوق الإنسان الدولية كنص حقوقي عالمي حديث، فوجد ان الإمام بزهم جميعا وتفوق عليهم بلا نقاش.
ان الإمام لا يفهمه الا المتعلمون، ولا يعي نهجه الا الذين هم على سبيل نجاة، اما الجاهلون أو المتعصبون أو المتخندقون خلف مذاهبهم ودياناتهم واثنياتهم ومناطقهم وخلف الجغرافيا، فانهم لا يمكنهم ان يتعلموا من الإمام شيئا أبداً.
ان من يقرأ الإمام بعقلية منفتحة بلا تعصب أو تخندق وبأي شكل كان، وحده الذي يمكن ان يستنتج مقولة عظيمة بمقاييسنا قليلة بمقاييس العلم والعلماء بحقه، كتلك التي قالها احد ابرز مفكري أوربا المعاصرة واقصد به جان جاك روسو الكاتب والفيلسوف الفرنسي الأهم في عصر العقل من التاريخ الأوربي والتي ساعدت فلسفته في تشكيل الأحداث السياسية التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية حيث أثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة، والذي قال: «ما وجدت في التاريخ من يستحق كلمة أستاذ بتمام مفهومها الا رجل واحد وهو علي بن أبي طالب».
ان من الجريمة بمكان ان ننتزع الإمام من فضائه الإنساني، فنتعامل معه كرمز ديني أو مذهبي أو قومي أو ما أشبه، فقراءة تراث الإمام وما تركه للأجيال يؤكد حقيقة في غاية الأهمية وهي ان الإمام استهدف بنهجه الإنسان كانسان خلقه الله تعالى وكرَّمه فهيأ له كل شئ خلق من اجل إسعاده ومن اجل حريته وكرامته، فهو لم يستهدف بعدله المسلمين فقط كما انه لم يسع لتحقيق حرية أو كرامة الشيعي دون غيره، أبداً، انه استهدف الإنسان في كل ما قال وفعل، ولذلك تراه يشرع الشهادة للمرء إذا ما تعرضت امرأة غير مسلمة إلى  الظلم على يد ظالم، فيقول: «وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاْخْرَى المُعَاهَدَةِ، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جديرا».
ان من علامات بؤس (المسلمين) سجنهم للإمام في زنزانات عقولهم الضيقة، الدينية منها والمذهبية والعنصرية وغيرها، إذا بهذا الإمام العظيم في كل شئ يتحول عند البعض منهم إلى سبب من أسباب (حرب الطوائف) أو عامل من عوامل الاثارات الطائفية، فيخسرون واحدة من أعظم معاجز رسول الله صلى الله عليه واله على حد قول الإمام الراحل المرجع الفقيه السيد محمد الشيرازي قدس سره والذي يعتبر الإمام عليه السلام إحدى أعظم معاجز الرسول الكريم بعد القران الكريم.
انظروا كيف حولت الإنسانية الكثير من الفلاسفة والعلماء والمفكرين إلى رموز إنسانية بغض النظر عن هويتهم ومسقط رأسهم، فيما يعتقل المسلمون الإمام في سجون ضيقة، وهو الأجدر من بين الجميع لان يكون رمزا إنسانياً بامتياز وبلا منازع؟ وكل ذلك بسبب الجهل والعصبية والطائفية المقيتة.
لقد سمعت احدهم يقول بأنه صرف (20) عاما من وقته ليتثبت من رواية ولادة الإمام في جوف الكعبة، ولكنه لم يصرف (20) دقيقة من حياته البائسة ليقرأ الإمام علماً ومعرفة ومواقف ومنهج.
كم هم بؤساء المسلمون؟ وكم هم متخلفون؟ وانا اقسم لو ان الإمام كان عند غير المسلمين لأسسوا باسمه مليون جامعة ومعهد ومركز بحثي لدراسة نهجه وفكره وتراثه.
يكفي دليل على تخلف المسلمين ان عندهم الإمام ومع ذلك يعيشون في تيه له أول وليس له آخر، ويكفي دليل على بؤسهم ان عندهم الإمام ومع هذا فان الخلافات والجهل والأمية تلبسهم من قمة رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم.
ولا غرابة في ذلك، اوليس الأبناء على أسرار آبائهم؟ أولم يسال احدهم الإمام: كم شعرة في راسك يا أمير المؤمنين؟ عندما خاطبهم الإمام بقوله: سلوني قبل ان تفقدوني؟.
ولان الإمام للإنسان بغض النظر عن كل شئ، لذلك وعاه كثيرون من غير المسلمين، بل ان الكثير من (المسلمين) جفوه وعادوه في حياته والى اليوم فيما انصفه كثيرون من غيرهم، الم يقاتله الطاغية معاوية بن أبي سفيان ابن آكلة الأكباد هند بنت عتبة قاتلة حمزة سيد الشهداء وآكلة كبده؟ أو لم يسن سبه ولعنه على المنابر لأكثر من (80) عاما؟ الم يقتل كل من تشيع له صبرا؟ كما حصل ذلك للصحابي الجليل والعظيم حجر بن عدي وابنه وصحبه الشهداء الكرام الميامين رضوان الله تعالى عليهم؟ واليوم، الم يثأر التكفيريون والإرهابيون لابن آكلة الأكباد فينبشوا قبر من قتله معاوية لعنه الله واخزاه، ومن والى علياً عليه السلام؟.
ان هذه الجريمة أكدت بما لا يدع مجالا للشك من ان الصراع بين قيم الحق والعدالة والمساواة التي جسدها الإمام علي عليه السلام وقيم الباطل والظلم والحيف والقتل والذبح والتدمير والغش والخداع والتضليل والغدر والمكر التي مثلها الطاغية معاوية، لا زال مستمرا وسيظل مستمرا إلى يوم يبعثون، لأنه صراع أزلي لا ينتهي بمقتل احد أو اغتيال آخر أبداً، فمنذ ان قتل قابيل هابيل ظلما وعدوانا وحسدا، بدا الصراع بين النور والظلمة، بين الحق والباطل، ولقد شاء الله تعالى ان يجسد رجال صالحون جبهة الحق في كل فترة زمنية من التاريخ، فيما يجسد أشرار جبهة الباطل في كل فترة زمنية كذلك، ويخطئ من يظن ان بإمكانه ان يقف على الحياد ليتفرج على هذا الصراع وجبهاته ورجالاته وأدواته، أبداً، ففي صراع الحق والباطل لا بد من موقف واضح وثابت، ولا يجوز أبداً ان تختار سيدنا القاتل وسيدنا المقتول في نفس الوقت لتترحم وتترضى عليهما، ان ذلك استخفاف بالعقل الذي هو أعظم ما خلق الله عز وجل، وهو استهانة بكرامة الإنسان وحريته التي تمنحه القدرة على الاختيار بين الصح والخطأ.
ان عالمنا العربي والإسلامي يغلي اليوم في مرجل الصراع بين الحق والباطل، وفيه ما فيه من القتل والتدمير وتفجير السيارات المفخخة والعبوات اللاصقة والأحزمة الناسفة، فكيف يجيز عاقل لنفسه ان يقف على الحياد في هذا الصراع؟ ان من يفعل ذلك سيكتوي بنيرانه شاء أم أبى، وان عاجلا أم آجلا، و (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)؟.





ومضات حول الظهور

$
0
0
 ومضات حول الظهور

قد تنتاب الإنسان حالة من الضيق المفاجئ، ولا يعلم لذلك سببا واضحا.. فالأمر قد يكون بدواع (طبعيّـة) كالمرض والإرهاق وغيره، وقد يكون بسبب ارتباط الأرواح المؤمنة، فينعكس على الأرواح المتجانسة، بمقتضى وحدة الجسد الإيماني.. ولا شكّ أنّ لتأثر (قلب) عالم الوجود _صاحب العصر عليه السلام_ تأثيراً بالغاً في تأثر قلوب المحبين، وهو ما نلحظه بشكل واضح قبيل غروب الجمعة، لارتباط ذلك اليوم بوجوده الشريف. فانقضاء ذلك اليوم المتوقع فيه الظهور من دون فرج، مما يعكس الحزن والكآبة التي قد تمتد آثارها حتى في عالم الطبيعة.

 

الشيخ حبيب الكاظمي

رسائل قطيفية/ ولاء عاشق للمهدي عليه السلام

$
0
0
رسائل قطيفية/ ولاء عاشق للمهدي عليه السلام

إنّ الروح الى من تهوى تحنّ، والكلمة التي تخرج من القلب تصل، ولكن يا مولاي لا أعرف أنْ اصف ما يعتريني من أحاسيس تجاهك، فلهفة روحي وحرقة الشوق بقلبي لا تكفيها كل لغات العالم للتعبير عنها، ولذا يا سيدي لا أستطيع أنْ اكفّ عن التفكير بك.


يا ولي الله سوف أبوح لك عمّا يختلجني من مشاعر لا تخفى عليك، فمن الطفولة وأنا أعشق اسمك، ومن الصغر وأنا أتلهّف لسماع قصصك، ومن بداية مشوار حياتي وأنا اقرأ كل ما يكتب عنك:
حفظت جميع اسمائك والقابك (يا ماشع وفيذموا) في التوراة، و(مهميد الآخر) في الإنجيل، و(بقية الله) في القرآن، وحجّة الله وبقية الأنبياء ونور الأصفياء وغوث الفقراء وخاتم الأوصياء ونور الأتقياء والقائم الموعود عند الناس.
نقشت في مخيلتي جميع أوصافك، فعرفتك (أبيض مُشَرَّب حمرة)، ورسمت في ملامحك شامتين، واحدة تحت كتفك الأيسر مثل ورقة الآس والأخرى مثل شامة رسول اللهN، ورسمت على خدك الأيمن (خال) وعلى يدك اليمنى (خال).
• وثقت جميع علامات ظهورك، فمن لهفتي وشوقي ليوم خروجك، درست كل التفاصيل، عن اليماني والسفياني والخراساني، والصيحة في رمضان، وقتل النفس الزكية، والخسف في البيداء، وبقية العلامات راجعتها وحفظتها، الخاصة منها والعامة، والمحتوم وغيره.
• عرفتك حق المعرفة ، فعرفت هويتك اسماً ونسباً، وصفة وشخصية، ومميزات وقدرات، وعرفتك إماماً بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وعرفت أنّ وعد الله لا يتحقق إلاّ على يديك، وعرفت مكانتك الخاصة ومقامك الرفيع عند الله فأنت طاووس أهل الجنة، فيا مَن معرفته نعمة ربانية تفوق جميع النعم.
يا مولاي، من كمال سعادة المرء مخاطبة إمام زمانه: فهل نحن بانتظارك يا مولاي أمْ أنت بانتظارنا؟ فنحن كما تعرف مقصّرون عاجزون مذنبون لا تنطبق علينا شروط الظهور ولا نحقّق ابسط مطالبها، فالعذر لله ولك يا سيدي على سوء أعمالنا وما نقترفه من أثم وظلم يوميا.. سيدي تقبّلني واعف عنّي وسل الله لي العفو، تقبّلني يا قرة عين الزهراء، تقبلني يا خليفة الله، تقبلني يا باب الله، تقبلني يا برهان الله، تقبلني يا جنب الله (يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)، أعتذر إليك يا سيدي على تقصيري وتفريطي وإسرافي فسامحني، ولتعلم يا إمامي بأنني لن أترك حلقة بابك حتى اسمع الجواب، فقد تعلقت آمالي بحبل أنوارك المشعة وأنت وسيلتي الى الله.
يا مولاي، من كمال الولاية أداء حق الإمام، فتعلم دون غيرك ما بداخل قلبي من عشق، فقد طال الصبر وطال الانتظار، فمتى تمن علينا بلقائك وتسعدنا بمشاهدتك والسلام عليك، فكم وكم وكم سالت دموعي ياسيدي عند ذكراك، ومع ذلك سأظل دوماً على الثبات واليقين لمحبتك والاستعداد لنصرتك، وأجدد البيعة لك في يومي هذا وفي كل يوم.
السلام على مَن معرفته تمام ديننا، السلام على مَن انتظار فرجه أفضل أعمالنا، السلام على من زيارته ولقاؤه غاية آمالنا، السلام عليك يا قائم آل محمد ورحمة الله وبركاته.

فتحية محمد آل مبارك

استدعاء الشياطين:(القسم السادس : موقع السحر في الأديان التوحيدية)

$
0
0
استدعاء الشياطين:(القسم السادس : موقع السحر في الأديان التوحيدية)

إن أشهر قوم في الاهتمام بالعلوم الغريبة والشعوذة هم "بني اسرائيل". وقد تعلموا في عصر الفراعنة هذه العلوم من السحرة والمشعوذين. وفي عصر النبي موسى (ع)، كان السامري ملم بالشعوذة والسحر واستخدمهما في أول  فرصة للنفوذ إلى الديانة الموسوية لبني اسرائيل. ولهذا فإنه طرد من لدن المؤمنين.
بقلم اسماعیل شفیعی سروستانی

إن أشهر قوم في الاهتمام بالعلوم الغريبة والشعوذة هم "بني اسرائيل". وقد تعلموا في عصر الفراعنة هذه العلوم من السحرة والمشعوذين. وفي عصر النبي موسى (ع)، كان السامري ملم بالشعوذة والسحر واستخدمهما في أول  فرصة للنفوذ إلى الديانة الموسوية لبني اسرائيل. ولهذا فإنه طرد من لدن المؤمنين.
وعاد السامري بعد رحيل النبي موسى (ع)، مرة آخرى إلى بني اسرائيل في عصر النبي صمويل وأثر على عمل نبي الله والمؤمنين من خلال ممارسة السحر وتعليمه. ومذاك ، تدنس بنو اسرائيل بالممارسة السحرية ثانية وتنقلت هذه الممارسة بينهم من جيل إلى جيل. وكما ذكرنا، واستنادا إلى آيات سورة البقرة، فإن شياطين ملك سليمان، كانوا يعلمون الناس السحر والشعوذة. فما كان من الله تعإلى إلا أن يرسل من منطلق اللطف، ملكين اسمهما هاروت وماروت بين الناس ليعلمونهم طرق إحباط السحر.
وبما أن السحر والشعوذة، يشبهان القنبلة التي يجب أن يعرف من يحبط مفعولها آلية عملها، فإن بني اسرائيل استخدموا ما كانوا قد تعلموه في الاتجاه المعاكس من أجل  نيل أهدافهم المقيتة أيضا.
وفي الدين الإسلام الحنيف، أعلن بأن هذا العمل القذر والشيطاني، حرام، ويقول القرآن الكريم عن مصير اولئك الذين يمارسون السحر:
"وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أحد حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أحد إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخرةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَون"؛ 
إن تدنيس ساحة الحياة العقائدية والثقافية للمستضعفين والتاثير الجائر على أذهان ونفوس الناس - من دون أن يكون لهم علم وتدخل حول العمل الساحري – واستغلال القوى الماورائية الشيطانية المنتشرة في الطبيعة، يعد أكثر الأعمال  التي تمارس ضد الإنسان ظلما.
وبناء على ذلك فإن مرتكبي هذه الأعمال ، سيكونون بعيدين كل البعد عن الرحمة الإلهية وستطالهم اللعنة الأبدية.
إن هؤلاء يطلقون يد الشياطين في الميادين المختلفة من الحياة الفردية والاجتماعية للناس، بل وبسبب تعهدهم للشيطان، يتحولون هم إلى يد الشيطان وأذنه وقدمه وعينه ويواصلون حياتهم في هيئة "أداة الشيطان".
وكان أتباع الديانات المختلفة يطبقون عقوبات صارمة وخاصة ضد السحرة والمشعوذين.
وفي الإسلام، يصنف السحر والشعوذة ضمن الكبائر. وورد في المصادر الوحيانية والروائية لأهل البيت (ع) ذكر أكثر من أربعين ذنبا بوصفها الكبائر من الذنوب.
إن السحر والشعوذة وبجانب الشرك بالله، تعد من الذنوب التي تمسخ روح الإنسان على أثرها ويفقد الإنسان فطرته الطاهرة.
وفي الإسلام، فإن من يذهب إلى السحرة لا تقبل صلاته وذلك بسبب كراهية عمل الساحر وكونه مبغوضا عند الله. وقال النبي الأكرم (ص):
وعَنْ أَبِي مُوسَى ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) قَالَ : " ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْر"؛
إن السحرة ومستدعي الشيطان، لا يتراجعون عن معتقداتهم الشيطانية قيد أنملة لأنهم سلموا  روحهم للشيطان ويصرون على الاستعانة بالشياطين للمضي قدما بمآربهم أو مآرب الآخرين ويثقون بقدرة الشياطين وأعوانهم وأنصارهم من الجن ويمهدون لانتشار الذنوب والمعاصي والأهم من ذلك الظلم والجور بين عباد الله. لذلك فانهم يعتبرون من أكثر فئات الناس بغضا ونفورا في كل عصر.
وجاء في سورة طه، الاية 69:
"وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى"؛
وفي الديانة المسيحية في القرون الوسطى، كانوا يلقون السحرة والمشعوذين في النار وهم أحياء وذلك بجريرة السحر.
إن نبذ السحر وطرد السحرة ومعاقبتهم، يأتي لسبب أن السحرة ومن أجل  نيل مقاصدهم الشيطانية، يتخلون عن الإيمان ويطيعون أوامر الشيطان ويكفرون ويسيئون للمقدسات ويقتلون الإنسان والحيوان ويقومون بأعمال حرمها الشرع.
وورد في مصادر أهل السنة عن رسول الله (ص) حول من يتعلم السحر:
"مَنْ تَعَلَّمَ شَيْئًا مِنَ السِّحْرِ قَلِيلا أو كَثِيرًا , كَانَ آخر عَهْدِهِ من اللَّه".
وفي الأعوام الاخيرة ومع انتشار الانترنت، قام أنصار وأعوان الشيطان بنشر أنواع وأشكال كتب السحرة والمشعوذين وأنواع الأوراد والعزائم والطلاسم، وهذا ما دفع البعض – لاسيما الشبان – إلى التعرف على هذه المصادر من منطلق حب الاستطلاع أو الجهل، وبالتالي إيجاد مشاكل عديدة لهم وللآخرين من خلال العبث بهذه الأوراد والطلاسم، وهي مشاكل لا تسوى أبدا بالطرق العادية.
وقد بذل الشياطين قصارى جهدهم لجعل السحر والشعوذة رديفا لمعجزة الأنبياء الإلهيين وسعوا من خلال الأدوات الحديثة مثل إنتاج أنواع الأفلام السينمائية وأفلام الكارتون لتوجيه ذهن وقلب الاطفال والأحداث وعامة الناس نحو السحر والشعوذة والقبول بهذا العمل الشيطاني ك "امر رحماني". بحيث أن الأطفال والأحداث أخذوا يبحثون من دون علم، عن العصا السحرية (أو هوليوود) والارتباط بالقوى السحرية الشيطانية من أجل  بلوغ مطالبهم وأحلامهم.
إن هذه الواقعة الشاملة في عصر الاتصال الحديث قربت عالم الاجنبة الشيطانيين من العالم الإنساني ووسعت من نطاق عملهم.
وبجانب هذه الأعمال  السمعية والبصرية تم إدخال الكثير من الطلاسم والعزائم إلى بيوت الناس عن طريق الدعاية والإعلام (وأدوات الزينة مثل الخواتم و...).
ويعلق الشبان هذه الرموز والعلامات على رقبتهم ويضعونها في أيديهم أو على ثيابهم وذلك على سبيل التسلية واستعراض الذات. وكل هذا أزال الجدران الحافظة والامنة للناس وأصابهم بالطلاسم البسيطة.
وخلال العقدين الأخيرين، ظهرت أنواع وأقسام رموز وعلامات السحرة والمشعوذين والماسونيين واليهود على هيئة المباني والعمارات والرسومات على جدران المدن والأزقة والأحياء والطرق السريعة. ويقوم المعمارون والبناؤون عديمو الخبرة والمغرضون أحيانا، بتدنيس المدن ليمهدوا بذلك مسارات تردد القوى الشيطانية في العالم الإنساني.
إن قسما كبيرا من تفشي القبائح السافرة بين الناس، وتجرؤهم على ارتكاب الذنوب وهتك الحرمات وميلهم نحو المعاصي والإعراض عن الشعائر الدينية نابع بلا شك من هذه الأسباب.
وللأسف فإن غياب الوعي الثقافي والديني لدى رؤساء البلديات ومخططي المدن والرسامين ومنتجي البرامج التلفزيونية والسينمائية وخائطي الملابس والثياب وعدم اكتراث الأجهزة الثقافية المسؤولة، يزيد من نطاق هذه الكارثة الاجتماعية الكبرى ويجعل المجتمع الاسلامي متورطا أكثر فأكثر بالنجاسات الميتافيزيقية.
وقد شاع وانتشر هذا الأمر لدرجة أن الناس أصبحوا يوجهون أصابع اتهام التلوث بالقوى الشيطانية، نحو بعض رجال السياسة.
وكأنه يجب على الدوام قراءة المعوذتين وقول "أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم".  
انتهى .
جـميع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافي
لا يسمح باستخدام أي مادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من ادارة الموقع
ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.



معالم دولة الإمام المهدي عليه السلام (1)

$
0
0
معالم دولة الإمام المهدي عليه السلام (1)

هل هو من الفضول العلمي أن نتحدث عن معالم دولة لا أحد يدري متى تأتي، ربما قريباً، وربما بعيداً، وربما في غاية البُعد؟ ولماذا يرغب كثير من الناس ـ وربما كل الناس ـ أن يتعرفوا على معالم تلك الدولة؟ هل هو مجرد نزوع لاكتشاف المجهول، حتى وإن لم يكن يؤثر شيئاً ما على مسارات حياتهم؟ لكن علم الاجتماع، وعلم التاريخ الانساني هو الآخر ـ ومن منطلقات علمية ـ يحاول أن يكتشف معالم ذلك المستقبل، لماذا؟

مدلول البحث عن المستقبل التاريخي:

ليست المسألة اذن مجرد فضول علمي، ولا نزعة فطرية لاكتشاف المجهول، وإنما هي ذات مداليل ترتبط بحركتنا المعاصرة والمسارات العقائدية والسياسية التي اخترناها، إلى أين تنتهي؟ ومن هو المنتصر؟ ومن هو صاحب الرؤية الصحيحة؟ ومتى ستنتهي هذه المعاناة البشرية؟ وكيف ستنتهي؟ وما هي الوسائل؟ كل هذه الأسئلة تلقي بظلالها على طبيعة العقيدة، وطبيعة المسارات والمناهج التي نختارها لحياتنا، ومن أجل ذلك فإن كل ايديولوجية تحاول أن ترسم صورة ذلك المستقبل، ومعالم تلك الدولة العالمية بما يتناسب مع تلك الايديولوجية.
الماركسيون يرون أنها مجتمع العمال العالمي، الذي تنتهي فيه مؤسسات الدولة، ويدار إدارة ذاتية.
النصارى يعتقدون أن السيد المسيح هو الذي سيقود عملية الإصلاح الكبرى.
وبطبيعة الحال ستكون الديانة النصرانية كما ستكون الكنيسة هي صاحبة النفوذ في تلك الدولة.
فيما يتحدث المسلمون: أن الإسلام هو الذي سيؤسس تلك الدولة، وسيقودها واحدٌ من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
اما الغرب العلماني فهو يعتقد ـ ومن منطلقات علمية أيضاً ـ أن العالم الحر الذي تسوده الديمقراطية وترعاه التكنلوجيا المتطورة وتنتهي عنده كل أنواع النظم الديكتاتورية، والايديولوجيات الأحادية، كما تنتهي عنده الاختناقات الاقتصادية؛ هو الصورة التي سيشهدها المستقبل البشري بدون شك.

أدوات المعرفة بالمستقبل:


وهناك سؤال آخر ليس أقل أهمية من السؤال الأول.
ما هي أدواتنا لمعرفة ذلك المستقبل ربما الغارق في البعد؟
هل تستطيع القوانين التي اكتشفها الإنسان للمجتمع، والتاريخ، والاقتصاد والطبيعة أن ترسم لنا صورة ذلك المستقبل بشكل دقيق؟
ما تزال معلوماتنا غير دقيقة بتلك القوانين، فهي في أحسن حالاتها قد ترسم لنا صورة خيالية لا أكثر دون أن تتمتع بقيمة علمية.
إذن ما هي الأدوات التي يعتمدها الفكر الديني في هذا الموضوع بالذات؟
الإسلام لا ينفي وجود قوانين تحكم البشر كما تحكم الطبيعة.
والإسلام لا ينفي خضوع المسيرة البشرية لقوانين تحكم المجتمعات في الماضي والحاضر والمستقبل.
لكن السؤال عمّا إذا كان الإنسان قادراً على المعرفة الدقيقة بتلك القوانين، وهو لم يزل رغم كل الدراسات والبحوث على حافة الطريق.
أمّا الإسلام فهو حين يتحدث عن المستقبل البعيد للبشرية فإنه يعتمد على أدوات الوحي، ومن هنا فإن المعلومات التي يقدمها هي معلومات يقينية لا تقبل الخطأ أو الجدل.
فحينما تحدث القرآن عن الروم قائلاً: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَْرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) أو حينما يتحدث عن بني إسرائيل قائلاً: (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَْرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً * فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ).
فإنه لا يتحدث اعتماداً على قوانين علم المجتمعات البشرية، وسنن التاريخ، وإنما يتحدث اعتماداً على مصدر الوحي المحيط إحاطة كاملة بكل تحولات المجتمع البشري.
والآن ماذا يتحدث العلم الديني عن معالم دولة المهدي عليه السلام؟
لا شك أنها مسألة لا يمكن اكتشافها بأدواتنا المعرفية التحليلية أو العقلية، ولذا فإن مصدرنا الوحيد هو اعتماد التراث الديني الصادر عن أهل بيت الوحي والنبوة، وبمقدار ما يكون هذا التراث الديني دقيقاً فإن معلوماتنا ستكون دقيقة، لكننا يجب أن نؤكد أنه ليس كل ما ورد في هذا الشأن هو دقيق وصحيح من الناحية العلمية، ولذا فإن علينا أن لا نقبل إلا بما هو ثابت وصحيح من حيث السند أو من حيث المضمون، من خلال عرضه على النص القرآني أو من خلال ثبوته بشكل تواتر لا يقبل الشك.
في هذا الضوء نستطيع أن نسجّل عدة معالم لدولة الإمام المهدي عليه السلام.

المعلم الأول: العالمية

إن دولة الإمام المهدي عليه السلام في ضوء ما هو ثابت من النص الديني هي دولة عالمية، تسقط فيها الحواجز القومية، وتتوحد فيها الملل البشرية. متجاوزة حدود اللغات، والأعراق، والتضاريس.
هي دولة الأرض كلها كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم بالقول: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).
يمكن أن نقرأ بهذا الصدد النصوص الشرعية الثابتة مثل:
ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً).
وكذلك ما روي عن الإمام علي عليه السلام، قوله:
(يبعث الله رجلاً في آخر الزمان.. يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقى كافر إلا آمن ولا طالح إلا صلح...).(2)
وتوجد في هذا السياق عشرات الروايات في مصادر الحديث لدى الشيعة والسنة بما يجعلها في موضع اليقين.

المعلم الثاني: الإسلامية

كما تؤكد النصوص اليقينية الصحيحة أن دولة الإمام المهدي عليه السلام هي دولة تقوم على أساس الإسلام، الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس ديناً جديداً، ولا هو الإسلام في معناه العام الذي يستوعب كل الديانات التوحيدية والذي يعني التسليم إلى الله تعالى، بل هو إسلام القرآن وحده، وفي هذا الإسلام سوف تدخل جميع البشرية، ويعم نوره كل الأرض.
ورغم أن بعض النصوص تؤكد أنه يأتي (بدين جديد) إلاّ أن مراجعة دقيقة لكل تلك النصوص توضح أن المقصود هو الإسلام نفسه، لكنه حيث كان غريباً على الناس يومئذ فأضحى كأنه دين جديد.
لنقرأ في هذا الصدد بعض الروايات وهي كثيرة بمستوى اليقين بصحتها وصدورها من الإمام المعصوم عليه السلام.
1 ـ عن محمد قال: سألت أبا جعفر والباقر عليهما السلام عن القائم إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟
قال: بسيرة ما سار به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يظهر الإسلام.
قال: وما كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
قال: أبطل ما كان في الجاهلية، واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم عليه السلام إذا قام يبطل ما كان في الهدنة من كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل).(3)
2 ـ عن عبد الله بن عطا قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام:
فقلت: إذا قام القائم عليه السلام بأي سيرة يسير في الناس؟
فقال: يهدم ما قبله كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستأنف الإسلام جديداً).(4)

المعلم الثالث: الإزدهار الاقتصادي


ومن أبرز معالم دولة الإمام المهدي عليه السلام هو الازدهار الاقتصادي، حيث يزول التفاوت الطبقي الفاحش، كما يزول الفقر والحرمان، وتعمّ ظاهرة الثراء والغنى لمختلف شرائح الناس.
وربما يمكن تفسير هذه الظاهرة على أساس التقدم التقني، والاستثمار الواسع لثروات الطبيعة، لكن ما يظهر من الروايات الشريفة أن المسألة ترتبط بصلاح الناس وإيمانهم الذي يستنزل رحمة الله وعطفه على العباد كما في قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَْرْضِ).(5)
لم تكن ظاهرة الازدهار الاقتصادي والرفاه المعيشي في دولة الإمام المهدي عليه السلام قائمة على أساس زوال الطبقية، ومصادرة الملكية، وحكومة الطبقة العالمية كما تبشر به الماركسية.
ولم يكن قائماً على أساس الاستثمار اللامحدود لرؤوس الأموال، وفتح أبواب التنافس الاقتصادي والجشع اللا متناهي لدى الطبقة الثرية كما تبشر به الرأسمالية.
وإنما هو تنامي البُعد المعنوي لدى البشرية إلى جانب التقدم العلمي، والاستثمار الواسع للطبيعة.
لنقرأ في هذا السياق بعض النصوص كمؤشرات على الفكرة...
1 ـ عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(6)
(يخرج رجل من أهل بيتي ويعمل بسنتي وينزل الله له البركة من السماء وتخرج الأرض بركتها وتملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (يتنعّم أمتي في زمن المهدي عليه السلام نعمة لم يتنعموا قبلها قط: يرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدع الأرض شيئاً من نباتها إلاّ أخرجته).
2 ـ وعن الإمام علي عليه السلام: (ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على نبات.. ).(7)
وعن الإمام علي عليه السلام أيضاً:
(يبعث الله رجلاً في آخر الزمان.. يدين له عرض البلاد وطولها... وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز... ).(8)

المعلم الرابع: الإزدهار الثقافي

قد يبدو الحديث عن الإزدهار الثقافي في مستقبل التاريخ البشري حديثاً عن أمر واضح وحقيقة لا تحتاج إلى بيان، لكن النصوص الدينية التي بين أيدينا والتي تعود إلى أكثر من اثني عشر قرناً ماضياً حين تؤكد ذلك فإنها تتحدث عن نهوض علمي، وقفزة ثقافية هائلة لم تكن بالحسبان يومئذ.
وربما تكون تلك النصوص إشارة إلى التقدم العلمي الذي نشهده اليوم، لكنها في الحقيقة أقرب إلى مدلول آخر، هو انتشار الوعي والثقافة ليس على مستوى النُخَب الفكرية وإنما على مستوى أبناء المجتمع كلهم، فهي تشير إلى نقلة نوعية حضارية أوسع وأعمق مما نشهده الآن.
بهذا الصدد نقرأ النصّين الآتيين:
1 ـ عن أبان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:
(العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضمّ إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً).(9)
وربما تكون هذه النصوص إشارة إلى الوعي الديني أكثر مما هي إشارة إلى الإزدهار الثقافي عموماً، وهذا ما نلاحظه في النص التالي:
عن الإمام الباقر عليه السلام:
(كأني بدينكم هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه ـ بقدميه ـ ثم لا يردّه عليكم إلا رجل منّا أهل البيت ـ وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).(10)

المعلم الخامس: التقدم العلمي الهائل.

وفي أكثر من نصٍ ربما نقرأ الإشارة إلى التقدم العلمي الهائل، والتقنية المتطوّرة التي نشهد في عصرنا الحاضر بعض أشكالها.
عن الإمام الصادق عليه السلام:
(إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق).(11)
عن الإمام الباقر عليه السلام:
(إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل اقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك، فإذا ورد عليك ما لاتفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك واعمل بما فيها).(12)
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال:
(إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم).(13)
إن هذه النصوص قد تطبّق اليوم وبشكل طبيعي على التقنية العالمية في وسائل الإتصال والمعلوماتية، فالقراءة في الكف ربما تكون قراءة في جهاز محمول بالكف يستبطن جميع الأحكام الشرعية، وكذلك رؤية المؤمن في المشرق لأخيه وهو في المغرب فهذا ما نشهده اليوم عبر أجهزة الإتصال المرئي.
لكن من الممكن أن تكون هذه الروايات ذات إشارة أخرى، فالملاحظ فيها أنها تتحدث عن المؤمنين ولا تتحدث عن عموم الناس، وهي تتحدث عن المبعوثين المعتمدين الذين يرسلهم الإمام في أطراف الأرض...
وحينئذ فربما تكون إشارة إلى قدرات متفوقة في المعرفة، والمشاهدة، والاتصال، إلاّ أنها قدرات لا يعرفها ولا ينالها إلا المؤمنون وربما تخضع لنمط من التأثيرات المعنوية الروحية التي لاتتوفر إلاّ لدى المؤمنين. والله العالم.

المعلم السادس: الديمومة.

(الديمومة) هي صفة أخرى من صفات دولة الإمام المهدي عليه السلام.
فهناك سؤال لدى عموم الناس كما هو سؤال لدى الباحثين في قوانين علم الإجتماع وتاريخ الأمم، إن دولة الإمام المهدي عليه السلام وهي دولة العدالة المطلقة التي ستحكم البشرية في نهاية التاريخ كم هو عمرها؟ هل تحتل مقطعاً زمنياً قصيراً أم طويلاً ثم تنتهي؟
وإذا كان ستنتهي بعد عمرٍ قصير أو طويل فماذا سيكون بعدها؟ وهل ستعود دولة الظلم والاستبداد مرةً أخرى؟ وحينئذ فما قيمة هذا التحوّل البسيط قياساً إلى عمر التاريخ الإنساني المليء بالمرارة؟
ومن ناحية سنن الطبيعة، وقوانين علم الاجتماع، هل يمكن لأية حضارة من الحضارات، أو دولة من الدول أن تدوم؟
إن سنن الطبيعة ـ كما يقول ابن خلدون ـ لا تقبل ذلك، فكل دولة من الدول وكل حضارة من الحضارات تبدأ من مرحلة الطفولة ثم مرحلة المراهقة ثم مرحلة الشيخوخة ثم تنتهي وهو ما لا يستغرق أكثر من عمر جيلين لا أكثر، فهل هكذا ستكون دولة العدالة العالمية!؟
ماذا يقول الدين في هذه المسألة؟ وبالأحرى ماذا تقول النصوص الدينية في هذه المسألة؟
النصوص الدينية في هذا الموضوع جاءت متعددة ومختلفة، فبينما يؤكد بعضها أن حكم الإمام المهدي عليه السلام سوف لا يستغرق أكثر من سبع سنين، تقول روايات أخرى انه سيستمر أربعين سنة، فيما تقول روايات ثالثة انه سيستمر سبعين سنة، فيما تقول طائفة رابعة من الروايات انه سيدوم تسع عشرة سنة لا أكثر.
فيما يقول قسم خامس من الروايات أنه سيدوم ثلاثمائة وتسع سنين، إذن ما هو الموقف تجاه هذا الاختلاف في نصوص الروايات؟
إن الموقف الذي يمكن اختياره واعتماده في الجمع بين هذه النصوص هو أن تلك الطوائف من الروايات تتحدث عن عمر حكومة الإمام المهدي عليه السلام والتي هي بالتأكيد فترة محدودة سبع، أو تسع عشرة، أو أربعون، أو ثلاثمائة وتسع، وهذه الأرقام جميعاً قد تذكر في الاستعمال العربي ليس على أساس التحديد وإنما على أساس الإشارة إلى امتداد الفترة الزمنية.
لكن المؤكد من روايات أخرى هو أن عمر دولة الإمام المهدي عليه السلام أطول من عمر الإمام نفسه، وهو عمر يمتد إلى نهاية عمر البشرية ومن خلال أئمة هدى صالحين، مهديين واحداً بعد واحد.
تعالوا بهذا السياق نقرأ النصوص التالية:
1 ـ عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام حين يسأله الراوي عن مدة مكث الإمام المهدي عليه السلام في مسجد السهلة (قلت: جعلت فداك لا يزال القائم فيه أبداً؟
قال: نعم.
قلت: فمن بعده؟
قال: من بعده مهدي بعد مهدي إلى انقضاء الخلق).(14)
2 ـ وعن الإمام الجواد عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه عن المهدي عليه السلام ان الله تعالى قال: (ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي، حتى يعلن دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمنّ ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة).(15)
3 ـ عن أبي بصير يقول قلت للصادق عليه السلام:
(يا ابن رسول الله سمعت من أبيك انه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً.
قال: إنما قال اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا).(16)

السابع: حكومة العدالة


العدالة هي عنوان الدولة التي يؤسسها الإمام المهدي عليه السلام وهذا العنوان لا يعني مجرد شعار ترفعه هذه الدولة بمقدار ما يعني مدلولاً سياسياً وايديولوجياً يرتبط بهدف النظام الحاكم ومناهجه وأولوياته.
لقد كانت الماركسية ترفع شعار المساواة، بينما يرفع الغرب اليوم شعار الحرية في إشارة إلى طبيعة النظام وأهدافه وأولوياتها في التحرك.
ما هي الأولويات في طبيعة نظام الحكم في دولة الإمام المهدي عليه السلام؟
الإسلام هو الدين والمعتقد والنظام.
لكن مجالاً آخر يبقى للسؤال عما هي أولويات هذا النظام الذي سيطبقه الإمام المهدي عليه السلام في دولته؟
لم يكن هذا السؤال غائباً عن ذاكرة النص الديني الذي تحدث عن سمات دولة الإمام المهدي عليه السلام ومعالمها.
لقد جاء التأكيد المكرّر، والمقصود، والهادف على أن العدالة هي عنوان تلك الدولة وهدفها وأولى أولوياتها.
وإذا كانت الحرية قيمة إنسانية مهمة كما هي المساواة أيضاً، فإن دولة الإمام المهدي عليه السلام حريصة على أن تكون العدالة هي التي تتحرّك من خلالها الحرية والمساواة.
المساواة وحدها ليست ذات قيمة بعيداً عن العدالة في التوزيع والاستخدام.
والحرية وحدها ليست ذات قيمة بعيداً عن العدالة في التحرك والاختيار، العدالة هي المنار الذي تتحرك بإتجاهه المساواة والحرية.
ومن هنا جاءت التأكيدات القطعية في العشرات بل المئات من النصوص على عنوان العدالة في دولة الإمام المهدي عليه السلام.
اسمحوا لنا أن نذكر نموذجاً منها وهو ما جاء مكرراً في أسانيد متعددة ومصادر موثوقة.
1 ـ عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً).(17)
2 ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(18)
وربما يشير إلى هذه الظاهرة ما جاء من الروايات العديدة التي تقول: (لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منا أهل البيت يحكم بحكم داود وآل داود لا يسأل الناس البيّنة) حيث كانت حكومة داود تعمل على أساس المعرفة الكاملة بالحقيقة بدلاً عن اعتماد وسائل الاثبات الظنية.(19)
المعلم الثامن: دولة الأمان.
هذه ظاهرة أخرى يرد التركيز عليها في الروايات عن دولة الإمام المهدي عليه السلام حيث لا تكفي العدالة وحدها لتحقيق الصورة المثالية لمجتمع صاحب العصر والزمان عليه السلام.
فربما تكون عدالة لكنها مشحونة بالاضطرابات والاعتداءات، فما هو واقع الحياة في دولة الإمام المهدي عليه السلام؟
يبدو أن دولة الإمام المهدي عليه السلام لا تخلو من مشاكل، ونزاعات في داخل المجتمع، ومن هناكان هناك ـ كما جاء في الثابت من الروايات ـ موقع كبير للقضاء والمحاكم، إلاّ أن (الأمان) هو الظاهرة البارزة في تلك الدولة.
يمكن أن نقرأ لذلك نموذجاً من الروايات فيما جاء عن الإمام علي عليه السلام قوله:
(ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لا تضع قدميها إلا على النبات، وعلى رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه)(20) حيث تعطي هذه العبارة الأخيرة دلالة واضحة على استتباب الأمن أو انقطاع مصادر الرعب والقلق، وهو ما تؤكده نصوص أخرى كثيرة يمكن الاطمئنان بصدورها وصحتها.
لعل هذه المعالم الثمانية هي أبرز سمات دولة الإمام المهدي عليه السلام التي ننتظر أيامها، ونرجو قيامها.
جعلنا الله تعالى من أنصاره والمستشهدين بين يديه.





الهوامش

(1)  بحث مقدم للمشاركة في المؤتمر العلمي الأول في الإمام المهدي عليه السلام الذي عقده مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام في مدينة النجف الأشرف في 22/ تموز/ 2007.
(2)  بحار الأنوار ج52 ص 280 وغيرها.
(3)  البحار ج52 ص 381 عن التهذيب للشيخ الطوسي ج2 ص51.
(4)  البحار ج52 ص 352 عن كتاب (الغيبة) للشيخ النعماني.
(5)  الأعراف: 96.
(6)  الرواية وما بعدها رواها (كشف الغمة) عن الحافظ أبو نعيم/ كما نقلها العلامة المجلسي في البحار ج51/ ص 78 و83.
(7)  البحار ج52/ 316 عن كتاب الخصال للشيخ الصدوق.
(8)  البحار/ ج52/ ص 280.
(9)  البحار/ ج52/ ص336/ عن كتاب (الخرائج).
(10)  البحار/ ج52/ 352 عن كتاب الغيبة للنعماني.
(11)  البحار/ ج52/ 391 عن كتاب (العُدد).
(12)  البحار/ ج52/ 365 عن كتاب الغيبة للنعماني.
(13)  البحار/ ج52/ 328 عن كتاب إكمال الدين للصدوق.
(14)  بحار الأنوار/ ج52/ ص381 ج191.
(15)  البحار ج52 ص312 عن كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.
(16)  البحار/ ج53/ ص115/ ج21.
(17)  البحار/ ج51/ ص74 عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي.
(18)  المصدر السابق.
(19)  البحار/ ج52/ 319 وغيرها.
(20)  البحار/ ج52/ ص316 عن الخصال للشيخ الصدوق.

سماحة السيد صدر الدين القبانجي

الإمام المهدي عليه السلام وخلافة الإنسان في الأرض(1)

$
0
0
الإمام المهدي عليه السلام  وخلافة الإنسان  في الأرض(1)

إن البشرية ليست إلاّ رحلة طويلة من رحلات الكون الكبرى وظاهرة من ظواهره وليس مستقبلها السعيد بكل تفاصيله سوى محاولة تركيز الأغراض الكونية وعلى هذا فقد مرّت البشرية في حركتها ولا زالت بمراحل تأريخية عديدة، كانت تسعى فيها لنيل السعادة وبلوغ الكمال، لكنها في سعيها هذا انقسمت إلى خطين متعارضين: الأول: تمثّل في حركة الأنبياء والأوصياء والصلحاء ومن والاهم في هذا الخط الرباني، وقد حاولوا إيصال الإنسانية إلى السعادة والكمال لكن الطغاة والظلمة والأشرار لم يسمحوا لهم بتحقيق هذا الهدف النبيل لتعارضه مع مصالحهم وأنانياتهم الشيطانية، وعلى الرغم من هذه الإعاقة، فقد أسّس معتنقو الخط الإلهي اللبنات الأولى وأوضحوا السبيل للوصول إلى الرشد والحكمة ونيل الكمال.

قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وبعد:

إن البشرية ليست إلاّ رحلة طويلة من رحلات الكون الكبرى وظاهرة من ظواهره وليس مستقبلها السعيد بكل تفاصيله سوى محاولة تركيز الأغراض الكونية وعلى هذا فقد مرّت البشرية في حركتها ولا زالت بمراحل تأريخية عديدة، كانت تسعى فيها لنيل السعادة وبلوغ الكمال، لكنها في سعيها هذا انقسمت إلى خطين متعارضين:

الأول: تمثّل في حركة الأنبياء والأوصياء والصلحاء ومن والاهم في هذا الخط الرباني، وقد حاولوا إيصال الإنسانية إلى السعادة والكمال لكن الطغاة والظلمة والأشرار لم يسمحوا لهم بتحقيق هذا الهدف النبيل لتعارضه مع مصالحهم وأنانياتهم الشيطانية، وعلى الرغم من هذه الإعاقة، فقد أسّس معتنقو الخط الإلهي اللبنات الأولى وأوضحوا السبيل للوصول إلى الرشد والحكمة ونيل الكمال.

الثاني: وتمثل في حركة الطواغيت والأشرار، أصحاب الخط الشيطاني حيث حاولوا الحصول على الملذّات والسلطة والحكم وامتلاك وسائل القوة والبطش، وإقصاء المستضعفين والفقراء من طريقهم، وقد نجحوا في حركتهم السلبية وتحققت لهم الغلبة الظاهرية عبر العصور التاريخية بشكل عام، وذلك لمخاطبتهم الغرائز والشهوات وهم في مسعاهم هذا كانوا أقرب إلى طبيعة الطين في أصل خِلقةِ التكوين الإنساني، وأبعد من الحكمة وطبيعة الروح المتسامية نحو المثل الأعلى تبارك وتعالى.

وقد حصدت البشرية من جرّاء هذه الحركة السلبية التسافلية الآلام والبلايا وفقدت خيرة أبنائها، وجرت أنهار الدماء والدموع ولا زالت، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً!

المحور الأول:

مفهوم الخلافة:

قال تعالى: (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً).

قبل بيان طبيعة الخليفة الأرضي ومواصفاته، لابد لنا من التعرض بإيجاز إلى مفهوم الخلافة.

فقد جاء في تعريفها: (والخلافةُ النيابة عن الغير، إمّا لغيبة المنوب عنه وإمّا لموته، وإمّا لعجزه، وإما لتشريف المستخلفْ، وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأَْرْضِ)ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَْرْضِ)ـ وقال (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ).

والخلائف جمع خليفة وخلفاء جمع خليف، قال تعالى: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ)ـ (وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ)ـ (جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ).(2)

فالخليفة هو إنسان إختاره الله سبحانه من بين جميع مخلوقاته وجعله خليفته في الأرض، فخلافة الإنسان هي إنابة من الله تعالى (لا تتم إلا بكون الخليفة حاكياً للمستخلِف في جميع شؤونه الوجودية وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف والله سبحانه وتعالى مسمّى بالأسماء الحسنى متّصف بالصفات العليا من أوصاف الجمال والجلال، منزّهٌ في نفسه عن النقص ومقدّسٌ في فعله عن الشرّ والفساد، والخليفة الأرضي لا يليقَ بالاستخلاف ولا يحكي بوجوده المشوب بكل نقص، وشين الوجود الإلهي المقدس المنزه عن جميع النقائض وكل الأعدام).(3)

فحتى يستطيع الخليفة الأرضي إنجاز المراد الإلهي من هذه الخلافة بشكل تام، عليه أن يتشبّه بصفات الله سبحانه ويكون مرآة عاكسة لها في صفحة الوجود الفقير والممكن، ولا سبيل آخر للحصول على هذا المقام الاّ بركوب المحجة البيضاء وإلتزام الصراط المستقيم عبر بوابة العبودية التامة والخاضعة لله وحده (جل شأنه).

ولأن الخليفة الأرضي قد زوّده البارىء الكريم بمقومات وإمكانيات إنجاز هذا التكليف، صار هذا التكليف أمانةً ربانية وعهداً لله يجب الوفاء به لتحقيق المراد الإلهي من جعله خليفة في الأرض.

ومن أهم لوازم إنجاز التكليف الرباني في الأرض هو العلم، وخبرات التأهيل القيادي المطلوب، فقام الله سبحانه وتعالى بتعليم آدم عليه السلام الخليفة الأول الأسماء كلها، وقام بتأهيله في الجنة لكي يقوم بأعباء دوره القادم، وبهذا تكامل وعيه ونضجت خبرات الحياة المتنوعة عنده كخليفة رباني في الأرض(4) وهنا لابد من وقفة قصيرة لبيان مواصفات وخصائص التعليم الإلهي الذي ابتدأ بآدم عليه السلام وانتهى بمن يتقي الله سبحانه حق تقاته:

1 ـ هو علمٌ حضوري لدني من عليم خبير، لا علمٌ كسبي، قال تعالى: (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً).

2 ـ هو علم شمولي محيط بجميع أحوال المعلوم، لا علمٌ محدود ناقص، وهذا العلم الشمولي يتصف بكون المعلوم حاضراً عند العالم بلا واسطة.(5)

فكلما كان وعاؤه الوجودي واسعاً كلّما استوعب مقداراً أكبر من العلم.

فالعلم الإلهي ينزل بشكل إفاضة مستمرة وتامّة، ويبقى وعاء المتلقي هو الذي يحدد كمية العلم الذي يستوعبه ونوعيته.

وقد أشار القرآن الكريم إلى ان حالة التقوى التي يمتلكها الإنسان هي التي تحدد كمية العلم ونوعيته.

خصائص الخلافة الجعلية:


من خلال تناولنا للنصوص القرآنية الشريفة حول الخلافة المجعولة إلهياً للإنسان لاحظنا خصائص وميّزات لها تختلف عن غيرها. ومن أهمّ هذه الخصائص:

1 ـ إنها تشريف رباني لنوع الإنسان، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَْرْضِ) فمن بين جميع مخلوقات الله تعالى، إختار الباري الكريم الإنسان ليكون خليفته في الأرض، وبهذه الخلافة فقد تحدّد دوره في الحياة الدنيا وحركته في الوجود الامكاني بأجمعه، فهو سيد عالم الإمكان.

2 ـ إن هذه الخلافة إمانةٌ معهودة من الله سبحانه إلى مَنْ ائتمنه وهو تكليف شاق لمعظم الناس كونهم لم يتمكنوا من فهم المراد الإلهي من الخلق وغاية الوجود.

3 ـ إنها مسخّرةٌ لكل ما في الوجود للإنسان المستخلف لكي يستطيع انجازها بشكل صحيح.

فهذا التسخير الإلهي للموجودات لتكون طوع إرادة الإنسان يمثل أحد لوازم الاستخلاف، وهذا التسخير المادي الهائل يستبطن تسخيراً معنوياً أعظم منه يستخدمه الخليفة في السير والسلوك إلى الله تعالى.

4 ـ ومن خصائص هذه الخلافة أنها تقوم بعكس صفة العدل الإلهية في صفحة الوجود الإمكاني، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).

5 ـ ان لهذه الخلافة خط شروع واحد لكل الناس، وبمعنى أوضح فإنه من مقتضى عدل الله سبحانه ان يتيحها لكل أحد، فلا تمايز بين المكلّفين من ناحية استعداد خلقة التكوين، لكن سعي الإنسان التقوائي هو الذي يحدد درجة الخليفة الوجودية.

6 ـ ان مسار هذه الخلافة تكاملي يترقّى باستمرار باتجاه الله سبحانه، في مراقي الكمال الامكاني، وإن أي إنحراف عن الصراط المستقيم سوف يؤدي الى توقف الحركة الارتقائية التكاملية والنزول في دركات التسافل الوجودي والسقوط في سجن المحدودية والفقر الوجودي.

7 ـ ان تحقيق الحدود المطلوبة ولو بالحد الأدنى لمقتضيات الخلافة في الأرض يقتضي نزول البركات واستجابة الموجودات بأجمعها لإرادة الخليفة الرباني، هذا بشرط الاستقامة على الطريقة الربانية.

وهذه الاستقامة تطلب درجة كافية من الإيمان والتقوى في الحركة الإنسانية قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَْرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).

8 ـ إن خلافة الإنسان الجعلية ليست مخيّرة في عملها وحركتها وهدفها، بل إنها ملزمةٌ بتحقيق الغاية الربانية من هذا الجعل الاستخلافي، وهو أن يصل الإنسان إلى مرتبة التوحيد الأفعالي في سلوكهِ، وإلى تحقيق مرتبة العبودية الحقة لله سبحانه وتعالى في نفسه، وبهذا يحصل من معبوده على كل شيء.

ومن هنا يتبيّن الفارق النوعي بين الخلافة الربانية والخلافة الوضعية التي تختار لنفسها ما شاءت وبحسب هواها، وبالتالي فهي تستبطن المحدودية والنقص والتسافل وعدم القدرة على الوصول إلى الكمال بينما تستبطن الخلافة الجعلية الإلهية الامكانية والقدرة التامة في حركتها باتجاه الكمال الإنساني في عالم الوجود الدنيوي والحصول على درجة التأهيل المطلوبة للوصول إلى جنة الخلد.

9 ـ ومن جملة خصائص هذه الخلافة أنها تمتلك ثلاثة أبعاد حركية، فالبعد الأول يتمثل في علاقة الإنسان بالطبيعة المسخّرة لها، وهذا البعد ينصّ على تعامل الإنسان مع الطبيعة بوعي ومسؤولية وضمن قوانينها التكوينية، ولا يُسرف أو يتطرف في الإساءة إليها، إذْ تتمرّد عليه ولا تستجيب له ولو بعد حين من الزمن، فيظهر الفساد وعدم الإنتظام في البر والبحر والجو وهكذا تنقلب الطبيعة على الإنسان، فبدلاً من أن تستجيب لإرادته وتكون طوع أمره، تكون ضده وتنزل به الكوارث الأرضية والبحرية والجوية، وبذلك يفقد أحد أهم مستلزمات خلافته في الأرض.

اما البعد الثاني، فيتمثل في علاقة الإنسان مع الإنسان، وهو بعدٌ يسري في جميع أوجه التفاعل الإنساني وبحسب ضوابط التشريع الإلهي ومحدداته وحدوده والتي أوضحتها الشرائع السماوية المختومة بالشريعة الإسلامية السمحاء.

وهنا يؤمن الإسلام بوصفه منظومة حضارية متكاملة بأن هذه العلاقة يجب أن تتأطر ضمن إطارين؛ الأول: المحتوى الداخلي للإنسان الذي يلتزم بالجهاد الأكبر للنفس الإنسانية وهو الحاكم على حركة الإنسان في الأبعاد الثلاثة.

الثاني: الجهاد الخارجي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر والتواد والتراحم والتباذل في سبيل الله وإعلاء كلمته ودحض كلمة الشيطان وأتباعه.

وبالنسبة إلى البعد الثالث: فإنه يتمثل في علاقة الإنسان مع خالقه العظيم، والذي يعتبر المثل الأعلى الذي تقاس عليه درجة الإنسان ومكانته في سُلّم الوجود الإمكاني.

فكلّما يقترب الإنسان من خالقه عبر التشبّه بصفاته وعكسها في صفحة الوجود كلّما كان الإنسان مرضيّا عند الله سبحانه وبنيل الرضى الإلهي والمحبة الربانية يحصل الإنسان على قدرات تكوينية فيكون مثلَ الله، كما جاء في الحديث القدسي المشهور: (عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون).

مواصفات الخليفة الرباني:

من المسائل العقائدية الواضحة، أن الله سبحانه عادل لا يظلم أحداً وهو حكيم بل أحكم الحاكمين.

لذا فمن مقتضى العدل الإلهي أن يوفّر الفرصة لكل أحد لكي يمارس دوره الاستخلافي في الأرض، وان ينبع هذا الدور من اختيار الإنسان وقناعاته، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وتقام الحجة على الجميع وينقطع عذرهم.

فالخلافة بهذا الوصف متاحة للجميع، ولكن هل استطاع الإنسان أن ينجز هذه الخلافة ويحقق المراد الإلهي منها؟

والجواب بالتأكيد كلا، فقد فشل معظم الناس إلاّ قلّة قليلة في هذا الأمر وترجع أسباب ذلك الفشل إلى عدة أمور:

أ ـ عدم الاقرار بالتوحيد في الفكر والقلب والعمل، بسبب ضعف الإيمان وسوء الاختيار، وعدم الاستجابة إلى الميثاق الإلهي بالربوبية؛ قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى).

فمنهم مَنْ لبّى بسرعة ومنهم مَنْ تأخّر ومنهم من عصى وغوى، وهكذا تفاوتت مراتبهم الشرفية في الوجود الإمكاني، وفي تنجيز الخلافة في الأرض لاحقاً.

ب ـ غلبة الشهوات على العقول والقلوب، قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَْنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).

وهذه الشهوات تمنع الإنسان من الوصول إلى الكمال وإنجاز الخلافة.

ج ـ الخطأ في تشخيص المصداق الحقيقي للكمال، فيظن الإنسان أنّه متجسّد في المال والسلطة والشهرة، وهذا وهم كاذب وسراب خادع، قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَْخْسَرِينَ أَعْمالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ) فيفشل الإنسان في أداء الأمانة وإنجاز التكليف الرباني.

وبناءً على ما تقدّم يمكن القول بأن الخلافة الجعلية في الأرض، وباعتبارها أمانةً إلهية قبلها الإنسان وهي عهد من الله إليه،فإن مواصفاتها ورتبتها ومقامها تتشخص بالإنسان واختياره ودرجة إيمانه وقربه من الله تعالى، فهو يُعطيها رتبتها الوجودية قرباً أو بعداً عن المراد الإلهي، فهي بهذا الوصف، خلافة تتدرج في سلّم الوجود، يقف في أعلى سلّمها الوجودي النبي والولي والتقي والمؤمن نزولاً.

وهذه بعض المواصفات المطلوبة في الخليفة الأرضي:

1 ـ أن تمامية تحقيق الخلافة في الواقع الإمكاني تتطلّب العصمة في الخليفة، ولو لم يكن كذلك لحدث نقص في إنجاز المهمة وتحقق الغرض، وهذا يستلزم بداهة العصمة في جميع المجالات، إذ لو لم يكن معصوماً لاختلف فيه وعليه الآخرون ولم ينقد له مَنْ يعتبر نفسه من الحكماء والعلماء والفضلاء.

2 ـ وهذا يستدعي بداهة إمتلاكه للعلم اللّدني الكاشف للواقع، والمصيب للغرض الجعلي من الاستخلاف الإلهي للإنسان المستخلفْ.

3 ـ ومن خصائص الخليفة الرباني ان يمتلك القدرة التامة على عكس الصفات الإلهية في عالم الإمكان، فعلى سبيل المثال يكون عزيزاً على الكافرين رحيماً بالمؤمنين، بل إنه يُجسّد رحمة الله سبحانه في العالمين.

وباتصافه وعكسه للصفات الإلهية في الوجود، فإنه يجسد الخلافة المقدسة في الأرض، ويوصل جميع الممكنات إلى كمالها المنشود، عن طريق التعليم والتطهير والتزكية واخراج الإنسانية من ظلمات الشرك وبكل مراتبه إلى نور التوحيد.

قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

مستلزمات الخلافة:

لابد للخليفة في الأرض من مستلزمات معينة لكي يستطيع إنجاز هذه الخلافة والنهوض بأعبائها ومنها:

1 ـ لديه النظرية أو الأطروحة الحضارية والمستندة إلى العقيدة التي يعتنقها والتي تقوم عليها فلسفته الحضارية التي تفسر الوجود والغاية، قال تعالى: (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ).

2 ـ وجود الأنصار والمؤيدين له المخلصين والذين يساعدونه في تحقيق مهمته وتطبيق رؤيته وهؤلاء الأنصار هم مستخلفون أيضاً ولكن بحسب درجتهم الاستخلافية. قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ).

3 ـ إمتلاك الخليفة الرباني فهماً جيداً وواعياً لحركة السنن التأريخية، وكيفية ظهور الحضارات وزوالها، قال تعالى: (أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لأُِولِي النُّهى).

4 ـ لديه الشخصية القيادية اللازمة لهذه المهمة، قال تعالى: (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَْرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً).

من خلال هذه الآيات المباركات نستطيع أن نستجلي المضامين القيادية الآتية:


أ ـ أن لجوء القوم إلى ذي القرنين وطلب مساعدته لهم، يدل على انهم يقرونّ بكفاءته وذكائه وخبراته اللازمة لحل مشكلتهم، وهي التخلص من يأجوج ومأجوج.

ب ـ طلب منهم الإعانة في تنفيذ خطته وهذه من لوازم المهمة، إذْ لا يستطيع أي قائد أن ينجز مهامّه ويحقق أهدافه دون وجود الأعوان النشطين.

ج ـ لدى ذي القرنين خطة مهمة بعناية فائقة ودقة كبيرة وفيها إبداع كبير، كذلك فإنه يمتلك التفاصيل الدقيقة لحجم العمل ومستلزماته والمدة الزمنية التي يستغرقها لكي يكمُل.

د ـ لديه الشجاعة والجرأة على مواجهة الصعاب وتذليلها وتحمل مسؤولية القيادة وأعبائها،معتمداً في حركته على التمكين والمدد الإلهي له.

وهناك مضامين عديدة لا يسعُ المجال لذكرها.

ولنأتِ على تطبيق المواصفات المتقدمة على شخصية الإمام المهدي عليه السلام ، فهو يمتلك العقيدة الإلهية في فكره وسلوكه، ولديه فهمٌ راقٍ لحركة التأريخ والسنن الإلهية العاملة فيه، لايدانيه أحدٌ في هذا، كيف وهو قد عاصر الحضارات والممالك ورأى كيفية نشوئها وتعملقها وسقوطها، وتعرف على أسباب قوتها وضعفها.

كذلك فإن من أهم شروط ظهوره وقيامه بتنفيذ مفردات خلافته في الأرض هو وجود أعوانه وأنصاره المخلصين الذين يتحدون الجبال التي لو طاولتهم لطالوها والذين لا يكلّون ولا يسأمون من العمل في الحرب والسلام على حد سواء، وكما أخبرتنا الروايات الموثوقة بذلك.

ان وجود العصمة في الإمام المهدي عليه السلام تجعله قدوة حسنةً للناس جميعاً وكذلك تعطيه العصمة التفوق النوعي على سائر الناس كونه يكشف الواقع ويصيب مقاصد التشريع بدقةٍ لا يظاهيه فيها أحد من العالمين، وإذا كان ذو القرنين قد آتاه الله (مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَباً)، لتنفيذ دور تأريخي محدود، فإن الإمام المهدي عليه السلام وبحسب مهمته الكبرى التي أدّخره الله تعالى لها، يمتلك قدرات تكوينية هائلة تناسب وتكافيء الدور الحضاري الذي بُعث من أجله الأنبياء والرسل وعليه قامت حركة الأوصياء والأولياء، لتحقيق الغاية الإلهية من الخلافة الإنسانية في الأرض.

أنواع الاستخلاف الإلهي وخصائصه:

هناك أنواعٌ عديدة من الموجودات ذكرها القرآن الكريم استخلف الإنسان عليها، لكنها تندرج ضمن خطين متعارضين من حيث المسعى والغاية:

أ ـ استخلاف إنساني ـ رباني.

ب ـ استخلاف إنساني ـ شيطاني.

ومنذ بدء خلق آدم عليه السلام وعصيان إبليس للأمر الإلهي بالسجود لآدم بدأت الحرب بين الإنسان الرباني والشيطان وأتباعه.

فالخطان متناقضان في كل شيء في حركتهما ومسعاهما وفي وجودهما وغاياتهما وفي أصلهما وعاقبتهما.

وهذه بعض أنواع الاستخلاف وخصائصه:

1 ـ استخلافٌ بالطبيعة: قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَْعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَْرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

إن هذا التسخير الرباني الوارد في هذه الآيات المباركات وغيرها يُحمّل الإنسان مسؤولية رعايته وبحسب وصايا التشريع للوصول إلى الغاية، فالإنسان ليس كأحدٍ من المخلوقات الأخرى بل انه خليفة الله سبحانه وقد سخر له الله سبحانه الدنيا بكل ما فيها من القوى والوسائل ليبلغ المراد، فالأمانة الاستخلافية كبيرة وأن الإنسان محاسب عليها كونه مسؤولاً ومؤتمناً من حيث كونه خليفةً ونائباً عن الله في هذه الدنيا.(6)

2 ـ استخلاف بالملكية: كما سبق وأوضحنا ان هذه الوسائل والامكانات التي وفّرها الله سبحانه للإنسان تمثل أحد شروط تنفيذ الخلافة في الأرض بعد ان أعطى سبحانه وتعالى للإنسان نعمة العقل والتدبر، وبهذه المزايا السامية وحمّله أعباءَ الخلافة ونتائجها، فقد كرّمه الله تعالى على جميع مخلوقاته، وما كل هذه الأشياء إلاّ دونه لكي يتصرف بها على ما تقتضيه مرضاة مولاه، ومن ظُلِم الإنسان لنفسه أن تستحوذ هذه الأشياء على عقله وقلبه وحركته في الوجود، فيكون مشركاً بالله ويتخلى عن منصب الخلافة الإلهية فيخسر الدارين.

فالذي تدل عليه جميع الآيات الشريفة هو ان الإنسان مستخلفٌ على كل ما في الوجود وليس له أن يتصرف خلاف ذلك، إنما هو ملزم بأتباع أوامر الله سبحانه في كل شيء، لأنه خليفة الله سبحانه لا أكثر.

لكنّ معظم الناس قد وقع في حبائل الفهم الخاطيء لموضوع الملكية، حيث ظنّوا أنهم هم المالكون الحقيقيون للموجودات وليس الملك لله سبحانه وحده كما هو الواقع، فحصل الظلم في دار التزاحم والفقر والمحدودية وبغى بعضهم على بعض، قال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) لأن الله سبحانه هو المالك لكل شيء ملكاً حقيقياً لا اعتبارياً.

فالملكية الحقيقية ناشئة من عند المالك لا من غيره بالافاضة أو الجعل كما هو في الملكية الاعتبارية، والملكية الحقيقية لا تنفك أو تنفصل عن مالكها بأي حالٍ لا كما هو حال الملكية الاعتبارية التي تنفصل الملكية عن مالكها عند الموت أو فقدان الأهلية.

كما ان المالك الحقيقي له أن يتصرف في ملكه كما يشاء دون قيد أو حد زماني أو مكاني، قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ).

هذه هي أبرز سمات الملكيتين، والتي يجب التفريق بينهما والتصرف على أساس من الفهم الصحيح لهما.(7)

ان من أبرز معوقات انجاز الخلافة وعدم الوصول إلى الغاية هو التوهم الحاصل عند معظم الناس في طلب الكمال بسبب الوقوع في حب الدنيا بدل الآخرة، رغم البيان القرآني الرائع، قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الأَْمْوالِ وَالأَْوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً).

3 ـ استخلاف بالحكم والسلطنة:

قال تعالى: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ).

وهذا جعل إلهي بالحكم والسلطة حتى يقيم العدل والحق بين الناس، فالله سبحانه هو الحاكم الحقيقي لا الجعلي أو الاعتباري كما هو شأن الخليفة الأرضي لأن الله سبحانه وتعالى هو أحكم الحاكمين و(إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ)، وأي حاكم يقف قبالة الحكم الإلهي فهو مشرك ضالٌ خاسر.

لكن الله سبحانه جعل بعض الناس حكاماً بأمره وبإذنه بعد اجتيازهم الإمتحان الإلهي، قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

والاصطفاء الإلهي لبعض البشر إنما يقوم على درجة تحملهم للأمانة الإلهية، قال تعالى: (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الآْخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

وبموجب هذا الاصطفاء الإلهي فضل الله سبحانه بعض الناس على بعض ورفع بعضهم فوق بعض درجات، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَْرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ).

وقد أنزل الله الكتب والشرائع وأرسل الأنبياء مبشرين ومنذرين ومعلمين لكي يقوم الناس ـ كل بحسب درجته الوجودية ـ بأعباء الخلافة وإقامة العدل والقسط، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) فالولاية والسلطنة لله سبحانه وحده ولمن أذنَ له ممن يرتضيه، قال تعالى: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ).

وبغير هذه الولاية والسلطنة لا تُحفظ مقاصد التشريع ولا تحقق الخلافة الأرضية أهدافها الربانية، ونظرةٌ إلى واقع الإنسان الذي تولى غير هذه الولاية تؤكد صحة هذا الحكم.

المحور الثاني

مراحل الاستخلاف التأريخية:

عند استعراضنا لحركة التأريخ الإنساني بشكل عام بدءاً من آدم عليه السلام وإلى يومنا الحالي، نجد ان عملية الخلافة في الأرض قد مرّت بمرحلتين متمايزتين:

الأولى: كان الناس أمةً واحدة فبعث الله سبحانه الأنبياء مصلحين ومبشرين ومعلمين ومبينين لهم الصراط المستقيم الذي يجب عليهم اتباعه وركوب محجته البيضاء وإقامة العدل والقسط وفي التنازع والاختلاف.

وحركة الأنبياء تمثل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ورفض غيره من الأصنام المادية والبشرية، وقد استطاعت هذه الحركة أن تربّي العقل الإنساني وتوصله إلى مرحلة النضج اللازمة لاستقبال الرسالة الخاتمة.

الثانية: وقد بدأت هذه المرحلة التأريخية ببعثة الخاتم المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، بعدما تهيأت النفوس ونضجت العقول لفهم الشريعة وقيادة عملية الاستخلاف الإلهي في الأرض.

هذا على مستوى الرشد والعقل والنضج، أما على المستوى الواقعي فلم يتحقق الاستخلاف وبحسب المراد الإلهي والوصايا المبلغة بالشريعة الإسلامية لوجود المنافقين وأصحاب الطمع الدنيوي، ولعدم قدرة الأمة الإسلامية ـ بسبب قوة الخط الشيطاني ـ على قبول ونصرة الوصي، بل إختارت لنفسها ما تخيّلت أنه الأفضل لها، فتأخر الحكم الإلهي في الأرض إلى حين من الدهر، عانت ولا زالت الأمة الإسلامية بل والإنسانية المصائب والويلات والكوارث من سوء إختيارها، وإلى أن تعي وتقبل حكم الله على يد الولي المستخلف في النهاية، عليها أن تتحمل سوء إختيارها وعزوفها عن حكم الخليفة الإلهي.

وبحسب المراحل الحركية التي تحركت فيها الخلافة الأرضية، نرى إنها اتخذت ثلاث مسارات متفقة حيناً ومختلفة حيناً آخر وبحسب الآتي:

1 ـ مسار أصحاب السقيفة (أهل السنة).

2 ـ مسار أهل البيت عليهم السلام (الشيعة الإمامية).

3 ـ مسار باقي الملل (اليهود والنصارى).

ويمكن توضيح هذه المسارات بالمخططات الآتية:

1 ـ المسار الأول (أهل السنة):

بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،الخلافة الراشدة للخلفاء الأربعة ،خلافة الملوك والسلاطين من أهل الدنيا،سقوط الخلافة العثمانية، قيام حكومات وأنظمة وضعية، مرحلة تشتت وفرقة واختلاف وفتن، قيام الإمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان (من علامات الساعة)، قيام القيامة، العودة إلى الله تعالى.

2 ـ المسار الثاني: (الشيعة الإمامية)

بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، السقيفة وابعاد الإمام علي عليه السلام عن خلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إقصاء أهل البيت عليهم السلام من الخلافة، قتل أئمة أهل البيت عليهم السلام، غياب الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى، الغيبة الكبرى للإمام المهدي عليه السلام، دور الشهادة للمرجعية الدينية، ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، قيام، خلافة الإنسان الكامل ـ المهدي عليه السلام ـ في الأرض، إقامة القسط والعدل (تحقيقاً لقوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً)، نزول البركات، تحقيق المجتمع الموحد لله، تحقيق الغاية من الاستخلاف، قيام القيامة، العودة إلى الله تعالى.

3 ـ المسار الثالث: مسار باقي الملل

الناس أمة واحدة، بعث الله الأنبياء، إبراهيم عليه السلام ، موسى عليه السلام.

قسم بعد موسى عليه السلام:

الأول: المسار المسيحي ثم عيسى عليه السلام ثم الحواريون ثم الاستبداد الكنسي ثم اضطهاد العقل والعلماء ثم الثورة الصناعية وحصول رد الفعل ضد الكنيسة ثم فصل الدين عن الحياة والسلطة ثم قيام المذهب الفردي والنفعي (اللبرالية) ثم البرجوازية الرأسمالية وإلى قسمين أيضاً كالأمبريالية وقيام الشيوعية وتنتهي الشيوعية بانهيارها عام 1991 الأمبريالية ثم العولمة ثم العتو والاستكبار ثم إنهيار الأنظمة الاستكبارية ثم ظهور الاسلام على يد خليفة الله على الدين كله ثم الإنسانية الموحدة لله تعالى ثم تحقيق الغاية من الخلافة ثم القيامة ثم العودة إلى الله تعالى.

والثاني: المسار اليهودي ثم الضياع والتيه ثم قيام إسرائيل ثم حصول العلو الأكبر لليهود في العالم أجمع ثم ملئهم الأرض بالفساد والظلم ثم تحطيم العلو اليهودي على يد الإمام المهدي وأنصاره.

الغاية من الخلق:

بيّن القرآن الكريم والسنة المطهرة في الكثير من المواضع الغاية من خلق الخلق، وهو سؤال سرمديّ حاول الإنسان عبر التأريخ الإجابة عليه وبحسب منظومته العقيدية والحضارية، وبالنسبة للعقيدة الإسلامية فقد أكّد الله سبحانه وتعالى ـ باعتباره أحكم الحاكمين ـ على غايته من خلق الخلق مراراً ودعا الإنسان إلى التفكر والتدبر في الخلق والوجود والسير بهدي العقل ونور الفطرة الموحدة لله سبحانه للوصول إلى الكمال.

قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

وقد استنكر الباري على الناس عدم معرفتهم بالغاية من خلقهم قائلاً لهم: (أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ).

فالغاية من خلق الإنسان هي أن يتصف بالصفات الإلهية الفعلية وإكتساب الكمالات ليكون مؤهلاً لإقتحام دار الخلود والفوز برضى الله تعالى.

فالحياة الدنيا كما تؤكد الآيات الشريفة هي المرحلة التأهيلية للرجوع إلى الله سبحانه وبحسب إختيار الإنسان، قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).

فَـ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

والخلاصة التي نحصل عليها من فهمنا للغاية من الخلق هو إتصالها بصفة الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء ومن ضمنها خليفة الله سبحانه في الأرض.

مراحل الغاية:

من خلال استقرائنا للآيات القرآنية نستطيع ان نقسم الغاية من الخلق إلى مراحل خمسٍ رئيسة:(8)

1 ـ المرحلة الأولى: تحقيق الخلافة الإلهية في الأرض وبحسب المراد الإلهي لا بحسب ما يريده الإنسان المادي المرتبط بنشأة الطين، وسيكون مصداق الخلافة الأكبر والنهائي على يد الإمام المهدي عليه السلام وكما وعد الله سبحانه وتعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) فهو وعد إلهي محتوم بوراثة الأرض وما عليها للخط الإلهي الذي استضعفه طغاة الأرض وأكابر مجرميها عبر التأريخ الإنساني.

2 ـ المرحلة الثانية: بعد إقامة حكم الله سبحانه على يد الخليفة الرباني وأنصاره وجماهيره بعد استنفاذ خلافة من سبقه، ستتحرك الإنسانية في خط تصاعدي، وتعبد الله عبادة معرفية قال تعالى: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).

وهذه العبادة المعرفية تكمل نقص الإنسان وتجبر فقره الوجودي.

3 ـ المرحلة الثالثة: وصول الإنسان والإنسانية إلى مقام اليقين في العبادة والاعتقاد والسعي، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).

وهنا لا يتبادر إلى الذهن أن حرف (حتى) الوارد في هذه الآية الشريفة يعني التوقف، بل تحقق الرتبة وحصول المقام اليقيني ورؤية الملكوت، قال تعالى: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) والتصاعد الكمي والنوعي في حركة الإنسان الإرتقائية الكدحية إلى الله تعالى، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الإِْنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ).

4 ـ المرحلة الرابعة: تحقق الجنة المهدوية في الأرض وإنفتاح عالم الغيب على عالم الشهادة وتعتبر هذه المرحلة، مرحلة تأهيلية ممهدة إلى مرحلة جنان الخلد، قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).

5 ـ المرحلة الخامسة: حصول القرب من الله سبحانه ونيل مرضاته والإرتباط بالكمال الإلهي في جنان الخلد قال تعالى: (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَْخْيارِ) في (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَْبْوابُ * مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ * وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ * هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ * إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ).

المصادر

1 ـ القرآن الكريم

2 ـ إحسان العارضي، فلسفة الاستخلاف الإلهي، الطبعة الأولى، 2004م.

3 ـ الراغب الاصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، انتشارات ذوي القربى، الطبعة الرابعة، 1425هـ. ق ـ 1383هـ.ش.

4 ـ السيد محمد باقر الصدر، الإسلام يقود الحياة، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، الطبعة الثانية، 1424هـ.

5 ـ السيد محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، الطبعة الثانية، 1424هـ.

6 ـ السيد محمد محمد صادق الصدر، موسوعة الإمام المهدي عليه السلام ، اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني، إنتشارات ذوي القربى، الطبعة الثانية، 1425هـ .ق ـ 1383 هـ.ش.

7 ـ السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، منشورات دار المجتبى للمطبوعات، إيران ـ قم، الطبعة الأولى، 1425هـ ـ 2004م الجزء الأول.

8 ـ الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي، ماذا في التأريخ، الطبعة الثانية، 1413 هـ ـ 1993م. الجزء الرابع عشر.




الهوامش

(1) بحث مقدم للمشاركة في المؤتمر العلمي الأول في الإمام المهدي الذي عقده مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام في مدينة النجف الأشرف في 22 تموز 2007.
(2)  مفردات ألفاظ القرآن، ص 294.
(3)  الميزان في تفسير القرآن، ج1 ، ص 116 ـ ص117.
(4)  ينظر: سورة البقرة: 31.
(5)  الإسلام يقود الحياة، ص 144.
(6)  فلسفة الاستخلاف الإلهي،ص4.
(7)  ماذا في التأريخ، مصدر سابق، ص30
(8)  فلسفة الاستخلاف الإلهي، مصدر سابق، ص16.


في مقام الإمام المهدي عليه السلام

$
0
0
في مقام الإمام المهدي عليه السلام

كنت في هذه اللحظات خارج المقام ولكنني بعد دقائق سمعت صيحة عظيمة من قبل والدي ثم أُغمي عليه فتقدمت قليلاً فوجدت السيد أبو الحسن الاصفهاني يُمَسِدّ كتفيه حتى استفاق من غيبوبته فقال مباشرة: لقد رأيت ولي العصر والزمان عليه السلام وأصبحت من شيعته الإثني عشرية، ولكنه لم يزد شيئاً على هذا الكلام ولم يوضح لقاءه بالحجة عليه السلام ثم عدنا إلى اليمن بعد عدة أيام وتشيّع أكثر من أربعة آلاف من أتباعه.

جاء في كتاب اللقاء مع الإمام صاحب الزمان عليه السلام، تأليف السيد حسن الأبطحي في الحكاية الرابعة والخمسين ص128 ما يأتي:

يعتبر المرحوم آية الله العظمى السيد أبو الحسن الاصفهاني من المراجع العليا في زماننا.

وكان (رضوان الله تعالى عليه) كثيراً ما يَصِلُ لخدمة صاحب الزمان عليه السلام. والحكاية التالية هي إحدى تلك اللقاءات التي تشرف بها السيد أبو الحسن الاصفهاني مع الوجود المقدس لصاحب الأمر والزمان عليه السلام.

ونقل هذه الحكاية العلامة المتتبع الحاج السيد حسن ميرجهاني في كتاب (كنز العارفين) فقال:

كان أحد علماء اليمن واسمه بحر العلوم يراسل العديد من علمائنا في النجف طالباً منهم إثبات الوجود المقدس لبقية الله في أرضه عليه السلام.

وكان السيد بحر العلوم زيدياً غير مصدق بوجود الحجة عليه السلام ، فكتب له العلماء الإعلام رسائل عديدة، وشرحوا له إثبات وجوده، ولكنه لم يقتنع. حتى كتب رسالة إلى المرجع الأعلى للشيعة آنذاك السيد أبو الحسن الاصفهاني (رضوان الله تعالى عليه) يطلب منه إثبات ذلك.

وفي جوابه، قال السيد أبو الحسن الاصفهاني للسيد بحر العلوم: إذا أردت إثبات ذلك والتأكد من الوجود المقدس لصاحب العصر فعليك المجيء إلى النجف الأشرف لأثبت لك ذلك حضورياً، وبعد عشرة أشهر، وصل بحر العلوم وابنه وعدد من أتباعه إلى النجف الأشرف، وزاروا السيد (أبو الحسن)، وطلب منه أن يثبت له ذلك بعد أن حضر شخصياً إلى النجف مع ابنه.

فقال له المرحوم السيد أبو الحسن الاصفهاني:

تعال غداً أنت وابنك إلى داري حتى أعطيك جواب سؤالك.

ثم جاء بحر العلوم وابنه وبعض أتباعه، وبعد تناول العشاء، والأحاديث الدينية، وانصراف الضيوف، وانتصاف الليل، قال السيد أبو الحسن إلى خادمه مشهدي حسين، هات المصباح معك، ووجه كلامه إلى السيد بحر العلوم وابنه وقال لهما: اتبعاني.

ثم أضاف السيد ميرجهاني: كنت أحد الذين بقوا بعد انصراف الضيوف، فأردت أن أذهب مع السيد (أبو الحسن) لكنه قال لي: يجب أن تبقى هنا ويأتي معي فقط بحر العلوم وابنه.

ثم ذهب الثلاثة في تلك الليلة المظلمة ولم نعرف وجهة سيرهم ولا إلى أين ذهبوا.

ولكن، وفي الصباح، وعندما التقيت مع بحر العلوم وابنه وسألته عن أحداث الليلة الماضية قال: الحمد لله لقد تشرفنا ليلة أمس بخدمة ولي العصر عليه السلام وأصبحت من المعتقدين بوجوده المقدس. فسألته وكيف ذلك؟.

فقال: لقد أراني السيد أبو الحسن الاصفهاني الحجة بن الحسن عليه السلام.

فسألته: وكيف كان ذلك؟.

فقال بحر العلوم: عندما تركنا الدار، لم ندرِ إلى أين وجهتنا، حتى وصلنا إلى وادي السلام، وفي وسط الوادي دخلنا مكاناً قال إنه مقام صاحب الزمان عليه السلام.

وعندما وصل السيد أبو الحسن إلى باب المقام، أخذ المصباح من خادمه مشهدي حسين ودخل منفرداً إلى المقام ثم أشار إليّ أن أدخل وحدي معه ثم توضأ وبدأ بالصلاة وصلى أربع ركعات، ثم قال شيئاً لم نفهمه، ولكن شاهدت فجأة أنواراً خاطفة وقد غمر المكان نور ساطع.

وهنا يكمل الحكاية ولده فيقول:

كنت في هذه اللحظات خارج المقام ولكنني بعد دقائق سمعت صيحة عظيمة من قبل والدي ثم أُغمي عليه فتقدمت قليلاً فوجدت السيد أبو الحسن الاصفهاني يُمَسِدّ كتفيه حتى استفاق من غيبوبته فقال مباشرة: لقد رأيت ولي العصر والزمان عليه السلام وأصبحت من شيعته الإثني عشرية، ولكنه لم يزد شيئاً على هذا الكلام ولم يوضح لقاءه بالحجة عليه السلام ثم عدنا إلى اليمن بعد عدة أيام وتشيّع أكثر من أربعة آلاف من أتباعه.

علي عبد الصاحب جواد

عقيدتنا في المهدي عليه السلام بين جيلين

$
0
0
عقيدتنا في المهدي عليه السلام   بين جيلين

ومن غريب الأمر ان كل أولئك الذين لم تنفعهم بصيرتهم ولا حتى بصرهم في تمييز الأمور وهم رغم اختلافهم فيما يذهبون إليه وفيما يرونه فقد اتفقوا جميعاً على برنامج واحد لإصلاح منطقتهم ـ وكما يرون هم ـ ألا وهو معاداة الإسلام عامة، ومناصبة آل بيت النبوة العداء خاصة، وكأن أمر العالم أو أمر هذه المنطقة لا يستقيم إلا بهذه المعاداة السافرة وكأن سفن الفضاء لا تخترق الغلاف الجوي إلا بهدم الإسلام، أو أن مصابيح الكهرباء لا تضيء الأرض إلاّ بأن تنطفئ قناديل العرش وتهدم بيوتٌ إذن الله تعالى أن يذكر فيها اسمه.

من المعلوم.. وبعد حملات الفتح الغربية لمنطقتنا الفقيرة الغنية.. أحوَجَنا الغرب، لأَن نأخذ من بضاعته الشيء الكثير..

مع هذه البضاعة جاءنا ـ من بعض ما جاءنا ـ صفيح برّاق.. خاله الجهلاء منا؛ ولشدّة بريقه ولمعانه.. ولشدّة جهلهم فقد حسبوا ذلك الصفيح لجينا، وعوّلوا عليه كثيراً.. فمنهم من انتظر أن يعمل منه ورقاً يبتاعُ به ما يسد به جوع بطنه.. والبعضُ الآخر أضمر أن يصوغ منه قلادة يطوّق بها عنقه، ليعلو بها على سائر الأمم.. والشعوب.

ومن غريب الأمر ان كل أولئك الذين لم تنفعهم بصيرتهم ولا حتى بصرهم في تمييز الأمور وهم رغم اختلافهم فيما يذهبون إليه وفيما يرونه فقد اتفقوا جميعاً على برنامج واحد لإصلاح منطقتهم ـ وكما يرون هم ـ ألا وهو معاداة الإسلام عامة، ومناصبة آل بيت النبوة العداء خاصة، وكأن أمر العالم أو أمر هذه المنطقة لا يستقيم إلا بهذه المعاداة السافرة وكأن سفن الفضاء لا تخترق الغلاف الجوي إلا بهدم الإسلام، أو أن مصابيح الكهرباء لا تضيء الأرض إلاّ بأن تنطفئ قناديل العرش وتهدم بيوتٌ إذن الله تعالى أن يذكر فيها اسمه.

لقد نال الإمام المهدي عليه السلام من أولئك التّائهين الشيء الكثير من الازدراء والتهكم والاستهزاء، ومنهم من يدّعى الإسلام وانه مؤمن بالكتاب العزيز، ولكنه في الوقت نفسه يسأل متهكماً بظهور الإمام عليه السلام، وقبلها بإمامته عليه السلام صغيراً، متناسياً أن معجزته عليه السلام ليست بأعظم من معجزة عيسى عليه السلام ، ومنهم من يقول أن طول عمر الإمام يتعارض مع القانون الطبيعي، جاهلاً بأن فن الطب لا يمنع من طول العمر ـ ولا أدري ماذا يقول في تعمير نوح عليه السلام أو حتى عيسى عليه السلام ـ وفئة يتهمون اخوانهم الشيعة ويفسّرون إيمانهم بالمهدي بـ (التواكل) أي أن الشيعة لضعفهم عن رد الظّلم الواقع عليهم؛ لجأوا لهذه النظرية وهم ينتظرون القوي القائد المخلّص.

وفئة أخرى من هؤلاء تدّعي إدعاء النواصب، وتتكلّم بألسنتهم، وادعياؤها يقولون: إن مسألة المهدي لا تقتصر على شخص بعينه ولا تنحصر في شخص مهدي واحد يدعيه الشيعة الاثنا عشرية وان هناك مهدياً سيظهر، وبعد أَنْ يولد في آخر الزمان. إلى غير ذلك من تخرصات مما يمجّه الذوق ولا يقبله العقل.

ونقول نحن لا يهمنا من أمر أولئك، فهم أمّة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ولكنهم غرس غريب، صحيح أنه غرس هرم قد أكل الدهر منه ما أكل، ونال منه ثبات مبادئ الإسلام ما نال، فالمشكلة لم تعد في ذلك الغرس بل فيما يتطاير منه شرراً بذراً تسقطه ريح الحقد والجهل، ينبت أو يستنبت في ناحية من نواحينا ليكون عدوىً تتسبب في قلة المناعة الفكرية عند من لا مناعة فكرية عنده من أبنائنا.

ولكي لا تكون المسألة كما أريد لها من المبغضين، وكما يدبر لذلك كيد الكائدين، ولكي لا يستطيع من اغتصب فدكا ان يغتصب فدكاً ثانية، يجب علينا ـ لا باعتبارنا من المسؤولين ـ بل باعتبار أنّ الكل في موقع المسؤولية، يجب على كل منا أن يعمل جاداً على من هم بين أيدينا من إخواننا وأبنائنا من الذين لا يعرفون من الدين غير مظاهره، الذين يذرفون الدموع مدراراً أو يتصبّبون عرقاً وقد ينزفون دماً أيضاً، ولكنهم لا يعرفون الضروري من عقيدتهم ومنها عقيدتنا في الإمام الثاني عشر.

يجب علينا أن نقتلع ذلك الغرس وأفكاره، أن نعمل جاهدين من أجل ان تجتث هذه الأهواء، هذه الشجرة الخبيثة من فوق الأرض، من فوق أرضنا أرض العراق... الكوفة كنزُ الإيمان ومحجةُ الإسلام، عاصمة المهدي عليه السلام جعلنا الله من الممهدين لمقدمه الشريف.

الاستاد محمد الخاقانی

دعاء الإمام المهدي عليه السلام في القنوت

$
0
0
دعاء الإمام المهدي عليه السلام   في القنوت

اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، بِيَدِكَ الخَيْرُ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ، يا ماجِدُ يا جَوادُ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، يا بَطّاشُ يا ذَا البَطْشِ الشَّديدِ، يا فَعّالاً لِما يُريدُ، يا ذَا القُوَّةِ المَتينِ، يا رَؤُوفُ يا رَحيمُ، يا لَطيفُ يا حَيُّ حينَ لا حَيَّ.

ورد في مهج الدعوات/ ص 91 وفي البلد الأمين/ ص 665 دعاء الإمام الحجة بن الحسن المهدي عجل الله فرجه في قنوته، يقول:

(قُلِ) اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، بِيَدِكَ الخَيْرُ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ، يا ماجِدُ يا جَوادُ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، يا بَطّاشُ يا ذَا البَطْشِ الشَّديدِ، يا فَعّالاً لِما يُريدُ، يا ذَا القُوَّةِ المَتينِ، يا رَؤُوفُ يا رَحيمُ، يا لَطيفُ يا حَيُّ حينَ لا حَيَّ.

أَسْأَلُكَ بِاسمِكَ المَخْزُونِ المَكْنُونِ الحَيِّ القَيُّومِ، الَّذِي اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ لَمْ يطَّلِع عليه أحدٌ من خلقِكَ، وأسألُك باسمِكَ الذي تُصوِّرُ به خلقَكَ في الأرحامِ كيف تشاءُ، وبه تَسوقُ إليهم أرزاقَهُم في أطباقِ الظُّلُمات، من بينِ العُروقِ والعِظام، وأسأَلُكَ بِاسمِكَ الّذي ألَّفْتَ به بَيْنَ قُلُوبِ أولِيائكَ، وألَّفْتَ بينَ الثَّلْجِ والنّار، لا هذا يُذيبُ هذا، ولا هذا يُطْفِئُ هذا.

وأَسْألُكَ بِاسمِكَ الذي كوَّنْتَ به طَعْمَ المِياه، وأسأَلُكَ بِاسمِكَ الذي أجرَيْتَ به الماءَ في عُرُوق النَّباتِ بَيْنَ أطباقِ الثَّرى، وسُقْتَ الماءَ إلى عروقِ الأشجارِ بَيْنَ الصَّخرَةِ الصَّمّاءِ، وأسأَلُكَ باسمِكَ الّذي كَوَّنْتَ به طَعْمَ الثِّمارِ وألوانَها.

وأسأَلُكَ باسمِكَ الذي بِهِ تُبْدِئُ وَتُعيدُ، وأسألُكَ باسمِكَ الفَرْدِ الواحدِ، المُتَفَرِّدِ بالوحدانِيَّةِ، المُتَوَحِّدِ بِالصَّمَدانِيَّةِ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذي فَجَّرْتَ بِهِ الماءَ مِنَ الصَّخْرَةِ الصَّمّاء، وسُقتَه مِنْ حيثُ شِئْتَ.

وأسْأَلُكَ بِاسمِكَ الذي خَلَقْتَ به خَلْقَكَ، وَرَزَقْتَهُمْ كَيْفَ شِئْتَ وَكَيْفَ شاؤُوا، يا مَنْ لا تُغَيِّرُهُ الأَيّامُ وَاللَّيالي، أَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِهِ نُوحٌ حينَ ناداكَ فَأَنْجَيْتَهُ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَهْلَكْتَ قَوْمَهُ، وَأَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِهِ إِبراهيمُ خَليلُكَ حينَ ناداكَ فَأَنْجَيْتَهُ وَجَعَلْتَ النّارَ عَلَيْهِ بَرْداً وسلاماً، وَأَدعُوكَ بِما دَعاكَ بِهِ مُوسى كَليمُكَ حينَ ناداكَ فَفَلَقْتَ لَهُ البَحْرَ فَأنْجَيْتَهُ وَبَني إِسرائيلَ، وَأَغْرَقْتَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِي الْيّمِّ.

وَأَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِهِ عيسى رُوحُكَ حينَ ناداكَ فَنَجَّيْتَهُ مِنْ أَعْدائِهِ وَإلَيْكَ رَفَعْتَهُ، وَأَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِهِ حَبيبُكَ وَصَفِيُّكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ، وَمِنَ الْأَحْزابِ نَجَّيْتَهُ، وَعَلى أَعْدائِكَ نَصَرْتَهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذي إِذا دُعيتَ بِهِ أَجَبْتَ، يا مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، يا مَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، يا مَنْ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً، يا مَنْ لا تُغَيِّرُهُ الْأَيّامُ وًَاللَّيالي، وَلا تَتَشابَهُ عَلَيْهِ الْأَصْواتُ، وَلا تَخْفى عَلَيْهِ اللُّغاتُ، وَلا يُبْرِمُهُ إِلْحاحُ المُلِحّينَ.

أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، فَصَلِّ عَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ صَلَواتِكَ، وَصَلِّ على جَميعِ النَّبِيّينَ وَالمُرْسَلينَ، الَّذينَ بَلَّغوا عَنْكَ الهُدى، وَأَعْقَدُوا لَكَ المَواثيقَ بِالطّاعَةِ، وَصَلِّ عَلى عِبادِكَ الصّالِحينَ.

يا مَنْ لا يُخْلِفُ الميعادَ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني، وَاجْمَعْ لي أصْحابي وَصَبِّرْهُمْ، وَانْصُرْني عَلى أَعْدائِكَ وَأَعْداءِ رَسُولِكَ، وَلا تُخَيِّبْ دَعْوَتي، فَإِنّي عَبْدُكَ، اِبْنُ عَبْدِكَ، اِبْنُ أَمَتِكَ، أَسيرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، سَيِّدي أَنْتَ الَّذي مَنَنْتَ عَلَيَّ بِهذا المَقامِ وَتَفَضَّلْتَ بِهِ عَلَيَّ دُونَ كَثيرٍ مِنْ خَلْقِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تُنْجِزَ لي ما وَعَدْتَني، إِنَّكَ أَنْتَ الصّادِقُ وَلا تُخلِفُ الْميعادَ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ.(1)




الهوامش

(1)  مهج الدعوات: 91، البلد الأمين: 665.

اختفاء النبي يونس عليه السلام وقابلية البقاء إلى يوم يبعثون

$
0
0
اختفاء النبي يونس عليه السلام وقابلية البقاء إلى يوم يبعثون

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ*فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ).(1)

قال الله عزّ وجلّ:

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ*فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ).(1)

قصة النبي يونس عليه السلام واضحة في اختفائه في بطن الحوت (نون)، ولكن هناك إشارة غريبة ترافق هذا الاختفاء الغامض وهي: قابلية بقائه وبقاء الحوت إلى يوم البعث على حاله، وهذا أمر يحتاج من المسلم المنصف أن يفكر فيه جيداً، قال تعالى (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

هنا نحن أمام ظاهرة غريبة وفريدة وهي الوعد بأن يونس كان يمكن ان يخلد في بطن الحوت ـ الذي ينبغي أن يكون نفسه قابلاً للبقاء ـ لو لا أنه من المسبحين فأخرجه الله نتيجة تسبيحه، وهذا لا يحتاج إلى أدلة، فالنص ظاهر وواضح.

فإذن ما معنى أن يكون قابلاً للبقاء في بطن حوت إلى يوم البعث؟

هنا يمكننا القول بأن هذه الآية الكريمة تثبت إمكانية البقاء حياً، وإمكانية الاختفاء مع كونه نبياً مرسلاً لم تسقط نبوته بالإختفاء.

والآية حين عالجت الإمكان قالت بوقوع الغيبة والحياة في ظرف لا يمكن وصفه بأنه ظرف قابل لحياة إنسان وهو في بطن حوت كبير.

ملاحظة: يمكن ان يُدّعى بأن النص السابق ينافي نصاً آخر في القرآن، مفاده انه لو لا رحمة الله لنبذَ الحوتُ يونسَ في العراء، وهذا قد يتعارض مع الآية السابقة، ومفادها لولا كونه من المسبحين لبقي في بطن الحوت إلى يوم يبعث الخلق. قال تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).

والحل بسيط: وهو أن لا تعارض، فان الآية الأولى تنظر إلى كون التسبيح لله جعله خارج دائرة الخلود في بطن الحوت. وهو نوع من العذاب، بينما الآية الثانية الآتية تنص على ان رحمة الله ونعمته وقّتتْ زمن ومكان إنزال يونس عليه السلام في مكانٍ أخضر فيه حياة، ولولا تلك الرحمة لنبذ في العراء، وهو مكان لا حياة فيه. فلا تعارض مطلقاً، أي لو أراد ان يبقيه معذباً في بطن الحوت لبقي إلى يوم يبعثون، ولو أراد الله ان يهلكه لنبذه في العراء.

هناك نصوص تدل على ان ليونس غيبة قصيرة، ويبدو ان أهمية هذه الغيبة هي وعيد الله بإمكانية أن تكون ليوم يبعثون ولكن حصل أمر من الله في هذا الشأن.

فقد رويت في بحار الأنوار قصة يونس بسند العياشي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي قصة طويلة جداً سنقتطع منها بعض مواضع الحاجة ولمن يريد المزيد عليه مراجعة بحار الأنوار ج4 ص 392 ـ 397.

تفسير العياشي: عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: وجدنا في بعض كتب أمير المؤمنين عليه السلام قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن جبرئيل عليه السلام حدثه أن يونس بن متى عليه السلام بعثه الله إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة، وكان رجلاً يعتريه الحدة، وكان قليل الصبر على قومه والمداراة لهم، عاجزاً عما حمل من ثقل حمل أوقار النـبـوة وأعـلامـها،  وأنه يفسخ تحتها كما يفسخ الجذع تحت حمله، وأنه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان بالله والتصديق به وأتباعه ثلاثاً وثلاثين سنة، فلم يؤمن به ولم يتبعه من قومه إلا رجلان: اسم أحدهما روبيل واسم الآخر تنوخا، وكان روبيل من أهل بيت العلم والنبوة والحكمة، وكان قديم الصحبة ليونس بن متى من قبل أن يبعثه الله بالنبوة، وكان تنوخا رجلاً مستضعفاً عابداً زاهداً منهمكاً في العبادة وليس له علم ولا حكم.

وذكر قصة طويلة جداً وممتعة حقاً، ملخصها ان النبي يونس عليه السلام رغب في إهلاك قومه نتيجة كفرهم وعتوهم، فوعده الله بذلك وأخبر قومه، ولكن مستشاره الأمين نبه الناس للعذاب وذكّرهم الله، فضجوا بالاستغفار والبكاء حين رأوا بدايات الكارثة، فعفا الله عنهم، وحين جاءهم يونس ليتأكد من هلاكهم وجدهم بأتم حال، فهرب مستحياً معتقداً في نفسه الخذلان، فحصل له ان التقمه الحوت وحدث له ما حدث ورجع إلى قومه وقد آمنوا به وحسن حالهم.

ثم قال الراوي:

(قال أبو عبيدة: قلت لأبي جعفر عليه السلام: كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه؟ قال: أربعة أسابيع).

وقد ذكر الإمام الرضا عليه السلام تصحيحاً لرواية راوٍ اتهمه بالكذب على الإمام الصادق عليه السلام ، حيث قال إن لصاحب هذا الأمر غيبة كغيبة يونس عليه السلام. وهذا التشبيه بالغيبة له توظيف عقلي واضح. وهو نفي استحالة الغيبة بوقوعها فعلاً من النبي يونس عليه السلام.(2)

عنه عن أبي عمر قال: سمعت حمدوي قال: حدثني علي بن محمد بن قتيبة قال: حدثني الفضل قال: حدثنا محمد بن الحسن الواسطي ومحمد بن يونس قالا، حدثنا الحسن بن قياما الصيرفي قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام وقلت: جعلت فداك ما فعل أبوك؟ قال: مضى كما مضى آباؤه. فقلت: كيف أصنع بحديث حدثني به زرعة بن محمد الحضرمي عن سماعة بن مهران أن أبا عبد الله عليه السلام قال: إن ابني هذا فيه شبه من خمسة أنبياء: يحسد كما حسد يوسف عليه السلام ، وغاب كما غاب يونس، وذكر ثلاثة أخر؟ قال: كذب زرعة ليس هكذا حديث سماعة إنما قال: صاحب هذا الأمر ـ يعني القائم عليه السلام فيه شبه من خمسة أنبياء، لم يقل ابني).

وقد بيّن السيد اللواساني قضية مهمة وهي أن ذكر غيبة يونس ليست للمقارنة بالزمن وما شابه ذلك، وإنما لإثبات الإمكانية، فمادامت الغيبة ممكنة ليونس عليه السلام فهي ممكنة لغيره، ولهذا لا مجال للاعتراض بأن غيبة يونس عليه السلام قصيرة لأقل من شهر بينما غيبة المهدي عليه السلام طويلة تجاوزت الألف عام. فهذا لا علاقة له بما يراد من إثبات غيبة يونس عليه السلام.

(ولا مجال لنقض المعارضة بالفرق بين غيبته وغيبة هذا الإمام بقصر مدة غيبة يونس عليه السلام وطول زمان غيبة الإمام، بأن يقال بإمكان الأول دون الثاني، فإن الفرق غير فارق (و) ذلك لوضوح أنه (ليس في طول الزمان والقصر) فيه من حيث الإمكان وعدمه (ما يوجب الفرق) في قدرته تعالى، فإن المولى الذي أدام حياة ذاك النبي في غيبته وحده منفردا في المغارات والبراري مع حاجته التامة إلى جميع لوازم البشرية قادر أيضاً على إدامة حياة هذا الوصي كذلك، من غير عجز ولا فتور (فأمعن النظر)).




سماحه الشيخ نزيه محيي الدين


الهوامش

(1)  الصافات: 139 ـ 151.

(2)  مسند الإمام الرضا عليه السلام ـ الشيخ عزيز الله عطاردي ـ ج2 ـ ص 435.

الجاهلية الحديثة ( الثانية)(البحوث النظرية )

$
0
0
الجاهلية الحديثة ( الثانية)(البحوث النظرية )

الجاهلية الحديثة ولبس فَروْ الإسلام مقلوبا!
إسماعيل  شفيعي سروستاني
نقل عن النبي الأكرم (ص) قوله: "بعثت بين جاهليتين لآخرهما شر من أولهما".
كما ورد عن عبد الله بن زرارة عن الإمام الصادق (ع) قوله: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله (ص) من جهال الجاهلية".

 

الجاهلية الحديثة ولبس فَروْ الإسلام مقلوبا!
إسماعيل  شفيعي سروستاني
نقل عن النبي الأكرم (ص) قوله: "بعثت بين جاهليتين لآخرهما شر من أولهما".
كما ورد عن عبد الله بن زرارة عن الإمام الصادق (ع) قوله: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله (ص) من جهال الجاهلية".
فقلت: وكيف ذلك ؟
قال: إن رسول الله (ص) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله ويحتج به عليه".
إن الجاهلية الأولى وما سادها من زحمة التعصب القبلي والفئوي و وأد الفتيات والتبرج والميسر وعبادة الأصنام المزمنة لم تزل إلا مع بعثة نبي آخرالزمان (ص) ونزول الوحي وتحمل المعاناة والمقاساة، بحيث يقول الإمام علي أمير المؤمنين (ع):
"بَعَثَهُ وَالنَّاسُ ضُلاَّلٌ فِی حَیْرَة، وحَاطِبُونَ فِی فِتْنَة، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ، وَاسْتَزَلَّتْهُمُ الْکِبْرِیَاءُ، واسْتَخَفَّتْهُمُ الْجَاهِلیَّةُ الْجَهْلاَءُ; حَیَارَى فِی زَلْزَال مِنَ الأَمْرِ، وَ بَلاَء مِنَ الْجَهْلِ".
إن أمة ازدهرت حينما ذاع صيتها وانتشرت ثقافتها وأدبها وحضارتها في كل الأرجاء والآفاق، بحيث يمكن من دون مبالغة القول بأن جملة الثقافات والحضارات التي ظهرت على مدى أكثر  من ألف عام مضت في أرجاء العالم، رهن ومدينة لذلك التطور الكبير والرجال الذين ترعروا ونشأوا في مدرسة خاتم الأنبياء (ص).
وبعد كل هذا التطور وبعد نبي الرحمة (ص) والاتحاد والاتفاق، أحدثت عناصر مثل الغفلة والدسيسة والتقاعس والاستبداد وتحت سمسرة إبليس الرجيم، انحرافا في مبادئ ومباني وسيماء هذا الدين السماوي بحيث توقع وصي رسول الله (ص) في الخطبة 107 من نهج البلاغة بأن : يُلبس الإسلام لَبْس الْفَرْوِ مَقْلُوباً.
واليوم وأكثر من أي زمان ووقت مضى، يُسمع فيه صوت ونداء الإمام علي (ع) حين قال:
" ... ما لى اَراكُمْ اَشْباحاً بِلا اَرْواح، وَ اَرْواحاً بِلا اَشْباح ؛
ونُسّاكاً بِلا صَلاح، وَ تُجّاراً بِلا اَرْباح، وَاَيْقاظاً نُوَّماً، وَ شُهُوداً غُيَّباً، وَ ناظِرَةً عَمْياءَ، وَ سامِعَةً صَمَّاءَ، وَ ناطِقَةً بَكْماءَ ...؛
اَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذاهِبُ؟ وَتَتيهُ بِكُمُ الْغَياهِبُ؟ وَ تَخْدَعُكُمُ الْكَواذِبُ؟ وَ مِنْ اَيْنَ تُؤْتَوْنَ؟ وَ اَنّى تُؤْفَكُونَ"؟! 
فهيهات! أن يكون الإمام علي (ع) وجد آذانا صاغية لتسمع كلامه ويد وقلب تؤازره على اقتلاع جذور شجرة الضلالة، لذلك فإن جملة توقعاته وتكهناته حول مستقبل تلك الأمة وثقافتها وحضارتها قد تحققت. مثلما كان يرى في مرآة قلبه وعلمه.
وكان الإمام علي (ع) قد توقع:
"فعِنْـدَ ذلِـكَ اَخَـذَ الْباطِلُ مَآخِذَهُ ؛
ورَكِبَ الْجَهْلُ مَراكِبَهُ ؛
وعَظُمَتِ الطّاغِيَةُ ؛
وقَلَّتِ الدّاعِيَةُ، وَ صالَ الدَّهْرُ صِيالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ؛
وهَدَرَ فَنيقُ الْباطِلِ بَعْدَ كُظُوم؛
وَتَواخَى النّاسُ عَلَى الْفُجُورِ، وَ تَهاجَرُوا عَلَى الدِّينِ؛
وَتَحابُّوا عَلى الْكَذِبِ، وَ تَباغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ.
فإذا كان ذلِكَ كانَ الْوَلَدُ غَيْظاً، وَالْمَطَرُ قَيْظاً، وَتَفيضُ اللِّئامُ فَيْضاً، وَ تَغيضُ الْكِرامُ غَيْضاً ؛
وَكانَ اَهْلُ ذلِكَ الزَّمانِ ذِئاباً، وَسَلاطينُهُ سِباعاً، واَوْساطُهُ اُكّالاً، وَ فُقَراؤُهُ اَمْواتاً ؛
وَغارَ الصِّدْقُ، وَ فاضَ الْكَذِبُ،
وَاسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسانِ، وَ تَشاجَرَ النّاسُ بِالْقُلُوبِ ؛
وَصارَ الْفُسُوقُ نَسَباً، وَالْعَفافُ عَجَباً، وَلُبِسَ الإسلام لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً".
وكل هذا هو تفسير وتفصيل كلام النبي الأكرم (ص) حين قال بأن "الجاهلية الثانية شر من الأولى".
وفي ضوء ذلك، فإن اقتلاع جذور شجرة الجاهلية الثانية أصعب وأشد بكثير من الأولى.
إن التركيبة متعددة الأوجه لصورة وسيرة الجاهلية، حنكة وتجربة قادة الجهل والتغيرات الهائلة لأوجه الحياة، قد حولت الكفر البسيط لعصر البعثة إلى  جاهلية مركبة ومزمنة ومتعددة الأوجه. أضف إلى  ذلك، تطاول يد العدو اللدود للإنسان أي إبليس وجنوده على أجساد بني البشر وأرواحهم لنفهم هذا المعنى كما وصفه الإمام الصادق (ع) حين قال: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله (ص) من جهال الجاهلية".
وفي ذلك اليوم الذي سمع فيه الشيطان، نداء رب العالمين حين خاطبه يقول:
"فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ"
كان آخر طلب له وتمنى ان يُستجاب هو إمهاله للبقاء وأن يكون له عمر طويل للإغواء لا للإنابة والتوبة. وبهذه النية أقسم:
"فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ"
فالإغواء لا يعني مجرد الضلال وسلوك مسلك خاطئ، فهذا النمط من السلوك هو ضلال بسيط. فالإغواء يعني الجهل المتلازم مع العقيدة الفاسدة.
وكان الشيطان يرى في آفاق مكائده وخدعه، اليوم الذي يتمكن فيه من تغيير معتقدات البشرية لدرجة تظن أنها عالمة رغم انغماسها في الجهل. أشباه العلماء الجهلة، وفي ذلك اليوم الذي يتصور فيه الإنسان بأنه يعيش حالة من العلم والمعرفة والأدب، فإنه مقيد بقيد الجهل بحيث أن العرب من عبدة الأصنام في عصر الجاهلية الأولى، ظلوا مندهشين من قبله.
إن الذي كان يعبد الحجر والصخر والخشب بدلا من الله الواحد الأحد، كان على الأقل قد اتخذ معبودا له من خارج ذاته، إلا أن أهم صفة للإنسان في عصر وعهد الجاهلية الثانية في البعد العقائدي، هي عُجُب الإنسان بنفسه واعتبار ذاته معبودا وإضفاء الإصالة على نفسه في مقابل الحق.
فالإنسان في هذه الحالة، يعتبر نفسه ركنا ركينا والمعيار وواضع المعيار والحجة والدليل الفارق بين الحق والباطل. ولذلك فإنه سيدخل في وقت ظهور الإمام المهدي (ع) في محاجة مع الحجة المعصوم والمعين من قبل الحق.
وربما سمعتم مرارا بهذه المقولة الشهيرة للفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت إذ قال: "أنا أفكر، إذن أنا موجود"!. وربما يمكن اعتباره وأطروحاته بأنهما يشكلان مدخلا لولوج البشرية عصر الجاهلية الثانية والحديثة.
وحتى قبل العصر الحاضر وغلبة التاريخ والفكر الغربي، كانت البشرية تغوص في الجهل البسيط. لذلك فإنها لم تفقد حظوظ الخضوع والخشوع أمام الحق بشكل كامل، لكنه ومنذ هذا العصر جعلت البشرية من ذاتها محورا وأعطت الإصالة للمعطيات المتأتية من تجربة الحواس الظاهرية واعتبرت نفسها حجة وقطبا ومنشأ المعرفة والفاعل التامّ وقدمت تفسيرا ماديا عن العالم والإنسان. ومن هنا اختلط الأمر عليها فجرت خالق الكون والكتب السماوية وكلام الأنبياء الوحياني والأوصياء الإلهيين إلى محكمة العقل الكمي المبني على الانطباعات الحسية وأصدرت أحكامها بشأنها.
فقد شيدت في الحقيقة بناء جديد على أسس جديدة ونشأ من هنا الله جديد وكتاب جديد وأحكام جديدة.
وكان هذا بداية المشوار، إذ صادق وأيد حجة العصر هذا، كل ما يمنحه السلطة والتمتع باللذة. ووقع على كل ما يتوصل اليه عن طريق محك التجربة الحسية. وضرب بعرض الحائط كل أمر ونهي وومانع ورادع ووازع يعيق هذه اللذة والتمتع وحب السلطة، واعتبره حصيلة الجهل والخرافة، وحدث ما حدث. فتولد عالم جديد وإنسان جديد وجاهلية جديدة.
إن المذهب الإنساني والأخلاق الليبرالية (الإباحية) والنظرة العلمانية أبرزت معا، المواصفات المهمة للجاهلية الثانية وقدمت الإله الجديد والأخلاق الجديدة والإنسان الجديد. وربما إن هذه الواقعة هي تفسير هذه الآية  في القرآن الكريم وقد بينت على لسان إبليس:
"قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ" 
وقد حدث الإغواء عن طريق تزيين الأرض لا عن طريق الأمر بالفحشاء وحتى تزيين السيئات، كما ورد في الآية الشريفة:
"وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"
إن المادية التي اتسمت بداية بطابع فلسفي تحولت إلى ثقافة، واجتاحت مذاك مجمل الحياة المادية للإنسان.
ومما لا شك فيه أن العلم مُزيل للعتمة والمجهولات وينير الطريق ويرشد نحو الحق. ومقدِم حجة الحق والفارق بين الحق والباطل. ذلك الذي كان يحمله ويبشر به ويدعو له كتاب الله وآل الله. ولذلك فإنه فيه شفاء، أما في عصر الجاهلية الثانية، فإن أكبرعائق خفي ومهدم لكتاب الله وآل الله، وأكبر منكر لحجة الحق تغلف بغلاف العلم واشتهر بالعلم والمعرفة، بل انقلب وأصبح معكوسا في كسوة الحجة الفارقة، أي إنه يقدم الحق باطلا والباطل حقا، والمعروف منكرا والمنكر معروفا.
وهذا بديهي بأن أي شئ لا يقدر على معرفة حجة الحق والفارق وتقديم الحجة، فهو ليس بعلم. فالعلم نور، ولهذا فإنه يرشد ويميز بين الصواب والخطأ. إن ما لا يستيطع الوصول إلى الفارق وحجة الحق، يقترن بالجهل ويكون مرشدا للجهالة ومن قبيلتها.
إن الجاهل في عصر الجاهلية الأولى لم يكن يعرف حجة الحق، لكنه ما إن استمع إلى كلامه، آمن به وحطم الأصنام ونبذ عبادة الأصنام، لكن جهلاء العصر المتأخر والجاهلية الثانية يواجهون حجة الحق بالحرب والإنكار. ولهذا فإنه نقل عن الإمام الصادق (ع) عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية.
إن الإعلان عن تجربة الجاهلية الثانية أو بالأحرى  الجاهلية الحديثة في سنوات ما قبل الظهور، من قبل النبي الأكرم (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) هو إعلان عن بطلان "مبدأ الترقي" أو التكامل والتطور الذي طرح من قبل مبشري التاريخ والفكر الغربيين.
ومع توهج فانوس العلم ذاتي المحور في العصر الجديد، ظن أناس مثل فرنسيس بيكن بأن هذا الفانوس سينشر ذلك النور الذي سيبرهن جهل وتحجر القرون السالفة وجميع الثقافات والحضارات التي جربت في الماضي، بل ومع تمهيد وتسوية الطريق، سيقرر مصيرا وضاء وزاخرا بالعلم والبصيرة للبشرية. 
إن تبيان مواصفات وتقديم مصاديق ومظاهر الجاهلية الأولى قبل بعثة النبي الأكرم (ص)، كان يحمل في طياته معنى وتفسير العلم الإلهي والحياة المعرفية الطيبة والعارية عن الجهل.
إن هذه الطريقة في النظر إلى الكون وكيفيه الكينونة وطريقة التعامل والسير في الأرض تبين إن كان الإنسان قد دخل ميدان العلم والمعرفة أم إنه منغمس في الجهل.
إن بعثة الرسول الأعظم (ص) وإبلاغ الرسالة وإنزال الكتاب السماوي لعرب الجاهلية، كان بوابة الخروج من الجاهلية الأولى وبسط ونشر العلم والمعرفة الحقيقية، ذلك الذي غير كل شئ. وكأنه تسبب بولادة إنسان جديد وجماعة جديدة في الكون وادى إلى   ان تطأ قدما الإنسان عتبة الإنسانية الإلهية وان يجد الاناس عديمو الاطلاع والمتورطون بالجهل، امكانية الدخول إلى   ساحة الأمة الإسلامية. ومن هنا ولد المسلم والأمة  الإسلامية. اولئك الذين اصبحوا في ظل القرآن وسيرة وسنة ذلك المعلم السماوي، حملة القرآن ورمز العلم والحياة العالمة في الأرض.
ولا شك بان الصورة التاريخية والحياة المادية والحضارية لا تنال اعتبارها واصالتها وموقعها من زخرف الأشياء وتنوعها وتعددها بل من صاحب الاصالة والجاه حقا.
إن الذي يضفي المعنى ويمنح الاعتبار لجميع الصور المادية والتعامل والعلاقات بين الناس، هو قبل كل شئ الروح المعنوية والثقافية لتلك الصور. تلك الهوية التي نبعت مع بعثة النبي الأكرم (ص) من كتاب الله وآل الله.
إن غياب كتاب الله وآل الله لدى الصورة الحضارية والحياة الثقافية جعل البشرية والمجتمع البشري ما قبل البعثة يتصف بالصفات الجاهلية. لكن حضور هذين الأمرين ازال تلك الصفة المذمومة عنه وادى إلى   ظهور المدينة الفاضلة أو العالمة.
وفي عصر النبي الأكرم (ص) وحضور كتاب الله وآل الله، بلغت الحضارتان الايرانية والرومية مبلغا من التقدم والتطور الا ان الغفلة عن الروح الحقيقية السماوية المنعشة للحياة، حرمت تلك الحضارتين عن امتلاك عنوان الحياة الطيبة والمدينة الفاضلة والعالمة. ولذلك تعتبر الايات والروايات، بان التأمل في ساحة كتاب الله والتمسك والتوسل بساحة آل الله تمثل علامة الخروج من الجاهلية الأولى والمجتمع الجاهلي.
إن اعلان حلول موسم الجاهلية الثانية أو بالأحرى  الجاهلية الحديثة، هو في الحقيقة الإعلان عن خروج الروح السامية لكتاب الله عن الثقافة والحضارة البشرية وغياب سيرة وسنة آل الله عن العلاقات والتعامل الفردي والجماعي للبشرية. وفي هذا التوجه ووفقا لتصور حماة ومبشري مبدأ الترقي أو الحداثة، فإن الحياة الحديثة والحضارة التكنولوجية تمثل المقياس والمعيار للتشخيص والعامل لاضفاء الاعتبار والمصداقية وشرط اعلان الحياة المستنيرة. ذلك الشئ الذي اصاب الإنسان الغربي بالوهم ودفعه إلى   ان الظن بأنه قد تخلص من الجاهلية في ظل تجربة الحداثة ومَثُلَ امام شمس العلم والمعرفة.
وهذا الكلام، يميط اللثام عن تصور اخر: إن سير الحياة في الأرض ومرور الزمان الكمّي لا يعني بالضرورة سير الاكتمال وتجربة الكمال. وان كان غير ذلك، لما كان رسول الله (ص) يخبر امته مسبقا عن تجربة الجاهلية الثانية في اخر الزمان وسنوات ما قبل الظهور.
وكما اسلفنا، فإن الحضارتين الايرانية والرومية كانتا قد بلغتا في عصر البعثة، مراحل متقدمة من الرفاهية وتجربة الادوات المتطورة مقارنة بذلك العصر.
وبالنسبة لاولئك العظام والطاهرين، أهل بيت رسول الله (ص)، لم يكن من الصعب تنبؤ تجربة الحياة في ساحة الحضارة الغربية الحديثة، بحيث تحدثت العديد من الروايات عن التغير المادي والصوري للحضارة والحالات المادية للحياة البشرية في سنوات ما قبل الظهور، فهذا السير والحركة لا ينحيان منحى الكمال، بل ليس من اللازم ان تسير حياة الإنسان ومسيرته في الصور المادية والحضارية، نحو النمو الكمّي والطبيعي. ان ما يعطي المعنى والحياة لجميع الصور ويضفي عليها مصداقية وارتقاء، هو تطور النفس قبل تطور الادوات.
وعلى مدى قرون وسنوات، دفع الاعجاب بالساحة المادية الحديثة، الكثير من العلماء والمفكرين غير المسلمين لاعتبار تجربة الحداثة التي نشأت منذ القرن الثامن عشر فصاعدا، بانها الكمال والعلم عينهما، بل وذهبوا ابعد من ذلك لاكتشاف الضوابط والقواعد الخاصة التي تحكم التاريخ.
وهذا الكلام لا يعني بان تجربة الكمال والعلم وبالتالي الحياة الطيبة والمدينة العالمة والفاضلة، مقترنة بابسط صور الحياة على الأرض، بل ان الحديث يدور حول الاضفاء العبثي للاصالة على الصورة الحديثة للحياة والتمتع بالادوات التي تسهل وتبسط الحياة على الأرض. بحيث ان هذه التجربة أي الحداثة انطوت في حد ذاتها على التقهقر والرجعية والتوجه الجاهلي نحو الكون، السير في الظلام، حتى وان أضيئ الليل، بأحدث المصابيح ليصبح كالنهار. مثلما ان ساحة روح إنسان عصر الحداثة وفؤاده وثقافته واخلاقه غارقة في الظلمات وعتمة الجهل.
انظروا إلى   جميع المظاهر والمصاديق التي تصف الجاهلية الأولى وكل ما نهى عنه كتاب الله وآل الله، لتدركوا هل ان ساحة الإنسان، مضيئة بنور العلم أم غارقة في الظلمة والجهل؟
والمثير للانتباه هو أنه على الرغم من تصورنا ووهمنا، فإن الجاهلية في العصر الملئ بنمو الحضارة الحديثة والتكنولوجية، تظهر أسوأ وأكثر  شرا من الجاهلية الأولى.
وهي الرواية المنقولة عن النبي الأكرم (ص) : "بعثت بين جاهليتين لآخرهما شر من أولهما".
فالتنبؤ يعلن عن حدوث الجاهلية الثانية من جهة، وكونها أكثر  شرا وسوء من الأولى من جهة اخرى.
وفي رواية اخرى، يتم وصف متبعي هذه الجاهلية التي هي حصيلة تتبع الجاهلية الأولى، بالابغض حيث يقول النبي الأكرم (ص) "أبغض الناس إلى   الله ثلاثة ملحد في الحرم ومتبع في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرء بغير حق ليهريق دمه".
وربما يُظن بان الجاهلية الثانية التي يدور الحديث حولها تعود إلى   السنوات أو القرون الأولى التي تلت بعثة النبي الأكرم (ص)، لكن مصاديق هذه الجاهلية الثانية التي تحدثت عنها الروايات المنقولة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، تظهر اوجه مختلفة.
الوجه الأول، ينسحب على الجاهلية في الميدان الفكري والعقائدي. وهو الذي يتسبب ببروز المصاديق الثقافية والحضارية للجاهلية.
ولدى أهل الذكر واولي الالباب من الأنبياء والأوصياء والحكماء، فإن التحلي بحلي الحياة الدنيا وتقدم وتراجع الاوجه الحضارية والمادية، لا يشكل المعيار والمقياس لتحديد ما إذا كانت حياة المجتمعات البشرية تتسم بالمعرفة أو الجهل. ان عموم العظماء، يعتبرون سلامة الدين والأخلاق   وقيادة الجماهير على طريق الفلاح والنجاة، يشكل العلامة الأولى للمدينة العالمة.
وقد ورد في اقوال وكلام الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بان من لم يعرف امام عصره فإنه يموت ميتة جاهلية، الأمر الذي سيخضع الإنسان للسؤال والمؤاخذة بشانه. ونقل في هذا الخصوص عن الإمام علي أمير المؤمنين (ع) قوله ان رسول الله (ص) قال " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".
وكما ورد في الادعية والزيارات الخاصة بان الإمام المعصوم والمنصوب من قبل الحق، هو صاحب وحامل العلم الحقيقي بل هو معدن العلم ومخزن سر الله ومختلف الملائكة ومستلهم بالعلم الغيبي ولذلك فإنه الفارق ومعيار تشخيص العلم عن الجهل والحق عن الباطل.
إن مقام الإمام هو مقام يميز الحق عن الباطل والعلم عن الجهل وان الجهل حول صاحب هذا المقام هو بمنزلة الجهل حول معيار تشخيص الحق عن الباطل والعلم عن الجهل وبالتالي الابتلاء بالشبهة والانزلاق نحو الباطل. وهذه الواقعة تقع بداية في المجال النظري وتؤدي إلى  ظهور سيرة وسنة وأخلاق  وثقافة مليئة بالباطل والجهل وتؤدي بالتالي إلى  إيجاد حضارة مليئة بالباطل والجهل.
إن كل الحروب وسفك الدماء وإهدار الحقوق والأموال وألوف المفاسد الأخرى هي حصيلة بروز الشبهة وعدم تشخيص الحق عن الباطل وغياب الفارق بينهما. إن مقام الإمام هو مقام الحجة. إن خطاب الحجج الإلهية حول الأئمة (عليهم السلام) مؤشر على مقام الحجة ودليل على وجوده. ففي البحر المظلم والطرق المعتمة، فإن النجوم والكواكب والفوانيس البحرية هي التي ترشد التائه إلى  الوجهة المنشودة وتحول دون فنائه في الصحراء والبحر.
إن الامواج العاتية لبحر العلاقات السياسية والاجتماعية تودي في لحظة بحياة الالوف من الاشخاص.
وليس من دون سبب قالت السيدة فاطمة الزهراء (س): وإِطاعَتَنا نِظامًا لِلْمِلَّةِ ،  وَإِمامَتَنا أَمانًا لِلْفُرْقَةِ. 
إن الخروج من دائرة الحجج الإلهية يفضي بالتالي إلى  الامتثال لاوامر ونواهي الحجج غير الالهيين.
وبكل الاحوال، فإن  الإنسان يختار في خضم الحياة وتقلباتها، اشخاصا كحجة له تظهر في ادبه وثقافته وتعاملاته المادية.
إن  الوجه الخارجي لحياة كل عصر، هو تجسيد ذاتي للحجة التي يعتبرها الناس في كل عصر وزمان امامهم وحجتهم. فالناس ينظرون في مرآة الحجج إلى  أنفسهم ويجسدون ويبروزن صورتهم في العالم الخارجي.
ومن المستحيل ان يكون عهد الناس وميثاقهم مع حجة ويمتثلون لاوامر حجة اخر. إن    هذا الانفصال، يقضي على نظرة الإنسان وعمله. وإن    ما يتغلب على الدوام ويحكم مملكة كيان الإنسان ويبرز أوامره، هو الحجة المطاع أمره والذي يتعلق الإنسان به.
إن ثقافة وحضارة الجاهلية الحديثة هي انعكاس موضوعي لحجة عصر الحداثة وغير المعصوم والتي وجدت امكانية ممارسة السلطة والإمارة، والفارق الجوهري بين هذا العصر وسائر العصور السالفة التي امتثلت فيها البشرية للحجة غير المعصوم، هو ان عبدة الأصنام واتباع الكهنة والكذابين كانوا في العصور الغابرة يعبدون طاغوتا أو إله أو كاهنا وحتى صنما خارج أنفسهم وكان لهم على الأقل نوع من الاقلاع عن الذات في اسفل المراتب، لكن الإنسان في العصر الحديث، يعبد ذاته، فهو الطاغوت بعينه، واستقر على محور الذات من دون وسيط، وهذا هو اسوأ أنواع الجاهلية التي تحدث في تاريخ الحياة الإنسانية.
وهذه الجاهلية تستحدث عالما مليئا بالظلم والجور. العالم الذي يحدث في نهاية الزمان واخر الزمان.
وفقط في حالة وجود الطاغوت وعبادة الأصنام يصبح العالم مليئا بالظلم والجور. وعندما يعتبر الإنسان نفسه الحق والمعيار والحجة، فإن كل ما يصدر عنه ظالم. وفي عصرنا، يتولد الإنسان من رحم الظلم ويعتبر بسبب الذات المحورية والفلسفة الإنسانية، منشأ ومصدر الظلم والجور. فالإنسان أصبح الاله والرب، والإنسان تحول إلى  الحجة والمشرع ومنشأ صدور الشريعة، وصدور الحكم أصبح حقا للإنسان ومنه، وهو أصبح الميزان ومنفذ الاحكام، وهو الذي أصبح المبدأ والمنتهى والمسار والمقصد والوجهة.
وربما يمكن القول بان امام العصر (ع) هو أكبر محطم للاصنام في تاريخ البشرية على الأرض. فهو الذي يحطم صنم الإنسان في معبد اصنام ذات الإنسان.
إن كلام الإمام علي أمير المؤمنين (ع) مخاطبا فيه الناس في اخر الزمان مثير للانتباه حيث قال: يا قوم اعلموا علما يقينا أن الذي يستقبل قائمنا من أمر جاهليتكم ليس بدون ما استقبل الرسول من أمر جاهليتكم ، وذلك أن الأمة كلها يومئذ جاهلية إلا من رحم الله. 
إن الحياة على الطريقة الجاهلية، تنطوي على الامتثال والتبعية والعمل بالثقافة والحضارة الجاهلية.
وطالما ان حضارة وثقافة لا تتفشى على نطاق واسع ولا تنتشر على مستوى العالم وطالما ان الناس لا يرضخون للثقافة والحضارة الظالمة والجاهلة في الأخلاق   والسيرة والسنة والتطبيق، فإن الظلم لن يكون شاملا ولن يمتلئ العالم ظلما وجورا، إذن كيف في هكذا حالة والكل غارق في الثقافة والحضارة الظالمة والجاهلة، الذهاب لاستقبال الإمام؟
إن    استقبال الإمام يتطلب التنكر للوضع والأسلوب الظالم والتبرّي منه وهذا التبرّي رهن بالمعرفة حول حق الزمان وتجلي وظهور الكفر والشرك والنفاق في الزمان.
ويبدا المشوار مع الإنكار والرفض. إن    القوم الذين لا يبلغوا مرحلة الإنكار والرفض ولا يقولوا لا اله الا الله، كيف يمكن لهم ان يصروا على اثبات الحق؟ ان المعرفة حول الاسس الثقافية والعقائدية للحضارة الجارية والأسلوب المتبع والمعتاد، يؤدي إلى  الإنكار والتبرّي وإن     التبري ينطوي في حد ذاته على الامتثال للامام والتماشي معه.
وعندما يترسخ الظلم في الميادين الفكرية والاخلاقية والعملية ويتحول الإنسان إلى  الظلم عينه ويغرق في الجور، فإن     الإنكار والتبري يجب ان يغطيا بالضرورة كل المجال العقائدي والاخلاقي والعملي الظالم. إن     هذا الرفض والإنكار يمهد للاستقبال. إن     الاستقبال السيئ ربما يشكل أحد أسباب تاخر الظهور.
وفيما نكرم الأسلوب الجاهلي ونتخطى من أجل بقائه وديمومته، جميع الحدود المرسومة في المجالات العقائدية والاخلاقية وحرام كتاب الله وآل الله وحلالهما، نتحدث في الوقت ذاته عن امام الزمان (ع). وهذا هو الاستقبال الجاهل لحجة الله الحيّ. وهو الذي لا يفضي إلى  الظهور والحضور.
ولعل أكبر نتائج غلبة الجاهلية الثانية والتي تتحصل بعد نسيان الحجة الحق تتمثل في انتشار الظلم على نطاق واسع. ولهذا السبب فقط أي انتشار الظلم وعموميته تمتلئ الأرض ظلما وجورا.
واحد معاني الظلم، هو الظلمة. إن     الظلمة تحصل نتيجة غياب النور والابتعاد عن الشمس الساطعة، بحيث ان البشرية منغمسة اليوم بالعتمة والظلمة. لكن المعنى الآخر للظلم هو في مقابل العدل. إن     الظلم يعني وضع الشئ في غير موضعه. وعندما يكون كل شئ في غير موضعه، يصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا. وفي هذه الحالة يقع الظلم، وينتشر على نطاق واسع ويلقي بظلاله على القلوب والعيون، مثل الظلام. لكن أكبر ظلم في تراتيبية الظلم، هو الشئ الذي تحدثنا عنه أي إن     الإنسان أصبح بديلا عن الحق وحجة الحق، بحيث ان أكبر منكر هو إنكار الإمام الحق وبقائه مغمورا، وأكبر معروف هو التعريف به. ففي هذا الظلم ووضع الأشياء في غير محلها، تزول الحساسيات تجاه المعروف والمنكر.
وهنا لابد من التذكير بان الابتلاء بالجاهلية يمهد جادة حياة الإنسان لارتكاب الجريمة. إن  التلوث الحيوي والدنئ هو الابتلاء بالجاهلية. وفي هكذا وضع تنتشر القبائح على نطاق واسع وتتحول إلى  شئ اعتيادي، والاسوأ من ذلك يتم اظهار القبيح على أنه حسن ويصبح مبعث فخر واعتزاز.
وهل فكرتم بهذا السؤال أنه لماذا سعى ويسعى إبليس وجنوده لتشجيع الإنسان على ارتكاب الذنوب؟
-    إن  تفشي الذنوب والتمرد على الحق، يجعل الإنسان في كل الطبقات من دون مأمن وملاذ، ويزيل جميع الجدران المحافظة لكي لا يبقى الإنسان مدافعا عن الحق وأهله، بل ينخرط في فسطاط إبليس ويصبح من جنوده.
إن الفساد والدنس والتلوث يفتح أبواب جنود إبليس لتردد الإنسان. إن الذنب والظلم لاسيما عندما يتحولان إلى  ثقافة عامة، يفتحان الأبواب لولوج أجنة الشيطان وهم جنود إبليس، في حين لا يبقى أي مانع ورادع ووازع يحمي الإنسان ويصونه.
إن السباحة في بحر الجهل، أغرقت الإنسان في الذنب لدرجة نشأ اختلاط وامتزاج وتناسب مذهل بين الإنسان وقوى الشر.
-    ولماذا يتم الحديث في عصرنا هذا وأكثر من العصور السالفة عن السحر والشعوذة وعبادة الشيطان والارتباط بالأجنة؟
ولماذا يتم إنتاج كل هذه الأفلام عن السحر والشعوذة؟
وهل دققتم النظر في أفلام الكارتون التي يشاهدها الأطفال عبر التلفزيون والقنوات الفضائية؟! إن عموم هذه الأعمال تحوي موضوعاومفهوما شيطانيا والارتباط بالقوى الشيطانية والسحر والشعوذة. إن موضوع ومحتوى أكثر الكتب انتشارا في تاريخ حياة الإنسان، أي "هاري بوتر" هو السحر والشعوذة كما أن فلما انتج على أساس هذا الكتاب وعرض في أرجاء العالم، وهذا الفلم كان من أكثر الأفلام مبيعا. وفضلا عن ذلك وعلى مدى الأعوام  الأخيرة فإن بعض الفضول فتح أبوابا أخرى أمام جنود الشيطان لاختراق حياة الإنسان.
1-    وتوجهت جماعة نحو الدفائن ونحو كتب السحر والشعوذة والعلوم الغريبة. وتوجه جمع نحو الرمالين ولجأوا إلى  استحضار وتسخير الأجنة. وفكت بهذا الطريق طلاسم، طلاسم بقيت بلا تغيير لألوف السنين. إن اقتحام هذه المشاهد من العلوم الغريبة من دون إذن وتخصص جلب الكثير من الأمراض النفسية التي هي حصيلة رسوخ القوى الشيطانية، للبشرية.
إن الشياطين شجعت الإنسان على ارتكاب الكبائر لتتسلط عليه بهذه الطريقة وتحوله إلى أداة طيعة بيدها لتحقيق مآربها.
-    إن قادة المحافل الخفية والمحافل الماسونية في المراتب العليا، يستمدون قوتهم من القوى الشيطانية ليتغلبوا على منافسيهم ويحفظون مناصبهم وبالتالي يردون الجميل على إبليس، ويعمموا الذنب والدنس نيابة عن الشيطان ويضفون عليهما طابعا قانونيا ونشرهما علانية، ويصبح الشيطان في هذه المعاملة والصفقة مسلطا على روح الإنسان وماله وجسمه وقلبه.
إن الترويج للمثلية الجنسية عن طريق ألوف برامج القنوات الفضائية وشرب الخمر والزنا والتجذيف والإساءة إلى الكتب السماوية وحرق المصحف الشريف وغير ذلك، ألقى أسرع من أي وسيلة أخرى، بجنود إبليس على رؤوس البشرية.
إن الأفلام تزيل قبح ومساوئ القتل والضرب والاعتداء وتظهر كل يوم الألوف من مشاهد القتل والجريمة أمام أعين الأطفال، لتصاب الروح العامة للمجتمع بالمرض، فضلا عن تكاتفها مع الذنوب لتمهد الطريق أمام جنود إبليس ليسيطروا على أفئدة البشرية و أرواحها.
وربما يبدو غريبا ذكر هذه الحالات، لكن دراسة ما يجري في كواليس قادة المحافل الخفية وحتى الكثير من ذائعي الصيت والشهيرين في ميدان العلم والفن، يظهر إصابتهم بالارتباط الغامض بالقوى الشيطانية والأسوأ من ذلك تركيزهم المبرمج على تدنيس البشرية وتلويثها بالذنب والخطيئة بشكل ممنهج.
-    ومنذ الأزمان السالفة، كانت المساجد والمواقع الدينية وحلقات الوعظ والذكر وأولياء الله الصالحين وعلماء الدين يحمون كدرع حصين، الديار والمنازل  من سهام جنود الشيطان. وللأسف فإن مثل هذه المجالس والحلقات تضاءلت خلال العقود الأخيرة في مختلف المناطق، وحلت شاشة التلفزيون محل المنبر والخطابة وتغيرت الصورة المعمارية ولم يسأل أي مهندس عن الحكمة الكامنة وراء كل عمارة وفجأة حاصرت المباني المثلثية والهرمية الشكل، المدن والشوارع وهي عمارات ومبان تجتذب القوى السلبية المنتشرة في أرجاء الأرض والمحدقة بالإنسان.
-    وفي السابق، كان الناس يبدأون يومهم بأدعية وأذكار خاصة وكانوا معتادين عليها، بحيث أزعج ذلك الشيطان وأبعده عن الناس ومنازلهم وديارهم، وكل هذا تم نسيانه.
ووضع الجميع يدا بيد، حتى انهارت الحصون والقلاع المحافظة ولجأوا إلى  العلوم الجديدة عديمة البنيان والأساس مثل علم النفس وعلم الاجتماع عسى أن يستطيعوا بمددها الكشف عن سر غزارة وقوع الجريمة والطلاق وسوء الأخلاق   الاجتماعية والتطاول على الحرمات.
ولِمَ لا يفكر أحد بالجدران المحافظة التي انهارت؟
إن علاج كوارث السيول والزلازل والجفاف، لا يكمن فقط في بناء السدود وتحصين المباني وبناء صوامع الغلال. بل يجب البحث عن مصدر كل هذا في مكان وموقع آخر، أو أخذ ذلك المنشا والمورد على الأقل بعين الاعتبار.  
إن الخطاب السائد في عصرنا الحاضر، هو السياسة، الاقتصاد، اللذة والاستمتاع. وأصبح بلوغ هذا الثلاثي يمثل الشغل الشاغل للصغير والكبير.
إن كل الإعلانات والدعايات التجارية، أصبح همها الوحيد تحفيز وتشجيع الناس على النوم والاستيقاظ والأكل. وسار الجميع من صغير وكبير على طريق النوم والاستيقاظ والأكل.
فالجيمع مهمتون بالدنيا وما فيها، لكن أين عُقبانا وآخرتنا إذن؟
وأليس كل هذا هو تفسير الآية  الكريمة: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ".
إن تجاهل ونسيان السماء، هو نتيجة الاهتمام بالأرض.
وبحسب الروايات، فإن امام العصر والزمان (عج) وأنصاره، يخوضون في سنوات الظهور العصيبة حربا مع جيش إبليس، وجنود إبليس من غير الإنسان أي الأجنة الشيطانيين. ويدخل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل والملائكة والجنود الرحمانيين إلى  الساحة ليحاربوا مع الإمام، جميع جنود الشيطان ويطهروا الأرض من دنسهم، لكي يتخلص الإنسان من كل ذلك ويتذوق الحياة الطيبة ويستقر في دولة كريمة.
وفي السنوات التي تسبق الظهور، فإن عمق واتساع نطاق الجهل من جهة والانفصال والابتعاد عن سيرة وسنة الرسول الأكرم (ص) والكلام السماوي (القرآن الكريم) من جهة أخرى يزيد للأسف من الشعور بالغربة لدى الناس وغربة الدين لدرجة تبدو عقيدة آخر وصيّ الرسول الخاتم (ص) المهدي المنتظر (عج) وكأنها عقيدة جديدة لدى الناس.
وقال الإمام الصادق (ع):
"إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء".
إن المُهجّر والمُغترِب عن البلد والديار، عندما يحل في وطنه ودياره، يبدو غريبا وغير معروف، وإلا ليس هناك دين جديد ولا أمر جديد، مع أن الإمام الصادق قد قال:
«إذا قام القائم جاء بأمر جديد كما دعا رسول صلى الله عليه وآله في بدء الإسلام إلى أمر جديد».
إن البعد والغرابة والهوة هي التي تجعل دين الآباء والأجداد غريبا في أعين الجهلاء، بحيث أن الإمام المعصوم قال حول سيرة الإمام المهدي (ع) ما مضمونه إن ما سيقوم به المهدي هو نفس ما قام به رسول الله (ص)، فإنه سيدمر البدع السائدة مثلما أن رسول الله (ص) هدم أساس الجاهلية وعندها سيبني الإسلام من جديد.
إن البدع في السير التدريجي والتكويني، أخرجت جميع الُسنن من الميدان لتحل محلها ومدت الجاهلة الثانية جذورها، واتسمت بصورة وظاهر الثقافة والحضارة، وتسلحت بسلاح الفن والوعي والتجربة لكي تقف بكل ما أوتيت من قوة بوجه كل مصلح ومجدد.
ولهذا نرى أن دفتر الأيام والزمان زاخر بأسماء آلاف المصلحين والمجددين الذين اخفقوا في انجاز مهمتهم. اولئك الذين بذلوا قصارى جهدهم لمواجهة الأشكال المختلفة للجهل.
وربما لهذا السبب أو لأسباب أخرى سيكون تراث جملة الأنبياء السلف في وقت تجديد حياة الإسلام والظهور الكبير مؤازرا وداعما للمهدي (ع)، بحيث أن عصا موسى وقميص يوسف وخاتم سليمان وراية ودرع النبي (ص) والتوراة والإنجيل وسائر مواريث الأنبياء والأوصياء والتي كان لكل منها قوة ونفوذا في عصرها لإسقاط مختلف أنماط الشرك والكفر والنفاق الذي اصطف في مواجهة الأنبياء العظام الإلهيين، ستتدخل من أجل الإطاحة بالجاهلية التي هي حصيلة كل التجارب السابقة وكل المصاديق السابقة للكفر والشرك والنفاق، والتي ستظهر في حلة جديدة وهيئة جديدة وخادعة وفي الوقت ذاته ظالمة وجائرة وطاغية. فضلا عن أن مؤازرة ودعم جميع مواريث الأنبياء ومعجزاتهم بما فيها الكتب السماوية السابقة، هي مؤشر على الدين المتكامل والتام والأتمّ لآخر وصيّ رسول آخر الزمان (عج)، وهو الذي سيتغلب على كل المذاهب والعقائد لتكون الدولة الكريمة لحضرة صاحب الزمان (ع) هي الهادي والملاذ لجميع الملل والنحل.
وفي الروايات الواردة من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) تم تبيان الأوجه المختلفة لهذه الجاهلية، واعتمادا على هذا الكلام الحكيم وعلى رغم تصور الذين يرون ظواهر الأمور فحسب، فإن المجتمع البشري سيغرق قبل ظهور الموعود المقدس (عج) في الجاهلية في المجالات الثلاثة الفكرية والثقافية والحضارية.
إن تصدع وتحطم سلسلة الجاهلية، رهن بظهور الحجة الحيّ، موعود آخر الزمان وإن تكليفنا يتمثل في الانخراط المخلص والمجد لحشود المنتظرين والممهدين. نأمل أن نحظى بهذا الحظ وهذه المسايرة العظمى.

إن شاء الله.

الهواشی :

  1. محمد الرشيدي، العقل والجهل في الكتاب والسنة، ص 273
  2. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 362
  3. النعماني، كتاب الغبية، ترجمة علي أكبر غفاري، ص 414، الباب 17
  4. نهج البلاغة، الخطبة 95
  5. المصدر نفسه، الخطبة 107
  6. بحار الانوار، ج 52، صفحة 362
  7. سورة الحجر، (15)، الآية   34
  8. سورة ص (38)، الآية   82
  9. سورة الححر (15)، الآية   39
  10. سورة الانعام (6)، الآية   43
  11. بحار الانوار، ج 51، ص 73
  12. بحار الانوار، ج 9، ص 223؛ الطبرسي، احمد بن علي، الاحتجاج، ج1، ص 98
  13. بحار الانوار، ج 51، ص 120
  14. بحار الانوار، ج 52، ص 191؛ الشيخ الصدوق، كمال الدين، ج 1، ص 201
  15. الشيخ المفيد، الارشاد، ج2، ص 384
  16. بحار الانوار، ج 52، ص 352

 

فلسفة العرفان الكبری والإمام المهدي عليه السلام

$
0
0
فلسفة العرفان الكبری والإمام المهدي عليه السلام

جاءت كل التشريعات السماوية والإنسانية والأرضية والكونية لتحل لغز الوجود المحيّر في ذاته والمعقول في غيره، والسؤال المطروح دائما وأبداً أين سوف يحل هذا اللغز وأين سوف يعقل؟ لن نجد جواباً محدداً لهذا السؤال المطروح إلا عبر ترجمة كل معاني الوجود الظاهرة منها والباطنة، وهكذا نطرح سؤالاً آخر وهو كالآتي: أين يمكن ترجمة معاني الوجود الظاهرة منها والباطنة؟ وهل يوجد فعـــلاً  وهل يوجد فعلاً من لديه الطاقة الفكرية والعلمية والروحية في ترجمة كلّ معاني الوجود؟ المشكلة العويصة في هذا الموضوع هو أنّ الوجود ليس جامداً في ذاته ومعانيه، الشيء الذي يجعل المحقق الباحث في حيرة من أمره.

جاءت كل التشريعات السماوية والإنسانية والأرضية والكونية لتحل لغز الوجود المحيّر في ذاته والمعقول في غيره، والسؤال المطروح دائما وأبداً أين سوف يحل هذا اللغز وأين سوف يعقل؟ لن نجد جواباً محدداً لهذا السؤال المطروح إلا عبر ترجمة كل معاني الوجود الظاهرة منها والباطنة، وهكذا نطرح سؤالاً آخر وهو كالآتي: أين يمكن ترجمة معاني الوجود الظاهرة منها والباطنة؟ وهل يوجد فعـــلاً  وهل يوجد فعلاً من لديه الطاقة الفكرية والعلمية والروحية في ترجمة كلّ معاني الوجود؟ المشكلة العويصة في هذا الموضوع هو أنّ الوجود ليس جامداً في ذاته ومعانيه، الشيء الذي يجعل المحقق الباحث في حيرة من أمره.

اللغز المحير إذن هو جوهر العبادة، فلولاه لما كانت لهذه الأخيرة معنى ولا سبيل ولا هدف تسعى لتحقيقه، نعم جاءت العبادة لتحل مع كل شيء وفي كل شيء مشكلة الوجود ومعانيه الظاهرة والباطنة، العبادة عند كل البشر هي مجموعة قوانين رسمت من طرف جهات معينة غيبية أو ظاهرية مرئية.

يقول الحكيم محي الدين بن العربي الفيلسوف والعارف المعروف: لا يوجد في الوجود إلا مفهومٌ واحداً يحاصره في كل معانيه وهو مفهوم العبودة.

فما هو مفهوم العبودة؟

يقول الحكيم العربي في الفتوحات (العدد3 صفحة149): والعبودة مخلصة من غير نسب لا إلى الله ولا إلى نفسها، لأنه لا يقبل النسب إليه، ولذلك لم تجيء بياء النسبة، وإذا أردنا توضيح هذا الكلام قلنا أنه لا يوجد في بحر الوجود معنى يفسره سوى هذا المفهوم وهو مفهوم العبودة، فأينما اتجهت بوجودك سوف تجد وجوداً يطلبك وتطلبه في آن اللحظة.

فبالعبودية يطلب الله  وهنا كانت النسبة إليه سبحانه ، بخلاف العبودة فهي غير محددة النسبة.

فما هي العبودية؟

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المنزل (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)  وفسّرها إبن عباس بقوله: إلا ليعرفون، ولكنه سبحانه لم يخلق الإنسان والجان وحدهم في هذا الوجود الأعظم، فسبحانه خلق خلقاً كثيراً، ولم يخاطبهم بهذه الخصوصية خصوصية العبادة فما السر في ذلك؟ السر في ذلك يكمن في جعل الإنس والجن يتصلون بسرهم الغائي والأصلي الذي من خلاله سوف يجدون ذواتهم شيئاً آخر غير التي هم عليها والتي يعتقدون أنهم فيها يقيمون ، فالعبادة وصلة يجتمع فيها الأمر الإلهي والخلق الإلهي من أجل معرفته بنسب خلقها في خلقه، وكما جاء في الأثر: كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أُعرف، فخلقتُ الخلق لأُعرف.

ومن جهة أخرى يمكن القول أن الإنسان يعبد نفسه التي تستنبط الذات الإلهية المقدسة، فهل يمكن أن يكون للإنسان إتجاه سوى الله، فلا يدرك الإنسان إلا بالله، ولا يدرك الله إلا بالإنسان، فالحقيقة الإلهية هي المسار التحريري للذات الإنسانية العاشقة بالله.

ولهذا فضل الإنسان عن سائر الخلق جميعاً. وهنا نجيب عن السؤال المطروح لماذا سبحانه وتعالى لم يخاطب مخلوقاته بالعبادة وخاطب بها الإنسان؟ ولكن هل يعني هنا الإنسان كل الإنسانية أو صفة الإنسان، أو أن هناك تعبيراً آخر يتصل بالمسالة مباشرة ويمنحها التفسير الحقيقي والموضوعي؟

فما هو هذا التعبير؟

إن هذا التعبير هو مفهوم الإنسان الكامل الذي استبطن الذات الإلهية المقدسة والتي انطبعت فيه حقائقها السرمدية، فمن خلال الإنسان الكامل يعبر كل موجود  كيف ما كان وضعه الوجودي ونشأته الوجودية إلى ذات الله.

فالإنسان الكامل حسب قول صدر المتألهين الشيرازي قدس: هو الكون الجامع لجميع مراتب الوجود، فهو مع الممكن ممكنٌ ومع الواجب واجبٌ.

فالإنسان الكامل إذن هو كائن إلهي انطبعت فيه كل الحقائق الكونية ـ الزمان  المكان ـ وكل التجليات الإلهية، والمظاهر الكونية الإلهية، فهو برزخ البرازخ  وروح العالم ونفسه ومحوره.

يقول مولى الموحّدين والعارفين علي بن أبي طالب عليه السلام.

أتزعم أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

الإنسان الكامل عند كل الديانات هو رجل يحمل صفات معينة، ففي المسيحية تُعتبر شخصية المسيح عيسى بن مريم عليه السلام هو المقصود بهذا المفهوم، وعند البوذيين بوذا، وعند المانويين ماني، وهكذا حسب كل إتجاه.

فمن يحمل هذه الصفة عند المسلمين؟

وماهو دوره الوجودي في وجودنا ومسيرتنا؟

في المذهب الشيعي الإمامي الإثنى عشري الإنسان الكامل هو الإمام، فما دور الإمام عندنا نحن المسلمين في حياتنا؟ مهمة الإمام هو جمع الإنسانية حول مفهوم وجودي أصيل، وهذا الأصل هو الذي جعل الفيلسوف يبدع كل تلك النظريات الوجودية من أجل استخلاص روح المعنى الحقيقي للوجود.

فالمسلمون يعبدون الله من خلال طاعتهم للإمام الذي يستبطن الأمان والإيمان، وهو ـ أعني الإمام ـ الذي يطلق الله في ذاته المقدسة من التقييد الذي يحدثه التقليد. فهو وجه الله ورغبته. فعندما يحب الإنسان المؤمن الإيمان بالإمام فهو يرغب في رغبة الله وإرادته، وهنا تلتقي الرغبتان الإلهية والإنسانية في الرجوع إلى الأصل الأولي الوجودي ـ إنا لله وإنا إليه راجعون ـ وهنا يخبر العنصر الإنساني بكل الحقائق الإلهية والسرمدية التي كانت تجعله متحيراً في أمر وجوده الدنيوي والحياتي.

اللهم عجل لنا ظهور وليك الأعظم الذي استخلصته لنفسك ولإرادتك العليا ولمشيئتك العظمى.

إن حقيقتك يا مولاي هي التي حيرت حكماء اليونان وهي التي حيرت عقول الفلاسفة على مسار الوجود الدنيوي، وهي التي جعلت نتشه الفيلسوف يقول قولته المشهورة والمغلوطة ، وحيرت عقول علماء الذرة والطبيعة حتى صاروا يؤكدون وينظرون في مؤتمرهم الأخير في صيف هذا العام أن العالم خيال في خيال واعتبروه تهيؤاً وجوداً لا غير، وهي التي جعلت الفيلسوف والحكيم الألماني الوجودي هيدكر يتحد مع الحكيم العربي محي الدين بن العربي في أقواله، وجعلت لكل واحد وجهة هو موليها، فسلام الله عليك يوم ولدت ويوم ترجع إلينا ويوم تقودنا يوم الرجوع الأكبر إلى رب الأرباب لنشهد هناك ونفنى ونحيا فلسفة العرفان الكبرى.

الإمام علي(ع) المظهر التام للتوحيد

$
0
0
الإمام علي(ع) المظهر التام للتوحيد

«واشهد ان لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له» وتمسك الإمام عليه السلام بالتوحيد على أنه دعامة كافة العقائد والأفكار الطاهرة والأعمال الصالحة من جانب، ومن جانب آخر ليلتفت من يرى الوهيته عليه السلام إلى خطأ إعتقاده. ثم يضيف الإمام(ع) بأنّ شهادته هذه شهادة حقيقية تستند إلى الاخلاص والتقوى وليست لقلقة لسان شهادة ممتحنا (1) اخلاصها معتقداً مصاصها(2).

السؤال: كيف يصوّر الإمام علي(ع) تمسكه بأصل التوحيد في حياته؟
الجواب: ثم يتطرق(ع) إلى الشهادة بالوحدانية بصفتها تشكل مصدر جميع الفضائل والكمالات:

«واشهد ان لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له» وتمسك الإمام عليه السلام بالتوحيد على أنه دعامة كافة العقائد والأفكار الطاهرة والأعمال الصالحة من جانب، ومن جانب آخر ليلتفت من يرى الوهيته عليه السلام إلى خطأ إعتقاده. ثم يضيف الإمام(ع) بأنّ شهادته هذه شهادة حقيقية تستند إلى الاخلاص والتقوى وليست لقلقة لسان شهادة ممتحنا (1) اخلاصها معتقداً مصاصها(2).
فهى شهادة حقة دائمة مادامت الحياة مدخرة حيث الأهوال والخطوب «نتمسك بها أبداً ما أبقانا وندخرها لاهاويل(3) ما يلقانا».
فالإمام(ع) يعلن عن عمق إيمانه وإذعانه بحقيقة التوحيد في كافة شؤون الحياة وعلى جميع المستويات؛ الحقيقة التي تجسدت في سيرته عليه السلام والمشهودة في كافة جوانب حياته حتى لم يتطرق الشرك إليه طرفة عين، فلم يسجد لصنم قط وكانت سكناته وحركاته في ظل التوحيد البعيد عن أدنى شرك خفي.
وقصته ذائعة الصيت في مبارزته لعمرو بن عبدود، عندما سقط عمرو على الأرض وكان الإمام(ع) على وشك أن يقضي عليه معروفة؛ نعم فقد شاهد جنود الإسلام أن الإمام(ع) في تلك اللحظات الحساسة توقّف(ومن الممكن أن يكون قد نهض وتمشى قليلاً)، ثم عاد وقضى على عمرو. وعندما سئل عن سبب ذلك، قال: «قَدْ کانَ شَتَمَ اُمّي وتَفَلَ في وَجْهي فَخَشِیتُ اَنْ اَضْرِبَهُ لِحَظِّ نَفْسي فَتَرَکْتُهُ حَتّى سَکَنَ ما بي ثُمَّ قَتَلْتُهُ فِي اللهِ»(4).
وعندما عرض عليه بعض أصحابه أن يعزز دعائم حكمه من بيت مال المسلمين، ويملئ بطون الشخصيات والوجهاء منه، قال: «اَتَأْمُرُونّي اَنْ اطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فیمَنْ وُلَّیتُ عَلَیْهِ واللهِ لا اَطُورُ بِهِ ما سَمَرَ سَمیر وما اَمَّ نَجْم فِي السَّماءِ نَجْماً»!(5).
وعندما كان يقفق في الصلاة كان يذوب في صفات الجمال والجلال الإلهي، فلم ير إلا الله ولم يفكر في سواه، وكما جاء في الحديث المعروف أنه دخل في رجل الإمام سهم في غزوة أحد كان من الصعب اخراجه في الحالة العادية؛ فأمر رسول الله(ص) باخراجه من رجله وهو في الصلاة، فقال الإمام بعد الانتهاء من الصلاة: متى وكيف حدث هذا؟ (6) ونجد الكثير من هذه المواقف التوحيدية في حياة مولانا علي(ع)(7).

الهواشی:

(1). «ممتحن» من مادة «محن» على وزن «رهن» بمعنى الاختبار والامتحان، ويرى بعض ارباب اللغة أن أصلها يعني اخراج التراب عند حفر البئر.
(2). «مصاص» من مادة «مصّ» (على وزن نصّ) في الأصل بمعنى التذوق والمصّ وبما أن عند القيام بمصّ شيء تدخل عصارته وخلاصته الى جسم الانسان، استعملت مصاص بمعنى الخالص.
(3). «اهاویل» جمع «اهوال» وتعني الخوف والرعب.
(4). مناقب ابن شهر آشوب، ج 2، ص 115 (مستدرک الوسائل، ج 18، ص 28) وبحار الانوار، ج 41، ص 51.
(5). نهج البلاغة، الخطبة 126.
(6). کتاب «مناقب المرتضویة» تألیف المولا محمّد صالح الکشفي الحنفي، صفحه 364، طبع بومباي (طبقاً لنقل احقاق الحق، ج 8، ص 602).
(7). رسالة الامام علي (ع)، المجلد 1، ص 273.


وظيفة الحوزة العلمية ومنظمة الأمم المتحدة والدول قبال القتل والتعذيب في باكستان وغيرها

$
0
0
وظيفة الحوزة العلمية ومنظمة الأمم المتحدة والدول قبال القتل والتعذيب في باكستان وغيرها

كان الكلام في هذه الآية الكريمة ((إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم)) وقد تكلمنا في عدة جلسات ماضية في هذين المقطعين ، وبقي المقطع الثالث وهو ((وكل شيء ٍأحصيناه في إمام مبين )) والبحث في هذا المقطع يكون بتحقيق أن الإمام المبين ما هو ؟ ومن هو إن مفهوم (الشيء) أعم المفاهيم ، وهو يطلق حتى على الباري عز وجل وإن كان شيئاً لا كالأشياء ، ومع ذلك صدِّر باللفظ الموضوع للعموم وهو (كل) ، فكل شيءٍ محصى في هذا الإمام المبين .

كان الكلام في هذه الآية الكريمة ((إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم)) وقد تكلمنا في عدة جلسات ماضية في هذين المقطعين ، وبقي المقطع الثالث وهو ((وكل شيء ٍأحصيناه في إمام مبين ))

والبحث في هذا المقطع يكون بتحقيق أن الإمام المبين ما هو ؟ ومن هو ؟

إن مفهوم (الشيء) أعم المفاهيم ، وهو يطلق حتى على الباري عز وجل وإن كان شيئاً لا كالأشياء ، ومع ذلك صدِّر باللفظ الموضوع للعموم وهو (كل) ، فكل شيءٍ محصى في هذا الإمام المبين .

وقد ورد تعبير ((وكل شيءٍ أحصيناه)) أربع مرات في القران الكريم ، ثلاث منها جاء فيها (( وكل شيءٍ أحصيناه في كتاب مبين)) وفي الرابعة ((وكل شيءٍ أحصيناه في إمام مبين)).

والبحث عظيم وشريف جذاً ، وسنستعرض له بالمقدار الميسور ولكن هناك شيئاً مهماً يجعلنا نترك هذا البحث للجلسة الآتية ، وهذا الشيء هو بيان وظيفة العلماء والحوزة العلمية في قم التي هي اليوم ملاذ ومرجع جميع الشيعة في أقطار العالم – بالنسبة لهذه المسؤولية .

إن وظيفة الحوزة العلمية كلمة واحدة ولكن تلك الكلمة كتبٌ ، وتلك الكلمة هي كفالة أيتام آل محمد .

ما هي الكفالة؟ وما تعريف الأيتام في هذه الجملة ؟ ومن هو طرف إضافة هؤلاء الأيتام؟ أي من هو الذي أضيف إليه ؟ وهل فهمنا هذه الوظيفة؟ وهل قمنا بأدائها ؟

إن أيتام آل محمد في باكستان يقتلون قتلا عاما ، صغارا وكبارا ، ورجالا ونساء ، ولا جرم لهم إلا الانتساب إلى مذهب آل محمدٍ ، فماذا فعلنا ؟ وما هو رد فعلنا في مقابل ما يجري عليهم وما يرونه ؟ وما الذي يجري على هؤلاء الأيتام في البحرين ؟

إن المسألة مهمة جداً ، وفي الرواية أن من مسح بيده على رأس يتيم كتب له في صحيفة عمله بكل شعرة تمر عليها يده حسنة ، وأعطاه الله بكل شعرة نوراً يطوي به ظلمات  القيامة ، وهذه ثواب المسح باليد على رأس يتيم عادي .

ضُرب أمير المؤمنين (ع) تلك الضربة التي جعلت جبرئيل ينادي بين السماء والأرض : تهدمت والله أركان الهدى ، وفي هذه الحال قال : الله الله في الأيتام ...لا يضيعوا بحضرتكم .

والأيتام في كلامه (ع) لا ينحصرون في الأيتام الجسمانيين ، ومن قال في هذه الحال الله الله في القران ، قال : الله الله في الأيتام .

وأما النبي (ص) فقد قال : أنا وكافل اليتيم كهاتين ، وهو نفسه قال : أشد من يتم اليتيم الذي انقطع عن أبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه ، ولا يقدر على الوصول إليه ، وأيتامه الآن يقتلون قتلاً عاماً .

ماذا يجب على الحوزة أن تفعل ؟ إن الخدمة البسيطة الميسرة لنا فعلاً أن تعطل هذه الحوزة يوم السبت احتراما لدعاء أولائك الشهداء في باكستان و أولائك المظلومين في البحرين ، وعلى كل الحوزة العلمية أن تكون في حال العزاء .

هناك أيتام فقدوا آباءهم وأمهاتهم وهم بلا ملجأ يلجئون إليه ، فكيف يكون حالنا فيما لو كانوا أولادنا ؟

طوبى لأولئك الآباء والأمهات ، وأبلغوا سلامنا لكل أصحاب العزاء في باكستان .

أما النساء فهم الآن قطعا بجوار الصديقة الكبرى (ع) ، وأما الرجال فهم قطعاً مع أمير المؤمنين (ع) والمصيبة للأطفال الدين لا مأوى ولا ملجأ لهم .

بعد الحرب العالمية الثانية عقدت منظمة الأمم المتحدة جلسة في باريس ضمنت العلماء والمفكرين ورؤساء الممالك ، وقد أصدروا بياناً ذكروا فيه حقوق البشر ، ونشروا ذلك البيان .

وقد ضم هذا المنشور مواد عديدة ولكل مادة بحث ولكن اللازم اليوم هو أن نص ذلك البيان أن كل زعماء الملل والدول مكلفون بإجراء وتطبيق هذه المواد ، وعدم تخطيها .

والمادة الأولى هي أن جميع أفراد النوع الإنساني يولدون أحراراً ، وكلهم سواسية في الحرمة والحقوق ، ولا فرق في الحرمة وفي الحقوق بين رئيس أمريكا وبين تلك المرأة التي في قرية من قرى باكستان ، والكل لابد أن يعيشوا كإخوة  .

هذا هو القانون الذي كل رؤساء أمريكا وأوربا مكلّفون به ومتعهدون به ، فهل رئيس أمريكا وأوربا وملكة بريطانيا متساوون في الحرمة والحقوق مع شعوب الممالك المستعمرة من قبلهم ، الذين هم تحت حكم الحكام والأمراء وطوع أوامرهم ويكدحون ويتعبون ، وهم محرومون من أدنى الحقوق الإنسانية ، فهل هذا هو التساوي ؟

والمادة الثالثة في هذا المنشور هي أن كل فرد من أي دين ومن أي أمة لابد أن يعيش أولاً ، ولابد أن يكون حراً ثانياً ، ولابد أن يحصل على الأمن الشخصي والاجتماعي ثالثا ، فهل شيعة باكستان والبحرين آمنون تحت حكم عمالكم ؟ وما هو رد فعل منظمة الأمم المتحدة المتعهدة على نفسها بكل كلمة في هذا المنشور في مقابل هذه القضايا ؟

والمهم أن رؤساء أمريكا وأوربا جعلوا بمرأى من العالم كله ثروات تلك المملكة بيد عائلة ، وهم من جهة يلغون قانون العبودية ، ومن جهة أخرى يجعلون شعوباً عبيداً لأولئك ، فبأي منطق هذا ؟

إن أولئك الحكام لهم كراسي في منظمة الأمم المتحدة ، ولا أحد يسال ذلك الشخص الذي يدعي أنه رئيس هذه المنظمة ويقول له : إن عائلة واحدة تأخذ ثروات تلك المملكة وتأكلها ، وفي حساباتهم المليارات مع أن هناك أشخاصاً في السجون ولم يحاكموا ، وهم محرومون من كل الحقوق الإنسانية ، هذا منشور منظمة الأمم المتحدة ، وهذا هو وضع الدنيا اليوم .

والمادة الثانية هي : أن جميع أفراد البشر بدون تفريق بينهم في اللون أو القومية أو المذهب أو العقائد الدينية أو العقائد السياسية متساوون في الحقوق والحريات التي ذكرت في ذلك المنشور ، ولا يصح التمييز بين واحد وآخر من أفراد البشر من أي مذهب ومن أي قوميه .

ولكن من جهة أخرى ترسل الأسلحة والأموال لقتل النساء والأطفال ، هذا هو وضع الأمم المتحدة ، ولن يبقى مع هذا البيان سمعة لهذه المنظمة ، وإن كانت السمعة قد ذهبت.

من جهة يوجد هذا المنشور بيد رئيس المنظمة ، ومن جهة أخرى أعطاه عدة أشخاص الحق ، (فكلاهما بيد شخص واحد) وأيضا ذلك الشخص الذي يرسل الأسلحة وملايين الدولارات لقتلة الناس له كرسي في المنظمة ، والمنشور موجود بيده أيضاً ، وكذلك الشخص الذي يقتل شعب بهذا الطريقة ، وهذا هو عدم التمييز !

والعجيب أنه كتب : لأول مرة في العالم تنظم هذه المجموعة في باريس في الأمم المتحدة من أجل حقوق البشر ، وهذا هو عدم الحياء ، إنها أول مرة وهذا هو الأثر.

قبل أكثر من ألف سنة من إصدار هذا المنشور وجد شخص كانت تحت يده كل ثروات وأموال العالم وإيران ولكنه يفطر على خبز الشعير والملح ويقول : (لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص) أذاك عدم التمييز أم هذا ؟

ذاك هو الذي أحيى حقوق البشر ، وكانت الدنيا تحت يده ، فنادى السبط الأكبر للنبي (ص) وأعطاه ثلاثة دنانير، ونادى حبشياً أسود اللون وأعطاه ثلاثة دنانير، أهذه حقوق البشر أم ما جئتم به أيه الملل المتحدة؟!

إن حقوق البشر عنده (ع) فقد ذهب مع خادمه إلى السوق في الوقت الذي كانت فيه مملكة إيران في قبضته وجاء إلى دكان بزازٍ فاشترى قميصاً بأربعة دراهم وآخر بدرهمين ، وأعطى القميص الذي بأربعة لخادمه ولبس القميص الآخر، فقال له خادمه : أنت أمير المؤمنين فأنت أولى بهذا القميص فقال : أنت شاب ومراعاة حالك أولى  ، أهذه حقوق البشر أم تلك ؟

يا مظلوم العالم ! مر شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين (ع) : ما هذا !فقالوا : يا أمير المؤمنين نصراني ، فقال (ع) : استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه ، أنفقوا عليه من بيت المال .

وختم الكلام أن حقوق البشر هذا القتل والتعذيب وضياع الأيتام في باكستان وغيرها أم حقوق البشر عند من سمع بأن خلخالاً سحب من رجل فتاة يهودية فقال : لو أن امرءًا مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً ، والأسف أن أول المظلومين لم يعرف .

في الوقت الذي كانت فيه الدنيا في قبضته وكانت ذخائر العالم تحت يده وأحمال الجمال تخلى في بيت المال الذي تحت تصرفه كان (ع)يستقي الماء ، وينفق مما حصل عليه من هذا الطريق ، بعضه في الليل وبعضه في النهار وبعضه علانية وبعضه سراً لتكون هذه الآية ((الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية)) عملية .

أهذه حقوق البشر أم تلك ؟!

كعبة الوهابية وقرن الشيطان

$
0
0
 كعبة الوهابية وقرن الشيطان

يحاول الوهابية الدفاع عن كعبة انظارهم (نجد) البلاد المعروفة في جزيرة العرب، فيدعون بانها ليست المقصودة بالحديث الذي عند البخاري وأحمد والترمذي وغيرهم (قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال قالوا وفي نجدنا قال قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال قالوا وفي نجدنا قال قال هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)، وهو دفاع لو أمعنت النظر فيه لما رأيت الا تكلفا كبيرا ومشقة بالغة، وهذا الاسلوب الاعوج مما يوقع الوهابيين انفسهم فيه في اكثر من موضع واليك البيان

يحاول الوهابية الدفاع عن كعبة انظارهم (نجد) البلاد المعروفة في جزيرة العرب، فيدعون بانها ليست المقصودة بالحديث الذي عند البخاري وأحمد والترمذي وغيرهم (قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال قالوا وفي نجدنا قال قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال قالوا وفي نجدنا قال قال هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)، وهو دفاع لو أمعنت النظر فيه لما رأيت الا تكلفا كبيرا ومشقة بالغة، وهذا الاسلوب الاعوج مما يوقع الوهابيين انفسهم فيه في اكثر من موضع واليك البيان :
1. لفظة نجد اذا اطلقت هكذا في جزيرة العرب لايجوز ان تحمل عقلاً على غيرها، فاذا قلت نجد اشرت الى ما يقابل الحجاز، أرأيت ان لو قلت لابنك وانت في بيتك (ناد امك من الغرفة) أيجوز له عقلاً ان يناديها من بيت الجيران بحجة ان في بيت الجيران غرفة أيضاً!
2. الحديث صريح لا غبار ولا غشاوة عليه في ان المقصود نجد اهل الجزيرة لا غيرها حيث قال السائل (نجدنا) لانجد المجوس، لان العراق كانت ما تزال في ذلك الوقت؛ عصر الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم تحت حكم الفرس، ولم يدخلها الاسلام الا في عهد عمرJ، فاين المفر من هذا اللفظ الصريح ولماذا المماحكة؟!
3. ويشيرون الى ان العراق اولى بهذا اللفظ لان الجمل وصفين وكثيراً مما تلاهما من الاحداث كانت بها، ولو انعمت وامعنت النظر لعلمت انه لا علي ولا عائشة ولا الزبير ولا معاوية ولا عمرو بن العاص من اهل العراق، وهم قادة الوقعات واطراف النزاع في المواقع التي ذكرت فاهل الخلاف هم اهل الجزيرة لا اهل العراق فلا يمكن بحال ان نحملهم مشاكلنا لاننا تقاتلنا على ارضهم! اما الخوارج فناهيك بالقائدين الخارجيين نافع بن الازرق ونجدة بن عامر الحنفيين الذين هما من اهل اليمامة أي من نجد؛ فما جريرة اهل العراق ان يتحملوا جرمهما وتسلم اليمامة (الرياض اليوم) وعموم نجد من شرهما ومن معهما؟! هذا ولو نظرت في كتب التاريخ لرأيت اكثر الخوارج هم من قبائل (نجدنا).
4. ويحتجون بان العراق وقع بها مقتل الحسين بن علي عليه السلام لعن الله قاتله، وهذا استدلال من وهت حجته، فمنذ متى كان للوهابية تعلق بالحسين وجد الحسين الذي ينهون عن زيارة قبره؟! أقول، أولاً: مقتل الحسين لم يقع بارض تسمى نجداً حتى يكون للوهابية في ذلك مخلص، ولكن الآمر بقتله هو يزيد بن معاوية بن ابي سفيان الذي فجر بالمدينة واهلها من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يتولاه الوهابية اليوم فيقولون على الساحة الاسلامية وغيرها (لنا يزيد ولكم حرقوص)!
5. ومن ناحية اخرى فان ارض العراق التي يعنيها الوهابية بالمقارنة مع نجد الجزيرة تكون سهلاً لا نجدا؛ فهي من مستوى سطح البحر الى 200 متر علواً، اما نجد الجزيرة فترتفع الى قرابة الالف متر فوق مستوى سطح البحر!
6. ويزعمون بأن نجد الجزيرة ليست شرق المدينة، وهو كلام من ليس له معرفة بالجغرافيا او من لم يكلف نفسه مطالعة الخارطة، وادلهم على الخطوة الاولى بأن يوجهوا الخارطة الى الشمال ثم ما كان عن ايمانهم فهو شرق، وسيرون بجلاء ان نجداً هي تماما ما كان شرق المدينة المنورة وفيها رمال الدهناء العالية! وغربها ليس الا بحر يسمى الاحمر وجنوبها بلاد الله مكة المكرمة وشمالها تبوك.
7. لو طالعت كتب اهل نجد ممن درسوا الحديث الشريف لرأيت انهم لا يتكلفون ما تكلفه الالباني او غيره من الدفاع عنها بل يصرح الشيخ عثمان بن بشر قائلا : (واعلم رحمك الله ان هذه الجزيرة النجدية هي موضع الاختلاف والفتن، ومأوى الشرور والمحن، والقتل والنهب والعدوان بين اهل القرى والبلدان، ونخوة الجاهلية بين قبائل العربان ..) ويصرح كذلك الشيخ سليمان بن عبد الوهاب النجدي شقيق زعيم الوهابية بان نجداً هي بلاد الزلازل والفتن ويبوب باباً في كتابه (الصواعق الالهية) بعنوان (الشيطان في نجد) يذكر فيه الاحاديث النبوية الصحيحة التي ذكر فيها ان رأس الكفر فيها، وان بها الزلازل والفتن، وينهى اخاه على هذا الاساس من ان يدعو الناس لترك مكة والمدينة والهجرة اليه في نجد ليحلق رؤوسهم، ولكن لابد لنبوءة المصطفى من ان تتحقق في خوارج العصر.
ففي رواية البخاري وغيره (عن ابي سعيد الخدريJ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يخرج ناس من قبل المشرق ويقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم الى فوقه قيل ما سيماهم قال سيماهم التحليق او قال التسبيد)، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فالالباني مخلّط كبير يكفي ان يقارب الالف حديث جمعها المهتمون اليوم صححها الالباني في موضع وضعفها في آخر، وكفى بانصاره السابقين شهوداً عليه فالبأس شديد بينه اليوم وبين زهير الشاويش ومحمد مهدي الاستانبولي وحوارهم بلغ من التشنج والشتائم مبلغا لا يمثل الا اخلاق الحشوية الذي اذا احبوا قدسوا واذا خاصموا فجروا.
8. وختاماً ولتزداد معرفة نجد فان بها تسعة اعشار الشر كما صرح بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال في الحديث الذي رواه احمد ورجاله ثقات (حدثنا ابو عبدالرحمن حدثنا سعيد حدثنا عبدالرحمن بن عطاء عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا مرتين فقال رجل وفي مشرقنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هنالك يطلع قرن الشيطان ولها تسعة اعشار الشر).
هذا ولو تأمل منصف في جوابي لاقتنع بان كل نقطة منه كافية بمفردها لتبيان الحق، ولكنني احببت ان اسرد الحقيقة فعسى الله ان يلهم من يطالعه الرشاد والاوبة الى الحق. ودفاع الوهابية _ان كان ولا بد- يجب ان يكون مبنياً على سنة الله الكونية من ان الشر قد يقع فيه خير، فلا مانع ان يخرج من نجد بعض اهل الخير والورع والصلاح، ولكنها ليست القاعدة.

عبد الله القحطاني

ما قام به المعصوم عليه السلام في مضمار القضية المهدوية

$
0
0
ما قام به المعصوم عليه السلام في مضمار القضية المهدوية

لقد تولى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم مسؤولية تجذير وتأصيل الفكرة المهدوية بما يهيء لها ظروفها الموضوعية, وذلك من خلال تثبيت الفكرة في جسد الامة ، ومن ثم قام الائمة عليهم السلام بشرح الفكرة ، وعندما نقول انهم شرحوها فاننا نقصد الجانبين, الشرح العملي بالاضافة إلى الشرح اللفظي ، حيث نجد هم قد جسدوا القضية في حياتهم وحياة اصحابهم عليهم السلام من خلال التلاحم الذاتي بين الفكر المهدوي, وبين قضايا الاسلام العبادية والمعاملاتية او السلوك الاخلاقي

لقد تولى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم مسؤولية تجذير وتأصيل الفكرة المهدوية بما يهيء لها ظروفها الموضوعية, وذلك من خلال تثبيت الفكرة في جسد الامة ، ومن ثم قام الائمة عليهم السلام بشرح الفكرة ، وعندما نقول انهم شرحوها فاننا نقصد الجانبين, الشرح العملي بالاضافة إلى الشرح اللفظي ، حيث نجد هم قد جسدوا القضية في حياتهم وحياة اصحابهم عليهم السلام من خلال التلاحم الذاتي بين الفكر المهدوي, وبين قضايا الاسلام العبادية والمعاملاتية او السلوك الاخلاقي ، ونستطيع ان نوجز عمل الامام عليه السلام في شرح القضية من خلال النقاط التالية:
* توضيح معالم الفكر الاسلامي العام الذي هو حظيرة الفكر المهدوي, وذلك من خلال بث علوم اهل البيت عليهم السلام في كل مكان وبشتى الوسائل.
* بناء الكوادر والرجال المخلصين للقضية التي تحمل هذا الفكر, وتربيتهم عقائديا واخلاقيا وروحيا بما يضمن تحقيق الاهداف.
* فضح النوايا والتحركات والاهداف لخصوم الاسلام المهدوي.
* الاخبار بالمغيبات الكونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بما يثبت قلوب المؤمنين ويجعلهم يراقبون مسألة الظهور بدقة من خلال علامات الظهور ، ومن جانب اخر كيفية الاستعداد من خلال شرائط الظهور، ومن خلال تلك المغيبات اثبتوا للاخرين حقيقة القيادة وحقانيتها في الاسلام.
* توضيح الحركة المهدوية بكل تفاصيلها وبدقة عالية ، ووضحوا للمنتظرين كل الشخصيات تقريبا التي سوف تظهر على مسرح الاحداث وبتفاصيل مثيرة للغاية, كما في توضيح ملامح شخصية السفياني وغيره, حيث تجد حتى لون بشرته وطوله وسلوكه و...وغيرها من الصفات التي تجعل المنتظر لايخطأ في التشخيص.
وفيما يخص الشخصيات التي تساند الامام عليه السلام ايضا فقد اعطوا عليهم السلام تفاصيل دقيقة ولكن بنفس الوقت اخفوها عن الاعداء بصورة رائعة ومثيرة يفهمها العارف بالقضية .المهم انهم وضحوا للمنتظر كيفية السير, وكيفية المنهج ايضا.
* دربوا شيعتهم في فترات وبصورة غيرمعلنة على كيفية العمل عندما يغيب عنهم الامام عليه السلام, وراقبوهم حتى وصل الأمر إلى مرحلة الغيبتين فان ثقتهم بزعماء الامة والامة جعلهم مطمئنين على ان الغيبتين لن تشكل خطرا فادحا بالفكر المهدوي ، مع رعاية الامام عليه السلام للأمة في فترة الغيبة, ولكن هذا لايعني ان الامة اصبحت راشدة بما يكفي لخوض الصراع والتحرك في غياب المعصوم.
وهناك الكثير من الأمور التي قام بها المعصوم لشرح وتثبيت القضية في جسد الأمة، كلها تمثل التحرك المرحلي للمعصوم, وتصب في مضمار إعادة الظروف الموضوعية, لإعادة تطبيق الأهداف العليا ولو في المستقبل البعيد .. (ويرونه بعيدا ونراه قريبا) .
ومن هنا كان التكتيك ياخذ أشكالا متعددة, من قائد لآخر وبحسب الظروف الموضوعية ومتطلبات المرحلة التي يعيشها ذلك القائد ورجالاته, بما يناسب حالة نضج ورقي المجتمع الروحي والاجتماعي والاقتصادي ، او حجم الشبهات والتحديات التي تواجه الواقع بحيث يحقق المطلوب بالنسبة التي يراها القائد وبدقة عالية حتى ولو كان بنسبة قليلة, فبعض الاحيان يحصل تراجع في النتائج, كما حصل الأمر بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام, فبحسب تصريح الإمام السجاد عليه السلام لم يبق لنا ناصر في المدينة الا قليل بسبب الخوف من البطش الأموي, وهذه نتيجة طبيعية في بداية الأمر لكن النتائج تظهر بعد فترة, خصوصاً وان الأمر يحتاج إلى تأمل وتفكير ، وكان القائد يسلم المشروع إلى قائد اخر ليكمل النتائج ويرعى المشروع وينميه والى ان وصل إلى مرحلة الامتحان الكبير وهو مرحلة الغيبة ، وهذا التحرك بحد ذاته عجيب وغريب اذا ما قيس بالقياسات الظاهرية, ولكن من حيث الباطن فانه يمثل قمة في التربية والإعداد المكثف ، فان السؤال المطروح هو كيف ان الامام الذي ربى قواعده وأوصلها إلى مرحلة متميزة من حيث الكم والنوع, كيف يتركها ويغيب عنها بهذه الصورة, التي هي في الظاهر تجعل الامة ترجع إلى القهقرى ، لأنها تعودت أن ترجع لقائدها لاسيما في أوقات الشدة، فلمن ترجع في وقت الغيبة ؟ وفي وقت تزايد التحديات لاسيما من السلطة ، ان الامة ستواجه تحد وشبهة في المستقبل, شبهة تقول انتم كيف تنتظرون رجلا تقولون انه غاب ، وهذه تحتاج إلى إقامة ادلة وشواهد وصراعات فكرية، هذا وغيره جعل الغيبة امتحانا عسيرا على القواعد الشعبية للإمام عليه السلام.
ولكننا نستطيع ان نقول بشأن ذلك ان المعصوم بصورة عامة استطاع ان يؤمن كل صمامات الامان للامة, بما فيها رشد الامة وصمدوها وقوتها امام التحديات حتى مع غيبة الامام عليه السلام ، واما غيبة الامام فانها سوف تسبب لها الما نفسيا تعيشه طول الغيبة وتكون عاملا فعالا لزيادة التحرك المرحلي ولكنه لن يكون خطيرا إلى درجة إنهاء القضية .
فاذا كانت الغيبة هي مرحلة امتحانية كبيرة وتربية مركزة لجماعة المنتظرين لكي تعاني مرارة فقد القائد, ولكي تعيش لوعة الفراق وآلام الصراع لوحدها وعندها تعمل على تكثيف العمل الذاتي والموضوعي من اجل استرجاع قائدها بصورة سريعة ،والعمل معه في تطبيق الاهداف العليا،لاسيما ان الامة اليوم فقهت ان شرط ظهور الامام والقائد هو ارتقائها إلى مرحلة روحية وفكرية وسلوكية تؤهلها لمرحلة التطبيق.

لطيف عبد النبي يونس

المسيحيون المتصهينون:مُفصلّة القارات الثلاث

$
0
0
المسيحيون المتصهينون:مُفصلّة القارات الثلاث

لقد قام الغربيون خلال السنوات المائتين الماضية بمهاجمة مناطق مختلفة من العالم عسكريا ودخلوا في حروب قصيرة وطويلة الامد، بحيث أن اميركا حاربت في "كوريا" و "فيتنام" وتدخلت بشكل كبير في عموم الصراعات والحروب الاقليمية والدولية، الا ان نظرة الغرب تجاه منطقة الشرق الإسلامي، فريدة من نوعها ولا يمكن مقارنتها بأي من المجالات التي تم اختبارها.
وهذه المنطقة من الناحية الجيوسياسية، تعتبر من المناطق الحساسة للغاية في العالم. وثمة تعبير استخدمه السيد شمس الدين رحماني لهذه المنطقة وهو عنوان أحد كتبه الا وهو: "مُفصلّة ثلاث قارات". أي ان منطقة الشرق الاوسط، شانها شان المُفصلّة التي توصل القارات الثلاث ببعضها البعض. وهي قارات اسيا واوروبا وافريقيا.
بقلم اسماعیل شفیعی سروستانی

لقد قام الغربيون خلال السنوات المائتين الماضية بمهاجمة مناطق مختلفة من العالم عسكريا ودخلوا في حروب قصيرة وطويلة الامد، بحيث أن اميركا حاربت في "كوريا" و "فيتنام" وتدخلت بشكل كبير في عموم الصراعات والحروب الاقليمية والدولية، الا ان نظرة الغرب تجاه منطقة الشرق الإسلامي، فريدة من نوعها ولا يمكن مقارنتها بأي من المجالات التي تم اختبارها.
وهذه المنطقة من الناحية الجيوسياسية، تعتبر من المناطق الحساسة للغاية في العالم. وثمة تعبير استخدمه السيد شمس الدين رحماني لهذه المنطقة وهو عنوان أحد كتبه الا وهو: "مُفصلّة ثلاث قارات". أي ان منطقة الشرق الاوسط، شانها شان المُفصلّة التي توصل القارات الثلاث ببعضها البعض. وهي قارات اسيا واوروبا وافريقيا.
وهذا الوضع الجيوسياسي والحساس لمنطقة الشرق الاوسط، ليس بجديد، وكلما رجعنا إلى الوراء، لا تنكمش هذه الحساسية، بل ان هذه المنطقة كانت حساسة ومهمة حتى في الأزمان الغابرة.
والملفت ان هذه المفصلة، كانت المهد والمؤسس للكثير من الحضارات. أي الحضارات الخالدة والمؤثرة التي تاسست في هذه المنطقة منذ الاف السنين وإلى عصرنا هذا.
وربما ان احتضان هذه المنطقة لكل هذه الوقائع والأحداث التي وقعت طوال التاريخ كان بسبب موقعها الجغرافي ومكانتها الاقليمية الخاصة وخصوصية اعراقها واثنياتها وأممها التي سكنتها أو الأهم من ذلك، بسبب العناية الالهية الخاصة تجاهها، أو لسبب آخر لا يعرفه أحد الا الله.
وعندما يراد دراسة جذور الاتصال المعنوي للإنسان في الكون، فإننا سنصل إلى هذه المنطقة. وعندما يدرسون مهد الشجاعة والفتوة على  صعيد الكرة الأرضية والذي ادي إلى نشوء الامبراطوريات الكبرى فإنهم سيصلون أيضا إلى منطقة الشرق الاوسط. كما انه في الألفيات الماضية، كانت امبراطوريات كبيرة تحكم في هذه المنطقة. فضلا عن ان جميع الديانات ظهرت في هذه المنطقة وان جميع الأنبياء العظام عاشوا فيها.
ولم نسمع ان كانوا تحدثوا عن نبي كبير في منطقة بعيدة ونائية ، في حين ان هذه المنطقة كانت مقر الأنبياء وظهور كبار الأنبياء الالهيين وكذلك منطقة دعوتهم. وقد نزلت الكتب السماوية في هذه المنطقة.
ونريد من خلال ذكر هذه النقطة، ابراز حساسية هذه المنطقة والتاكيد على  انها مكان خاص.
ان معرفة سكان منطقة الشرق الاوسط ، بأهمية منطقتهم، ضئيلة جدا مقارنة بالاناس الذين يعيشون خارجها، لاسيما وان منطقة الشرق الاوسط كانت خلال الأعوام المائتين الأخيرة، محط اهتمام ودراسة المراكز الامنية والاستخباراتية والبحثية في الغرب، كما اسدت مراكز الاستشراق خدمات قيمة للغرب. ان الجزء الرئيسي من الدراسات حول خصائص وميزات الشرق الاوسط انجزت على  يد هؤلاء قبل ان تنجز على  يد المسلمين.
ولا باس من الإشارة إلى اننا ناتي على  ذكر تسمية "الشرق الاوسط" بتسامح.
وهذه المنطقة المركزية، تشبه مفترق طرق يفصل اوروبا واسيا وافريقيا وروسية عن أحداها الآخري. وتحدها من الغرب، منطقة الصحراء والبحر الابيض المتوسط ومن الشمال، البحر الاسود وجبال القوقاز وسلسلة جبال البرز والهندوكوش ومن الشرق، سهول الهند ومن الجنوب، المحيط الهندي.
والنقطة الملفتة هي انه لا يوجد هناك اتفاق في وجهات النظر حول الحدود الجغرافية للشرق الاوسط.
فالقائمة التقليدية لوزارة الخارجية الأمريكية، تصنف المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر و"اسرائيل" (فلسطين المحتلة) وسورية ولبنان والاردن وايران والعراق واليمن والبلدان الاعضاء في مجلس التعاون ضمن هذه المنطقة.
ويعتبر مؤلفو كتاب الجغرافيا الاستراتيجية للشرق الاوسط ، ان جميع الدول المعنية بشكل مباشر بالصراعات المهمة في المنطقة، بما فيها الصراع العربي الاسرائيلي ومنطقة الخليج الفارسي وبحر قزوين وجنوب اسيا، هي جزء من الشرق الاوسط.
وبيّن مؤلفا كتاب "الجغرافيا الاستراتيجية للشرق الاوسط" جفري كمب وروبرت هاركاوي موقع الشرق الاوسط وكتبا:
"ان الشرق الاوسط كان من الناحية التاريخية، آصرة تربط الامبراطوريات والسلالات والثقافات والجيوش في زمن السلم والحرب للذين كان بوسعهم الوصول إلى البلدان الحيوية والطرق المائية التجارية،  واستخدموا هذه القوة وحصلوا على  فرص ملحوظة. في حين ان نحو 70 بالمائة من الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط وازيد من 40 بالمائة من مصادر الغاز الطبيعي، توجد داخل هذه المنطقة".
ورغم ان قائمة الدول التي اعتبرت ضمن منطقة الشرق الاوسط ، مختلفة لكنه ليس خافيا بأن جميع البلدان الإسلامية تقع في هذه المنطقة المهمة من العالم.
ويشرح الكتاب المذكور حدود هذه المنطقة وياتي على  ذكر الأهمية الطبيعية لكل من الاضلاع الشمالية والجنوبية والغربية والشرقية للشرق الاوسط ، ويقول:
"إن التجار والمسافرين والمقاتلين والملوك وجميع الذين يريدون الوصول إلى السلطة والثروة في الشرق الاوسط ، لا بد لهم من البحث عن طرق تمكنهم من التغلب على  العوائق الجغرافية العديدة في المنطقة. ان الوضع الظاهر للشرق الاوسط يعد عاملا مهما ومؤثرا على  مشاريع الوصول إلى السلطة، حتى في العصر الحاضر، حيث عصر الصواريخ والاسلحة الجماعية".
ومن وجهة نظر الذين يدرسون الشرق الاوسط استراتيجيا، فإن هذه المنطقة تملك حدودا برية ومائية قوية تجعل من الصعب التغلب على  مجمل جغرافيا المنطقة.
ان منطقة "الصحراء" التي تضم اكبر الصحاري في العالم والتي تزيد مساحتها عن 3.5 ميليون كيلومتر مربع من ناحية الغرب، جعلت من الصعب السيطرة على  الشرق الاوسط بقدر الدور الذي تضطلع به جبال البرز في الشمال. فضلا عن سلسلة جبال الهندوكوش التي شكلت طوال القرون سدا منيعا امام اسيا الوسطي.
وماعدا العوائق الطبيعية المهمة التي تحتضن منطقة الشرق الاوسط بداخلها، فإن طرق الملاحة البحرية في المنطقة والتي تضم بوابات ومضائق مهمة واستراتيجية، قد زادت من اهميتها.
وهذه المضائق المهمة هي:
•    مضيق جبل الطارق الذي يسيطر على  جميع الطرق البحرية بين المحيط الاطلسي وحتى غرب البحر الابيض المتوسط
•    قناة السويس وكل شبه جزيرة سيناء في شرق الابيض المتوسط ، وإلى جانب خليج السويس والعقبة والتي تحظي بأهمية استراتيجية بالغة. وهذه القناة، تعد البوابة الرئيسية لاوروبا وشبه القارة الهندية.
•    مضيق باب المندب، ويقع عند التقاء البحر الاحمر وخليج عدن، يبلغ طول اضيق جزء منه 15 ميلا، ويمتد من القرن الافريقي حتى شبه الجزيرة العربية. ويمكن في ظل السيطرة على  هذا المضيق، اغلاق الطرق الموصلة إلى البحر الاحمر وقناة السويس. وهذا المضيق يعد البوابة البحرية الرئيسية الثانية.
•    مضيق هرمز، الذي يفصل ايران عن شبه الجزيرة العربية. وهذا المضيق يشكل الممر الرئيسي للنفط من الخليج الفارسي والوصول إلى المياه الحره.
إن كلا من هذه المناطق والعوامل الجغرافية، تضطلع بدور رئيسي في التطورات السياسية والاقتصادية والعسكرية للمنطقة، وحيث وقعت فيها صراعات كبيرة طوال التاريخ.
ولا بد من الإشارة هنا إلى انه قلما نري أحدا في الشرق الإسلامي، ينتبه إلى موقع هذه المنطقة واهميتها في جغرافيا الأرض. وطالما انه لم يتم التعرف بالكامل على  هذه المنطقة، لا يمكن الحديث عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها وكشف سر العديد من التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية. ولا ننسى بأن الغرب لا يرغب اطلاقا بالكشف والبوح عن معطيات هذه المنطقة، بين المسلمين.
ومنذ الأعوام الأولي من ظهور الإسلام وتشكيل الدولة الإسلامية، حتى نشاة الامبراطورية الإسلامية على  مدى 1200 عام، فإن الإسلام كان الدين الرئيسي وصاحب الاثر في الشرق الاوسط. ومعظم سكان هذه المنطقة في الوقت الحاضر هم من المسلمين.
ومع نمو وانتشار الإسلام، فإن سائر الثقافات الوطنية والمحلية تاثرت بالثقافة والحضارة الإسلامية. وهذه الثقافة حافظت كحريم آمن ومتين، على  الجغرافيا الإنسانية في هذه المنطقة. وتم في ضوء الترابط بين الجغرافيا الأرضية والثقافية، والتواصل بينهما بواسطة الثقافة الدينية السائدة والمواقع الدينية والمساجد والمزارات الموجودة على  امتداد الشرق الاوسط، فإن هاتين المجموعتين تشابكتا مع بعضهما البعض، لدرجة ان التعرض لأحداهما، يعد تعرضا للأخرى ويثير ردود فعل عامة لدى المسلمين. بحيث أنه ان تعرض أي من اوجه وعناصر هذين المجالين (الجغرافيا الأرضية والثقافية) للعدوان الاجنبي، فإن ذلك سيتسبب بإثارة حماسة لا يمكن التحكم بها بين المسلمين.
ومن يملك تجاهل الاثار الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى السياسية ل"الحج" الذي يقيم ترابطا واتصالا مباشرا أو غير مباشر بين عدة ملايين من المسلمين؟
إن سر المراقبة الحديدية لمناسك الحج، والحد من انتشار القضايا السياسية بين الحجاج، يكمن في هذا الشئ.
وبمنأي عن التقاليد الجارية بين المسلمين والاعياد والاحتفالات، فإن مراسم مثل اليوم العالمي للقدس والتي تقام في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، اسهمت في الأعوام الأخيرة في اتخاذ مواقف مشتركة بين عموم المسلمين تجاه القضايا السياسية والاجتماعية ذات الاهتمام المشترك. ويمكن مشاهدة مدى تاثير هذه المواقف المشتركة، في التعامل بين المسلمين في الشرق الاوسط والابعد من ذلك، التصدي للاساءة الموجهة إلى مقام نبي الإسلام محمد(ص).
وكما ان مجمل الدوافع الدينية تسببت في الماضي باندلاع الحروب الصليبية على  مدى مائتي عام بين المسلمين والمسيحيين، فإن أحداثا من هذا القبيل، يمكن ان تؤدي مرة أخرى إلى وقوع اكبر صراع وتحدي طويل الامد في الشرق الاوسط. الصراع الكبير الذي يمكن ان يفضي إلى الزوال والسقوط الشاملين للغرب على  عتبة الشرق الإسلامي.
إن الغرب، على  علم بهذه الإمكانيات والقوة الكامنة في الشرق الاوسط ، وهو بصدد اعتماد اسهل الطرق واقلها كلفة للسيطرة على  الموقف، وإيجاد سبيل يؤدي إلى تقويض واضعاف المسلمين وقمع الحركات الإسلامية.
وبالنسبة للبلاد التي وقعت فيها كل هذه الأحداث الهائلة، يوجد دائما احتمال ان تقع هكذا أحداث من جديد. وان هذه المنطقة جاهزة على  الدوام لوقوع هكذا وقائع. وكأن الحركات الكبرى والتواجد في الميادين المهمة، هو من طبيعة وجوهر هذه المنطقة، وترابها وشعوبها. أي انه ان أصبحهذا الاستعداد مستترا كالرماد تحت النار، بفعل ظروف خاصة مثل الضغوط السياسية والعسكرية فإنه سيطفو على  السطح ويخرج إلى حيز الوجود في أول فرصة، ويتسبب بوقوع الحادث اللاحق. لذلك فإن اراد أحد ان يكون القوة المتفوقة في العالم فعليه وفقا لما تمليه السياسة واسس الحكم والتدبير والذكاء، ان يراقب ويرصد هذه المنطقة. وان يتعرف على  مواهب وكفاءات هذه المنطقة وبمجرد الشعور بأن ثمة احتمالا ان تتحول المواهب من حالة الكمون إلى الفعل، ان يفكر بالأمر مليا. وحتى ان يتخذ اجراء رادعا من أجل الحد من وقوع شئ ما.
وهذه المعطيات تكفي لنعلم بأن منطقة الشرق الاوسط وبسبب حساسياتها، كانت على  الدوام محط اهتمام ودراسات الغرب.
إن انتشار البلدان الإسلامية بكل قدراتها ومواهبها الفكرية والدينية في هذه المنطقة، يزيد من حساسية الموضوع، لان تراكم  الكفاءات الجغرافية والثقافية هو أكثرفاعلية من أي قنبلة.
والا يكفي هذا لنسلم بأن الغرب، لن يغض الطرف أبدا عن هذه المنطقة والمسلمين وادائهم، ولن يترك المسلمين وفعالياتهم وشأنهم؟
إن القسم الاكبر من الاحتياطي النفطي في العالم، أو بالاحري ثروة العالم، يقع في هذه المنطقة. بعبارة أخرى فإن الماضي التاريخي والثقافي بجانب الثروة والرساميل الكبيرة في العالم، مجتمعة في هذه المنطقة.
إن الماضي التاريخي لمنطقة الشرق الاوسط، يبرز نفسه امام الغرب بالتمام والكمال. وبعبارة أخرى فإن الشرق الإسلامي يقارن نفسه مع تيار استكباري واناني.
وفضلا عن الماضي التاريخي، فإن الماضي الثقافي للمنطقة يبرز نفسه هو الآخر. ومن الناحية الثقافية فإن الشرق، يتحدي الغرب أيضا. وإضافة إلى هذا الماضي، فإن الشرق يملك اليوم اكبر مصدر للثروة في العالم بحيث أن الغرب بحاجة اليه، ولا يمكن حاليا تكهن متي سيصبح الغرب في غني عن ثروات ومصادر هذه المنطقة. لكن يمكن القول بأن الغرب لا يمكن ان يستغني عن مصادر هذه المنطقة لمائة عام مقبلة على  اقل تقدير. وقد اصبحت اوروبا تعتمد بشدة على  مصادر هذه المنطقة منذ الثورة الصناعية في بريطانيا وبعدها. وتصوروا ان المنطقة التي جعلت الغرب يعتمد عليها، وهذه التبعية التي يتوقف عليها وجود الغرب من عدمه، تحمل اعظم رسالة ثقافية في القرن الحادي والعشرين أيضا.
وربما ان العبارات التي استخدمها "هنري بوانجه" في ديسمبر 1919 قبل تشكيل مؤتمر السلام في كتاباته مع "كلمانسو"، تميط اللثام عن مدى أهمية النفط والطاقة الكامنة تحت الأرض في الشرق الاوسط والخليج الفارسي، بالنسبة للغربين، عندما قال:
"ان البلاد التي تملك النفط ، ستملك الامبراطورية. ان امبراطورية البحار التي تتحقق بواسطة المواد النفطية الثقيلة، وامبراطورية السماوات التي تاتي من خلال اكتساب المواد النفطية وامبراطورية اليابسة التي تتحقق بواسطة البنزين والنفط ، وامبراطورية العالم التي تنشأ بواسطة القوة المالية التي تعتمد بدورها على  مادة النفط الحيوية، هي أكثرقيمة وقدرا واشرافا من الذهب الكامن في باطن الأرض".
ولا ننسى بأن اقل من 5 بالمائة من احتياطي النفط في العالم، متعلق باميركا. في حين ان حاجة اميركا إلى النفط تزداد يوما بعد يوم، ويصبح اعتمادها على  نفط الشرق الاوسط أكثرفاكثر.
وحتى ان ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حذر في تقرير بأن اميركا تعتمد في الوقت الحاضر على  نفط الشرق الوسط بنسبة 65 بالمائة وهذه النسبة سترتفع إلى 80 بالمائة عام 2020 و 95 بالمائة عام 2030.
ووضع اوروبا الغربية ليس بافضل من اميركا. ان واردات اوروبا الغربية من النفط بلغت عشرة مليارات دولار عام 1969 فيما وصلت إلى 50- 60 مليار دولار عام 1974.
في حين ان احتياطات نفط العديد من بلدان العالم، ستنفد خلال الأعوام المقبلة فيما يتوقع ان تستمر احتياطيات النفط في الخليج الفارسي إلى 112 عاما آخر.
إن الارقام التالية تظهر بوضوح الأهمية الاقتصادية لمنطقة الخليج الفارسي:
إن نسبة الاحتياطيات تجاه الانتاج مع الاخذ بعين الاعتبار السنوات المتبقية حتى تفرغ مخازن تحت الأرض من النفط ونظر إلى نسبة الاستخراج الحالي، هي كالاتي: اميركا  والنروج 10 سنوات، كندا 8 سنوات، ايران 53 سنة، الامارات 75 سنة، العربية السعودية 55 سنة ، الكويت 116 عاما والعراق 526 عاما.
وهذه الارقام تظهر ان جميع احتياطيات اميركا من النفط ستنفد خلال الأعوام العشرة المقبلة، لكن احتياطيات الشرق الاوسط ستستمر حتى 526 عاما آخر.
إن مدى معلوماتنا على  الاحتياطيات والثروات المادية والثقافية للشرق الإسلامي، ضئيلة للأسف ونصدر احكاما على  أساس المعطيات المنقوصة ونحلل الأحداث بناء عليها.
إن الاحتياطيات النفطية حولت جغرافيا الشرق الاوسط لاسيما الخليج الفارسي إلى "جغرافيا استراتيجية". ان الجغرافيا الاستراتيجية  تتوقف على  المراقبة أو الوصول إلى مجالات مثل الأرض والماء والطاقة والفضاء والتي تؤثر بدورها على  امن الشعوب وتقدمها الاقتصادي.
إن "الجغرافيا الاستراتيجية" هذه هي بتصرف المسلمين في الوقت الحاضر.
وفي الوقت ذاته، فإن هذه المنطقة، تحوي على  مواهب تدخل في بناء الحضارة، كما ان تطورات هذه المنطقة تلقي بظلالها على  اسيا واوروبا وافريقيا، وفي ضوء ظروف كهذه، فإن من الطبيعي ان يواظب الغرب على  الدوام على  مراقبة هذه المنطقة والسعي للهيمنة عليها.
وفي الظروف التي يملك فيها المسلمون أهم الجغرافيا الاستراتيجية في العالم، فإن موجة الصحوة الدينية والتوجه نحو المعنوية لاسيما الإسلام، تجتاح جميع الحدود، بحيث يتوقع ان يشكل المسلمون، العدد الاكبر من سكان اوروبا خلال العقدين المقبلين. ويملك الغرب معلومات كافية ووافية بهذا الخصوص.
والآن يجب التساؤل انه في ظل ظروف كهذه:
1-    ما الموقف الذي سيتخذه الغرب تجاه الشرق الإسلامي والمسلمين والشيعة؟؛
2-    بأي موقف يجب ان ينظر سكان هذه المنطقة، أي المسلمون إلى الغرب ومكونات الدلتا المشؤومة "اميركا وبريطانيا والكيان الصهيوني"؟؛
3-    ما العمل من أجل مواجهة التهديدات وإيجاد الحصانة الثقافية والسياسية والعسكرية لسكان البلدان الإسلامية؟؛
4-    أي مواصفات يجب ان تتمتع بها استرتيجية الحكام لادارة البلاد الإسلامية؟؛
5-    كيف يمكن تنشئة وتدريب الجيل الصاعد للتصدي للمستقبل؟؛
6-    كيف يمكن تلبية الاحتياجات الثقافية لعدد كبير من سكان العالم ممن يتوجهون نحو الإسلام والمعنوية؟؛
7-    بأي رؤية يجب النظر إلى الثقافة والحضارة الغربية والتساؤل بشانها؟؛
8-    ما المكانة التي تتمتع بها الثقافة المهدوية بين مجمل العلاقات والتعاملات المادية والثقافية؟
وأخيرا، كيف يمكن التخلص من الحوارات الكليشية لليوم العالمي لمقارعة الاستكبار؟.

یتبع ان شاء الله

المقام الرفيع (حجر بن عدي)

$
0
0
 المقام الرفيع (حجر بن عدي)

من جملة ما تمّ الكشف عنه في جريمة الوهابيين التكفيريين بحق مزار حجر بن عدي هو أن جسد الصحابي الجليل مازال سالماً حيث تمّ نقل الجثمان ودفنه في مكان مجهول.  روي في كتاب «الاستیعاب» عن أحد علماء أهل السنة أنه قال: إن حجر وإن كان من أصغر صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) سناً إلا أنه من حيث المكانة كان من خيار الصحابة. جاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأسلم وهو لم يزل شابّاً. وكان حجر كثير العبادة ومما روي عنه أنه كان يصلي أحياناً ألف ركعة في اليوم والليلة.

 

من جملة ما تمّ الكشف عنه في جريمة الوهابيين التكفيريين بحق مزار حجر بن عدي هو أن جسد الصحابي الجليل مازال سالماً حيث تمّ نقل الجثمان ودفنه في مكان مجهول.  روي في كتاب «الاستیعاب» عن أحد علماء أهل السنة أنه قال: إن حجر وإن كان من أصغر صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) سناً إلا أنه من حيث المكانة كان من خيار الصحابة. جاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأسلم وهو لم يزل شابّاً. وكان حجر كثير العبادة ومما روي عنه أنه كان يصلي أحياناً ألف ركعة في اليوم والليلة.

ومن جملة مناقبه أنه كان مستجاب الدعوة، كما أنه كان أحد قادة جيش أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في حرب صفين، وقائداً للجيشه في حرب صفين، وكان مخلصاً ومطيعاً للإمام(عليه السلام)، وهذا ما دفعه للاعراض عن مبايعة يزيد.

وكتب زياد أبو عبيد الله(لعنهما الله) حاكم الكوفة والبصرة إلى معاوية أنه يخشى أن تخرج الكوفة من ولاية بني أمية فيما لو بقي حجر بن عدي وأصحابه فيها، وقد كتب معاوية في جوابه: اعتقلهم أو اخدعهم وأوفد بهم إلى الشام.

وهكذا فقد أرسل حجر بن عدي وأصحابه إلى الشام، وبما أن معاوية كان يخشى ردود أفعال الناس نتيجة قتل حجر وأصحابه بعد وصولهم إلى الشام أمر بقتلهم ودفنهم في منطقة تقع بالقرب من دمشق(تبعد حوالي 20 كيلو متراً عن دمشق) في منطقة تسمى «عذراء» أو «مرج عذراء».

وعندما بلغ نبأ استشهاد حجر بن عدي إلى العالم الإسلامي، لُعن معاوية وأثار الخبر ردود أفعال غاضبة عند المسلمين حتى أن عائشة استنكرت فعله عندما التقى بها في المدينة؛ فقالت له:  سمعت أنك قتلت جماعة في أرض عذراء. فقال معاوية: بلى: فقالت عائشة: ما حملك على قتل أهل عذراء حجر وأصحابه؟ فقال معاوية: إني رأيت قتلهم إصلاحاً للامة، وأن بقاءهم فسادا. فقالت له: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقول : سيقتل بعذراء ناس يغصب الله لهم وأهل السماء.

سكت معاوية بعد سماع هذه الكلام. وفي اللقاء الذي جمع معاوية بالإمام الحسين(عليه السلام) في المدينة، قال له الإمام(عليه السلام): لماذا قتلت حجر بن عدي؟ قال معاوية: قتلناهم وكفناهم وغسلناهم وصلينا عليهم ودفناهم. قال الإمام(عليه السلام): اذا سلطنا عليكم، سنقتلكم ولا نكفن جنائزكم ولا نصلي عليكم ولا ندفنكم، فتعجب معاوية من هذا الكلام.

من جملة ما تمّ الكشف عنه في جريمة الوهابيين التكفيريين بحق مزار حجر بن عدي هو أن جسد الصحابي الجليل مازال سالماً حيث تمّ نقل الجثمان ودفنه في مكان مجهول.

يا ترى ألا ينبغي أن يسأل المجرمون من أنفسهم ان الجسد الذي بقى كما كان عليه قبل أكثر من 1300 عام هو جسد يعود لولي من أولياء الله؟ هل أنتم تعتبرون قاتله من الصحابة الأجلاء وتكنون له الاحترام؟!

ومن جملة ما يتذرع به الإرهابيون التكفيريون في فعلتهم النكراء هو أننا لم نكن ننوي إهانة حجر بن عدي وإنما هدفنا هو هدم القبة والضريح حيث أنهما من معالم الشرك وعبادة للأصنام. ونقول في الجواب: باليقين أنكم لم تفهمو معنى التوحيد والشرك.

فالمسلمون طوال التاريخ كانوا يحترمون قبور كبارهم وعظمائهم وعلى هذا فإن جميعهم يبوبون في خانة الشرك؟! ولم ينفرد الإسلام بمسألة احترام القبور وإنما الأمر رائج بين غير المسلمين كذلك ولا علاقة له بالعبادة والشرك.

إن تغسيل الميت وتكفينه وأداء صلاة الميت من قبل المسليون له علامة من علامات الاحترام للميت كما هو حال احترام قبره.

وفي الواقع وحسب معتقداتنا فإن أكثر الناس شركاً هم الوهابيون التكفيريون، لأن هؤلاء تجاهلوا التعاليم القرآنية التي أكدت على رحيمية الله تعالى وأن الإسلام دين الرحمة؛ يقول تعالى في كتابة الكريم: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين). إن هؤلاء أعرضوا عن هذه التعاليم السماوية من أجل توصيات «محمّد بن عبدالوهاب»، وعلى ما تقدم، يا ترى من هو المشرك هؤلاء أو الآخرون؟

وقد سمعنا من هذه الجماعة أنها غير قادرة على تهديم قبر وضريح النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) وإلا لأقدمت على هذا الفعل كذلك.



وعلى حد قول الشاعر ما معناه:          لا يفعل حيوان بحيوان آخر             ما يفعله الوهابيون بالنسل الإنساني



نسأل الله تعالى أن يهدي من يهتدي من هذه الجماعة ويستأصل جذور الآخرين منهم الذين شوهوا صورة الإسلام الناصعة بأفعالم الشنيعة.

ناصر مکارم شیرازی

Viewing all 1154 articles
Browse latest View live