Quantcast
Channel: العربية
Viewing all 1154 articles
Browse latest View live

الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف في النجف الأشرف

$
0
0
الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف في النجف الأشرف

إن هذه الحقائق الكبيرة تفرض علينا واجبات تجاه مولانا ولي العصر أرواحنا فداه، نشير إلى أهمها: أولاً: أن ننشر الثقافة المهدوية في المسلمين، و نروج شرح آيات البشارة النبوية و أحاديثها الشريفة، في حوزاتنا و وسائل الإعلام و التوعية و التثقيف. ثانياً: أن نستفيد من الثقافة المهدوية في توحيد الأمة الإسلامية، لأن عقيدة المهدي الموعود صلواة الله عليه عامة مجمع عليها عند جميع المسلمين.
بيان سماحة المرجع الديني آية الله العظمي الشيخ لطف الله الصافي دام ظله الوارف إلي مؤتمر الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف في النجف الأشرف


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلوة و التسليم على سيدنا و نبينا محمّد و آله الطيبين الطاهرين.
قال مولانا أميرالمؤمنين عليه أفضل صلواة المصلّين: لَتَعْطِفَنَ‏ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا
وَ تَلَا عَقِيبَ ذَلِكَ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِين‏.(القصص:5)
السلام عليك يا سيدي و مولاي يا أميرالمؤمنين و سيد الوصيين.
السلام على الحوزة العلمية الشريفة في نجفك الأشرف، بمراجعها المعظمين، و علمائها الأعلام، و طلبتها الكرام.
والسلام عليكم أيها الحفل الكريم، المجتمعون في جوار أميرالمؤمنين عليه‌السلام لإحياء ذكر أهل‌البيت الطاهرين‌عليهم‌السلام، و التبشير بموعودهم المذخور لإقامة دولة العدل الإلهي، و إنهاء الظلم عن وجه الأرض.

و من هو أولى من قم و النجف بإحياء ذكره العاطر أرواحنا له الفداء، و قد أخبر جده رسول الله صلى الله عليه و آله أن النجف ستكون عاصمته و دار ملكه، و أن قماً عاصمة أنصاره و أعوانه في حركته.
فعن مولانا الإمام الباقر عليه السلام قال: «كَأنّي بِصَاحِبِكُمْ‏ قَد عَلَا فَوْقَ نَجَفِكُمْ بِظَهْرِ كُوفَانَ فِي ثَلَاثِ مِائَةٍ وَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَ مِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ‏ وَ إِسْرَافِيلُ أَمَامَهُ‏، مَعَهُ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، قَدْ نَشَرَهَا، لَا يَهْوِي بِهَا إِلَى قَوْمٍ إِلَّا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ عَزَّوَجَل».
و عنه عليه السلام قال: «يَا ثَابِتُ‏ كَأَنِّي‏ بِقَائِمِ أَهْلِ بَيْتِي قَدْ أَشْرَفَ عَلَى نَجَفِكُمْ هَذَا وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ، فَإِذَا أَشْرَفَ‏ عَلَى نَجَفِكُمْ نَشَرَ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، فَإِذَا هُوَ نَشَرَهَا انْحَطَّتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ بَدْرٍ. قُلْتُ: وَ مَا رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله؟ قَالَ: عَمُودُهَا مِنْ عُمُدِ عَرْشِ اللَّهِ وَ رَحْمَتِهِ، وَ سَائِرُهَا مِنْ نَصْرِ اللَّهِ لَا يَهْوِي بِهَا إِلَى شَيْ‏ءٍ إِلَّا أَهْلَكَهُ اللَّهُ. قُلْتُ: فَمَخْبُوءةٌ عِنْدَكُمْ حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ عليه السلام أَمْ يُؤْتَى بِهَا؟ قَالَ: لَا بَلْ يُؤْتَى بِهَا، قُلْتُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهَا؟ قَالَ: جَبْرَئِيلُ عليه السلام»
و عنه عليه السلام قال في أهل خراسان: «كَأَنِّي بِقَوْمٍ قَدْ خَرَجُوا بِالْمَشْرِقِ‏ يَطْلُبُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَطْلُبُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ وَضَعُوا سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوهُ فَلَا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَقُومُوا، وَ لَا يَدْفَعُونَهَا إِلَّا إِلَى صَاحِبِكُمْ، قَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ. أَمَا إِنِّي لَوْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ لَاسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ.»
و في تفسير العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال بعد أن قرأ قوله تعالى: (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ‏ شَدِيدٍ: هو القائم وأصحابه، أولو بأس‏ شديد.)
و عن الإمام الصادق عليه السلام قال في تفسيرها: «هم والله أهل قم، هم والله أهل قم، هم والله أهل قم. ثلاث مرّات»
أيها الأعزاء:
إن هذه الحقائق الكبيرة تفرض علينا واجبات تجاه مولانا ولي العصر أرواحنا فداه، نشير إلى أهمها:
أولاً: أن ننشر الثقافة المهدوية في المسلمين، و نروج شرح آيات البشارة النبوية و أحاديثها الشريفة، في حوزاتنا و وسائل الإعلام و التوعية و التثقيف.
ثانياً: أن نستفيد من الثقافة المهدوية في توحيد الأمة الإسلامية، لأن عقيدة المهدي الموعود صلواة الله عليه عامة مجمع عليها عند جميع المسلمين.
و في هذا المجال نخص إخواننا العراقيين أن يستفيدوا من الثقافة المهدوية في تقوية وحدتهم لأن بلدهم العراق سيكون مركز دولة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ فحريٌ بهم أن يوحدوا كلمتهم و يتآلفوا و يتآخوا و يعتصموا بحبله الشريف.
ثالثاً: أن نخاطب العالم بالثقافة المهدوية، لأن الثابت عند المسلمين أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام سوف ينزل من السماء في عهد الإمام المهدي عليه السلام، و سيعملان لإصلاح العالم و تحقيق وحدته و رفاهيته.
رابعاً: أن تهتم الحوزتان في النجف و قم بالدراسات المعمقة في قضية الإمام المهدي عليه السلام و تتعاون مؤسساتها فيما بينها، و تتواصل مع المؤسسات العلمية العالمية، و تتعاون في نشر البحوث المهدوية التي تبشر العالم بمستقبل باهر أفضل.
خامساً: أن تهتم حوزاتنا في تربية طلابنا على الإعتقاد و الإرتباط بإمام العصر ارواح العالمين له الفداء، لأنهم جنوده و أبناؤه، و لأنهم يعيشون في ظلّ بركته و رعايته و عنايته.
فينبغي أن تدخل الثقافة المهدوية في برامجنا التربوية، و يكون الإرتباط بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف جزءاً من سلوك طلبتنا الأعزاء.
و في الختام نعبر عن إحترامنا و إخلاصنا و خدمتنا لمولانا و مقتدانا بقية الله في الأرضين و نقول:
(يا أَيُّهَا الْعَزيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقين)
اللّهم عجل فرجه و سهل مخرجه و اجعلنا من أعوانه و أنصاره و المستشهدين بين يديه و السلام عليكم و على جميع إخواننا المنتظرين لفرجه الشريف.‏
لطف الله الصافي
رجب المرجب 1434 هـ.ق


لماذا الانكار في ظل عمليات التجديد الخلوي

$
0
0
لماذا الانكار  في ظل عمليات التجديد الخلوي

ولا شك أن الخلاف حول الإمام المهدي بين المسلمين يدور بين عدم مولده وبين مولده وطول عمره حتى الآن,بينما أنكر آخرون المسألة كلياً. وبالتفاتة بسيطة إلى الديانات السابقة نجد أن مسألة انتظار المخلّص أو المهدي موجودة, فاليهود مازالوا ينتظرون المسيح الحقيقي بعد إنكارهم عيسى عليه السلام,بينما يقطع المسيحيون بمولده ورفعه إلى السماء,و الغريب أن القرآن جاء لينتصر إلى الطرح  الذي يبدو الأضعف في الحجّية فأقرّ بالمولد (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)(2) والرفع (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)

مع تطور أدوات البحث العلمي وبزوغ عصر المعارف الكونية, أصبح العلماء لا يندفعون وراء فكرة علمية إلا بعد التأكد التام من إمكانية تحققها بنسبة كبيرة.

وفكرة الخلود وإطالة عمر الإنسان  فكرة طالما راودت حلم البشر وداعبت خيالهم, وإن اختلف التعبير عنها, وها هو آدم عليه السلام يراوده إبليس (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(1),والمعروف أن آدم عليه السلام كان في المُلك الذي لا يبلى ومتمتعاً بالخلود!



ولا شك أن الخلاف حول الإمام المهدي بين المسلمين يدور بين عدم مولده وبين مولده وطول عمره حتى الآن,بينما أنكر آخرون المسألة كلياً. وبالتفاتة بسيطة إلى الديانات السابقة نجد أن مسألة انتظار المخلّص أو المهدي موجودة, فاليهود مازالوا ينتظرون المسيح الحقيقي بعد إنكارهم عيسى عليه السلام,بينما يقطع المسيحيون بمولده ورفعه إلى السماء,و الغريب أن القرآن جاء لينتصر إلى الطرح  الذي يبدو الأضعف في الحجّية فأقرّ بالمولد (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)(2) والرفع (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ).(3)

الأدلة العلمية على إمكانية إطالة العمر:

في مقالة علمية(4) حديثة أثبت العلماء أنه أمكن إطالة أعمار الفطريات و الديدان إلى ما يوازي مائة إلى مائة وعشرة أعوام من عمر الإنسان, ومازالت التجارب مستمرة على الفئران.

ولوحظ أن الفئران تطول أعمارها بنسبة 50% عن الطبيعي باتباع تغذية منخفضة السعرات الحرارية.

وتمكن العلماء أيضاً في تجربة أخرى مستقلة(5) من التحكم في جين إطالة العمر لذبابة الفاكهة والذي يعتبر شديد الشبه بالجين الآدمي (جين أندى), وتمكن العلماء أيضاً من إطالة أعمار سبعة نماذج من الفئران البيضاء المعالجة وراثياً والمعدة لمثل هذه التجارب.(6)  وخلال شهر يوليو 2005م ,اهتزت الأوساط العلمية المهتمة بأبحاث إطالة الأعمار بخبر نشر في الس.ن.ن. العلمية ـ قسم الصحة ـ حيث أعلن العالم دى جراى أنه بحلول عام 2020م سيكون من الممكن علمياً إطالة عمر البشر ببضع مئات من السنين(7) من خلال التحكم في الجينات الوراثية المسؤولة عن ذلــك. واستطــاع البـــاحثون بجامعـــة سياتــل الأمريكية,قسم أبحاث تقدم العمر أن يطيلوا أعمار فئران التجارب بمقدار خمسة أضعاف وذلك بإزالة  السموم الخلوية.(8)

ولقد نجح العلماء أيضاً في تقنية تبديل الأعضاء والتي تتيح حياة أطول للفئران(9),وهذه التقنية تعتمد على تقنية الخلايا الجذعية والتي تتيح استبدال الأعضاء التالفة أو المريضة في الكائن الحي.

وموضوع الخلايا الجذعية ـ و التي اعتبرت ثورة علمية في الآونة  الخيرة ـ قد فتح باباً آخر أمام العلماء,حيث تستطيع الخلايا الجذعية (خلايا ـ جنينية وغير جنينية ـ غير متخصصة) أن تعوض أو تستبدل أي  نوع من الخلايا الجسدية,مما يعني مدّ حياة الخلايا إلى أمد بعيد.

وعلى المستوى المحلي,نشرت جريدة المساء القاهرية بتاريخ 28/8/2005 مقالاً عن اكتشاف العلماء لهرمون يطيل العمر في الإنسان.

ولا نستطيع أن نغفل جهود العلماء الروس في الأبحاث المتعلقة بالحياة المعلقة,والمغزى منها وضع الإنسان في حالة ثبات لمواجهة الرحلات الطويلة في الفضاء الخارجي (بما يشبه السبات الشتوي أو الكمون الصيفي عند الحيوانات), ولسرية هذه الأبحاث فإن المعروف عنها قليل.

الحقيقة أن المهتم بهذا المجال يجد على شبكة الانترنت العلمية ـ وبدون مبالغة ـ مئات الأبحاث التي تدور حول هذا الموضوع,مما يعنى أن الأمر ليس عبثا فكرياً ولا خيالاً علمياً,بل منظومة بحثية تعمل جاهدة للوصول إلى نتائج في أمر جائز عقلاً لتحقيق حلم قديم... طول العمر.

لقد توصل العلماء إلى تحديد الجين الوراثي المسؤول عن التحكّم في إطالة عمر الخلية الحية في الفئران, وأيضاً حددوا الإنزيم الوراثي الذي يقوم بالدور الأساسي في هذه العملية ـ ما يعرف بقص جزء من الحامض النووي المسؤول عن التجديد الخلوي، حيث إن إطالة عمر الكائن الحي هو ببساطة استمرار عملية التجديد الخلوي, وأنّ توقّف التجدد  في الخلية الحية يعني الموت.

مما سبق يتضح لنا ـ وبدون لبس ـ أن البشرية على عتبة تحقيق إنجاز علمي غير مسبوق، وهو.. تمديد عمر الإنسان..

وهذا ما يستطيعه البشر للبشر, فكيف بربّ البشر؟ ألا يستطيع أن يطيل عمر إنسان إلى ما يشاء وكيف يشاء بسبــب... وبــدون سبب...؟  إن كان الأمر جائزاً لمحــدودي القدرة ألا وهم البشر... فلماذا يُنكَر ذلك على صاحب القدرة المطلقة ؟ أليس هو الفعّال لما يريد؟ وأمره بين الكاف والنون كن فيكون. ومما لا شك فيه أن التاريخ البشري يذكر الكثير من البشر طالت أعمارهم  في أزمان مختلفة وبمدد زمانية خارجة عن المعدلات الطبيعية، أما نوح عليه السلام (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ)(10) فلبث يدعو قومه 950 سنة, والغالب أن الأنبياء يصدعون بالدعوة بعد بلوغ الرشد والاستواء ـ أي بعد الأربعين ـ في حالة كون أعمارهم  حول الستين. فبالقياس يكون عمر نوح عليه السلام  قد جاوز الألفين وخمسة عام.

ثم أليس إبليس عدو الله مُنظَراً وطويل العمر... أيمدّ لعدوّه ولا يمدّ لوليّه؟ والكون كلّه مبني على التقابل... ليل ونهار... صحة ومرض...  قبض وبسط... شر وخير... أيبقي الله رمز الشر ـ ولا نراه ـ  ولا يبقي رمز الخير؟! وأخيراً أجمعت الأمة  على حياة عيسى عليه السلام في السماء وهو المرتبط بظهور المهدي عليه السلام وهو حي (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ).(11)

إن منظومة معركة آخر الزمان <هرمجدون> مبنية على ثلاث شخصيات رئيسية: الإمام المهدي عليه السلام وعيسى عليه السلام والمسيخ الكاذب (الدجال)... والغريب أن الشخصية الثانية والثالثة في هذه المعركة لا يوجد خلاف على بقائهم أحياء حتى هذه اللحظة, فلما الإنكار على حياة الشخصية الأولى والأساسية في هذه المعركة؟

الاستاذ الدكتور: عاصم فهيم محمد/ كلية العلوم ـ جامعة القاهرة


الهوامش:
(1)  طه : 120.
(2)  مريم : 33.
(3)  النساء : 158.
(4)  مجلة العلوم العدد 309 بتاريخ 1/ 7/ 2005.
(5)  مجلة العلوم العدد 2290 بتاريخ 15/ 12/ 2000.
(6)  مجلة أبحاث العجز العدد: 11 ـ بتاريخ 12/ 2005.
(7)  موقع السي ان ان العلمي مقالة بعنوان <امتداد الحياة أصبح ممكناً> للعالم أوبري دي جري بتاريخ 7/ 4/ 2005.
(8)  موقع إخبار العلماء الجدد مقالة للعالم روان هوبر بتاريخ 5/ 2005.
(9)  مجلة تيم اون لاين العلمية للعالم جوناثات ليك بتاريخ 8/ 2005.
(10)  العنكبوت : 14.
(11)  النساء : 158.

الجاهلية الحديثة ( الثانية)(المهدوية في مواجهة الجاهلية )

$
0
0
الجاهلية الحديثة ( الثانية)(المهدوية في مواجهة الجاهلية )

كلما تم الحديث عن الجاهلية، يبدو وكأن الجاهلية تعود إلى  العصور السالفة وأن الحديث عنها اليوم حيث عصر عقلانية الإنسان، هو حديث عبثي ويخالف الحضارة الإنسانية، لكن ومع التمعن في مفهوم الجاهلية وما يحصل للإنسان المعاصر، نجد بأن هذه المشكلة الكبرى، قد أمسكت اليوم أيضا بتلابيب الإنسان. ومن أجل دراسة الموضوع بشكل دقيق، نطرح عدة أسئلة ونجيب عليها:

إسماعيل  حاجيان
القسم الأول: ما هي الجاهلية؟
كلما تم الحديث عن الجاهلية، يبدو وكأن الجاهلية تعود إلى  العصور السالفة وأن الحديث عنها اليوم حيث عصر عقلانية الإنسان، هو حديث عبثي ويخالف الحضارة الإنسانية، لكن ومع التمعن في مفهوم الجاهلية وما يحصل للإنسان المعاصر، نجد بأن هذه المشكلة الكبرى، قد أمسكت اليوم أيضا بتلابيب الإنسان. ومن أجل دراسة الموضوع بشكل دقيق، نطرح عدة أسئلة ونجيب عليها:
ما هي الجاهلية؟ وهل من الصحيح استخدام لفظة الجاهلية للإنسان المعاصر رغم التطور العلمي الهائل الذي حققه الإنسان في القرون الأخيرة؟
ما معنى الجاهلية الأولى (الجاهلية الأولى بتعبير القرآن الكريم) والجاهلية الحديثة (الجاهلية الثانية)؟ وما هي ملامح وعلامات الجاهلية في عصرنا الحاضر؟
الجاهلية من وجهة نظر القرآن والروايات
وكما أشرنا، فإن ثمة تعاريف وردت في القرآن الكريم والروايات حول الجاهلية، إذ إن الاهتمام بها يكشف عن الكثير من الحقائق.
ويقول الله سبحانه وتعإلى  في محكم كتابه:
"إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ". 
إن الحميّة تأتي من مادة "الحَمى" أي الحرارة واستخدمت بمعنى الغضب وبعدها بمعنى النخوة والتعصب والحمية الممتزجة بالغضب. وقد أكد الإمام علي (ع) في الخطبة "القاصعة" مرارا على هذا المعنى وقال في مذمة إبليس زعيم المستكبرين:
"صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ الْحَمِيَّةِ، وَإِخْوَانُ الْعَصَبِيَّةِ، وَفُرْسَانُ الْكِبْرِ وَالْجَاهِلِيَّةِ".
ويقول في جانب آخر من هذه الخطبة وهو يحذر فيها الناس من تعصبات الجاهلية:
"فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ نِيرَانِ الْعَصَبِيَّةِ، وَأَحْقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ، وإنَّمَا تِلْكَ الْحَمِيَّةُ تَكُونُ فِي الْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّيْطَانِ وَنَخَواتِهِ، وَنَزَغَاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ".
وعندما سئل الإمام علي بن الحسين (ع) عن العصبية، وما هو المذموم منها، فقال (عليه السلام): "العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم". 
وجاء في القرآن الكريم في سياق تبيان قصة ليلة ما بعد حرب أحد واحتمال خطر أن يهاجم المشركون، المدينة وخوف المنافقين وضعاف الإيمان:
"ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ". 
إنهم كانوا يظنون سوءا بالله مثلما يظنون عصر الجاهلية وما قبل الإسلام وكانوا يحتملون في ظنونهم كذب وعود رسول الله (ص) وكانوا يقولون لبعضهم البعض: هل من الممكن أن يكون النصر حليفنا في ظل هذا الوضع المزري. أي إنه مستبعد جدا ومستحيل. لكن القرآن قال ردا عليهم أن جميع الأمور هي لله.
وجاء في القرآن الكريم في مجال آخر:
"اَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" .
ونقل في كتاب "الكافي" عن أمير المؤمنين علي (ع) قوله:
"الحُكم حُكمان، حُكم الله وحُكم الجاهلية، فمن أخطأ حُكم الله حَكَمَ بحُكم الجاهلية". 
ويتضح من هنا بأن المسلمين الذين أصبحوا برغم امتلاكهم الاحكام السماوية يبحثون عن القوانين الوضعية والمصطنعة الباطلة، فإنهم يكونون قد ساروا في الحقيقة على خطى الجاهلية".
وروي عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ؟ قال : نعم ، قلت جاهلية جهلاء أم جاهلية لا يعرف إمامه ؟ قال جاهلية كفر ونفاق وضلال. 
وذات يوم نظر النبي الأكرم (ص) إلى  الإمام علي (ع) وقال:
"يا علي! مَن أبغَضَكَ أماتَه الله ميتة جاهلية وحاسَبَه بما عمل يوم القيامة". 
كما روي عن الرسول الأكرم (ص):
"مَن أنكر القائم مِن وُلدي في زَمان غيبتهِ ماتَ ميتة جاهلية". 
وفي دعاء غيبة إمام الزمان (عج) وبعد طلب معرفة الله ورسول الله (ص) وإمام وحجة الله، ندعو إلى  الباري تعالى:
"اللهُم لا تمُتني ميتة جاهلية ولا تُزِغ قلبي بعدَ إذ هَدَيتني". 
والقصد من ميتة الجاهلية في هذا الدعاء هو عدم معرفة إمام الزمان (عج).
وقال الإمام الصادق (ع):
"مَن شَرِبَ مُسكِرا لَم تُقبل مِنه صلاتُهُ أربعين يوما. فإن ماتَ في الأربعين، ماتَ ميتة جاهلية وإن تابَ، تابَ الله عليه". 
ويمكن من مجمل الآيات والروايات التي ذكرت في هذا الخصوص، تلخيص ملامح وسمات الجاهلية في الحالات التالية:
1-    الحكم والحكومة من دون وجه حق، السلوك بما يخالف القانون الإلهي والمبني على الأهواء والإعراض عن التعاليم والأوامر الإلهية؛
2-    عدم الاهتمام بالوعود الإلهية والتفكير السئ حول أفعال الله؛
3-    الإصرار على المطالب غير الملائمة، والعصبية والتحيز من دون سبب للعقائد والأفكار الباطلة؛
4-    العنصرية وتفضيل قوم وقبيلة من دون سبب وجيه ومنطقي (حمية الجاهلية)؛
5-    الفساد الأخلاقي، الخمر والميسر، الحرب والنهب والسلب؛
6-    عدم القبول بقيادة صالحة ومعصومة وعدم الاهتمام بالأحكام الإلهية.
الجاهلية الأولى
لقد بين القرآن الكريم في سورة "الأحزاب" الجاهلية الأولى بهذا الشكل:
"وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى".
لكن ما المقصود من الجاهلية الأولى؟ فالظاهر هي الجاهلية التي تقارنت مع عصر النبي الأكرم (ص) بحيث ورد في التواريخ بأن النساء لم يكن يتحجبن في تلك الفترة بشكل صحيح وكن يلقين عقب غطاء رأسهن على ظهورهن، بحيث كان يظهر جزء من حلقهن وصدرهن وعقدهن وقرطهن. وعلى أي حال فإن هذا التعبير يظهر بأنه ستكون هناك جاهلية أخرى على غرار جاهلية العرب، حيث نرى اليوم ملامح وسمات هذا التنبؤ القرآني في العالم  المادي المتحضر.
جاهلية ما قبل الإسلام
لقد أثيرت الكثير من القضايا والمسائل حول جاهلية العرب ما قبل الإسلام (الجاهلية الأولى) في كتب التاريخ وللمزيد من توضيح مفهوم الجاهلية نشير إلى  بعض منها.
1-    ومن وجهة نظر الإمام علي (ع) فإن اللجاجة في التصدي للحق، والعصبية في غير محلها والشيطانية، والكبر والغرور وعدم التفكر والتفقه في الدين، وعدم اعتماد جوهر العقل والحصافة في معرفة الله، وتوارث الثقافة المنحطة الماضية والامتثال لقادة الظلم والجور تعد كلها من مظاهر الجاهلية.

وتحدث الإمام علي (ع) في إحدى خطبه عن حالات وخصائص الناس في عصر الجاهلية عشية بعثة النبي الأكرم (ص) حيث قال:
"أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجْعَة مِنَ الأمم وَاعْتِزَام مِنَ الْفِتَنِ، وَانْتِشَار مِنَ الأمور، وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ، وَالدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ; عَلَى حِينِ اصْفِرَار مِنْ وَرَقِهَا، وَإِيَاس مِنْ ثَمَرِهَا، وَاغْوِرَار مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى، وَظَهَرَتْ أَعْلاَمُ الرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا. ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ، وَطَعَامُهَا الْجِيفَةُ، وَشِعَارُهَا الْخَوْفُ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ".
ويبدو أن الإمام علي (ع) يرى أن عالم ما قبل الإسلام كان غارقا بأكمله في الجاهلية.
1-    ويتحدث الإمام علي (ع) في "نهج البلاغة" عن عصر البعثة فيقول:
"بَعَثَهُ وَالنَّاسُ ضُلاَّلٌ فِی حَیْرَة، وحَاطِبُونَ فِی فِتْنَة، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ، وَاسْتَزَلَّتْهُمُ الْکِبْرِیَاءُ، واسْتَخَفَّتْهُمُ الْجَاهِلیَّةُ الْجَهْلاَءُ; حَیَارَى فِی زَلْزَال مِنَ الأَمْرِ، وَ بَلاَء مِنَ الْجَهْلِ". 
2-    ونقل عن الإمام في وصفه بني أمية الذين واصلوا الجاهلية الأولى:
"أَلاَ وَإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي اُمَيَّةَ، فإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءٌ مُظلِمَةٌ عَمَّتْ خُطَّتُهَا، وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا، وَأَصَابَ الْبَلاَءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا، وَأَخْطَأَ الْبَلاَءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا ... تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً، وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً، لَيْسَ  فِيهَا مَنَارُ هُدىً، وَلاَ عَلَمٌ يُرَى". 
3-    ومن النقاط المثيرة للانتباه عند العرب في الجاهلية هي نوع العلاقات الأسرية وتعدد أنواع الزواج عندهم، فعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى  الحالات التالية:
أ‌-    نكاح المقّت : وفيه ينكح الولد امرأة أبيه. أي إذا مات الأب، يقوم أكبر أولاده بإلقاء عباءته على زوجة أبيه، فيرث نكاحها. وإن لم يكن له فيها حاجة، يزوّجها بعض إخوته بمهر جديد. وإن شاء الأبناء زوجوها لمن رغبوا فيه، وأخذوا صداقها.
ب‌-    نكاح الجمع: وفيه كانوا يرغمون جواريهم على الزنا مع الآخرين ليحصلوا على نقود
ت‌-    نكاح البدل: يتم بتنازل رجلين عن زوجتيهما كل واحد للآخر . أي يتبادلان نساءهما برغبة الطرفين.
ث‌-    نكاح الضمد : وهو اتخاذ المرأة أكثر من خليل. وفيه إشارة إلى  تعدد الخلان والأخدان. وسمى أيضا بنكاح الرهط أي تعدد الأزواج.
ج‌-    نكاح الاستبضاع: حيث كان الرجل يأخذ زوجته لتحمل من محاربين أشداء أو أشخاص معروفين بقوتهم وذلك لإنجاب ولد قوي البنية ومحارب قوي ولا يمسسها زوجها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل.
ح‌-    النكاح الجماعي: وهو الزواج الجماعي الذي يحصل بين عدد من الرجال مع عدد من النساء. 
4-    ومن اشهر التقاليد الشنيعة لعرب الجاهلية هو وأد البنات عند بعض القبائل، إذ يشير القرآن الكريم إلى  ذلك حيث يقول:
"وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ".
وفيما يخص وأد الفتيات وقعت أحداث مروعة وفظيعة في المجتمع العربي ما قبل الإسلام وردت بشكل مفصل في التواريخ.
وبذلك يمكن إضافة التبرج والتعري والكبر والنخوة ونسف قيمة المرأة والإنسان والرعب والاضطراب والحرب وسفك الدماء بوصفها مصاديق أخرى عن الجاهلية.
الجاهلية الحديثة في عصرنا الحاضر
وعند الحديث عن الجاهلية الأولى قيل بأن الجاهلية الثانية، هي جاهلية أصيب بها عالم اليوم بكل ما حققه من تطور وتقدم علمي وحضارة هائلة وغير مسبوقة والادعاء بتشكيل القرية العالمية. لكن كيف يمكن القبول بذلك فيما يطلق الإنسان مزاعمه على عواهنها؟
.................
ولكشف طبيعة الجاهلية الحديثة، لابد من إلقاء نظرة على عدد من المحاور الأساسية للحياة العصرية للإنسان:
أ‌-    الضلال في الأسس الفكرية
إن المذهب الإنساني شكل أهم الأسس الفكرية للإنسان في الحقبة التي تلت عصر النهضة. والمذهب الإنساني ينص على محورية الإنسان في جميع القيم الإنسانية. (محورية الإنسان في مقابل محورية الله).
إن مطلب الإنسان الغربي يتمثل في الانفصام عن السماء والالتحاق بالأرض. وفي عصر النهضة كان هناك مصطلح واحد حظي بالاحترام ولخص مجمل برنامج الحضارة الجديدة ألا وهو "المذهب الإنساني". والقصد من هذا المصطلح هو حصر كل شئ بالإنسان والعقل الإنساني البحت وتحويل المبدأ والطريقة التي تتمتع بالخصلة المعنوية والسامية، إلى  شئ تجريدي ومجرد، والإعراض عن  السماء تحت ذريعة السيطرة على الأرض. فالمذهب الإنساني شكل المَعْلم الأول للفكرة التي نبذت الروح الدينية المعاصرة، أي العلمانية.
"وبما أنهم أرادوا تحديد كل شئ بالميزان البشري، هووا شيئا فشيئا إلى  أحط الدرجات في الوجود الإنساني".
ب‌-    العنصرية
لقد كان العرب في الجاهلية يتباهون بالحمية الجاهلية والتعصبات القبلية والعنصرية. وكان المتوقع من الإنسان العصري بكل تبجحاته وادعاءاته في السلطة والعلم، أن يتخطى هذه المرحلة والبيئة إلا إن وقائع القرون الاخيرة أظهرت بأن البشرية مازالت موبوءة بالتعصبات الجاهلية.
ج- التحلل الخُلقي
لا شك أن الفساد الأخلاقي والتفسخ والتحلل الخلقي قد تفشى في عالم اليوم في جميع أركان ومفاصل الحياة الإنسانية. وحسبما يقول القرآن الكريم:
"ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" .
وكان الفساد الأخلاقي والبغاء سائدان في المجتمع الجاهلي العربي وسائر المجتمعات البشرية السالفة، لكن لا كفضيلة وقيمة. إلا أن العالم المعاصر يعتبر هذه الأشياء قيمة ومعيارا. فمثلا توجد في الهند فرقة تدعى "لينغاميزم"، وقد ورد في كتاب "تاريخ جون ناس" حولها بأن هؤلاء يعبدون العضو الذكري للرجل. وقد أنتجوا فلما بهذا الخصوص ويعتبرون الحرية في المجال الجنسي بأنها فطرية. ومن الموضوعات التي يتضمنها الفلم هو لينغاميزم.
د- الاستبداد والظلم
يبدو حسب الظاهر ان العبودية والرق قد زالا في العالم المتحضر العصري بعد حرب تحرير الرقيق في أميركا،  لكن الحقيقة تظهر شيئا آخر في تاريخ القرون الأخيرة. فقد اكتسب الظلم والرق والجور طابعا آخر هو أقبح بكثير من العبودية التي سبقت الإسلام والقرون الوسطى.
فعلى سبيل المثال نشير إلى عدة نماذج من الانحطاط  الفكري والثقافي للمجتمعات الإسلامية:
أ‌-    الوهابية: لقد كانت الوهابية واحدة من الصور الجاهلية والبشعة التي انطلقت باسم الإسلام في القرون الأخيرة في "السعودية" وبعض البلدان الإسلامية، وتمتعت للأسف بدعم بعض الدول الاستعمارية من أجل القضاء على الصورة الناصعة لإسلام أهل البيت (عليهم السلام).
ب) الصوفية: إن التصوف هو طريقة خاصة في الحياة، تصبو إلى  تحقيق السكينة والراحة والسعادة المثالية للشخص الصوفي عن غير طريق العمل والجد والجهد والسعي والنشاطات العادية للحياة بل بواسطة تحمل المشقات والزهد والكف عن الملذات وأتباع مبدأ الهروب من الحياة المادية.
وتعتبر الهند المنشا الأول للصوفية وانتقلت منها الأفكار الصوفية إلى  البيئات والمذاهب والمسالك الأخرى.
وهذه الأفكار الضالة والانحرافية (الوهابية، الصوفية والفرق الضالة الآخرى) من جهة والمناخ التنويري السائد في المجتمعات الإسلامية في ظل الانصياع التام للأفكار الغربية المنحطة من جهة أخرى، دفعا بالمجتمعات الإسلامية إلى   جاهلية أخرى.
ومع ذلك، يجب التساؤل: أ ليس الإنسان العصري واقع في أفخاخ الجاهلية؟ العصر الذي:
1-    يلهث وراء جيفة عبادة الدنيا والاهواء والشهوات بدلا من التنشئة الإلهية للإنسان؛
2-    تجففت فيه ينابيع العواطف والمشاعر الإنسانية الكريمة؛
3-    وضع الباطل في مواجهة الحق ويتبجح بانتصار الباطل؛
4-    تمر فيه البشرية بعصر انفجار المعلومات ومازالت لا تعرف من هو الإنسان؛
5-    الإنسان فيه لا يعرف كيف يستفيد من الشخصيات العظيمة والأناس المتكاملين والقادة الإلهيين؟ ويصنع منهم أحيانا صنما ويخطئهم بالكامل أحيانا أخرى؛
6-    الإنسان المتكامل فيه لا يعرف بعد كيف يعيش من دون سلاح ومن أجل أن يبرهن بأنه حي يستخدم المدافع والدبابات والبوارج الحربية والرؤوس النووية؛
7-    انضمام الإنسان إلى  إنسان آخر على أساس النفعية والانتهازية الشخصية، وحتى إن أخلاقه هي أخلاق نفعية؛
8-    لا معنى فيه لمفهوم اللذة سوى اللذائذ المادية الدنيئة؛
9-    المنطق الذي يسوده هو: أنا الغاية والآخرون وسيلة، وهذه النظرية تبين هوية عبادة الذات؛
10-     يتم فيه نبذ الله والسلوك الإلهي لكي يتحول الإنسان إلى  محور للقيم؛
11-     العلم والتكنولوجيا والفن فيه هي في خدمة الشهوات والسلطة؛
12-     تحولت فيه العدمية وانعدام الهوية الإنسانية إلى  فلسفة الإنسان اليوم؛
13-     استخدمت فيه جميع المواهب والطاقات المعنوية والمادية في سبيل تدمير الوجود الإنساني؛
14-     تحول نكث العهد سواء العهد الإلهي أو العقد الاجتماعي إلى  تقليد عادي لإنسان العصر؛
15-     تنزل فيه الإنسان المتسامي والمؤتمن الإلهي إلى مرتبة أداة الإنتاج؛
16-     لا يستخدم فيه ألطف كائن في الحياة أي المرأة إلا على طريق إشباع الرغبات الجنسية.
القسم الثاني: المهدوية في مقابل الجاهلية
إن أحد المظاهر الجميلة للظهور وتأسيس الحكومة الكونية للإمام المهدي (عج) هو القضاء على الجاهلية والظلمات المولدة لجهل البشرية وسفاهتها. الجاهلية والسفاهة التي أنزلت المقام السامي للإنسان من أوج ( ذروة ) الملكوت إلى أدنى المراتب الحيوانية على مر القرون والأعصار باسم العلم والعقلانية.
وحسب ما بشر به القرآن الكريم والأئمة المعصومين (عليهم السلام) فإن حجة الحق سيظهر ليحطم أقبح معالم الجهل والسفاهة على مدى القرون والأعصار ويؤسس بوجوده المنير عالم مليئ بالعلم والعقل والحكمة والصفاء والحميمية.
وهناك الكثير من الأحاديث والروايات التي تحدثت عن مكافحة الإمام المهدي المنتظر (عج) للجاهلية نكتفي بنقل روايتين منها.
1-     سئل الإمام الباقر عليه السلام عن القائم عجل الله فرجه إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: بسيرة ما سار به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يظهر الإسلام. قال الراوي: وما كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: أبطل ما كان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم عليه السلام إذا قام يبطل ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل.
2-    سئل الإمام الصادق (ع) عن سيرة الإمام المهدي (عج) فقال: يهدم ما كان قبله كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويستأنف الإسلام جديداً.
وهنا يطرح سؤال مهم وأساسي نفسه وهو: نظرا إلى  الهيمنة الاستكبارية على العالم المعاصر ونظرا إلى  الهيمنة الخبرية الإمبريالية على الشرق والغرب وانتشار الفساد والظلم في أرجاء المعمورة، فهل هناك أمل في نجاة وخلاص الإنسان من براثن جاهلية القرون والأعصار؟ وهل سيبزغ الفجر الصادق للإنسان التائه في الظلمات؟ وهل ستفتح نافذة نحو النور والربيع ونضارة العالم الموبوء بالآفات؟
نعم، ليس هناك أمل فحسب بل إن هذه هي إرادة الله  ووعد الله الحق .
ولكن كيف؟
قلنا بأن الإمام المهدي المنتظر (عج) سيهدم الأساليب  الجاهلية للإنسان كما هدم النبي الأكرم (ص) جاهلية زمانه. إن تسليط الضوء على عدة نقاط يوضح هذا الموضوع أكثر .
1-    ومن الظواهر والملامح الرئيسية لعصر الجاهلية، غياب القائد والإمام الكفوء والمعصوم. في حين أن أول سمات حكومة المهدي هي إمامة وزعامة الإمام المعصوم الإمام المهدي (عج).
إن الله تعإلى  وضع زعامة الحكومة الكونية الموحدة بعهدة عبده الصالح الحجة بن الحسن (عج) إلا وهو الإنسان الوحيد على وجه الأرض والذي أقر الله سبحانه وتعالى معصوميته. فهو معصوم من كل ذنب وخطيئة وعيب ودنس.
روى يونس بن عبد الرحمن أن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا : "اللهم ... فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك واصطفيته على غيبك وعصمته من الذنوب وبرأته من العيوب وطهرته من الرجس و سلمته من الدنس".
إن الإمام المهدي (عج) وبهذه الصفة المميزة (العصمة) سيقطع يد جميع المتجبرين والطغاة الفاسدين الذين فرضوا الجهل والفساد والضياع على العالم.
2-    إنه سيأتي ليوصل العلم والمعرفة لدى الإنسان الذي خضع للجهل، إلى الذروة. إنه نظير لجده الإمام علي بن أبي طالب (ع) في العلم والمعرفة وتموج العلوم العلوية في صدره. إنه كنز العلم الإلهي في الأرض و وريث جميع علوم الأنبياء السابقين. إنه ملم بجميع زوايا وخفايا هذا العالم مترامي الأطراف.
وعن الإمام الباقر (ع) قال: "إذا قام قائمنا (عليه السلام) وضع يده علي رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وکملت بها أحلامهم" .
وعن الإمام السجاد (عل) قال : العلم سبعة وعشرون جزء ، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، لم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام القائم أخرج الخمس والعشرين حرفاً ، فبثها في الناس ، وضم إليها الحرفين ، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً".
3-    ومن أجل القضاء على جميع آثار وتداعيات جاهلية القرون والأعصار، فإن أصحاب الإمام المهدي (ع) يبايعونه بأن:
"لا يسرقوا ، ولا يزنوا ولا يسبوا مسلما وألا يسفكوا دم مسلم من دون وجه حق وألا يهدروا ماء وجه أحد وألا يعتدوا على منزل وألا يضربوا أحدا من دون وجه حق، وألا يكنزوا الذهب والفضة والقمح والشعير وألا يأكلوا مال الفقير وألا يشربوا الخمر وألا يلبسوا الحرير والفرو وألا ينحنوا أمام الذهب والفضة وألا يقطعوا الطريق على أحد وألا يهددوا أمن الطرق وألا يتبعوا المثلية وأن يقنعوا بالقليل وأن ينتصروا للطهارة ويبتعدوا عن الدناءة ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر و... ".
كما أن الإمام المهدي (عج) يتعهد بأن:
"أن يسلك طريقهم وأن يلبس كما يلبسون، وأن يمتطي مركبا مثل مركبهم، وأن يكون كما يريدون وأن يقنع ويرضى بالقليل، ويملأ الأرض قسطا عدلا بإذن الله، كما ملئت ظلما وجورا، ويعبد الله كما يستحق وألا يختار لنفسه حارسا وحاجبا و... ".
4-  لقد كان المسببون الرئيسيون للضلال الفكري وقلب الحقائق وتغيير النصوص الدينية على امتداد التاريخ، ثلاث مجموعات هي:
المجموعة الأولى: رجال الدين من عبدة الدنيا والتابعين للحكام الفاسدين؛
المجموعة الثانية: الرأسماليون والمترفون حسب التعبير القرآني؛
المجموعة الثالثة: الحكومات غير الإسلامية والإسلامية في الظاهر
ومن أصعب نضالات الإمام المهدي (عج) هو مكافحة هذه المجموعات. لأن هذا النضال يعني النضال ضد جميع الأبعاد و الجوانب الفكرية المتجذرة في مجتمع ما، والتي تتلبس بلبوس الحق.
ويقول الإمام علي (ع) عن سلوك إمام الزمان (ع) بهذا الخصوص:
"يعطف الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن، إذا عطفوا القرآن على الرأي".
وعن النبي الأكرم (ص) قال:
يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى  كتاب ربي عز وجل". 
وفي تلك النهضة العالمية العظيمة، فإن رسالة الإسلام العظيمة هي التي تنقذ الشعوب من براثن الجهالة والتيه وسيكون الإمام المهدي (عج) مجدد الإسلام الأصيل المناهض للجهل.
5- إن الأمن الفردي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي أصبح اليوم مهددا في المجتمعات الإنسانية و إن وتيرة ارتكاب الجرائم في تصاعد. إن عصر نهضة الإمام المهدي (عج) هو عصر إعادة الحق إلى  أصحابه، عصر نجاة المظلوم من الظلم وعصر إنقاذ الإنسان من شرك الضياع والخراب وعصر تحرر الإنسان من قيود الدناءة والحقارة.
إن عصر الجاهلية كان عصر الوحشة والخيانة والتدهور الأمني والحرب وسفك الدماء واليوم يشهد العالم المتحضر كل هذه الجرائم. لكن العصر النوراني لحكومة الإمام المهدي المنتظر (عج) سيكون عصر التحرر والأمن والاستقرار والعدالة.
5-    إن عصر الجاهلية كان عصر انعدام الهوية والعبودية و وأد البنات وعصر ضياع الكرامة والشخصية الحقيقية للمرأة وعصر التبرج واستمتاع الرجل بالمرأة. وفي ذلك العصر قام نبي الرحمة (ص) وبأمر من الله تعإلى  بإدخال الأمل إلى  قلوب اليائسين والمضطهدين وأعاد الشخصية والهوية الحقيقية للمرأة.
إن الأسوة القرانية الرائعة عن كبار النساء في التاريخ بمن فيهن مريم وآسية وهاجر و... وحضور نساء عظيمات مثل السيدة فاطمة (س) والسيدة خديجة (س) و... في صدر الإسلام يشكل المرأة التي تعكس جلال وجمال الحق في الرؤية الإسلامية.
والمرأة في عصرنا الحاضر كما نعلم لا تتمتع بوضع أفضل من عصر الجاهلية. إن إحدى ثمرات النهضة العالمية للإمام المهدي (عج) تتمثل في إعادة الهوية والشخصية الحقيقية للمرأة. وتحظى النساء بموقع ومكانة خاصة في نهضة وحكومة الإمام المهدي (عج).
وعن الإمام الباقر (ع): «ويجيء والله ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة، يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف".  
والفئة الثانية هي أربع مائة امرأة مختارة ينزلن لنصرة الحكومة الكونية لحضرة ولي العصر والزمان (عج) مع السيد المسيح (ع) إلى  الأرض.
وعن النبي الأكرم (ص) قوله: ينزل عيسى ابن مريم ثمانمائة رجل وأربعمائة امرأة أخيار من على الأرض وأصلحاء من مضى.
ونقل عن الإمام الباقر (ع) ما مضمونه أنه في ذلك العصر تذهب حتى امرأة عاجزة من المشرق إلى  المغرب ولا يعترضها أحد.
وكل هذا مؤشر على الكفاح بلا هوادة الذي يخوضه الإمام المهدي (عج) لمحو آثار جاهلية الإنسان التي ترسبت طوال القرون والعصور وإعلاء هذا الكائن إلى  أوج و ذروة الملكوت وإعادة الهوية الحقيقية للإنسان إليها.
الفكر المهدوي ومنزلة الشيعة
وقد وصلنا من خلال الموضوعات التي طرحت بشأن الجاهلية الأولى إلى  الجاهلية الحديثة، إلى قناعة مهمة بأن الاعتقاد بالمهدوية في الفكر الشيعي، يعني المكافحة بلا هوادة لجاهلية كل العصور البشرية وأن نهضة الإمام المهدي (عج) تعني القضاء بشكل كامل على سفاهة الإنسان وجهله.
إن التشيع قد وصل في عقيدته حول المهدوية إلى  أرفع المنازل وأوج العقلانية والمعرفة وأن جميع آثار الجاهلية تفقد بريقها في هذه الرؤية.
إن التشيع هو العقيدة الوحيدة والأصيلة التي تعترف بقائد حي لحاضر البشرية ومستقبلها بكل المواصفات والميزات والامتيازات الإلهية. إن التشيع يؤمن به ويعيش معه ويواصل حياته. و أي مدرسة أخرى لا تعترف بهكذا أسلوب جميل وقائد وإمام معصوم ومناضل.
إن التشيع يعني الاعتقاد بأروع مظاهر الحق في الكون أي الحياة المادية والمعنوية أي العلم والمعرفة والحكمة الإلهية أي الحضارة ونمو الإنسان أي تحرر الإنسان من قيود كل الجاهليات والعبوديات والسفاهات أي إقلاع الإنسان من الحضيض المادي وبلوغ أوج العبودية لله والملكوت أي حذف جميع أثار الجهل والجهالة السائدة في عالم اليوم ... .
وهذا التشيع وحده يحظى في ضوء الاعتقاد بالمهدوية، بهكذا افتخار في العالم.
اللهُم جَدّد بِه ما امتَحَى مِن دينِك.




الهواشی:

  1. سورة الفتح (48)، الآية   26
  2. تفسير نمونه، ج 22، ص 100
  3. نور الثقلين، ج 5، ص 73
  4. سورة آل عمران (3)، الآية   145
  5. تفسير نمونه، ج 3، ص 133
  6. سورة المائدة (5)، الآية   50
  7. تفسير نور الثقلين، في تفسير الآية   50 من سورة المائدة
  8. تفسير نمونه، ج 4، ص 406
  9. الكافي، ج 1، ص 377
  10. بحار الانوار، ج 39، 265
  11. المصدر السابق، ج 56، ص 73
  12. مفاتيح الجنان، ص 1082
  13. فروغ الكافي، ج 6، ص 400
  14. سورة الاحزاب (33)، الآية   33
  15. تفسير نمونه، ج 17، ص 290
  16. نهج البلاغة، الخطبة 95
  17. نهج البلاغة، الخطبة 93
  18. منظومة حقوق المراة في الإسلام، ص 287
  19. سورة النحل (16)، الآيتان 58 و 59
  20. ريه غنون، أزمة العالم المتحضر، ص 18
  21. سورة الروم (30)، الآية   41
  22. الغزو أو التباين الثقافي، ص 87
  23. سورة القصص (28)، الآية   5
  24. سورة النور (24)، الآية   55
  25. جمال الاسبوع، ص 507
  26. منتخب الاثر، ص 483
  27. مستقبل العالم (آينده جهان)، ص 53
  28. منتخب الاثر، ص 469
  29. نهج البلاغة، الخطبة 138
  30. كمال الدين وتمام النعمة، ص 411
  31. بحار الانوار، ج 52، ص 223
  32. معجم الإمام المهدي، ج 1، ص 534
  33. بحار النوار، ج 10، ص 104

 

بيان المرجع الديني الكبير الشيخ صافي بمناسبة حلول شهر شعبان

$
0
0
بيان المرجع الديني الكبير الشيخ صافي بمناسبة حلول شهر شعبان

ان هذا الشهر الشريف لفرصةٌ عظيمةٌ وعزيزةٌ للدعاء وطلب فرج محمد وآل محمد صلى الله عليهم، وطلب تعجيل الظهور، وتحقيق الوعد الإلهي لأنبيائه العظام، ولكل الملل والأمم بالخصوص المستضعفين والمشتاقين ليوم العدل الإلهي وحكومت التوحيد الإسلامي، وتعظيم الشعائر وإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ونشر الحياة الولائية وتوسيع برامج الدعاء.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
" قالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني‏ أَسْتَجِبْ لَكُم‏ " /غافر، الآية60
اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و لاسيّما على وليّك المحيي سنّتك القائم بأمرك الداعي إليك الدّليل عليك اللّهم عجّل فرجه و سهل مخرجه و ارزقنا لقاءه و اجعلنا من أنصاره وأعوانه
السلام عليكم و رحمة ‌الله و بركاته
نقدم لكم أسمى آيات التبريك والتهنئة بمناسبة حلول شهر شعبان المبارك شهر نزول البركات، شهر الأعياد الشريفة، شهر تجلي الأنوار الإلهية.
إن هذا الشهر الشريف لفرصةٌ عظيمةٌ وعزيزةٌ للدعاء وطلب فرج محمد وآل محمد صلى الله عليهم، وطلب تعجيل الظهور، وتحقيق الوعد الإلهي لأنبيائه العظام، ولكل الملل والأمم بالخصوص المستضعفين والمشتاقين ليوم العدل الإلهي وحكومت التوحيد الإسلامي، وتعظيم الشعائر وإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ونشر الحياة الولائية وتوسيع برامج الدعاء.
إنه لمن المناسب في كل أيام هذا الشهر ذكر فضائل أهل البيت ومقاماتهم العظيمة ودرجاتهم العالية، فلا نتركها، كما وأنه من المناسب إقامة المجالس وإلقاء الخطب التي تدنينا من عوالم القرب والكمال المعنوي مخصوصاً الدعاء لتعجيل فرج حضرة بقية الله مولانا المهدي عليه السلام ، وذلك في كل هذا الشهر، لذا على الجميع الاهتمام بذلك بطور فردي وجماعي سواء في خلواتهم أو مجالسهم.

إن الدعاء لحضرة الإمام لتعجيل الظهور، إنما هو دعاء لكل البشرية، ولكل الطوائف والقبائل، الأقوياء والضعفاء،العالم والجاهل، الفقير والغني، وإن التعجيل في ظهور حضرة الإمام الخليفة الإلهي الأوحد وخليفة الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين هو نجاتة للجميع من الجهل والضلالة والظلم والجور.
إن قسم كبير من تعاليم الإسلام وهدي أولياء الدين توصي بمناجات الله والدعاء إليه تعالى، حيث يقول: " الدعاء مخ العبادة ".
كما أوصت الآيات القرآنية والروايات والأحاديث بالدعاء إلى الله بأسمائه الحسنى:
" ولله الأسماء الحسنى ".
حيث إن الدعاء بكل اسمٍ من الأسماء الحسنى له آثاره الخاصة، ودوره في إلقاء المعرفة الإلهية.
إن الدعاء ينوّر القلب ويبدد الظلمات، حيث أنه يرفع العبد ويكون سبباً في عروجه، وإذا كان الدعاء لطلب حوائج العامة وخير وسعادة الجميع، كان أجره وفضيلته أعظم، وعندما يُدعى لولي الأمر وحجة الله، لن يكون بمقدورنا تصور فضله، فالدعاء لحضرة الإمام هو دعاءٌ لكل موجود من الجن والإنس والملائكة، وفرج حضرة الإمام ، فرج كل الأنبياء والأولياء وعاشقين العدالة والعلم والنهضة والأمن والأمان.
لهذه الفرصة فوائد عظيمة وآثار جمّة لا تعدّ ولا تحصى، كما أنه امن الصعب بلوغ الحديث عن تلك المعاني والمطالب والهداية في الواردة في بعض الروايات المنقولة والمرويّة والمشتملة عليه.
إن الدعاء مدرسةٌ، وإنه درسٌ وجامعةٌ إلهيّة للجميع، وهو درس تعليم الله والنبي والإمام.
إنه لمن المناسب بمكان أن تُقام برامج الأدعية لمولانا حضرة صاحب الأمر وأن تزداد وتتاح هذه الفرصة للجميع مخصوصاً في هذا الشهر الشريف ، حتى يستفيض الجميع من بركات شهر شعبان وعيد النصف من شعبان، بالأخص في ليلة النصف من الشهر المبارك، هذه الليلة العظيمة المليئة بالخير والبركة، ليلة ميلاد موعود الأنبياء والأولياء، هذه الليلة العظيمة والفضيلة التي تعادل ليالي القدر بل هي من ليالي القدر.
أتمنى أن تكون أدعية المؤمنين وإصرارهم بالدعاء لمولانا حضرة الإمام، سبباً في تعجيل فرج حضرة الإمام.
لطف الله صافي.

حجــــــــــــية الـــــــــــــــــــرؤيا

$
0
0
حجــــــــــــية الـــــــــــــــــــرؤيا

وحيث اننا بعد أن تتبعنا كلمات هؤلاء وجدنا أنهم يدعون حجية الرؤيا بقولٍ مطلق في أصول الدين ,(أما لو فرض وان قال انها من فروع الدين فإننا سوف نتحاكم معها إلى الأدلة القائمة في الفقه وأصول الفقه والمناط فيها حجية قول المتخصص وهم المجتهدون) فلا بد أن تكون حجية الرؤيا وحدود حجيتها ثابتة مسبقاً بما تثبت به مسائل أصول الدين، اذ لا معنى ان يقال أننا نثبّت حجية الرؤيا وإطلاق حدود حجيتها بأدلة فروع الدين أو بأدلة ومناهج معدّة سلفاً لإثبات مسائل تأريخية ومن ثم نحتج بها على مسائل من أصول الدين.

قبل البدء بمناقشة حجية الرؤيا من عدمها أو حدود حجية الرؤيا(فيما إذا قلنا بحجيتها),لا بد أن ننتهي مسبقاً من مسألة في غاية الأهمية وهي أن من يدعي إثبات مسألة معينة من خلال الرؤيا لا بد أن يقف:
أولاً على أن ما يراد إثباته من هذا المدعي هل هو من أصول الدين أم من فروعه؟.
وحيث اننا بعد أن تتبعنا كلمات هؤلاء وجدنا أنهم يدعون حجية الرؤيا بقولٍ مطلق في أصول الدين ,(أما لو فرض وان قال انها من فروع الدين فإننا سوف نتحاكم معها إلى الأدلة القائمة في الفقه وأصول الفقه والمناط فيها حجية قول المتخصص وهم المجتهدون) فلا بد أن تكون حجية الرؤيا وحدود حجيتها ثابتة مسبقاً بما تثبت به مسائل أصول الدين، اذ لا معنى ان يقال أننا نثبّت حجية الرؤيا وإطلاق حدود حجيتها بأدلة فروع الدين أو بأدلة ومناهج معدّة سلفاً لإثبات مسائل تأريخية ومن ثم نحتج بها على مسائل من أصول الدين.
ننتهي إلى هنا إلى أن حجية الرؤيا والمنامات وحدود حجيتها لا بد أن تثبت بأدلة من سنخ ما تثبت به أدلة أصول الدين، وحيث أن أدلة أصول الدين منحصرة بما هو قطعي ويقيني فتكون الأدلة على النحو التالي:
اولا_أدلة عقلية، والجدير بالأهمية أن يشار هنا إلى أن الأدلة العقلية لا بد أن تكون خاضعة لمنهجية البحث العقلي دون السفسطة، وإلا كان بإمكان أي متزندق أن يركّب صغرى وكبرى ويستدل بها على إلوهيته ولزوم عبودية الخلق له، وحيث ان الأدلة العقلية لإثبات المسائل الأصولية العقائدية قد قررت في محلها وأُحكمت وفُصّلت منذ الصدر الأول إلى يومنا هذا، فمع عدم وجود دليل يؤكد مضمون ما يراد أن يستدل عليه يُفهم من ذلك ان لا دليل عقلي على حجية الرؤيا والمنامات في أصول الدين وعلى من يدعي حجيتها فيها أن ينقل لنا أقوال جملة من العلماء يُعتد بقولهم على ذلك.
ومن اهم ما يرد على ما يدعيه البعض من حجية الاحلام في اصول الدين بالدليل العقلي هو:-
1- ان تقسيم الاحلام الى صادقة وكاذبة واضغاث احلام يخرم كلية تصديق الاحلام اذا تنزّلنا وقلنا أنها حجة في اصول الدين.
2- ان هذه الاحلام التي يدّعيها البعض انها حجة تحتاج الى تفسير، وحيث أن التفاسير للاحلام تختلف فما يدرينا أن التفسير الذي فسره هؤلاء هو فعلاً المراد(الواقعي) بالحلم والرؤيا، هذا اذا سلمّنا مسبقاً بصدق ما يخبرنا به هذا المفسر.
اذ من يقول أن المعنى الذي ادعاه المدعي هو المعنى المراد,ومن يقول انه صادق في اخباره وهو يجر النار إلى قرصه.
3- ان الدليل العقلي حجة لأنه ينتهي الى القطع واليقين ولا يوجد في محتوى الدليل العقلي ما هو ظنٌ او ينتهي الى الظن، لذلك فهو حجة لأنه لا يخالجه الاحتمال والظن والتشكيك فكل دليل يحتضن مقدّمة ظنية او أن فيها احتمال الترديد فهو لا يرقى الى صف الادلة العقلية اليقينية التي تكون نتائجها حجة لذاتها لأن القطع واليقين حجةٌ لذاته وحيث أن من يدعي أن الاحلام والمنامات حجة في اصول الدين ينقل لنا شخصياً مضمون ما رآه وحيث أن ما رآه لا يكون الا عبارة عن مضمونٍ منقولٍ الينا على شكل خبر الاحاد لأن الناقل له فرد واحد فيكون ما يعتقده هذا البعض دليلاً قطعياً هو في الحقيقة خبر آحاد ودليل ظني اذا سلّمنا صحة صدوره وعدم معارضته فهو حجة في الفروع وحيث أن الامرين الاخيرين متعسران فيمن يدعي الاحلام والرؤى فهو لا يُثبت حكماً شرعياً فضلاً عن ان يُثبت حكماً اصولياً عقائدياً
ثانيا_الأدلة النقلية القطعية، وتنقسم بطبيعتها إلى قسمين:
الأدلة القرآنية فحيث انها قطعية الصدور إلا أنها ظنية الدلالة فلا بد أن يكون تفسيرها أو تطبيقها بأخبار متواترة.
الأخبار التي تواترت عن أهل البيت عليهم السلام وأثبتت مضموناً حجية الرؤيا في أصول الدين بقول صريح.
وحيث انه لا يوجد من هذا النحو بشقيه ما يُثبت حجية الرؤيا في أصول الدين فيثبت عدمه، ومن يدعي ثبوته عليه أن يثبت بالدليل.
ثالثا : الإجماع المحصل كما قرر في إثبات بعض مسائل أصول الدين كحجية البحث وضرورته أو غيرها من مسائل النبوة أو الإمامة أو ما شاكل وحيث انه لا يوجد بيدنا إجماع محصل بل ولا منقول على حجية الرؤيا والمنامات في أصول الدين فيثبت عدم الحجية.
اذن لا يوجد أي نحو من أنحاء الادلة يقول بحجية الاحلام والمنام في مسائل اصول الدين.
ما هي حدود حجية الرؤيا إذا قيل بحجيتها؟
لو كانت الرؤيا والأطياف والأحلام وما يراه الناس في المنام تشكل مفردةً ينقح بها الأحكام الشرعية ويُستنبط من خلالها الأحكام كاستنباطنا للأحكام من القرآن والسنة والإجماع والعقل لذكر العلماء أن مدارك الأحكام الشرعية خمسة وليست أربعة بل لو تنزلنا عن ذلك وقلنا ان لها نوعاً من الحجية في استنباط الأحكام الشرعية دون ان تصل إلى مستوى حجية القرآن او السنة لذكر الفقهاء ذلك في كتب الأصول.
إن عدم وصول أدلة من القرآن بعد إستثناء منامات المعصومون التي وردت في القرآن اذ هي وحي لا يمسه الشيطان أو من روايات أهل البيت عليهم السلام أو من كلام العلماء تثبت أن المنامات والأحلام حجة في استنباط الأحكام الشرعية او تأسيس القواعد الأصولية في العقائديات يعكس لنا عدم حجية الأحلام في ذلك وأنها لا تعدو –في حال صدقها- كونها مبشرات نفسية ذات حدود شخصية كما أشارت جملة من روايات أهل البيت عليهم السلام إلى ذلك.

الشيخ حميد الوائلي

الأدعية والزيارات المهدوية عن المعصومين ( عليهم السلام )

$
0
0
الأدعية والزيارات المهدوية عن المعصومين ( عليهم السلام )

وفي مخاض الإجابة عن كل تلك الأسئلة الموضوعية التي تنطلق عفوياً أمام أول قراءة لعنوان البحث : فإنه لا تعارض البتة بين أن نستمر بدراستنا للقضايا المهدية من خلال الروايات المكثفة ومن جوانبها المختلفة مع فتح مصدر معرفي جديد للتعرف على جوانب أخرى من هذه القضايا العقيدية المهمة في بعديها المعرفي النظري والواقعي .

مع وجود الكم الهائل من الروايات التي تحدثت عن القضايا المهدية ، أفلا تكفي لتكون مصدراً مهماً لها ؟
وهل استنفدت تلك الروايات أغراضها فلم تعد الحاجة إلى الرجوع إليها مرة أخرى ؟
أم أن هناك دواعي أخرى يمكننا أن نستفيد من الأدعية والزيارات المروية عن المعصومين عليهم السلام ؟
وفي مخاض الإجابة عن كل تلك الأسئلة الموضوعية التي تنطلق عفوياً أمام أول قراءة لعنوان البحث : فإنه لا تعارض البتة بين أن نستمر بدراستنا للقضايا المهدية من خلال الروايات المكثفة ومن جوانبها المختلفة مع فتح مصدر معرفي جديد للتعرف على جوانب أخرى من هذه القضايا العقيدية المهمة في بعديها المعرفي النظري والواقعي .
وأما السبب المباشر الذي لفت انتباهنا إلى هذه الانطلاقة الجديدة هو مجموعة أشياء :
1ـ الكثافة الكمية لتلك الأدعية والزيارات التي امتلأت بها كتب الأدعية والزيارات ك ( مصباح التهجد ) للشيخ الطوسي ، و( مصابح الزائر ) للسيد ابن طاووس ، و( الجنة الواقية ) و( البلد الأمين ) للشيخ الكفعمي وغيرها .
2ـ الكثافة النوعية .
فقد تنوعت تلك الزيارات والأدعية من حيث مهماتها ، ومن حيث أوقاتها .. فهناك الأدعية التي أُمِرَ الشيعة بالمواظبة على قراءتها في عصر الغيبية تحت عنوان ( عصر الحيرة ) ، كما أن هناك أدعية أُمِرَ الشيعة أن يدعون بها لتعجيل فرج الإمام القائم ( عليه السلام ) ، بالإضافة إلى أن هناك أدعية ترجع عوائدها على شخص الإمام الحاضر ( عليه السلام ) ، ومنها ما جاء في دعاء زيارة ( آل ياسين ) كمثال إستشهادي .
يضاف : ما ورد في الزيارات المختصة به ( عليه السلام ) المطلقة والواردة في ( سرداب الغيبة ) .
ونجد الكثافة الوقتية شاخصة بوضوح أمام الشيعي في قراءاته لتلك الأدعية والزيارات في الأوقات المختلفة :
فهناك أدعية يومية صباحاً ، أو بعد صلاة الصبح ك ( دعاء العهد ) الكبير ، ودعاء ( العهد ) الصغير أو ما يمكننا أن نسميه ب( دعاء البيعة ) ، وهناك أدعية أسبوعية ك( دعاء الندبة ) الذي يقرأ في أوقات مختلفة منها المواظبة على قراءته يوم الجمعة ، ودعاء الغيبة الذي يقرأ يوم الجمعة .
وهناك أدعية تقرأ في المواسم كدعاء الندبة الذي يقرأ في الأعياد الأربعة ( عيد الفطر ، عيد الأضحى ، عيد الغدير ، يوم الجمعة ) ، والدعاء المروي عن الصالحين الذي يستحب تكرار قراءته ليلة الثالث والعشرين ( ليلة القدر ) من شهر رمضان المبارك ( اَللّهُمَّ كُنْ لِّوَلِيِّكَ اَلحُجَّة بنِ اَلحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وَعَلى آبائِهِ في هذِهِ اَلسّاعِةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وحَافِظاً وَقائِداً وَناصِرا وَدَليلاً َوَعَيناً حَتّى تُسكِنَهُ اَرضَكَ طَوعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً ) . وكذلك المواظبة على قراءته في كل وقت من أيام الجمعة .
وكذلك نجد الكثافة المكانية لتلك الزيارات والأدعية التي وظفت قراءة بعض تلك الأدعية في مسجد الكوفة ، وكذلك مسجد السهلة ، وهكذا مسجد جمكران ، بالإضافة إلى المقامات المنسوبة له ( عليه السلام ) في أماكن مختلفة من الأرض من جملتها مقام صاحب الزمان ( عليه السلام ) في النجف ، ومقام صاحب الزمان ( عليه السلام ) في الحلة وفي أماكن أخرى من العالم .
3ـ تفرَّدت تلك الأدعية والزيارات بتركيز اهتمامها على طرح مواضيع حساسة بما يتعلق بالقضايا المهدوية بشكل عام أو بشخص الإمام المهدي ( عليه السلام ) والمرتبطين به ( مثل أمّه الطاهرة السيدة نرجس (عليها السلام ) .. وعمته السيدة حكيمة ( عليها السلام ) .. أو نوابه الأربعة ( عليهم السلام ) .
ونشير إلى رمزية زيارة آل ياسين التي يزار بها صاحب الأمر ( عليه السلام ) حيث فيها إجابات على كثير من الاستفهامات المتعلقة بخصوصيته ( عليه السلام ) .
4ـ وقد صيغت تلك الأدعية والزيارات بأساليب تفردت بها عن غيرها من حيث الأسلوب وطريقة العرض والطرح ويكفي ما فيها دعاء العهد ( الذي حثَّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) على قراءته صباح كل يوم ، وبالخصوص المواظبة عليه أربعين صباحاً ) . ودعاء الندبة من إثارة كامن العاطفة ، والحماس ، والدعوة إلى البكاء الفردي ، والبكاء الجماعي ، في نفس الوقت الذي يحث الدعاء الداعي على الإعداد والاستعداد للمعركة المهدية ضدّ أعدائه ( عليه السلام ) ، وشحذ الهمم ، بأساليب خطابية تجمع المتناقضات المتضادة من قبيل التفجع وشكوى الظلم والظلامات مع الدعوى إلى القوة والمجابهة والقيام للمعركة والحرب، بما لم نجده في مجموع الأدعية الأخرى المروية عنهم عليهم السلام .
مع ملاحظة التأكيد على شخص الإمام ( عليه السلام ) بما تفردت به تلك الأدعية التي لم نجدها في الأدعية الأخرى التي أكدت على معاني التوحيد والعبودية لله تبارك وتعالى ، كدعاء كميل المروي عن أمير المؤمنين ، ودعاء عرفة المروي عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، ودعاء أبي حمزة المروي عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، بل نجد في بعض تلك الأدعية المهدية أن نفس الإمام المعصوم ( عليه السلام ) يمارس الإثارة العاطفية الخاصة حينما يسلط الأضواء بوضوح ملفت كما في رواية سدير الصيرفي التي رواها الصدوق في كمال الدين ، والطوسي في الغيبة قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب ، على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ، ذات الكبد الحرّى ، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه ، وهو يقول : سيدي : غيبتك نفت رقادي وضيقت عليَّ مهادي وابتزت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد ، فما أُحس بدمعةٍ ترقى من عيني ، وأنين يفترُ من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلا مثل لعيني عن عواير أعظمها وأفظعها وتراقي أشدّها وأنكرها ونوايب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك .
قال سدير : فاستطارت عقولنا ولهاً وتصدعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل ، وظننا أنه سمت لمكروهةٍ قارعة ، أو حلّت به من الدهر بائقة ، فقلنا : لا أبكى الله يا بن خير الورى عينيك ، من أيّ حادثة تستترف دمعتك ، وتستمطر عبرتك ، وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم .
قال: فزفر الصادق ( عليه السلام ) زفرة انتفخ منها جوفه ، وإشتد منها خوفه ، وقال : ويحكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خصَّ الله تقدسَ إسمه به محمداً والأئمة من بعده عليه وعليهم السلام ، وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته وإبطائه وطول عمره وبلوى المؤمنين ) به من بعده ( في ذلك الزمان وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينه ، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم ، التي قال الله تقدس ذكره : ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ في عُنُقِهِ ) (1) . يعني الولاية ، فأخذتني الرقة ، واستولت عليَّ الأحزان (2) .
ولم نجد هذا الأسلوب الاستعراضي قد مورس أو أبرز مع أحد من الأئمة الباقين عليهم السلام .
كل هذه الأشياء قد ألفتت انتباهنا للدعوة إلى هذه الانطلاقة الجديدة لدراية القضايا المهدوية من خلال ما وردنا عن المعصومين عليهم السلام في أدعيتهم وزياراتهم له ( عليه السلام ) .
ومن نافلة القول فإنَّه لا يعني اهتمامنا المَعْرِفي بتلك الأدعية المسلكية مجالاته الموضوعية ، وكما قيل : فإن الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق .
ونحن في الوقت الذي نؤكد على ضرورة انبثاق طريق معرفي جديد لدراسة القضايا المهدية ينطلق من قالب الأدعية والزيارات له ( عليه السلام ) ، فإننا نؤكد أيضاً أن لتلك الأدعية والزيارات خصوصياتها الغيبة في الثواب ، وقضاء الحاجات وتحصيل مرضاة الله عزَّ وجل والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام ونزول الخيرات والبركات ودفع البلايا والأمراض ، كما أن لها مواقعها الجليلة والعظيمة في السير والسلوك وتزكية الباطن والترقي في مدارج الكمال، وقطع مراحل السير إليه سبحانه .
هل صدرت الأدعية والزيارات المهدية عن المعصومين عليهم السلام أم هي من تأليف علمائنا المقدسين ؟
قد أُثير الإشكال على صدور كثير من تلك الأدعية والزيارات من عند المعصومين عليهم السلام ونسبت إلى المقدس السيد ابن طاووس رحمه الله لما وقع في ظاهر أسانيد بعضها الإرسال ، وما قيل بأنها مذكورة في كتب ابن طاووس رحمه الله ولم نجدها في غيرها .. وقد عرف عنه رحمه الله أنه كان يؤلف الأدعية ويسجلها ويثبتها في كتبه المختصة في الأدعية والزيارات كما هو الموجود في كتابه الشريف مهج الدعوات .
وقد عولج الإشكال بطريقين :
الطريق الأول :
لا ضرر من كون الأدعية والزيارات من تأليف بعض العلماء بعدما قرر في محله جواز تأليف الأدعية والزيارات وقراءتها لا بقصد الورود .
الطريق الثاني:
ردّ أصل الإشكال ، والقول بضرس قاطع أن الأدعية المؤلفة من قِبَل السيد ابن طاووس رحمه الله أو غيره إن وجد وبالطبع فإنه لم يعرف في طبقته ومَنْ قَبْله من نَهجَ منهجه في تأليف الأدعية والزيارات وكتب ما ألّفه في مضامين كتبه ومؤلفاته قد صرّح هو نفسه بها بأنه ألّف ذلك الدعاء المخصوص كما هو واضح جلي ومصرّح به في كتب السيد ( رضوان الله تعالى عليه ) وأما باقي الأدعية التي لم يُصرّح أو يُلمح إلى كونها من تأليفه فإنما هي رواية له عن المعصومين عليهم السلام بطرق وأسانيد ، خصوصاً أننا نجد في بعضها صريح قوله ( وروي ) ، وتكفي هذه العبارة على أن ما نقله كان ما بعدها رواية ولم يكن من تأليفه .
وربما يشاء البعض أن يعلق على هذه المسألة : بما أنه لا ضرر من العمل بالدعاء والزيارة إنشاءً ، فما هو الداعي والمقتضي لهذا الإصرار بالبحث لتأكيد أنّ ما رواه المتقدمون ومتأخري متقدميهم بل ومتقدمي المتأخرين كان رواية ولم يكن إنشاء .
فيُجاب عليه بوجوه :
الوجه الأول :
إن قراءة المؤلَّف من غير المعصوم لا يدخله إلى دائرة المباح والمسموح والجواز بالمعنى الأخص .
وأما لو ثبت صدوره عن المعصوم ( عليه السلام ) فإنه سوف يرتضى به فيدخله ضمن دائرة المستحب أو المستحب المؤكد ، ويترتب عليه ما رسم له من الثوب الأخروي والأثر الدنيوي ، كما يلزم ولو من باب إكمال العمل أن يؤتى بما وظّف له من مقدمات وشروط كما هو المعهود في كثير من تلك الأدعية والزيارات حيث خصصت لها أوقاتاً معينة وشروطاً معروفة قد ذكرت متصلة بنفس الرواية ، أو منفصلة عامة قد ذكرت مستقلة في الروايات التي تحدثت عن عموميات شروط الزيارات والأدعية وهي مذكورة تفصيلاً في مجالها من كتب المزار أو الأدعية ، أو عمل اليوم والليلة .
الوجه الثاني :
إن الخط العام الذي حدّده أهل البيت عليهم السلام في قراءة الأدعية والزيارات هو الالتزام بالرواية ووجودها ، والبحث عنها في مصادرها في حال عدم وجودها ، كما ترشد إليه عملية توظيفهم عليهم السلام لنصوص الزيارات ، والأدعية والأعمال ، واهتمامهم عليهم السلام أن لا يفوتوا مناسبة من دون أن يحددوا الدعاء المخصص بها أو الزيارة المحددة ، أو الدعوة لشيعتهم للقيام بالوظائف العامة فيها ولو لما جاء في المطلقات والعمومات ، مما يولِّد عند الفقيه رؤية التأكيد على ضرورة إتّباع هذا الخط العملي بالزيارة والدعاء وتضييق الخناق على دائرة استخدام التأليف والابتداع في الدعاء والزيارة وإن لم يقصد به الورود ولم ينسب إلى المعصوم ( عليه السلام ) ( وأما مع قصد الورود أو نسبته إلى المعصوم ( عليه السلام ) مع العلم بعدم صدوره عنه ( عليه السلام ) فهو من أكبر الكبائر المحرَّمة الذي يستوجب فاعلها النار أعاذنا الله تعالى منها ) .
وهناك بعض النصوص المرشدة المؤيدة لهذه الحقيقة منها خبر عبد الرحيم البصير ) الذي رواه الشيخ الكليني بسند صحيح في الكافي ( الفروع ) : ج3 : ص476 : كتاب الصلاة عن علي بن إبراهيم ، عن أ،مد بن محمد بن أبي عبد الله ، عن زياد القندي ، عن عبد الرحيم القصير ، وتوثيق القصير لوقوعه في أسانيد تفسير على بن إبراهيم ، أو اعتباره لغيره من الوجوه كما ذكرناها في محلِّه من غير هذا البحث ( قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقلت : جُعِلتَ فداك إنّي اخترعت دعاءاً .
قال: دعني من اختراعك ، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وصلِّ ركعتين تهديهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... الخبر .
وأقلُّ ما يستفاد من قوله ( عليه السلام ) : ( دعني من اختراعك .. ) النهي الإرشادي ) إن صحّ في العبادات وإن كان خصوص المباحات منها ، مع أن الأقوى عدم وجود النهي الإرشادي في العبادات، وكل ما ورد فيها فهي نواهٍ مولوية وإنَّ أخفّها وأدناها مرتبة الكراهية ) .
وهو أحد أنواع الرد غير المرغوب به عند المعصوم ( عليه السلام ) ، وكيف لو استفاد منه الفقيه الردع المولوي وإن كان بمرتبته الدنيا يعني الكراهة ، مما يمكن أن يتفرع منها من الجواز يختص فيما لا نصّ فيه جزماً بعد البحث ، أو في المطلقات خاصة بحمل عمل القصير لقول الصادق ( عليه السلام ) ( إذا نزل بك أمر فافزع ... ) على حالات نزول الأمر ، وهي مخصوصة لا مطلقة ، فيبقى الدعاء المطلق على حالة من الإباحة إما أصلاً أو لوجود المطلقات الكثيرة الدَّالة عليه ، فيكون جمعاً بين الأخبار .
الوجه الثالث :
لو كانت تلك الأدعية والزيارات من إنشاء غير المعصوم ( عليه السلام ) ومِنْ أيِّ كان من العلماء الإجلاء فإنها سوف لا تصلح كمادة بحث أولية لاستكشاف الرؤية الدينية ، لأننا نفترض في النص المعصوم أنه يمتلك الدقة التامة في التعبير ، وفيه قابلية أن يضع المعاني وراء الحروف والألفاظ بما يفتح أمام الفقيه باباً واسعاً لقراءة ما وراء السطور وما بينها ، بالإضافة إلى حقيقة كون النص المعصوم قادر على معرفة تلك الخصوصيات الغيبية ، والسرية عن المهدية ، والإمام المهدي ( عليه السلام ) بما هو عالم عن قرب ومطّلع على الواقع مباشرة على نحو الخبر والممارسة ، بعكس ما لو افترضنا النَّص قد صدر عن غير المعصوم فإنه لا يخبر عن تلك القضايا الخارجية والشخصية إلا بنحو التحليل لنَّص آخر، أو قراءة لقرائن حالية أو مقالية لا تفيد في أحسن الصور أكثر من الظن أو الإحتمال ، وبالطبع فكلما نحى الرأي الفقهي ومن أي فقيه كان عاش في أي زمان متقدم ، أو متقدم المتقدم سيراً تحليلياً في رؤى فقهية فإنه سوف يكون في موقع أبعد عن واقع النص ، بمقدار تجاوز حدود الخبر المنصوص إلى التحليل المفترض .
وعليه فسوف لا يصلح النص المؤلف من قِبل الفقهاء غير المعصومين ليكون أداة كاملة لاستنباط أو معرفة المجهول العقائدي أو التراثي إلا بمقدار ما يعتمده النص غير المعصوم من استفادته الفعلية من نسّ معصوم اعتمده في تركيب دعائه أو زيارته .
وهذا يوصلنا إلى الباب الأول المغلق على ضرورة التعرف على النص الذي نقل منه ، او عنه ، وهل إنَّ ذلك النص ثابت سندياً أم يحتاج إلى علاجات سندية لإثباته ؟
وهو يرجعنا إلى نفس النقطة التي بدأناها بضرورة أن تكون تلك الأدعية والزيارات قد رويت عن نفس المعصومين ( عليهم السلام ) ، ولا نستفيد الإستفادة التامة المطلوبة من تلك التي قد رويت عن غير المعصومين ( عليهم السلام ) وإن كانوا من الفقهاء الأجلاء .
توثيق النص :
باستقراء الأدعية والزيارات المروية عن المعصومين ( عليهم السلام ) أمكننا تصنيف عناوينها ضمن عدّة قوائم .
القائمة الأولى الأدعية والزيارات المهدية : أدعية الغيبة
وجاءت تسميتها بأدعية الحيرة انسلالاً من تسمية الغيبة بالحيرة كما جاء في مجموعة من الروايات عن المعصومين ( عليهم السلام ) في تسمية الغيبة بالحيرة عندما تحدثت عن فتنة آخر الزمان وحيرتها الصمّاء الصيلم المظلمة التي ( يرجع عن هذا الأمر مَن كان يقول به ) (3) فـ ( يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها أقوام ) (4) يجأر الصالحون إلى الله عزّ وجل يطلبون النجاة من الضلالة لأنهم علموا أنه ( لا ينجو أي من هذه الفتنة ) (5) ( إلا مَنْ أخذ الله ميثاقه وكتب الإيمان في قلبه ، وأيّده بروح منه ) (6) فيتخلّصون من تضليل المضلّين أصحاب الآراء والبدع الكثيرة والمقالات المزوّقة المنمّقة ، الذين خلطوا حقاً بباطل ولبسوا الأمور على المؤمنين فـ ( لا يعرف أيّ من أي ) (7) وقد نبّه الأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) إلى هذه الحيرة والضلالة والفتنة بالروايات الكثيرة .. وجاء في بعض تلك الروايات الشريفة أنّهم ( عليهم السلام ) علّموا شيعتهم الأدعية التي إن واظبوا عليها واعتقدوا بما فيها فإنها سوف تخلّصهم وتُنجيهم .
ولأهمية تلك الأدعية الشريفة نبتدأ هذا البحث بالحديث عن أسانيدها ، ليزداد المؤمن إيماناً والمنافق نفاقاً ، فإن مع إيماننا بصحّة ما جاء في تلك الأدعية الشريفة من المعاني الجليلة التي تكفي لجواز قراءتها ، لكننا آثرنا البحث في أسانيدها لتكون الحجّة أقوى ، ويعلم المؤمن أنّ أئمته الأطهار ( عليهم السلام ) لم يتركوه وحده في محنته يعاني آلامها وظلماتها ، وإنما كانوا معه من البداية يؤيّدوه ويسدّدوه ، وأنه ما زال مشمولاً بعناية ولي الله الأعظم ( أرواحنا لتراب قدميه الفدى ) إضافة إلى ما تقدم من التنبيهات الضرورية لرسم منهج معرفي جديد .
1ـ روى الصدوق بالاسناد إلى عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ، ولا إمام هدى ، ولا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق ، قلت : كيف دعاء الغريق ؟ قال : يقول : ( يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك ) فقلت : ( يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك ) ، قال : إنّ الله عز وجل مقلّب القلوب والابصار ولكن قُل كما أقول لك : ( يا مقلّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك ) . (8)
وقد ورد قريب من مضمونها في بعض أخبار العامة ، منها ما رواه الحاكم في المستدرك قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، ثنا محمد بن إبراهيم بن أرومة ، ثنا الحسين بن حفص عن سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن حذيفة رض قال : يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغَرِيق ) . (9)
ثم عقب عليه بقوله ( هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) . (10)
2ـ روى الكليني بإسناده عن :
الحسين بن أحمد ، عن أحمد بن هلال ، قال : حدثنا عثمان بن عيسى ، عن خالد بن نجيح ، عن زرارة بن أعين قال : قال أبو عبد الله : لابدّ للغلام من غيبة . قلت : ولم ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده الى بطنه ـ وهو المنتظَر وهو الذي يشكّ الناس في ولادته ، فمنهم من يقول : مات أبوه ولم يخلّف ، ومنهم من يقول : وُلد قبل موت أبيه بسنتين . قال زرارة : فقلت : وما تأمرني لو أدركتُ ذلك الزمان ؟ قال : ادعُ الله بهذا الدعاء : ( اللهمّ عرّفني نفسك فإنك إنْ لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهم عرّفني نبيّك فإنك إن لم تعرّفني نبيك لم أعرفه قط ، اللهم عرّفني حجّتك فإنك إن لم تعرّفني حجّتك ضللتُ عن ديني ) .
قال أحمد بن هلال : سمعت هذا الحديث منذ ست وخمسين سنة . (11)
وقد ورد الدعاء في كتاب الكافي للكليني بإسناده عن علي بن إبراهيم بنص مماثل (12) وراه الصدوق بحذف كلمة ( عن ديني ) عن أحمد بن محمد بن يحيى في كمال الدين وتمام النعمة . (13)
وروى النعماني في الغيبة يرفعه بإسناده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام ) مثله . (14)
3ـ روى الصدوق في كمال الدين بإسناده التالي : حدثنا أبو محمد الحسين بن أحمد المكتب قال : حدثنا أبو علي بن همام بهذا الدعاء ، وذكر أن الشيخ العمري ( قدّس الله روحه ) أملاه عليه وأمره أن يدعو به وهو الدعاء في غيبة القائم ( عليه السلام ) .. ثم ذكر الدعاء بطوله وهو الدعاء الثاني من أدعية الغيبة الذي سوف نذكره إن شاء الله تعالى في هذه الرسالة .
4 ـ وقال الشيخ الطوسي في مصباحه : وما روي عن أبي عمرو بن سعيد العمري رض ، أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري أن أبا علي محمد بن همام أملاه عليه وأمره أن يدعو به وهو الدعاء في غيبة القائم من آل محمد (عليه وعليهم السلام ) .. ثم نقل الدعاء . (15)
5 ـ وقال السيد جمال الدين بن طاووس في جمال الأسبوع : أخبرني الجماعة الذين قدمت الإشارة إليهم بإسنادهم إلى جدي أبي جعفر الطوسي رضوان الله جلّ جلاله عليه قال : أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري : أن أبا علي محمد بن همام أخبره بهذا الدعاء ، وذكر أن الشيخ أبا عمرو العمري قدس الله روحه أملاه عليه وأمره أن يدعو به ، وهو الدعاء في غيبة القائم من آل محمد ( عليه وعليهم السلام ) ، وحدث أبو العباس أحمد بن علي بن محمد العباس بن نوح ( رضي الله عنه ) قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه رض قال : حدثنا أبو محمد الحسين بن أحمد المكتب قال : حدثني أبو علي محمد بن همام رحمه الله بهذا الدعاء ، وذكر أن الشيخ العمري ( قدّس الله روحه ) أملاه عليه وأمره أن يدعو به . (16)
6 ـ وقال الشيخ الطوسي في مصباحه :
( الدعاء لصاحب الأمر ( عليه السلام ) المروي عن الرضا عليه السلام : روى يونس بن عبد الرحمن أن الرضا ( عليه السلام ) كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا (17) .. ثم ذكر الدعاء الثالث الذي ذكرناه في هذه الرسالة .
وقال السيد رضي الدين بن طاووس في جمال الأسبوع :
( ذكر الدعاء لصاحب الأمر المروي عن الرضا ( عليهما أفضل السلام ) :
حدثني الجماعة الذين قدّمت ذِكرهم في عدّة مواضع من هذا الكتاب بإسنادهم إلى جدي ابي جعفر الطوسي تلقاه الله جلّ جلاله بالأمان والرضوان يوم الحساب قال : أخبرنا ابن أبي الجنيد عن محمد بن الحسن بن سعيد بن عبد الله والحميري وعلي بن إبراهيم ومحمد بن الحسن الصفار ، كلّهم عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مولد وصالح بن السندي ، عن يونس بن عبد الرحمن ، ورواه جدي أبي جعفر الطوسي فيما يرويه عن يونس بن عبد الرحمن بعدّة طرق تركت ذكرها كراهية للإطالة في هذا المكان ، يروي عن يونس بن عبد الرحمن : أن الرضا ( عليه السلام ) كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر ( عليه السلام ) بهذا (18) .. ثم ذكر الدعاء .
ثم عقّب على هذا الدعاء بقوله : قد تضمّن هذا الدعاء قوله عليه السلام : ( اللهمّ صلِّ على وُلاة عهده والأئمة من بعده ) ولعل المراد بذلك أنّ الصلوة على الأئمة الذين يرتّبهم في أيامه للصلوة بالعباد في البلاد والأئمة في الأحكام في تلك الأيام، وأن الصلوة عليهم تكون بعد ذِكر الصلاة عليه صلوات الله عليه بدليل قوله : ( ولاة عهده ) ، لأن ولاة العهد يكونون في الحياة ، فكأن المراد : اللهمّ صلّ بعد الصلاة عليه على ولاة عهده والأئمة من بعده .
وقد تقدّم في الرواية عن مولانا الرضا ( عليه السلام ) : ( والأئمة من ولده ) ، ولعلّ هذه قد كانت : ( صلّ على ولاة عهده والأئمة من ولده ) فقد وجدت ذلك كما ذكرناه في نسخة غير ما رويناه ، وقد روي أنهم من أبرار العباد في حياته . ووجدت رواية متصلة الإسناد بأن للمهدي ( صلوات الله عليه ) أولاداً جماعة ولاة في أطراف بلاد البحار على غاية عظيمة من صفات الأبرار ، وروى تأويل غير ذلك مذكور في الأخبار .
ووجدت هذا الدعاء برواية تغني عن هذا التأويل ونذكرها ، لأنها أتمّ في التفصيل ، وهي ما حدَّث به الشريف الجليل أبو الحسين زيد بن جعفر العلوي المحمدي قال : حدثنا أبو الحسين إسحاق بن الحسن العفراني قال : حدثنا محمد بن همام بن سهيل الكاتب ومحمد بن شعيب بن أحمد المالكي جميعاً عن شعيب بن أحمد المالكي ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) أنه كان يأمر بالدعاء للحجة صاحب الأمر ( عليه السلام ) ، فكان من دعائه له ( صلوات الله عليهما ) (19) ثم ذكر الدعاء .
وهناك صيغة أخرى لهذا الدعاء ذكرها السيد بن طاووس في جمال الأسبوع وهي قريبة جداً لنص هذه النسخة منه إلا بزيادة كلمات أو نقيصتها .
ــــــــــــــــــــ
(1) من سورة الاسراء : من الآية 13 .
(2) كمال الدين : ج2 : ص353 : باب 33 : ح51 . الغيبة : الطوسي : ص 168169 : الطبعة المحققة .
(3) كما ورد ذلك في الرواية عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وقد رواها المسعودي في إثبات الوصية/ 229 ـ 230 .
(4) كما ذلك في الرواية عن الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) وقد رواها الصدوق في كمال الدين/ ص 330 ـ باب 32/ ح 14 .
(5) ما بين القوسين ليس من الرواية .
(6) كما ورد ذلك في الرواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) فيما رواه النعماني في غيبته/ ص 151/ باب10/ ح9 .
(7) كما ورد ذلك في الخبر المروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ( ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي ) في الغيبة للنعماني/ ص 152ـ باب 10/ ح 9 .
(8) كمال الدين/ ص 352/ ح 49 .
(9) المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري/ ج4/ ص 425 .
(10) المستدرك على الصحينحين/ ج4/ ص 425 .
(11) الكافي/ ج1/ ص 342/ كتاب الحجة/ باب في الغيبة/ ح29 .
(12) الكافي/ ج1/ ص 342/ كتاب الحجة/ باب في الغيبة/ ح 29 .
(13) الكافي/ ج1/ ص 342/ كتاب الحجة/ باب في الغيبة/ ح29 .
(14) الكافي/ ج1/ ص 342/ كتاب الحجة/ باب في الغيبة/ ح29 .
(15) مصباح المجتهد/ ص 369/ الطبعة الحجرية، وص 411 الطبعة الحديثة .
(16) جمال الأسبوع/ ص 315/ الفصل 47/ الطبعة الحديثة، وص 521/ الفصل 47/ الطبعة القديمة .
(17) مصباح المجتهد/ ص 366/ الطبعة الحجرية/ وص 409/ الطبعة الحديثة .
(18) جمال الأسبوع/ ص 506ـ 507 الطبعة الحجرية، وص 307 الطبعة الحديثة .
(19) جمال الأسبوع ص 310 الطبعة الحديثة، ص 511 الطبعة الحجرية .

المصريون ينصرون الإمام المهدي (عج)

$
0
0
المصريون ينصرون الإمام المهدي (عج)

وردت عدة أحاديث عن مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (ع) وفيها أحاديث ضعيفة ، وفيها ما يتعلق بحركة الفاطميين ودخولهم الى مصر وقد خلطها بعضهم بأحاديث خروج السفياني وظهور المهدي (ع)  . لكن بعض أحاديثها صحيح ، وهو يمدح نجباء مصر وأنهم وزراء للإمام المهدي (عج) ومنها ما يذكر أن الإمام (ع) سيجعل مصر منبراً عالمياً للإسلام. وقد عقدنا لها فصلاً في: المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عج) .

 

مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (عج)
وردت عدة أحاديث عن مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (ع) وفيها أحاديث ضعيفة ، وفيها ما يتعلق بحركة الفاطميين ودخولهم الى مصر وقد خلطها بعضهم بأحاديث خروج السفياني وظهور المهدي (ع)  .

لكن بعض أحاديثها صحيح ، وهو يمدح نجباء مصر وأنهم وزراء للإمام المهدي (عج) ومنها ما يذكر أن الإمام (ع) سيجعل مصر منبراً عالمياً للإسلام. وقد عقدنا لها فصلاً في: المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عج) .

نجباء مصر وزراء الإمام المهدي (عج)
وقد روت حديث نجباء مصر مصادر الطرفين . فمن مصادرنا: غيبة الطوسي/284 : «عن جابر الجعفي، عن الإمام الباقر (ع) قال: يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاث مائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام ، والأخيار من أهل العراق ، فيقيم ما شاء الله أن يقيم ».

وفي دلائل الإمامة للطبري الشيعي/248، بسنده عن أمير المؤمنين (ع) قال:« قال رسول الله (ص) :يا علي، عشر خصال قبل يوم القيامة ، ألا تسألني عنها؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: اختلافٌ وقتل أهل الحرمين ، والرايات السود  وخروج السفياني ، وافتتاح الكوفة ، وخسف بالبيداء ، ورجل منا أهل البيت يبايع له بين زمزم والمقام ، يركب إليه عصائب أهل العراق ، وأبدال الشام ، ونجباء أهل مصر، ونصير أهل اليمن ، عدتهم عدة أهل بدر ».

وفي  الإختصاص للمفيد/208: «عن حذيفة قال:سمعت رسول الله (ص)  يقول: إذا كان عند خروج القائم ، ينادي مناد من السماء: أيها الناس قُطع عنكم مدة الجبارين ، وولي الأمر خير أمة محمد فالحقوا بمكة . فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق ، رهبانٌ بالليل ليوثٌ بالنهار ، كأن قلوبهم زبر الحديد ، فيبايعونه بين الركن والمقام .

قال عمران بن الحصين: يا رسول الله صف لنا هذا الرجل ، قال: هو رجل من ولد الحسين  كأنه من رجال شنوءة ، عليه عباءتان قطوانيتان ، إسمه إسمي ، فعند ذلك تفرح الطيور في أوكارها ، والحيتان في بحارها، وتمُد الأنهار ، وتفيض العيون ، وتُنبت الأرض ضعف أكلها ، ثم يسير ، مقدمتُه جبرئيل ، وساقته إسرافيل ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ». ومجمع البيان:4/398 ،وإثبات الهداة:3/621، ونحوه عقد الدرر للسلمي/83 .

ورواه ابن حماد في الفتن:1/356:«قادة المهدي خير الناس ، أهل نصرته وبيعته ، من أهل كوفان ، واليمن ، وأبدال الشام . مقدمته جبريل وساقته ميكائيل ، محبوب في الخلائق ، يطفئ الله تعالى به الفتنة العمياء ، وتأمن الأرض ، حتى إن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل. لايتقي شيئاً إلا الله تعطي الأرض زكاتها والسماء بركتها ».

وفي سنن الداني/104 ، بسنده عن حذيفة قال: «قال رسول الله (ص) .. بنحو حديث الإختصاص ، وفيه: « فقام عمران بن الحصين الخزاعي فقال: يا رسول الله كيف لنا بهذا حتى نعرفه ؟ فقال: هو رجل من ولدي كأنه من رجال بني إسرائيل ، عليه عباءتان قطوانيتان ، كأن وجهه الكوكب الدري في اللون ، في خده الأيمن خال أسود ، ابن أربعين سنة ، فيخرج الأبدال من الشام وأشباههم، ويخرج إليه النجباء من مصر ، وعصائب أهل المشرق وأشباههم ، حتى يأتوا مكة فيبايع له بين زمزم والمقام...الخ.». وفردوس الأخبار للديلمي:5/523 ح‍8963 ، بعضه ، كما في الداني . وتفسير الطبري:15/17 ، بعضه ، عن حذيفة ، كما في الداني . والفائق للزمخشري:1/87 ، وتهذيب ابن عساكر:1/62، و63، و96، وفيه: « عن علي (ع) :  الأبدال من الشام ، والنجباء من أهل مصر ، والأخيار من أهل العراق». « قبة الإسلام بالكوفة ، والهجرة بالمدينة ، والنجباء بمصر ، والأبدال بالشام، وهم قليل».

أقول: هذه فضيلة كبيرة لمصر وأهلها، لأن أصحاب المهدي (ع) الخاصين لهم مقام عظيم ، فهم ممدوحون على لسان النبي (ص) وأهل بيته (ع) . وهم في دولة العدل الإلهي حكام في العالم .
وفي تاريخ بغداد:3/289: « عبيد الله بن محمد العيشي قال: سمعت الكتاني يقول: النقباء ثلاث مائة ، والنجباء سبعون ، والبدلاء أربعون ، والأخيار سبعة ، والعُمَد أربعة ، والغوث واحد . فمسكن النقباء المغرب ، ومسكن النجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سياحون في الأرض ، والعمد في زوايا الأرض ، ومسكن الغوث مكة ، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ، ثم النجباء ، ثم الأبدال ، ثم الأخيار ، ثم العمد ، ثم أجيبوا وإلا ابتهل الغوث، فلايتم مسألته حتى تجاب دعوته»وتاريخ دمشق:1/300، والشعراني/178، والعجلوني:1/25، والداني5/1092 .

وفي الفائق:1/87 ، وتهذيب ابن عساكر:1/62، عن علي (ع) :« قبة الإسلام بالكوفة ، والهجرة بالمدينة ، والنجباء بمصر ، والأبدال بالشام وهم قليل» .

أقول: هذا فضيلة كبيرة لمصر وأهلها ، لأن أصحاب المهدي (ع) الثلاث مئة وثلاثة عشر لهم مقام عظيم ، فهم ممدوحون على لسان النبي وأهل بيته (ص)  . وهم وزراء المهدي (ع) وحكام العالم في دولة العدل الإلهي. 

وفد مصر الذي يحمل البيعة للإمام المهدي (عج)

في الإرشاد/360:  « عن الإمام الرضا (ع) قال: كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات ، حتى تأتي الشامات فتؤدى إلى ابن صاحب الوصيات ». وفي رواية: تهدي البيعة .
وهذا الوفد غير النجباء من أصحابه ، الذين يأتون اليه عند ظهوره في مكة . ومعنى تؤدي اليه البيعة أو تهديها: أنها تبايعه نيابة عن أهل مصر ، وهو إشارة الى أن حكومة موالية للمهدي (ع) تقوم في مصر .

أمير الأمرة في مصر سنة ظهور المهدي (عج)


روى النعماني في كتاب الغيبة/283، بسنده عن عبيد الله بن العلاء ، عن الإمام الصادق (ع) قال: « إن أمير المؤمنين (ع) حدث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم ، فقال الحسين: يا أمير المؤمنين ، متى يطهر الله الأرض من الظالمين ، فقال أمير المؤمنين: لايطهر الله الأرض من الظالمين حتى يسفك الدم الحرام  ثم ذكر أمر بني أمية وبني العباس في حديث طويل، ثم قال: إذا قام القائم بخراسان ، وغلب على أرض كوفان والملتان ، وجاز جزيرة بني كاوان . وقام منا قائم بجيلان ، وأجابته الآبر والديلمان ، ظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات ، وكانوا بين هنات وهنات . إذا خربت البصرة وقام أمير الإمرة بمصر».

وتدل الفقرة الأخيرة على أن حركة أمير الإمرة مؤيدة للإمام (ع) ، وأمير الأمرة أي الأمير المطاع من الجميع ، فهو  قائدٌ لقادة ، وقد يكون صاحب رتبة في الجيش  أو أنه بعد نجاحه يكون حاكم مصر .

وقد جعل قيامه علامة لظهور الإمام (ع) ، فيكون قبله من مقدماته والتمهيد له ، أو مرافقاً لظهوره (ع) .
ويؤيد ذلك ذكر القائم بخراسان وجيلان ورايات الترك بآذربيجان ، وقد ورد أنها في سنة ظهور الإمام (ع) .

الإمام المهدي (عج) يدخل مصر ويجعلها مركزه الإعلامي

روت مصادرنا عن علي (ع) أنه قال: «لأبنين بمصر منبراً ، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ، ولأخرجن اليهود من كل كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه . فقال الراوي وهو عباية الأسدي: قلت له: يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت ؟ فقال: هيهات ياعباية ، ذهبت غير مذهب . يفعله رجل مني ، أي المهدي (ع) ».(معاني الأخبار:406، والإيقاظ/385 ). 

وهو يشير الى معركة المهدي (ع) مع السفياني في دمشق ومن وراءه من اليهود ، فينتصر عليهم ويدخل القدس كما نصت الروايات ، وأنه بعد انتصاره يُخرج اليهود من بلاد العرب ، ويجعل مصر مركزاً إعلامياً عالمياً .

وقد وصفت خطبة رويت عن أمير المؤمنين (ع) تسمى خطبة المخزون ، حركة المهدي (ع) وحروبه ، وذكرت دخوله الى مصر ، وهي خطبة طويلة رواها الحسن بن سليمان في مختصر بصائر الدرجات/195، وفي طبعة/210، وطبعة/519 ، عن السيد بن طاووس بسنده عن الإمام الصادق (ع) ، جاء فيها:  «وإن لكل شئ إنّاً يبلغه ، لا يعجل الله بشئ ، حتى يبلغ أناه ومنتهاه ، فاستبشروا ببشرى ما بشرتم به ، واعترفوا بقربان ما قرب لكم ، وتنجزوا من الله ما وعدكم .

إن منا دعوة خالصةً ، يظهر الله بها حجته البالغة، ويتم بها النعمة السابغة، ويعطى بها الكرامة الفاضلة، من استمسك بها أخذ بحكمة منها ، آتاكم الله رحمته ومن رحمته نور القلوب ، ووضع عنكم أوزار الذنوب ، وعجل شفاء صدوركم وصلاح أموركم ، وسلام منا لكم دائماً عليكم تسلمون به في دول الأيام ، وقرار الأرحام أين كنتم ، وسلامه لسلامه عليكم في ظاهره وباطنه ...فإن الله عز وجل اختار لدينه أقواماً انتجبهم للقيام عليه ، والنصرة له ، بهم ظهرت كلمة الإسلام ، وأرجاء مفترض القرآن ، والعمل بالطاعة في مشارق الأرض ومغاربها...

إن أمرنا صعب مستصعب ن لا يحتمله ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان. لايعي حديثنا إلا حصون حصينة ، أو صدور أمينة أو أحلام رزينة . ياعجباً كل العجب بين جمادى ورجب...

ألا أيها الناس سلوني قبل أن تشرع برجلها فتنة شرقية ، وتطأ في خطانها بعد موت وحياة  أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض، ورافعة ذيلها تدعو يا ويلها ، بذحلة أو مثلها ، فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك ، بأي واد سلك ، فيومئذ تأويل هذه الآية: ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ...

ولذلك آيات وعلامات ، أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق ، وتحريق الزوايا في سكك الكوفة ، وتعطيل المساجد أربعين ليلة ، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر يشبهن بالهدى ، القاتل والمقتول في النار ، وقتل كثير وموت ذريع ، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ، والمذبوح بين الركن والمقام...

ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره ، ويخطب الناس ، فتستبشر الأرض بالعدل ، وتعطى السماء قطرها ، والشجر ثمرها ، والأرض نباتها ، وتتزين لأهلها ، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرف الأرض كأنعامهم ، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم ، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم...فيومئذ تأويل هذه الآية: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ . وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ . فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ .

فيمكث فيما بين خروجه إلى يوم موته ثلاث مائة سنة ونيفاً ، وعدة أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر ».

وهذا يدل على أن المهدي (ع) يحتل دمشق بعد معركة كبرى مع السفياني، ويكون اليهود متواجدين في عصره في بلاد العرب ، فيخرجهم منها ، وأنه يجعل مصر مركز إعلامياً للعالم .

وروى في مختصر البصائر/210، وصف علي (ع) دخول الإمام المهدي (ع) الى مصر واستقبال أهلها له ، قال: «ويسير الصديق الأكبر براية الهدى...ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره ويخطب الناس فتستبشر الأرض بالعدل..».

كما تذكر رواية أن للإمام المهدي (ع) في هرمي مصر ، كنوزاً وذخائر من العلوم ، رواها الصدوق في كتابه كمال الدين/564 ، عن أحمد بن محمد الشعراني ، الذي هو من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه ، عن محمد بن القاسم المصري، قال: «إن ابن أحمد بن طولون شغَّل ألف عامل في البحث عن باب الهرم سنة ، فوجدوا صخرة مرمر وخلفها بناء لم يقدروا على نقضه ، وأن أُسْقُفاً من الحبشة قرأها، وكان فيها عن لسان أحد الفراعنة قوله: «وبنيت الأهرام والبراني، وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري. فقال ابن طولون: هذا شئ ليس لأحد فيه حيلة إلا القائم من آل محمد (ص) . ورُدَّت البلاطة كما كانت مكانها».  وفي الرواية نقاط ضعف ، لكنها تصلح مؤيداً .

الأبقع الذي تسانده مصر


ذكرت روايات حركة السفياني أن الأبقع يخرج قبله على حاكم الشام الأصهب ، ويكون بينهما صراع ، ثم يأتي بالسفياني من جهة حوران فيقاتلهما وينتصر عليهما ، ويسيطر على سوريا . وورد في وصف الأبقع أن أنصاره من مصر ، أو هو مصري الأصل .
ففي فتن ابن حماد/77  عن علي (ع) قال: « تخرج بالشام ثلاث رايات: الأصهب  والأبقع من مصر ، فيظهر السفياني عليهم ».
وفي تفسير العياشي(1/65): «وإن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب والأبقع والسفياني ».


دخول جيش المغرب الى مصر

روى ابن حماد في كتابه الفتن وغيره روايات عن علاقة مصر بأحداث خروج السفياني ، تذكر دخول أهل المغرب الى مصر ، وغالبها مراسيل وأقوال أشخاص ، ويبدو انها من تحريف الرواة لأحاديث دخول جيش المغرب الفاطمي الى مصر والشام، ولا علاقة لها بظهور الإمام المهدي (ع) .
قال ابن حماد:1/222: «عن عمار بن ياسر قال: وخروج ثلاثة نفر بالشام ، وخروج أهل المغرب إلى مصر، وتلك أمارة السفياني». والداني/78 .

وقال ابن حماد:1/285: « عن أرطاة قال: إذا اجتمع الترك والروم ، وخسف بقرية بدمشق وسقط طايفة من غربي مسجدها، رُفع بالشام ثلاث رايات: الأبقع والأصهب والسفياني ، ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني ، فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ، ظهر السفياني بجيشه عليهم فيُقتل الترك والروم بقرقيسيا، حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم ».  والأبقع: في وجهه بقع. والأصهب: إسم للأسد ، وصفة للأصفر الوجه . ومادة الأبقع: أنصاره .

والصحيح أن حركة الأبقع تكون في الشام ، وهو مؤيد من مصر، أو أصله من مصر . أما دخول جيش المغرب الى مصر ، فينطبق على حركة الفاطميين  ولا علاقة لها بظهور المهدي (ع)  . وأحاديث السفياني قبيل ظهور المهدي (ع) متواترة ، لكن لم يثبت علاقتها بدخول المغربيين الى مصر .

وكذلك الروايات التي تتحدث عن أزمة اقتصادية في الحجاز بسبب منع المواد التموينية عنها من مصر، فهي تخص القرون الأولى ، حيث كانت مصر مصدر تموين الحجاز ، لكن الرواة خلطوها بأحاديث المهدي (ع) ، كما في مسند أحمد:2/262، عن أبي هريرة: قال رسول الله (ص) :« مَنَعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومَنَعت الشام مدها ودينارها ، ومَنَعت مصر إرْدَبَّها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم «ثلاثاً» وقال: يشهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه » ! والقفيز والمد والإردب: مكاييل للغلات . ونحوه مسلم:4/2220 ، وأبو داود:3/166، والبيهقي:9/137، ودلائل النبوة:6/329، كلها عن أبي هريرة .

وهي ترتبط بقطع التموين عن الجزيرة يومذاك من العراق والشام ومصر .

ولعل من نوعها الرواية عن حاكم مصر الذي يأتي بالروم ويبسط يدهم في حكمها ، رواها ابن المنادي/33: « عن أبي ذر (رض) قال عن النبي (ص) : سيكون رجل من بني أمية بمصر يلي سلطاناً ثم يغلب على سلطانه أو ينزع منه ، ثم يفر إلى الروم فيأتي بالروم إلى أهل الإسلام ، فذلك أول الملاحم».وتهذيب ابن عساكر:4/147، والجامع الصغير:2/63. 
ومضافاً الى الإشكال في سندها، فقد يكون حدثها وقع وانتهى ، ولا ينافي ذلك قوله: فذلك أول الملاحم ، فهو يستعمل بمعنى أحداث ظهور المهدي (ع)  ، وقد يقصد به ملاحم في ذلك العصر. 

والنتيجة: أنه لا يصح عد هذه الروايات من علامات ظهور المهدي (ع) ، مضافاً الى ضعفها وإرسالها .

كذبة كعب في أن الدجال من مصر

قال ابن حجر في فتح الباري:13/277: «وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة ! قال: ولم ينزل خبره في التوراة والإنجيل ، وإنما هو في بعض كتب الأنبياء . 

وأخلق بهذا الخبر أن يكون باطلاً ، فإن الحديث الصحيح أن كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال ، وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة مخالف لكونه ابن صياد ، ولكونه موثوقاً في جزيرة من جزائر البحر... وأقرب ما يجمع به بين ماتضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال ، أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً ، وأن ابن صياد شيطان تبدَّى في صورة الدجال في تلك المدة ، إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجئ المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها » ! 

ثم اعترف ابن حجر بتناقض أحاديثهم الصحيحة في الدجال فقال: «ولشدة التباس الأمر في ذلك سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد ، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم، وقد توهم بعضهم أنه غريب فرده وليس كذلك ، فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر . أما أبو هريرة فأخرجه أحمد من رواية عامر الشعبي عن المحرز بن أبي هريرة عن أبيه بطوله ، وأخرجه أبو داود مختصراً وابن ماجة عقب رواية الشعبي عن فاطمة ».

أقول: يقصد كعب أن الدجال الذي هو ملك اليهود  سيولد في مصر كموسى (ع) ، ويقود بني إسرائيل
وقد روى المسلمون قبل كعب أن الدجال يهودي ، ففي مسند أحمد:3/224 ، قال أنس: «قال رسول الله (ص) : يخرج الدجال من يهودية أصبهان(محلة في أصفهان) معه سبعون ألفاً من اليهود ، عليهم التيجان ». ونحوه مسلم:8/207.

لكن كعباً جعل الدجال عربياً ، وجعل أنصاره عرباً ! ففي مصنف ابن أبي شيبة:8/671، و:15/182: «كأني بمقدمة الأعور الدجال ست مائة ألف من العرب يلبسون السيجان».(والدر المنثور:5/354». وفي كنى البخاري/65، وغيره ، عن ابن عمر: «يتبع الدجال أربعون ألفاً من صلب العرب ».

ثم جعل كعب الدجال عراقياً ، لأن أهل العراق وخاصة القبائل اليمانية كانوا يعرفون زيف كعب ويكذبونه ! فقال كعب كما في عبد الرزاق:11/396: «يخرج الدجال من العراق» !

وقال كعب لعمر لما أراد أن يسكن العراق: «لا تفعل فإن فيها الدجال ، وبها مردة الجن ، وبها تسعة أعشار السحر، وبها كل داء عضال يعني الأهواء». عبد الرزاق:11/251، والدر المنثور:5/354 .

وقد فصلنا حديث الدجال في معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) . وبينا أن حركته بعد ظهور الإمام المهدي ونزول عيسى’، وبينا اضطراب روايات أتباع السلطة فيه وتناقضها .

والمشكلة عندهم أنها كلها صحيحة ! فقد قال عمر إن الدجال هو ابن صياد المعاصر له ، وقال تميم الداري إنه رآه موثقاً في جزيرة في البحر ، وقال كعب إنه في جزيرة باليمن موثق من زمن سليمان (ع) !

بغض كعب الأحبار لمصر وكذبه عنها

نشط كعب الأحبار في نشر مدح الشام وذم الحجاز ومصر والعراق ، وتحولت أقواله على يد تلاميذه الى أحاديث نبوية ! منها حديث ابن عمر أن النبي (ص) قال: «دخل إبليس العراق فقضى حاجته ، ثم دخل الشام فطردوه ، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ ، وبسط عَبْقَريَّه» ! أي فرش بساطه ، واستقر في مصر !
(رواه الطبراني في الأوسط: 6/286، والكبير:12/262، ووثقه في الزوائد:10/60).

وفي تاريخ دمشق:1/317 و318: «ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بُسَاق»  وعقبة بُساق: في طريق الذاهب الى مصر! (معجم البلدان:1/413).

وفي معجم الطبراني الأوسط:6/286، والكبير:12/262، وتاريخ دمشق:1/99، عن إياس بن معاوية: قال رسول الله (ص) : « إن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله ، وإن إبليس أتى العراق فباض فيها وفرخ ، وإلى مصر فبسط عبقريه واتكأ ! وقال: جبل الشام جبل الأنبياء ».

كما روى الحاكم:4/462 ، نبوءة كعب وأحلامه بخراب مصر ، قال: «الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية ، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة ، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة ، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر» .

وكل هذا من مكذوباته ، ولعله اتفق مع الروم فأشاع في المسلمين أنهم إذا فتحوا القسطنطينية فسيخرج الدجال ، وتخرب مكة والمدينة ، وتخرب مصر وبلاد المسلمين !

وروى ابن حماد:1/236: «عن كعب قال: رأس الأرض الشام وجناحاها. ولا مصر والعراق والذنباء أي الحجاز! وعلى الذنباء يسلح الباز » !

وهذا ذم يهودي خبيث لمصر والعراق والحجاز مركو النبوة ! والعجيب أن رواة الخلافة وعلماء المذاهب ، قبلوه ورووه ، ولم يردوا عليه !


ختام في مشاهد أهل البيت وذرياتهم في مصر

هذا العنوان موضوع لكتاب أو كتب ، وإنما أردنا منه الإشارة الى هذه الحقيقة المهمة التي تكشف عن العلاقة العقائدية العريقة لأهل مصر بأهل البيت (ع) . ونكتفي هنا بإيراد موضوعات وصفية لمشهد الإمام الحسين (ع)  في القاهرة ، كتبها الأخ العزيز الصحفي الدكتور نبيل شرف الدين ، وهو من كُتَّاب صحيفة الأهرام وغيرها من الصحف المصرية والعربية ، وكان يكتب بإسم « مالك الحزين» . 

كتب هذه المقطوعات في شبكة هجر الثقافية ، منها بتاريخ (3/4/2001) بعنوان: سَيِّدْنَا ، قال:

إنه لمركز صميم البؤرة ، والمنطلق إلى الجهات الأربع ، أصلية وفرعية في القاهرة أو غيرها من مدن مصرية..تلك منزلة مسجد وضريح سيدنا الحسين رضي الله عنه عند المصريين قاطبة .

إذا ما قيل على مسمع من القوم: سيدنا..فهذا يعني الحسين. وإذا ما قيل مولانا.. فهذا يعني الحسين .

وإذا ما قيل: الحسين.. فهذا يعني كثيراً.. يعني الإستشهاد من أجل الحق ، وإقرار العدل ، وافتداء الجمع بحياة الفرد ، لكي يتحول الوجود المادي إلى معنوي ممتد ، فلا زمن يحده ، ولا مكان يقيده..

وقد شاء لي حظي أن أقيم سنوات على مقربة من مسجده ، الذي يحوي ضريحاً يضم رأسه الشريف ، فارتبطت حواسي كلها به ، بمعالمه ونقوشه ومعماره ، وما ينبعث من أرجائه.. ذلك العطر الخفي ، والظلال الهادئة ، وطوابير الساعين إلى الصلاة في رحابه وزيارة مرقد الرأس الشريف ، لا ينقطعون ليلاً أو نهاراً ، يسعون إليه من القرى النائية ، والواحات المعزولة في الصحراء ، والمدن القريبة والبعيدة ، تنتظم حوله الحياة في أجمل مشاهدها ، يفيض المكان بالطمأنينة ، بالسكينة ، بالرضا .

منذ صدر شبابي كنت أتطلع إلى الآية الكريمة: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، مكتوبة بخط جميل ، حروف خضراء على خلفية من اللون البني، ومحفورة في الجدران ، أقرأها فأرق ، وأرددها فأستكين، وقد صاحبتني طوال مراحل عمري ، ومع بلوغ العمر نقطة متقدمة أستعيدها.. فأحن وأفهم ، وأسترجع مغزى ودلالات استشهاد:سيدنا.. و.. مولانا .

إذا ما قيل: الحسين.. فهذا يعني مكاناً أيضاً..تُعرف مناطق القاهرة القديمة بمراقد آل البيت.. السيدة زينب ، السيدة نفيسة ، السيد عائشة ، سيدي زين العابدين . المركز هو: الحسين . إنه المركز الروحي لمصر كلها وليس القاهرة فقط بل في العالم الإسلامي كله . وانظر لما يقوله المقريزي في موسوعة المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار ، ما نصه: «  قال الفاضل محمد بن علي بن يوسف بن ميسر: وفي شعبان سنة إحدى وتسعين وأربع مائة خرج الأفضل ابن أمير الجيوش بعساكر جمة إلى بيت المقدس وبه « سكان» والغازي « أرفق» في جماعة من أقاربهما ورجالهما وعساكر كثيرة من الأتراك ، فراسلهما الأفضل يلتمس منهما تسليم القدس إليه بغير حرب فلم يجيباه لذلك ، فقاتل البلد ونصب عليها المنجنيق ، وهدم منها جانباً ، فلم يجدا بداً من الإذعان له وسلماها إليه ، فخلع عليهما وأطلقهما ، وعاد في عساكره ، وقد ملك القدس .

فدخل عسقلان وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأخرجه..وعطره وحمله في سفط إلى أجلِّ دارٍ بها، وعمر المشهد ، فلما تكامل حمل الأفضل الرأس الشريف على صدره وسعى به ماشياً إلى أن أحله في مقره.

وقيل إن المشهد بعسقلان بناه أمير الجيوش بدر الجمالي ، وكمله ابنه الأفضل.. وكان حمل الرأس إلى القاهرة من عسقلان ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها ، والقاضي المؤتمن..ويذكر أن هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان ، وجد دمه لم يجف ، وله كريح المسك ، فقدم به الأستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة ، وأنزل به إلى الكافوري ، ثم حمل في السرداب إلى قصر الزمرد ، ثم دفنه عند قبة باب الديلم بباب دهليز الخدمة ، فكان كل من يدخل الخدمة يقبل الأرض أمام القبر ، وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم . هذا ما ذكره المقريزي في خططه الشهيرة .

وكتب الدكتور شرف الدين بتاريخ(19/12/ 1999) بعنوان: مسجد الحسين ومنزلته في نفوس المصريين:

يُعَدُّ جامع سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب من أهم معالم القاهرة الذي يحرص أي مسلم زائر لمصر على زيارته .

وبلغ تقديس المصريين له أقصى المدى مما دفع الكثير من المؤرخين إلى إطلاق اسم مسجد الحرم المصري عليه ، نظراً لإيمان المصريين المطلق بأن رأس الحسين مدفون في هذا المسجد  الذي يقع في قلب القاهرة ، رغم اختلاف الروايات حول هذه الحقيقة.. ففي مظفر التذكرة للشعراني: أنه قد ثبت أن الصالح طلائع ، الذي بنى المشهد الحسيني بالقاهرة ، نقل الرأس إلى هذا المشهد ودفع في ذلك نحو أربعين ألف دينار، وخرج هو وعسكره فنقلوه من خارج مصر .



كما يذكر الرحالة العربي ابن جبير أن من مشاهد القاهرة المشهد العظيم الشأن ، حيث رأس الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وهو في تابوت فضة مدفون تحت الأرض، وقد بني عليه بنيان مجلل بأنواع الديباج، فيه من أنواع الرخام المجزع غريب الصنع ، بديع الترصيع مالا يتخيله المتخيلون .

ويقع جامع الحسين قرب الجامع الأزهر الشريف ، وسوق خان الخليلي الشهير ، وأنشأه الفاطميون سنة549 هجرية، تحت إشراف الوزير الصالح طلائع.. بني الجامع بالحجر المنحوت ، ويضم ثلاثة أبواب مبنية بالرخام الأبيض ، تطل على خان الخليلي ، وباباً آخر بجوار القبة ، ويعرف بالباب الأخضر .

ويضم الجامع منبراً خشبياً دقيق الصنع مطلياً بالذهب ، نقل إليه من جامع أزبك بك بالعتبة الخضراء أربعة وأربعون عموداً ، عليها بوائك تحمل السقف المصنوع من الخشب ، متقن الصنع والمنقوش باللازورد ، والمطعَّم بالذهب . وفي السقف ثلاث مناور مرتفعة مسقوفة ، بها ثلاثون شباكاً من النحاس المطلي بالذهب ، يعلوها في الجهة البحرية شبابيك صغيرة ، دوائرها من الرخام .

وعلى المشهد الشريف نقش من الأبنوس المكسو بالإستبرق الأحمر المزركش ، في أعلاه كمامة من الحرير الأخضر ، وبجوانبه أربعة عساكر من الفضة ، وبدائرة مقصورة الجامع ، وقبته ألواح مزخرفة بخطوط مذهبة ، مكتوبة بالخط الثلث والكوفي . وبأعلى الباب الذي يلي المنبر نقشت العبارات البليغة: الشفاء في تربته ، والإجابة تحت قبته ، والأئمة في ذريته .

وقد اهتم أمراء وأكابر مصر في كل عصر بهذا الجامع الكبيرفنمَت عمارته وزخرفته، وأُضيئت قاعاته وطرقاته وممراته ، وفرشت أرضياته بالسجاجيد النفيسة . وقد عمره الأمير عبد الرحمن كتخدا في سنة 1175ميلادية .

كما عزم والي مصر عباس باشا على توسعته وزيادة مساحته ، فقام بشراء الأملاك المجاورة له وهدمها، وشرع في بناء الأساس ثم توقفت الإنشاءات بعد أن وافته المنية ، وبقي الحال على ما هو عليه حتى تقدم مصطفى بك العناني لشراء الأرض التي كان اشتراها عباس باشا ، وعمرها لنفسه وأقام عليها فنادق وخانات وبنايات لحسابه . ويقال أنه اكتشف كنزاً خلف قبة المشهد الحسيني .

وفي سنة 1199ميلادية أمر الخديوي إسماعيل باشا بتجديد الجامع وتوسعته ، وكلف على مبارك باشا برسم التصور المعماري لتجديد الجامع ، بحيث يتسع لاستقبال أحباء ومريدي الإمام الحسين رضي الله عنه ، وكلف الأمير راتب باشا ناظر ديوان الأوقاف المصرية أن يشرف بنفسه على تنفيذ إنشاءات الجامع الجديدة ، التي صممها علي باشا مبارك . وفي إطار هذا التجديد هدم كل الجامع ، ما عدا القبة والضريح الشريف .

وبدأت الإنشاءات في سنة1282هجرية وانتهت في1290هجرية بالشكل الذي سبق وصفه، ومن العناصر التي تخلفت من المشهد القديم حتى الآن:

الباب المعروف باسم الباب الأخضر ، ومبني من الحجر وعلى يساره دائرة مفرغة بزخارف ، وتعلوه بقايا شرفة جميلة . كما تخلف من المنارة الأيوبية التي أنشأها فوق هذا الباب أبو القاسم السكري  القسم الأسفل منها وهو المربع الذي يحتوى على زخارف جصية نادرة وعلى تاريخ الإنشاء .

أما التابوت الخشبي ، فهو أيوبي الطراز ويعتبر تحفة نادرة تمثل طراز الحفر على الخشب في عصر الأيوبيين في مصر ، وهو محفوظ حالياً بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة .

وهناك الحجرة التي شيدت عام1893ميلادية لتحتوي على الآثار النبوية ، وهي مجاورة للقبة من الجهة القبلية وتشمل من الآثار النبوية الشريفة على قطعة من قميصه الشريف ، ومكحلة ، وقطعة من العصا الشريفة وشعرتين من اللحية الشريفة ، وبها أيضاً مصحفان بالخط الكوفي .

وإلى الآن يعتبر مسجد سيدنا الحسين من أهم المزارات الدينية التي يحرص المصريون والمسلمون عموماً على زيارتها والتبرك بها ، فكثيراً ما نرى داخل المسجد أو المشهد أشخاصاً يقومون بإيقاد الشموع لسيدنا الحسين بعد شفاء مريض لهم ، أو خروجه من أزمة ما ، كما يلجأ العامة للدعاء بداخله .

أما مولد سيدنا الحسين ، فيعد من المناسبات التي ينتظرها الكثيرون ، حيث تتحول ساحة المسجد والميدان الذي يطل عليه إلى مهرجان عظيم ، يكتظ بحلقات الذكر والإنشاد الديني وقراءة القرآن.. وهو يجتذب الزائرين والمريدين ، من جميع أنحاء مصر والعالم العربي .

فاتني أن أذكر اللوحة الرخامية الكبيرة المعلقة على باب المسجد المؤدي للمشهد الحسيني ، وقد كتب عليها بالذهب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين مني ، من أحبهما أحببته ، ومن أبغضهما أبغضته .

وللعلم هناك أضرحة لاحصر لها لآل البيت في القاهرة ، ومنهم: السيدة زينب ، والسيدة نفيسة ، والسيد أحمد البدوي في طنطا ، ولهذه الأضرحة منزلة عالية في نفوس المصريين . وقد حاول بعض المتطرفين من عينة «السلفجية» فلم تفعل الحكومة شيئاً ، بل تصدى لهم الناس ، ولما كادت تحدث فوضى ، تدخلت الشرطة لوقف هذه المشاكل ، حدث ذلك في السبعينات إبان ظهور هؤلاء الهمج .

والمصريون البسطاء يذهبون لأضرحة الحسين والسيدة نفيسة ، وغيرهما للتبرك بهما ، ولم نسمع أن ذلك شركٌ وحرامٌ ، إلا مع ظهور هؤلاء الهمج !

هناك قدر هائل من العادات الشيعية في مصر ، كالإحتفال بيوم عاشوراء والأذكار ، والتبرك بآل البيت ، وغير ذلك مما يتطلب جهداً بحثياً كبيراً لرصده وتحليله ودراسة ما إذا كانت تلك من بقايا تراث العصر الفاطمي ، أول دولة شيعية في التاريخ.. ولذلك تجد المصريين السنة ، بما فيهم علماء الأزهر لايكفرون الشيعة ، ولا يحملون كل هذا العداء الذي صدمت حينما رأيته في مواقع الحوار عبر الشبكة ! فإذا سألت مصرياً عن الشيعة فسيرد عليك ببساطة ، هذا مذهب الذين تشيعوا لعلي وآل البيت .

كل ما أريد أن أقوله إن هناك بالفعل تجارب عملية وإنسانية على التقارب بين السنيين والشيعة ، وتعالوا مصر لتروها ، ولعل البعض لايعرف أن الأزهر الشريف نفسه كان أول جامعة شيعية في العالم ، قبل مدينة قم وغيرها ، وأدعو المهتمين بدراسة التاريخ أو علم الاجتماع ، أو التأصيل أن يولوا هذه الفكرة اهتمامهم باعتبارها تجربة هامة ، ربما لا يلتفت إليها الكثيرون .


وكتب بتاريخ (4/5/2000) بعنوان: المشهد الحسيني في القاهرة:

على باب ضريح الإمام الحسين في القاهرة لوحة رخامية كبيرة كتب عليها بالذهب الحديث النبوي الشريف: الحسن والحسين مني.. من أحبهما أحببته ، ومن أبغضهما أبغضته..

وداخل المسجد أكبر ثريا « نجفة » في العالم العربي ، كما يؤكد إمام المسجد ، وهي للحق آية في الجمال والبهاء ، ووزنها كما هو مثبت في دليل تاريخ الضريح وصاحبه يصل إلى خمسة أطنان ، من الكريستال المحلى بالذهب الخالص ، وقوائمه من الفضة الخالصة..

أما السجاد فحدث ولاحرج ، فقد تبرع العام الماضي أحد كبار التجار من طائفة البهرة « يقيمون حول الضريح» بسجادة فارسية تعود إلى القرن العاشر الميلادي ، وحجمها يبلغ16متراً مربعاً، وهي من الحرير الخالص ، وقد فرشت في المقام « الضريح» الذي يقع في الجانب الشرقي داخل المسجد..

ويعقد داخل المسجد يومياً أكثر من خمس مائة عقد قران ، تصل أيام الخميس والجمعة إلى الألف ، حيث يحرص آلاف المصريين على عقد قرانهم داخل المسجد الحسيني ، وبعضهم يأتي من مدن مصرية بعيدة ، قد تبتعد عن القاهرة أكثر من سبع مائة كيلو متراً .

للحسين ، ومسجده ، وضريحه ، ومشهده ، منزلة خاصة في نفوس المصريين . وفي شهر رمضان يستحيل على المرء أن يجد موضعاً لقدم في هذا الميدان المعروف بالمشهد الحسيني .
باعة المصوغات الذهبية للتحف والفنون اليدوية.. مكتبات ضخمة.. مقاهي شديدة الجمال.. مطاعم شهيرة.. حلقات ذكر.. ندوات دينية وأخرى ثقافية.. مواكب زواج.. سياح أجانب يقفون مذهولين لروعة المكان وتلك الأعداد الغفيرة من الزوار..

كل هذا في كفة.. و..مجاذيب الحسين.. في كفة أخرى ، فهناك حول الضريح تجد عشرات ممن ارتدوا الخرقة الصوفية.. وتركوا بيوتهم وأعمالهم واستأنسوا بالحسين..أقاموا حول الضريح يلتحفون السماء ويفترشون الأرض.. يأكلون ما يجود عليهم به أهل الخير.. وما أكثرهم هناك.. ويصلون الصلوات الخمس في المسجد..

في رمضان لست مضطراً لأن تدفع نقوداً لكي تفطر ، إذا ما كنت في ميدان الحسين ، فأهل الخير يحملون آلاف الوجبات ، ويقدمونها مجاناً للصائمين وعابري السبيل.. وفي كل شهور السنة يحرص الكثير من الأغنياء على توزيع زكواتهم وصدقاتهم على الناس حول الضريح..

أما في صلاة العيدين فحدث ولاحرج.. تغسل الأرض والله العظيم غسلاً.. لا تكاد تميز بين عامل النظافة الموظف رسمياً لهذا الغرض ، وبين مئات الشباب والشيب ، الذين يشمرون عن سواعدهم ويحملون المقشات ليكنسوا الميدان.. بعضهم أطباء ومهندسون وضباط وأساتذة جامعات وتجار أثرياء..

وكلهم يعتقدون أن الله تعالى سيبارك لهم ، عندما يتواضعون ويكنسون الميدان ، ويرشون الماء..

في الفجر يحضر الركب الرسمي لرئيس الجمهورية ، ومعه كل الوزراء وشيخ الأزهر.. ويحظر سير السيارات في هذا الميدان ، وكافة الشوارع المؤدية إليه.. لكن يتجاوز عدد المصلين المليون شخص كل عيد... طيلة الوقت تستمع لابتهالات الشيخ سيد النقشبندي.. وإنشاد الشيخ ياسين التهامي.. حتى يرفع المؤذن الآذان.. الله أكبر الله أكبر..فيتحول الكون كله لمستمعين لهذا النداء السماوي الجليل..

عجائز أتين من أقصى الصعيد ، حملن بضع قروش يوزعنها وفاء لنذر تحقق.. سيدات يتعلقن بأستار الضريح راجيات تحقيق أملهن في إنجاب طفل حرمن منه ، أو عودة ابن غريب اضطرته الحياة الصعبة للرحيل في بلاد الله..وثمة رجل طاعن في السن يذرف دمعة حرى وهو يناجي صاحب الضريح قضاء حاجة يعلمها الله وحده..

يتعامل الناس هنا في مصر مع الحسين ، كأنه ما زال حياً داخل الضريح.. يتحاكمون إليه في منازعاتهم.. يتحدثون إليه في كروبهم.. بعضهم يرسل إليه خطابات عبر البريد..

وصلت خلال العام الماضي إلى أكثر من مليون رسالة كما أكدت هيئة البريد المصرية ، التي تسلمها لخادم الضريح..

المرسل:... المرسل إليه: حضرة الإمام سيد شهداء الجنة الحسين بن علي رضوان الله عليهما.. العنوان: القاهرة... مسجد الإمام الحسين .

رائحة العطور تغمر أنوف زوار الضريح.. وأنوار لا تنطفئ.. ولم تنطفئ منذ قرون.. وجلال لايضاهيه حتى ضريح السيدة زينب التي يحلو للمصريين إطلاق عدة ألقاب عليها.. منها أم العواجز.. ورئيسة الديوان..و.. الطاهرة .

في المسافة الممتدة بين الضريحين تقع أجمل وأبهى أحياء القاهرة.. الدرب الأحمر.. القلعة.. الحسينية.. باب الخلق.. باب النصر.. باب الفتوح.. الباطنية.. الجمالية.. الكحكيين.. المغربلين.. الخ .

لأهل البيت في مصر منزلة ، لايشعر بها إلا من يعرف المصريين جيداً.... فحينما حاول بعض المتطرفين ذات يوم تفجير قنبلة في منطقة الحسين.. خان الخليلي.. لم يسلمهم الناس للشرطة ، بل فتكوا بهم.. فحينما وصلت قوات الأمن لم تجد سوى جثث هامدة.. ولم يزل الفاعل مجهولاً حتى اليوم ، فقد تفرقت دماؤهم بين القبائل..

تعقيب المرجع الشيخ الصافي على الموضوع
نشرنا هذه المواضيع في المجلد التاسع من كتاب الإنتصار، وهو قطاف من مناظراتنا مع الوهابية ، مع تعقيبات  عدد من الإخوة الكتاب على الموضوع . وقد اطلع عليه يومها المرجع الديني الكبير الشيخ لطف الله الصافي حفظه الله ، فكتب ما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد والصلاة ، فإني لا أقدر على وصف ما حصل لي من الوجد والشوق ، والإحساس بالقرب والحضور ، والجلوس على بساط المحبة والأنس والخشوع لله تعالى..عندما طالعت ما كتبه بعض الأدباء العارفين عن الحالات العطرة والروحانية القدسية ، التي تحصل لزوار مشهد مولانا سيد أهل الإباء ، وواحد أهل المباهلة والعباء ، أبي عبد الله الحسين (ع) في مصر ، القطعة الشريفة من وطننا الإسلامي الكبير ، التي حازت شرف ولاء أهل البيت (ع) من أول ما أشرق عليها نور شمس الدعوة المحمدية والرسالة الإلهية .

لقد كررت مطالعة هذا التصوير الجميل لمظاهر الولاء ومحبة النبي والآل صلوات الله عليهم ، والإجتماعات والإحتفالات والحلقات في مشاهدهم النورانية ، العامرة بذكر الله تعالى وعبوديته .

إن مشهد الإمام الحسين (ع) ، من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، بل هو من أفاضلها كما رواه السيوطي ، ولو لم يكن بيت علي وفاطمة الزهراء وسيدي شباب أهل الجنة ، بعد بيت النبي (ص) أفضل تلك البيوت ، فبيت من يكون ؟

وجدت نفسي بعد قراءة هذا المقال ، مفعمةً شوقاً وحضوراً وأنساً بالله تعالى ، ورغبةً في زيارة هذا الضريح الشريف ، والمشهد الجليل ، الذي تسطع منه أنوار الجمال المحمدي ، والجلال العلوي ، المشعة من جلال الله تعالى وجماله الأزلي السرمدي.. وهي معان يدركها ويشعر بها من يدرك بحقيقة إيمانه بالله ورسوله ما لهذه المشاهد المرفوعة التي تخدمها ملائكة الله تعالى ، من قدر عند الله تعالى ورسوله (ص)  .

وجدت نفسي كأني في مصر، في جوار الضريح الشريف والحضرة الحسينية ، بين إخواني الزائرين المصريين الوالهين ، الموالين لأهل البيت (ع) ، وهم يتبركون بالمقام ويغتنمون الفوز فيه بالصلاة والإبتهال ومناجاة الله تعالى ، يطلبون حاجاتهم من ربهم عنده ، ويصلون على النبي وعلى شهيد الإخلاص والإباء ، شهيد معالم الإنسانية الكبرى ، شهيد كل المكارم ، أبي عبد الله الحسين.. حسين التضحية والجهاد والإيثار ، حسين الصبر والشجاعة ، حسين الإسلام والإنسانية .

اللهم كحِّل بصري بمشاهدة تراب ضريحه في مصر وكربلاء  .

نعم ، وجدت نفسي في هذه البقعة المباركة التي شرفها الله تعالى بكرامة الإنتساب إلى سبط النبي (ص) ، فرأيت بعين قلبي ملائكة الله تعالى محدقين بها.. فهنيئاً لزوار تلك البقعة المباركة ، مركز تقرب أولياء الله ، ومهبط ملائكة الله.. وهنيئاً لإخواننا أهل مصر ما هم فيه من جوار ضريح سيد شباب أهل الجنة. هنيئاً لهم هذا الفوز العظيم ، ثم هنيئاً لهم ما هم فيه من ولاء أهل البيت (ع)  . هنيئاً لشيوخهم وشبانهم ، رجالهم ونسائهم ، علمائهم وتلاميذهم ، أساتيذهم وطلاب جامعاتهم . فياليتنا معهم فنفوز بما يفوزون به عند هذا الضريح المبارك .

ويا مولاي يا حسين ، يا أبا عبد الله ، يا ابن رسول الله ، يا من استنقذت عباد الله بتضحيتك الكبرى من جهالة الضلالة.

أشهد أنك رفعت أعلام الدين، وكسرت صولة المستكبرين والمستعبدين ، ونصرت الله ورسوله ، مجاهداً صابراً .

وأشهد أن الله يحب من أحبك ، ويبغض من أبغضك ، وأن الله طهركم يا أهل البيت من الرجس تطهيراً . والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .

12صفر المظفر- 1421هـ . لطف الله الصافي

أسانيد علامات الظهور

$
0
0
أسانيد علامات الظهور

قراءة في منهجية الاستنباط الفقهي
ربّما يتخيّل البعض أنّ الروايات التي تتعلّق بالتاريخ ـ سواء كانت تتحدّث عمّا مضى من الحوادث أو تحكي عمّا في المستقبل القريب والبعيد ـ لا ينبغي الاهتمام بسندها ما لم تتضمّن حكماً شرعياً ، ويكتفي بورودها في الكتب المعتبرة وعلى ألسنة مَن سبق وفحص ومحّص الأخبار والأحاديث ، فمثلاً يُكتفى بوجود الرواية في الكافي ونحوه من المصادر المعتبرة لدى أهل التحقيق والتمحيص ، إلا أن هذا المبدأ لا نرتضيه ، لأن الرواية مهما كان مضمونها فهي تشتمل على نسبة فعلٍ إلى شخصٍ ما أو وصفه بوصفٍ ما ونحوها من الأمور التي لا يصحّ نسبتها إلى أحد ما لم يكن هناك مسوّغ ومبرّر ، وينحصر هذا المسوّغ في وثاقة الخبر أو وثاقة الراوي .

قراءة في منهجية الاستنباط الفقهي
ربّما يتخيّل البعض أنّ الروايات التي تتعلّق بالتاريخ ـ سواء كانت تتحدّث عمّا مضى من الحوادث أو تحكي عمّا في المستقبل القريب والبعيد ـ لا ينبغي الاهتمام بسندها ما لم تتضمّن حكماً شرعياً ، ويكتفي بورودها في الكتب المعتبرة وعلى ألسنة مَن سبق وفحص ومحّص الأخبار والأحاديث ، فمثلاً يُكتفى بوجود الرواية في الكافي ونحوه من المصادر المعتبرة لدى أهل التحقيق والتمحيص ، إلا أن هذا المبدأ لا نرتضيه ، لأن الرواية مهما كان مضمونها فهي تشتمل على نسبة فعلٍ إلى شخصٍ ما أو وصفه بوصفٍ ما ونحوها من الأمور التي لا يصحّ نسبتها إلى أحد ما لم يكن هناك مسوّغ ومبرّر ، وينحصر هذا المسوّغ في وثاقة الخبر أو وثاقة الراوي .
نعم ربّما يكون كثرة الروايات في شأن قضيةٍ معينة توجب الاطمئنان بحصولها في ظرفها وإن لم يمكن التأكّد بالخصوصيّات المرتبطة بها والمحيطة لها ، وذلك شيء آخر بعيد عن المبدأ الذي نتحدّث عنه . وينبغي أن يُعلم أنه ربّما يجد الباحث في كلمات بعض المحقّقين ما مغزاه عدم ضرورة التمحيص والبحث عن سند القضايا التاريخية ، ولكن ذلك ليس منه التزاماً بمضمون تلك الروايات ، بل يعني ـ في معظم الأحيان ـ ما أشرنا إليه ؛ أو أنه يعلم قصور الأيدي في العصور المتأخّرة عن التأكّد من صحّة الأخبار التاريخية لانعدام العلم بالوسائط التي وصلت الأخبار إلينا عن طريقها .
وهناك مبدأ آخر قد يظهر الميل من البعض إليه ، وهو أن الأخبار التاريخية ـ ومنها روايات علامات الظهور ـ تندرج في قاعدة التسامح في أدلّة السُّنن ، وهو خبط وخلط ، لأن قاعدة التسامح ـ مع الشكّ في ثبوتها ، بل نفيناها في محله ـ مغزاها هو الالتزام بروايات <مَن بلغ> التي مفادها أنّه مَن بلغه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ثوابٌ على عملٍ وعَمِلَ به رجاء ذلك الثواب الموعود فالله سبحانه يمنحه الثواب كرامةً للنبي ورفقاً بالعبد ومراعاة لعزمه على الطاعة ورغبته في الثواب الإلهي ، وعمّم بعضُهم مفاد هذه الروايات لتشمل المكروهات أيضاً ، لكن هذا المعنى ـ كما ترى ـ بعيد عن الروايات التاريخية ، فإنّ تصديق الروايات والجزم بتلك القصص المرويّة غير داخل في مضمون تلك الروايات ، بل التصديق بقضيّةٍ ما من القضايا التاريخية الماضية أو المستقبلية يعني التصديق بما لم يثبت ، وربّما تصل الحال بالمصدّق إلى الافتراء على أحد من المسلمين أو الطعن والنيل من بعضهم ، وأين هذا من ذلك ؟
والذي نتمكّن أن نقوله في هذه العُجالة أنّ الأخبار المشتملة على العلامات صنفان :
ما يمكن إحراز مقوّمات الاعتبار والحجّية فيه ، خصوصاً ممّن يرى كفاية وثاقة الراوي أو وثاقة الخبر بنحو العموم ويكتفي بكلّ واحد منها ، فالناظر النقّاد البصير قد يتمكّن من إحراز وثوق الخبر من القرائن المحيطة به أو التي اشتمل الخبر عليها أو القرائن البعيدة الموجودة في بعض الروايات المعتبرة ، ومغزى هذا الاتجاه الالتزام بصنف واحد من هذين الصنفَين ، والذي يتمّ من الأخبار على هذا المقياس ، ويخرج سليماً من الخدشة بقسطاس مستقيم قليل جداً .
ولنا اتّجاه آخر قد ننتهجه ونرجّحه ، وهو يتمثّل في النظر إلى مجموع روايات العلامات على أنّها بجملتها تتحدّث (ولا سيّما التي تتحدّث عن العلائم الحتميّة مثل الخسوف في البيداء ، والصيحة بين السماء والأرض ، وبزوغ الشمس من المغرب ، وكسوف الشمس في وسط الشهر ، وخسوف القمر في أوّله ، على خلاف الموازين الهندسية والجغرافيا الفلكية) أنّها بجملتها تتحدّث عن حدوث أمور غير طبيعية وعلى خلاف ما يقتضيه النظام الكوني القائم المعتاد الذي استأنست النفوس للتعايش معه منذ قرون جيلاً بعد جيل ، ومعلوم أنّه كما يصعب ـ حسب الموازين العلمية المقرّرة في محلّها ـ الجزم بصحّة كلّ واحد من هذه الأخبار ، كذلك نجزم بصدق بعضها ونقطع بعدم كذب جميعها لكثرتها وتشعّب خصوصياتها واتّساع دائرة رواتها ومَن رُويت عنه ، فاحتمال التواطؤ على الكذب مرفوض بحكم العادة ، فعليه هي متواترة إجمالاً ونلتزم بما اتّفقت عليه من المعاني ، وأبرزها حدوث أمور كونيّة غير معتادة ، وهذه الأحاديث ـ أحاديث علائم الظهور ـ تمثّل إرهاصات لظهور الحقّ على غرار ما حدث حين ولادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كسقوط شُرف طاق كسرى وخمود نار فارس فجأة وغَور بحيرة ساوة وفيضان وادي السماوة وغيرها ، وقد سطرها أهل التحقيق في مصادرهم . فما روي في علامات الظهور يجري في هذا المجرى ، فهي تتحدث عن حدوث كوارث أو آيات مقدّمة لظهور الحجّة (عليه السلام) ، فهي أشبه شيء بجلبة وهزّة نسمعها قبيل وصول الجيش العرمرم بعدّته وعدده ، وكذلك اهتمام علمائنا الأبرار بهذه الروايات بالجمع والمبالغة في استقصائها في كتب مستقلّة أو ضمن مؤلّفاتهم الموسّعة ، ومعلوم أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين التشريعات الإلهية التي تنبعث من ملاحظة المصلحة والحكمة فيها أو في مصبّها وبين تسلسل الحركة الكونية والتسابق والتنافس من الحقائق التكوينية في الانصياع للإرادة الحقيقية المنطلقة من عموم فيض المبدأ الاعلى والرحمة الشاملة والنور الحقيقي الذي أزاح بُهم الظلمة عن الكائنات كلها ، فاستقت الأودية وارتوت وفاضت بنور ربّها ، ودارت الممكنات في فلكها ، كما يكشف ذلك تقيّد التكاليف الإلزامية والاعتبارات الشرعية أو متعلّقاتها بالأوضاع الكونية من حيث الزمان والمكان المحيطة بالمكلّف ، مع الأخذ بعين الاعتبار مراحل تكوّنه وتدرّجه في مراقي التكامل التكويني ، ويوجب ذلك الارتباط الاحتزاز والتدافع والتجاذب حسب تنجّز التشريعات والاعتبارات المتشابكة والمتعلّقة بمظهر الرحمة الربانية ومحور السعادة الكونية ، فتظهر بوادر الصلاح بزوال العقبات والعوائق الناشئة من طول الانحرافات من المكلّفين وخروجهم الطويل عن الصراط المستقيم المانعة في سبيل انتشار الصلاح وشموله للعالم كلّه ضمن إنذار وتحذير لكلّ مُعادٍ ، وإتمام الحجّة على كلّ مناوئ .
وقد ورد في التوقيعات الشريفة المرويّة عنه (سلام الله عليه) بطريق الخلّص من أصحابه انقطاع السفارة بينه وبين شيعته منذ وقوع الغيبة الكبرى ، فمن ينتحل زوراً وبهتاناً شخصية معينة كوكيل خاص للإمام (عليه السلام) أو سفير بينه وبين شيعته وأنه يتلقّى الأوامر والنواهي منه (عليه السلام) مباشرة فهو كذّاب أشِر فاسد ومُفسد ويكذب على الإمام المعصوم ، ويجب ردعه بكلّ وسيلة ممكنة وفضحه وفضح نواياه ليأمن المسلمون شرّه ، ولو تمكّن الحاكم الشرعي لوجب تعزيره وتعزير من يصدّقه . وأمّا انخداع بعض العوام وتصديق مثل هؤلاء الباهتين فلا يُستغرب ، فإن الناس في كلّ زمان هم الناس ، وقد روى القرآن الكريم قصّة عبادة اليهود لعجل السامري مع وجود هارون بينهم ، وميل الناس عن أشرف مخلوق بعد رسول الله إلى مَن لايكاد يدرك شأن علي (عليه السلام) ولا ينال غباره ، ولكن الزمان هو الزمان . يقول سيد الاوصياء (متى اعترى بي الريبُ مع الأوائل حتّى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ؟! أنزلني الدهر ثم أنزلني حتّى قيل : علي ومعاوية) .
كما أن الارتباط بالإمام المهدي (عليه السلام) ممكن بل مطلوب شرعاً ، إذ هو إمام زماننا ونُحشر يوم القيامة في قيادته ، لقوله سبحانه (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ونحن نعيش تحت رعايته ، وسلّمنا الله تعالى ويسلّم سائر المؤمنين ببركته ودعائه ، بل بيمنه رُزق الورى ، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء . وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء . ولكن ينبغي أن يُعلم أن فقدان الارتباط بالإمام لا ينبغي أن يُعزى إلى انقطاع الفيض منه وانصراف عطفه عنّا ، فإن ذلك يُعاب على الكريم ، بل هو كآبائه الطاهرين مصدر كلّ خير ومنبع كلّ رحمة ، وإنّما ينشأ للقصور أو التقصير فينا نحن ، فإنّا نجد أنّ سيد الشهداء (سلام الله عليه) صرف بعضَهم عن الخروج معه إلى القتال ودعا آخرين الالتحاق به ، ويُفسّر ذلك باختلاف مراتب الأشخاص وتفاوت الصلاحيات الذاتية المكتسبة والموهوبة .
ومن هذا المنطق يجب على كلّ مكلّف إعداد نفسه وإصلاحها ليستعدّ لقبول الفيوض الربانية ، وأن يطهّر عيونه لتكتحل بالنظر إلى الغُرّة الحميدة والطلعة الرشيدة . وينبغي أن نعلم أنّ أول الأوائل في هذا السبيل ترسيخ العقيدة بالمبادئ الاسلامية وضروريات الدين الحنيف ، ثمّ ترويض النفس بالأخلاق الحسنة بالابتعاد عن المعاصي والسعي في خلع الملكات الرذيلة ، والاستعانة بالمرشدين العلماء الأبرار ـ ولو من خلال مؤلّفاتهم ـ وتزيين النفس بالمستحبّات ، واللجوء إلى الله تعالى بكلّ كيانه ليُعينه على نفسه ، ويطلب منه الثقة به تعالى ، ويستجديه التوكّل عليه ، ويستفيضه العون والهداية والقوة والتسديد في السلوك إليه . وقد ورد في غير واحدٍ من الروايات أنّ ولاية أهل البيت لا تُدرك إلاّ بالتقوى والجهاد مع النفس ، وقد ورد أن شيعتهم هم المتّقون ، نرجوه سبحانه أن يُعيننا على أنفسنا ويهب لنا الثقة به ، ويجود علينا ـ بالتوكّل عليه ـ بالمغفرة عمّا سلف والعون على ما بقي .


سباب ثورة الامام الحسين (ع)

$
0
0
سباب ثورة الامام الحسين (ع)

أحاطت بالإمام الحسين (عليه السّلام) عِدَّة من المسؤوليات الدينية ، والواجبات الاجتماعيّة وغيرها من الأسباب المُحَفِّزَة لثورته ، فدفعته (ع) الى التضحية والفداء واليك بعض المسؤوليات والواجبات والاسباب التي دفعت بالامام الحسين (ع) للقيام بالثورة .


الأولى : المسؤولية الدينيّة
لقد كان الواجب الديني يحتّم على الامام الحسين (عليه السّلام) القيام بوجه الحكم الأموي الذي استحلَّ حُرُمَات الله ، ونكث عهوده ، وخالف سُنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله))
الثانية : المسؤولية الاجتماعيّة
كان الإمام (عليه السّلام) بحكم مركزه الاجتماعي مسؤولاً أمام الاُمّة ، عمّا مُنِيَت به من الظلم والاضطهاد من قبل الاُمويِّين ، ومَنْ هو أولى بحمايتها وَرَدِّ الاعتداء عنها من غيره ، فنهض (عليه السّلام) بأعباء هذه المسؤولية الكبرى ، وأدّى رسالته بأمانة وإخلاص ، وَضَحَّى (عليه السّلام) بنفسه وأهل بيته وأصحابه ؛ ليعيد عدالة الإسلام وحكم القرآن.
الثالثة : إقامة الحجّة عليه (ع)
وقامت الحجة على الامام(عليه السّلام) لإعلان الجهاد ، ومحاربة قُوَى البغي والإلحاد , فقد تواترت عليه الرسائل والوفود من أهل الكوفة ، وكانت تُحَمِّلُه المسؤولية أمام الله إن لم يستجب لدعواتهم المُلِحَّة ؛ لإنقاذهم من ظلم الاُمويِّين وبَغيِهِم .
الرابعة : حماية الإسلام
ومن الأسباب التي ثار من أجلها (عليه السّلام) حماية الإسلام من خطر الحكم الأموي ، الذي جَهد لمَحْوِهِ ، وقلع جذوره ، فقد أعلن يزيد الكفر والإلحاد بقوله
لـعِبتْ هاشمُ بِالمُلك فَلا خَبَرٌ جاءَ وَلا وَحْيٌ نَزَلْ))
وكشف هذا الشعر عن العقيدة الجاهليّة التي كان يدين بها يزيد ، فهو لم يؤمن بوحي ولا كتاب ، ولا جَنَّة ولا نار. .
الخامسة : صيانة الخلافة
ومن أَلمع الأسباب التي ثار من أجلها الامام الحسين(عليه السّلام) تطهير الخلافة الإسلاميّة من أرجاس الأمويين الذين نَزَوا عليها بغير حقّ,. فلم تعد الخلافة في عهدهم كما يريدها الإسلام وسيلة لتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس ، والقضاء على جميع أسباب التخلّف والفساد في الأرض .
وقد رأى الإمام الحسين(عليه السّلام) أنّ مركز جَدِّهِ قد صار إلى سِكِّيرٍ مُستَهترٍ ، لا يَعي إلاّ شهواته ورغباته ، فثار الحسين(عليه السّلام) ؛ ليعيد للخلافة الإسلاميّة كيانها المُشرِق وماضيها الزاهر.
السادسة : تحرير إرادة الاُمّة
ولم تملك الاُمّة في عهد معاوية ويزيد إرادتها واختيارها ، فقد كُبِّلَتْ بقيُودٍ ثقيلة سَدَّت في وجهِهَا منافذ النور والوَعي ، وَحِيلَ بينها وبين إرادتها , وقد هَبَّ الإمام الحسين(عليه السّلام) إلى ساحات الجهاد والفداء ؛ لِيُطعِم المسلمين روح العِزَّة والكرامة ، فكان مقتله (عليه السّلام) نُقطَةَ تَحَوُّلٍ في تاريخ المسلمين وحياتهم.
السابعة : تحرير اقتصاد الأمة
ومن الأسباب انهيار اقتصاد الاُمّة الذي هو شريان حياتها الاجتماعيّة والفردية .
فقد عمد الاُمويّون إلى نهب الخزينة المركزية ، وقد أعلن معاوية أمام المسلمين أنّ المال مال الله ، وليس مال المسلمين ، فهو أحقّ به ، فثار الامام(عليه السّلام) ؛ ليحمي اقتصاد الاُمّة ، ويعيد توازن حياتها المعاشية .
الثامنة : المظالم الاجتماعيّة
انتشرت المظالم الاجتماعيّة في أنحاء البلاد الإسلاميّة ، فلم يَعُد قطر من الأقطار إلاّ
وهو يَعُجُّ بالظلم والاضطهاد من جَورِهِم
فهبّ الإمام (عليه السّلام) في ميادين الجهاد ؛ ليفتح للمسلمين أبواب العزّة والكرامة
ويحطّم عنهم ذلك الكابوس المظلم .
التاسعة : المظالم الهائلة على الشيعة
لقد كانت الإجراءات القاسية التي اتّخذها الحكم الأموي ضدّ الشيعة من أسباب ثورته (عليه السّلام) فهب لانقاذهم من واقعهم المرير, وحمايتهم من الجور والظلم.
العاشرة : محو ذكر أهل البيت (ع)
ومن ألمع الأسباب أيضاً التي ثار من أجلها (عليه السّلام) أنّ الحكم الأموي قد جهد لمحو ذكر اهل البيت (ع) واستئصال مَآثِرِهم ومناقبهم ، وقد استخدم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل , وكان الامام (عليه السّلام) يودّ أن يوافيه الموت ولا يسمعُ سَبَّ أبيهِ (عليه السّلام) على المنابر والمآذن.
الحادية عشرة : تدمير القِيَم الإسلاميّة
وعَمدَ الاُمويّون إلى تدمير القِيَم الإسلاميّة ، فلم يَعد لها أي ظِلٍّ على واقع الحياة الإسلاميّة
الثانية عشرة : اِنهيار المجتمع
فقد انهار المجتمع في عصر الاُمويِّين ، وتحلّل من جميع القيم الإسلاميّة ، فثار الامام الحسين (عليه السّلام) ليقضي على التَذَبْذُبِ والانحراف الذي مُنِيتْ بِهِ الاُمّة.
الثالثة عشرة : الدفاع عن حقوقه (ع)
وانبرى الإمام الحسين (عليه السّلام) للجهاد دفاعاً عن حقوقه التي نهبها الاُمويّون واغتصبوها, وأهمُّها الخلافة ؛ لأنّه (عليه السّلام) هو الخليفة الشرعي بمقتضى معاهدة الصلح التي تمّ الاتفاق عليها ، وعلى هذا فلم تكن بيعة يزيد شرعية
فلم يخرج الإمام عليه السّلام) على إمام من أئمّة المسلمين ، كما يذهب لذلك بعض ذوي النزعات الاُمويّة ، وإنّما خرج على ظالم مُغتَصِبٍ لِحَقِّهِ
الرابعة عشرة : الأمر بالمعروف
ومن أوْكَد الأسباب التي ثار من أجلها الامام الحسين(عليه السّلام) إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فإنّهما من مُقَوِّمَات هذا الدين ، والإمام (عليه السّلام) بالدرجة الأولى مَسؤُول عَنهُمَا , وقد أدلى (عليه السّلام) بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفية ، التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد ، فقال (عليه السّلام) ( إِنِّي لَمْ أَخرُجْ أَشِراً وَلا بَطِراً ، وَلا ظَالِماً وَلا مُفسِداً ، وإنّما خرجتُ لِطَلَبِ الإِصلاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي ؛ أُرِيدُ أَن آمُرَ بِالمَعرُوفِ وَأَنهَى عَنِ المُنكَر)
الخامسة عشرة : إِمَاتَة البِدَع
وعمد الحكم الأموي إلى نشر البِدَع بين المسلمين ، َالتي لم يُقصَدُ منها إلاّ مَحْقُ الإِسلام ، وإلحاق الهزيمة به ، وقد أشار (عليه السّلام) إلى ذلك في رسالته التي بعثها لأهل البصرة : (( فَإِنَّ السُّنَّةَ قَد أُمِيتَتْ ، وَالبِدْعَةَ قَدْ أُحْيِيَت)) فقد ثار (ع) ليقضي على البدع الجاهلية التي ثبتها الأمويون ويحيي سنة جده (صلى الله عليه وآله) التي أماتوها ، ولِيَنشرَ رايةَ الإِسلام.
السادسة عشرة : العهد النبوي
واستَشَفَّ النبي (صلّى الله عليه وآله) من وراء الغيب ما يُمنَى بِهِ الإسلام من الأخطار الهائلة على أيدي الاُمويِّين ، وأنّه لا يمكن بأيّ حال تجديد رسالته ، وتخليد مبادئه إلاّ بتضحية ولده الحسين (عليه السّلام) ، فعهد إليه بالتضحية والفداء , وقد أدلى الحسين (عليه السّلام) بذلك حينما عذله المشفقون عليه لخروجه إلى العراق ، فقال (عليه السّلام) لهم : (( أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) بِأَمرٍ وَأنَا مَاضٍ إِليه..
السابعة عشرة : العزّة والكرامة
ومن أوثق الأسباب التي ثار من أجلها الامام الحسين(عليه السّلام) هي العزّة والكرامة ، فقد أراد الاُمويّون إِرغامَهُ على الذُل والخنوع ، فَأَبَى (عليه السّلام) إِلاَّ أن يعيش عَزيزاً ,.وقد أعلن ذلك يوم الطفِّ بقوله (عليه السّلام) : (( أَلا وَإِنَّ الدعِيَّ ابنَ الدعِيّ قَد رَكزَ بَينَ اثْنَتَيْنِ ؛ بَينَ السلَّةِ وَالذلَّة ، وهَيْهَات مِنَّا الذلَّة ، يَأبَى اللهُ لَنَا ذَلكَ وَرَسُولُهُ ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ ، وَأُنُوفٌ حَميَّةٌ ، مِن أَنْ نُؤثِرَ طَاعَة اللِّئَام عَلى مَصَارِعِ الكِرَام)) .
الثامنة عشرة : طغيان بنو أمية :
أيقن الامام الحسين (عليه السّلام) أنّ الاُمويِّين لا يتركونه ، ولا تَكفُّ أيديهم عن الغدروالفَتْكِ به حتّى لو سَالَمَهُم وبايعهم , وقد أعلن (عليه السّلام) إلى اخيه محمد بن الحنفية(( لَو دَخَلتُ فِي جُحرِ هَامَة مِن هَذِهِ الهوَام لاستَخْرَجُونِي حتّى يَقتُلُونِي ))
فاخنار الامام الحسين (عليه السّلام) أن يُعلنَ الحربَ ، ويموت مِيتَةً كريمةً تَهزُّ عروشهم ، وَتقضِي على جبروتِهِم وَطُغيَانِهِم
الكاتب: الشيخ حيدر الربيعاوي


أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي

$
0
0
أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي

كما كان أيام الفراعنة وفي زمان النبي موسى (عليه السلام) حيث أنهم كانوا موعودين بخروج مخلص لبني إسرائيل ينهي ظلم الفراعنة ويدمر الطاغية فرعون ويقضي على جبروته، فما كان منه إلا أن قام بقتل الذكور من أبناء بني إسرائيل واستبقاء الإناث ) يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم( (1).
كذلك كان من المعروف من الأخبار والروايات المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عدد الأئمة اثني عشر إماماً، وأن الإمام الثاني عشر هو الذي يزيل دول الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، فكان حكام الدولة العباسية يترقبوا هذا الأمر ويحسبون له ألف حساب، فوضعوا الإمام الحادي عشر أي الحسن العسكري (عليه السلام) تحت الإقامة الجبرية في بيته بسامراء، كما وضعوا نساؤه تحت الرقابة المباشرة، وذلك للقضاء على الإمام الثاني عشر وتصفيته أول ولادته.

أولاً: الحفاظ على شخص الإمام المهدي (عليه السلام) وبقائه
كما كان أيام الفراعنة وفي زمان النبي موسى (عليه السلام) حيث أنهم كانوا موعودين بخروج مخلص لبني إسرائيل ينهي ظلم الفراعنة ويدمر الطاغية فرعون ويقضي على جبروته، فما كان منه إلا أن قام بقتل الذكور من أبناء بني إسرائيل واستبقاء الإناث ) يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم( (1).
كذلك كان من المعروف من الأخبار والروايات المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عدد الأئمة اثني عشر إماماً، وأن الإمام الثاني عشر هو الذي يزيل دول الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، فكان حكام الدولة العباسية يترقبوا هذا الأمر ويحسبون له ألف حساب، فوضعوا الإمام الحادي عشر أي الحسن العسكري (عليه السلام) تحت الإقامة الجبرية في بيته بسامراء، كما وضعوا نساؤه تحت الرقابة المباشرة، وذلك للقضاء على الإمام الثاني عشر وتصفيته أول ولادته.
لذلك شاء الله سبحانه وتعالى إخفاء أمر حمله وولادته إلا عن خواص الشيعة والموثوق بهم من المؤمنين، وبعد ولادته (عليه السلام) تناهى لمسامع الحكومة العباسية بعض الأخبار عن ذلك فتمت مداهمة بيت الإمام العسكري (عليه السلام) مرات عديدة وبشكل مفاجئ للقبض على الإمام المهدي (عليه السلام) وتصفيته، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، مما جعل أم الإمام المهدي السيدة نرجس (رض) تدعي بأنها حامل فسجنت عند القاضي بسامراء لمدة سنتين وذلك بعد وفاة الإمام العسكري حتى شغلوا عنها بثورة صاحب الزنج وسلمها الله منهم بفضله.
فكانت هذه الظروف العصيبة هي التي دعت الإمام المهدي (عليه السلام) للغيبة حفاظاً على نفسه لكي لا يقتل كما قتل آباؤه (عليهم السلام) خصوصاً وهو آخر الأئمة وبقية حجج الله على الخلق وخاتم الأوصياء (عليهم السلام)، وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فكان لابد من الحفاظ على وجوده بالغيبة حتى ينجز المهمة الموكل بها، وهذا ما نفهمه من الروايات التالية.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله، قال: يخاف القتل)(2).
وفي البحار عن الباقر (عليه السلام) قال: (إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال ) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً( (3)، أي خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح لي أمري)(4).
وعن يونس بن عبد الرحمن قال: (دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال (عليه السلام): أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون)(5).
وخرج في التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) لمحمد بن عثمان العمري في علة عدم ذكره باسمه: (فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه)(6).
- ولكن هل الخوف على نفسه (عليه السلام) يستدعي غيابه كل هذه القرون الطوال…؟
بالطبع هذا الأمر غير منطقي فبعد انتهاء دولة بني العباس جاءت الكثير من الدول والممالك، ولم يعد يذكره أو يطلبه الظالمون بالشكل الذي كان في بدء غيبته، ولم يعد هناك حرج من ذكر اسمه أمام الناس، فلا بد أن هناك أسباب أخرى لاستمرار الغيبة الطويلة هذه، وهذا ما سنذكره إن شاء الله تعالى في الفصل القادم في أسباب الغيبة الكبرى.
ثانياً: تهيئة الأمة للغيبة الكبرى والانقطاع التام عن الإمام (عليه السلام)
كان المؤمنون في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) يتلقون الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية مباشرة من النبي والأئمة دون أي حاجز أو مانع، وإذا أشكل عليهم أمر ما أو قضية معينة يلجئون فيها إلى المعصوم فيحلها في الحال, واستمر هذا الأمر حتى عام 260 هـ، عند وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، حيث اختلف الحال ولم يعد بإمكان المؤمنين الالتقاء بالإمام المهدي (عليه السلام) وتلقي الأحكام الشرعية على يديه مباشرة.
ولكي لا تحدث ردة فعل عنيفة في الأمة لانقطاع الإمام عنها وغيابه بشكل مفاجئ، كان لابد من تهيئة الأمة للغيبة الكبرى، وتعويد الناس تدريجياً على احتجاب الإمام عنهم وبالتالي يستسيغون فكرة اختفائه (عليه السلام).
لذلك كان من شأن الإمام المهدي (عليه السلام) تعيين السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم خلال الغيبة الصغرى كواسطة بينه وبين الناس،كما كان (عليه السلام) متدرجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث تمكن العديد منهم مشاهدته في أول الغيبة الصغرى وكان أقل احتجاباً عن الناس، وكلما مشى الزمان زاد احتجابه، حتى لا يكاد يُنقل عنه المشاهدة في زمن السفير الرابع لغير السفير نفسه.
ولقد شبهت الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار الإمام المهدي (عليه السلام) بالشمس المضيئة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: (أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب)(7)، فكما أن الشمس قبل غروبها تماماً تبقى أشعتها لمدة معينة من الزمن حتى تغيب تماماً ويحل الظلام الدامس، فكذلك الإمام كان في حال الغيبة الصغرى متدرجاً في الغيبة قبل انقطاعه التام عن الناس.
ويذكر السيد مجتبى السادة بهذا الشأن أن للإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً ظهور أصغر يسبق الظهور الأكبر إن شاء الله تعالى، وذلك يتمثل في عدة أحداث وقضايا سوف تحدث تمهد الأرض والبشرية لظهوره المبارك (عليه السلام)، حيث يقول: (وكذلك طلوع الشمس فإنه لا يكون مباشرة بل يبدأ الخيط الأبيض ثم الفجر ثم نور باهت يزداد تدريجياً حتى طلوع الشمس ساطعة في السماء، وهكذا فإن ظهور الحجة بن الحسن (عليه السلام)، وهو كالشمس المنيرة في سماء الولاية، لابد أن يسبقه ظهور أصغر يهيئ الأرضية للظهور الكامل لوجوده المقدس)(8).
ثالثاً: إثبات حقيقة وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وإبطال شبهات المشككين
بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام 260 هـ، وبسبب خفاء أمر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) عن أكثر الناس، بدأ الشك يدب في نفوس الكثير منهم بوجوده (عليه السلام) خصوصاً مع اقتسام إرث أبيه الإمام العسكري بين عمه جعفر وجدته ـ أي أم الإمام العسكري حيث أوصى لها الإمام العسكري بأوقافه وصدقاته ـ هذا بالإضافة لادعاء عمه جعفر الكذاب الإمامة، فكان لابد من إثبات وجود الإمام المهدي عبر بعض المشاهدات للعديد من الناس، وهي التي حصلت بالفعل في فترة الغيبة الصغرى كصلاته (عليه السلام) على جنازة أبيه ولقائه بوفد القميين الذين جاءوا لتسليم الأموال للإمام العسكري ووصفه الدقيق لتلك الأموال.
فعن أبو الأديان في ضمن حديث طويل تحدث فيه عن وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) قال: (فلما صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام))(9).
والأمر الآخر الذي قام به الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى لإثبات وجوده هو اتخاذ نظام الوكلاء أو النواب بينه وبين عامة الشيعة.
ومن الأمور الهامة أيضاً التي ساهمت في إثبات وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وتهيئة الذهنية العامة لدى المؤمنين للغيبة الكبرى وجعلتهم يتقبلون الفكرة بصدر رحب هو تأكيد العديد من الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) على الغيبة وحصولها للإمام المهدي (عليه السلام) وتحدثهم عنها بإسهاب.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن لصاحب هذا الأمر ـ يعني المهدي ـ غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم يقول قتل، وبعضهم يقول ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره)(10).
وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما تأويل قول الله تعالى ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين( (11)، فقال (عليه السلام): (إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون)(12).
وعن محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة( (13)، فقال (عليه السلام): (النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب، قال: فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويبير به كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عز وجل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(14).
ولقد قام الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بطريقة هادئة في إعلام كبار الشيعة والمخلصين من المؤمنين بولادة الإمام المهدي المنتظر وذلك عبر إرسال بعض الرسائل للثقاة منهم من أمثال أحمد بن إسحاق حيث كتب (عليه السلام) له: (ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام)(15).
كما قام (عليه السلام) بذبح كذا شاة عقيقة عن ابنه المهدي وقام بتوزيع كمية كبيرة من الخبز واللحم على شخصيات من بني هاشم ووجهاء الشيعة، ولقد جاء في بعض الأخبار كما نُقل عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح أنه (عليه السلام) عق عنه بثلاثمائة شاة.
كما قام الإمام العسكري (عليه السلام) بإخبار بعض أصحابه الموثوق بهم شفوياً بولادة الإمام المهدي من أمثال أبا هاشم الجعفري وأبا طاهر البلالي كما قام (عليه السلام) بعرض ابنه المهدي على جماعة من أصحابه وهم أكثر من 40 رجلاً وقد اجتمعوا في مجلسه فقال لهم: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ـ أي العمري ـ ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه)(16).
- ولكن لماذا لم تستمر السفارة بين الإمام المهدي (عليه السلام) والناس كما في الغيبة الصغرى حتى يومنا هذا؟ أو بمعنى آخر لماذا حدثت الغيبة الكبرى؟
أسباب انتهاء الغيبة الصغرى:
يذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) بشأن بدء الغيبة الكبرى الأسباب التالية(17):
1- استيفاء الغيبة الصغرى لأغراضها في تهيئة الذهنية العامة للناس لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام).
2- ازدياد المطاردة والمراقبة من قبل السلطات الحاكمة آنذاك للإمام والمرتبطين به لدرجة أن السفير الرابع لم يقوم بعمل اجتماعي كبير يذكر، ولم يرو لنا من أعماله إلا القليل، ولم تستمر مدة سفارته إلا ثلاثة أعوام فقط.
3- عدم إمكانية المحافظة على السرية الملتزمة في خط السفارة لو طال بها الزمان أكثر من ذلك وانكشاف أمرها شيئاً فشيئاً، فخلال السبعين سنة تقريباً وهي مدة الغيبة الصغرى لم يُنقل أنه عُرف كيف يتم الاتصال بين الإمام والسفراء، وكيف يخرج لهم التوقيع، وأين يجتمعون مع الإمام (عليه السلام).
بل لم يكن لأي من السلطات الحاكمة آنذاك أن يثبتوا على أحد السفراء أو وكلائهم أنهم أخذوا مالاً من أحد ما لتوصيله للإمام، ولم يجدوا في حوزتهم أي أوراق تثبت اتصالهم بالإمام (عليه السلام).
فعن الحسين بن الحسن العلوي قال: (انتهى إلى عبيد الله بن سليمان الوزير أن له ـ أي الإمام ـ وكلاء وأنه تجبى إليهم الأموال، وسموا الوكلاء في النواحي، فهمّ بالقبض عليهم، فقيل له: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفونهم بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشيء حتى خرج الأمر ـ أي من صاحب الزمان ـ أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم، فلم يظفروا بأحد منهم ولم تتم الحيلة فيهم)(18).
ولقد تعرض السفير الثالث الحسين بن روح للاعتقال والمساءلة لفترة من الزمن وحينما لم تجد عليه السلطات أي مستمسك أطلقت سراحه بفضل الله.
الهوامش:
1- سورة القصص الآية 4.
2- علل الشرائع ج 1 ص 243، ميزان الحكمة ج 1 ص 184.
3- سورة الشعراء الآية 21.
4- بحار الأنوار ج 52 ص 385 ح 195.
5- كمال الدين ص 361 ح 5، إعلام الورى ص 433، كفاية الأثر ص 269.
6- غيبة الطوسي ص 364 ح 331، بحار الأنوار ج 51 ص 351.
7- إعلام الورى ص 376، بحار الأنوار ج 52 ص 93.
8- الفجر المقدس ص 48.
9- كمال الدين ص 475، بحار الأنوار ج 50 ص 332، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 4 ص 255.
10- الإشاعة لأشراط الساعة ص 93، غيبة الطوسي ص 61، بحار الأنوار ج 53 ص 320.
11- سورة الملك الآية 30.
12- كمال الدين ص 360 ح 3، غيبة الطوسي ص 160، إثبات الهداة ج 3 ص 476.
13- سورة لقمان الآية 20.
14- بحار الأنوار ج 51 ص 150 ح 2، كمال الدين ص 368.
15- منتخب الأثر ص 344، كمال الدين ص 434، بحار الأنوار ج 51 ص 16 ح 21.
16- غيبة الطوسي ص 357، منتخب الأثر ص 355 ح 2، إثبات الهداة ج 3 ص 415 ح 56.
17- تاريخ الغيبة الصغرى ص 630.
18- أعلام الورى ج 2 ص 266، الكافي ج 1 ص 440 ح 30.
الکاتب: ماهر آل شبر

إستراتيجية الصلح عند الإمام الحسن (ع)

$
0
0
إستراتيجية الصلح عند الإمام الحسن (ع)

ما أكرم أبا محمّد الحسن المجتبى ، وأسخى تضحيته حين أقدم على "الصلح" الذي اعتبره بعض حواريِّه ذُلاًّ وزعَمَهُ أعداؤه جبناً واستسلاماً ، ولم يكن إلاّ أروع صور النصر على الذات، ومقاومة نزوة الهوى، والمحافظة على دماء المسلمين ، وتحقيقاً لكلمة الرسول الصادق المصدّق حين قال :( إنّ ابني هذا سيّد ، ولعلّ اللـه عزَّ وجلَّ يصلح به بين فئتين من المسلمين).

ما أكرم أبا محمّد الحسن المجتبى ، وأسخى تضحيته حين أقدم على "الصلح" الذي اعتبره بعض حواريِّه ذُلاًّ وزعَمَهُ أعداؤه جبناً واستسلاماً ، ولم يكن إلاّ أروع صور النصر على الذات، ومقاومة نزوة الهوى، والمحافظة على دماء المسلمين ، وتحقيقاً لكلمة الرسول الصادق المصدّق حين قال :

( إنّ ابني هذا سيّد ، ولعلّ اللـه عزَّ وجلَّ يصلح به بين فئتين من المسلمين).
فلولا أنّ الحسن كان قدوة الصلاح ، وأسوة التضحيات ، وجماع المكرمات ، وكان بالتالي الإمام المؤيَّد بالغيب ، لتمزَّقت نفسه الشريفة بصعود معاوية أريكة الحكم ، وهو الذي قال فيه الرسول : (إذا رأيتم معاوية هذا على منبري فاقتلوه).
ولولا اتصال قلبه الكبير بروح الرب، إذاً لمات كمداً ،حيث كان يرى تقهقر المسلمين وصعود نجم الجاهلية الجديدة .
ولولا حلمه العظيم النابع من قوة إيمانه باللـه وتسليمه لقضائه ، إذاً ما صبر على معاوية ، وهو يرقى منبر جده ، ويمزِّق منشور الرسالة ،ويسبُّ أعظم الناس بعد الرسول .
بلى ، ولكنّ الحسن آثر الآخرة على الدنيا، وقبل الصلح للاسباب التالية :
- إنَّ نظرة أهل البيت إلى الحكم كانت تنبع من أنَّه وسيلة لتحقيق قِيَم الرسالة . فإذا مال الناس عن الدين الحق ، وغلبت المجتمع الطبقات الفاسدة ، وأرادت تحويل الدين إلى مطيّة لمصالحهم اللامشروعة ؛ فليذهب الحكم إلى الجحيم .. لتبقى شعلة الرسالة متَّقِدة، ولتصب كلّ الجهود في سبيل إصلاح المجتمع أولاً ، وبشتّى الوسائل المتاحة .
لقد قال الإمام علي عن أسلوب الحكم :
(واللـه ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنه يغدر ويفجر،ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس . ولكن كلّ غُدَرَة فُجَرَة وكلّ فُجَرَة كُفَرَة ، ولكلّ غادرٍ لواءٌ يُعرف به يوم القيامة . واللـه ما أُستغفَلُ بالمكيدة ولا أُستغمَزُ بالشديدة ).
أمَّا عن نظرته إلى الحكم ذاته فقد رُوي عن عبد اللـه بن العباس أنَّه قال :
(دخلت على أمير المؤمنين وهو يخصف نعله . فقال لي : ما قيمة هذا النعل ؟.
فقلت : لا قيمة لها .
فقال :واللـه لَهِيَ أحبُّ إليّ من إمرتكم، إلاّ أن أُقيم حقّاً أو أدفع باطلاً ).
2- ولقد عاش الإمام الحسن مرحلة هبوط الروح الإيمانية عند الناس، وبالذات في القبائل العربية التي خرجت من جوِّ الحجاز، وانتشرت في أراضي الخير والبركات، فنسيت رسالتها أو كادت .
فهذه كوفة الجند التي تأسست في عهد الخليفة الثاني لتكون حامية الجيش، ومنطلقاً لفتوحات المسلمين الشرقية، أصبحت اليوم مركزاً لصراع القبائل، وتسييس العسكر، وأخذ يتبع من يعطي أكثر. فبالرغم من وجود قبائل عربية حافظت على ولائها للإسلام والحق، ولخط أهل البيت الرسالي، إلاّ أنَّ معظم القبائل التي استوطنت أرض السواد حيث الخصب والرفاه بدأت تبحث عن العطاء ، حتى أنَّهم تفرقوا عن القيادة الشرعية ، وبدأوا يراسلون المتمرِّدين في الشام حينما عرفوا أنّ معاوية يبذل أموال المسلمين بلا حساب، بل إنَّك تجد ابن عمِّ الإمام الحسن وقائد قوات الطليعة في جيشه، عبيد اللـه بن العباس، يلتحق بمعاوية طمعاً في دراهمه البالغة مليون درهمٍ .
لقد تعبت الكوفة من الحروب ، وبدأت تفكِّر في العيش الرغيد، وغاب عنهم أهل البصائر الذين كانوا يحومون حول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ويذكِّرون الناس باليوم الآخر، ويبيّنون للناس فضائل إمامهم الحق. لقد غاب عنهم اليوم عمار بن ياسر الذي كان ينادي بين الصفيْن في معركة صِفِّين : الرواحَ إلى الجنة !. ومالك الأشتر الذي كان لعليٍ مثلما كان عليٌّ لرسول اللـه بطلاً مقداماً، وقائداً ميدانيّاً محنّكاً .
وغاب ابن التيهان الذي يعتبره الإمام علي أخاً له ، ويتأوّه لغيابه ، بلى لقد غاب أهل البصائر من أصحاب الرسول وأنصارعلي الذين كان أمير المؤمنين يعتمد عليهم في إدارته للحروب..
وغاب القائد المقدام ، البطل الهمام ، الإمام علي أيضاً ، بعد أن أنهى سيف الغدر حياته الحافلة بالأسى ، فإنَّه كان قد صعد المنبر قبيل استشهاده ، وقد نشر المصحف فوق رأسه وهو يدعو ربه ويقول:
(ما يحبس أشقاكم أن يجيء فيقتلني ، اللـهمّ إني قد سئمتهم وسئموني، فأَرِحْهـُم منّي وأَرِحْني منهم).
وبالرغم من أنَّ الإمام عليّاً كان قد جهّز جيشاً لمقارعة معاوية قبيل استشهاده، وهو ذلك الجيش الذي قاده من بعده الإمام الحسن إلاّ أنّ خور عزائم الجيش، واختلاف مذاهبه وخيانة قواده ، كان كفيلاً بهزيمته حتى ولو كان الإمام علي هو الذي يقوده بنفسه .
إلاّ أنَّ التقدير كان في استشهاد البطل، وأن يتمَّ الصلح على يد نجله العظيم الذي أخبر الرسول أنَّ اللـه سوف يُصلح به بين طائفتين من أمته.ويشهد على ذلك ما جاء في حديث مأثور عن الحارث الهمداني قال: لمّا مات عليّ جاء الناس الى الحسن وقالوا: أنت خليفة أبيك ووصيّه ، ونحن السامعون المطيعون لك ، فمرنا بأمرك فقال :
(كذبتم ،واللـه ما وفيتم لمن كان خيراً منِّي ، فكيف تفون لي؟. وكيف أطمئنُّ إليكم ولا أثقُ بكم؟. إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافُوا إليَّ هناك).
وماذا كان يمكن للإمام الحسن أن يصنعه في مثل هذه الظروف المعاكسة؟. هل يسير في جيشه يسيره معاوية، ويوزِّع عليهم أموال المسلمين،فمن رغب عنه عالجه بالعسل المسموم ؟. أم يسير بسيرة أبيه حتى ولو كلّفه ذلك سلطته؟
لقد ترك السلطة حين علم بأنَّها لم تعد الوسيلة النظيفة لأداء الرسالة، وأنَّ هناك وسيلة أفضل وهي الإنسحاب إلى صفوف المعارضة وبثِّ الروح الرسالية في الأمة من جديد، عبر تربية القيادات، ونشر الأفكار، وقيادة المؤمنين الصادقين المعارضين للسلطة وتوسيع نطاق المعارضة، وهكذا فعل .
3- وشروط الصلح التي أملاها الإمام على معاوية ، وجعلها بذلك مقياساً لسلامة الحكم ، تشهد على أنَّه كان يخطِّط لمقاومة الوضع الفاسد ، ولكن عبر وسائل أخرى . لقد جاء في بعض بنود الصلح ما يلي :
1- أن يعمل ( معاوية ) بكتاب اللـه وسنّة رسوله وسيرة الخلفاء الصالحين .
- وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً بل يكون الأمر من بعده للحسن، ثم لأخيه الحسين، وفي بعض المصادر: شورى بين المسلمين .
3- وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللـه في شامهم،وعراقهم، وحجازهم، ويمنهم .
4- وعلى أنّ أصحاب عليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم..
- وعلى أن لايبغي للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول اللـه غائلة سراً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق .
إنَّ نظرة خاطفة لهذه الشروط تهدينا إلى أنَّها اشتملت على أهمّ قواعد النظام الإسلامي من دستورية الحكم ( على هدى الكتاب والسنّة ) وشورويّة الحكم . وإنَّه مسؤول عن توفير الأمن للجميع وبالذات لقيادة المعارضة ، وهم أهل بيت الرسول . وقـد قَبِل معاوية بهذه الشروط ، مما جعلها أساساً للنظام عند الناس . وقد وجد الإمام بذلك أفضل طريقة لتبصير الناس بحقيقته ، وتأليب أصحاب الضمائر والدين عليه، حين كان يخالف بعض تلك الشروط .
قد تحمّل الإمام الحسن عناءً كبيراً في إقناع المسلمين بالصلح مع معاوية ، حيث إنّ النفوس التي كانت تلتهب حماساً، والتي كانت معبأة نفسيّاً ضد معاوية، كانت تأبى البيعة معه. على أنّ القشريين من طائفة الخوارج كانت ترى كفر من أسلم الأمر إلى معاوية ، وقد قالوا للإمام الحسن : ( كفر واللـه الرجل ) .
وقد خطب الإمام بعد صلحه مع معاوية في الناس وقال :
(أيها الناس ‍‍ إنكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجابرسا رجلاً جدّه رسول اللـه ما وجدتم غيري وغير أخي . وإنَّ معاوية نازعني حقّاً هو لي فتركته لصلاح الأمة ، وحِقن دمائها . وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت ، وقد رأيت أن أُسالمه ، وأن يكون ما صنعت حجةً على من كان يتمنّى هذا الأمر ، وإنْ أَدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين).
ومع ذلك فقد عارضه بعض أفضل أصحابه في ذلك . فقال حجر بن عدي رضوان اللـه عليه له : «أما واللـه لَوَددتُ أنك مت في ذلك اليوم ، ومتنا معك ولم نَرَ هذا اليوم، فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا).
ويبدو أن الإمام كره أن يجيبه في الملأ إلاّ أنَّه حينما خلا به قال :
«يا حجر قد سمعتُ كلامك في مجلس معاوية . وليس كلُّ إنسان يُحب ما تُحب ، ولا رأيه كرأيك ، وإنّي لم أفعل ما فعلت إلاّ إبقاءً عليكم ، واللـه تعالى كلَّ يوم هوفي شأن).
وكان سفيان من شيعة أمير المؤمنين والحسن ، ولكنَّه دخل على الإمام وعنده رهط من الناس فقال له : السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين .
فقال له : وعليك السلام يا سفيان .
يقول سفيان : فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه فقال : كيف قلت يا سفيان ؟‍
قال : قلت : السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين . واللـه بأبي أنت وأمّي أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة ، وسلّمت الأمر إلى اللعين ابن آكلة الأكباد ، ومعك مئة ألف كلّهم يموت دونك ، وقد جمع اللـه عليك أمر النّاس .
فقال :يا سفيان إنّا أهل بيت إذا علمنا الحقَّ تمسّكنا به ، وإنّي سمعت عليّاً يقول : سمعت رسول اللـه يقول : لا تذهب الأيّام واللّيالي حتّى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ، ضخم البلعوم ، يأكل ولا يشبع ، لا ينظر اللـه إليه ، ولا يموت حتى لايكون له في السماء عاذر ، ولا في الأرض ناصر، وإنّه لمعاوية . وإنّي عرفتُ أنّ اللـه بالغ أمره).
ثم أذّن المؤذِّن فقمنا إلى حالب يحلب ناقته فتناول الإناء فشرب قائماً ثمّ سقاني وخرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي :
(ما جاء بك يا سفيان ؟)
قلت : حُبُّكم والذي بعث محمدّاً بالهدى ودين الحق .
قال : فأبشر يا سفيان فإنّي سمعت عليّاً يقول : سمعت رسول اللـه يقول : يرد عليَّ الحوض أهل بيتي ومَن أحبّهم من أُمّتي كهاتين - يعني السبّابتين- أو كهاتين - يعني السبابة والوسطى- إحداهما تفضل على الأخرى، أبشر يا سفيان، فإنّ الدنيا تسع البرّ والفاجر ، حتّى يبعث اللـه إمام الحقّ من آل محمّد .
الكاتب: السيد تقي المدرسي

أسرار مرقد أبي الفضل العباس عليه السلام

$
0
0
أسرار مرقد أبي الفضل العباس عليه السلام

منذ سقوط النظام الدكتاتوري والكثير من الاصدقاء والمعارف والقراء يذكرونني بالموضوع الذي نشرته في مجلة”الف باء “ في آب 1998 بعنوان”أسرار الحضرة العباسية المطهرة “ ويطلبون مني اعادة كتابته بحرية لاعتقادهم بأنني أخفيت الكثير من الحقائق والاسرار تحت وطأة الرقابة والخوف وضيق مساحة الحرية.. وآخر ما وصلني بهذا الشأن ما حمله لي مراسلنا في البصرة وهو طلب عدد من القراء في البصرة اعادة نشر الموضوع...


بمناسبة ذكرى استشهاد الامام الحسين في شهر محرم الحرام.. لاسيما وانالكثير من القراء لم يحصلوا على عدد”ألف باء “ الذي نشر فيه هذا الموضوع، وكما يعرفالزملاء في”الف باء “ بأن هذا العدد نفد حتى من أرشيف المجلة كما اخبرني السيد عبودي”ابو احمد “ مدير مكتب رئيس التحرير الذي قال ان المسؤولين في ديوان الرئاسة والوزراء كانوا يطلبون نسخاً من هذا العدد حتى بعد أشهر من نشره..
تبدو لي اعادةنشر هذا الموضوع عملية قد لا تكون مسوغة في هذا الوقت خاصة انني وبعد اكثر من سنةاعدت نشر الموضوع في مجلة السياحة بطلب من المسؤولين فيها، غير ان طلب القراء في البصرة وازاء اهمية شهر محرم وجدت ان المناسب الاجابة على الكثير من الاسئلة التياثيرت حول الموضوع خاصة تلك التي لم استطع الاجابة عنها وستكون اجابتي من خلال سرد قصة الموضوع كاملة.. الموضوع الذي اعتز به كوني اول صحفي ينزل الى قبر الامام العباس عليه السلام ويكتب عنه.
البداية..
كانت سؤالا في مثل هذه الايام من شهر محرم وفي جلسة عائلية، سألتني امرأة عن مدى صحة جريان نهر العلقمي تحت ضريح الامام العباس،وتطور الحديث عن اعتقاد البعض ان جثة الامام ما زالت طافية على مياه النهر ولم تتحرك منذ استشهاده وحتى الآن.. بدا لي المشهد في غاية السريالية، لكن الناس صدقته وقدسمعته اكثر من مرة، لاسيما بعد ان نشرت بعض الصحف الاسبوعية التي يشرف عليها عديعدة اخبار عن استخراج مياه من قبر العباس للاستشفاء وتباع بأسعار عالية جداً. المرأة - وهي زوجة صديق - اقترحت علي ان اكتب موضوعاً يجيب عن الكثير من الاسئلة بعد زيارة الضريح فواجب الصحافة كشف الحقائق وتفنيد الاشاعات.. سيكون أجري عند الله كبيراً.. كما قالت.
في البداية استصعبت كتابة موضوع عن القبر الاصلي للامام العباس، وكيف يمكنني ان أنزل الى”العلقمي “، لكن ما استفزني ما سمعته من أحد الاشخاص بعد أيام حيث قال: ان احد أقاربه نزل الى القبر الاصلي بواسطة احد رجال الدين وشاهد النهر مازال يجري تحت الضريح والاكثر من ذلك انه شاهد ذراع العباس مازالت طرية تنز دماً على ضفة النهر؟
بالرغم من تفسيري لهذه المعتقدات والاساطير في زمن الجوع والاضطهاد إلا أنني جربت أن أحاول، وفعلاً في اليوم التالي دخلت على الاستاذ أمير الحلو رئيس تحرير”ألف باء “ وشرحت له الأمر مع طلب بأن يزودني بكتاب الى محافظ كربلاء للسماح لي بالنزول الى القبر الاصلي، ضحك امير الحلو وقال لي:
-الموضوع حساس وربما يخلق لنا مشكلة خاصة وانني من النجف وانت من الجنوب وهذا ما يسهل على الحكومة اتهامنا بالطائفية..
شرحت له الاسباب التي دفعتني الى تبني الموضوع وليس بينها اي سبب طائفي او حتى ديني فالخطورة اننا نتداول الاشاعات والاساطير في زمن الاعلام والفضائيات.. رئيس التحرير كان متفهماً جداً. وأضاف لي معلومة، بأن ما موجود هو مياه جوفية وعندما كان مديراً عاما ًللسياحة المشهد أعلاه: صورة نادرة للطريق المؤدية للقبر الشريف وهي مغمورة بمياه الفرات.
حاولوا سحب المياه من تحت القبر الشريف وتم التعاقد مع شركة هندية لهذا الامر،وكان رأي المهندسين ان سحب المياه من تحت القبر سوف يؤدي الى انهيار الضريح،فاستعملت الشركة الهندية تقنية حقن الارض بالاسمنت قبل سحب المياه، ومع ذلك لم تنجح الطريقة. بعد ذلك وافق رئيس التحرير على تزويدي بكتاب تسهيل مهمة الى المحافظة لا يتضمن أية تفاصيل بشأن السماح لي بالنزول الى القبر الشريف. وقال لي:
-انت وشطارتك.. فكر كيف تقنع محافظ كربلاء بالنزول الى القبر.. لكن تجنب الحديث عن الكرامات لكي لا تخلق مشكلة فهم حساسون من هذا الامر..
في كربلاء.. مخاوف وكرامات
من هيبة القبة الذهبية والمئذنتين الشامختين وسطوة الاواوين والاروقة حيث حفيف اجنحة الرحمة والخشوع والاجلال وشواهد التاريخ المعلنة والمخفية الى ذرا التربة المعجونة بالدم الطاهر الذي عزز روح الامة الاسلامية بأقوى”لا “ تحفظها ذاكرة البشرية وصارت مناراً لكل الثوار على وجه الارض.. كانت رحلة شاقة جداً، وأصعب مافيها إنها رحلة تبحث عن يقينها..
الخطوة الاولى: كانت الخطوة الأولى إلى السيد مهدي الغرابي سادن الروضة العباسية في حينها،استقبلنا الرجل بشيء من التحفظ برغم ترحيبه بنا.
وعندما طلبنا منه النزول الى سرداب القبر الشريف، قال: هذا غير ممكن بتاتاً ولايسمح لأي شخص بالدخول إلا من خلال ديوان الرئاسة.
وأنا بدوري لم أتركه، أخذت أشرح له الامور واقنعه بأن ما نقوم به هو خدمة للاسلام فبدأ يتعاطى معنا وأخبرنا ان البعض يتاجر في هذه المياه”مياه النهر المزعوم “حيث تباع قنينة الماء الى الزوار الايرانيين ما بين 100 - 200 دولار!، احدى الصحف وجهت التهمة الى الغرابي بأنه يتاجر بالمياه التي يقال انها تغسل جثمان العباس..هنا امسكت شيئاً ما وقلت للغرابي: نحن نثق بك وجئنا لكي تدافع عن نفسك ضد”افتراءات “ الصحف الاسبوعية عليك.. فعرض علينا ان يشرح لنا كل تفاصيل وجغرافية السرداب والقبر.
قلت له: أنا لا أكتب عن السماع وإنما أعتمد على عيني..
وبعد أكثر من ساعة من الحديث مع الغرابي، حدث تحول، وقال: -لا استطيع ادخالكم لأن المفتاح عند المحافظ.. خذوا موافقته وانا لا مانع لديّ..
قلت له: المحافظ هو صابر الدوري.
قال: وما به؟
قلت: كيف أتكلم معه بالموضوع وهو مدير مخابرات ومدير الاستخبارات السابق ومن المقربين جداً للرئيس.. أخاف ان يتهمني بالطائفية فمهما يكن هو رجل عسكري ومخابراتي واستخباراتي.
قال: مع ذلك هو رجل طيب.. جرب ان تزوره.
أخذت بعضي ومعي الزميل المصور سمير هادي وذهبنا الى مبنى المحافظة، وهناك التقينا الشاعر حسن النواب.
مع محافظ كربلاء
بعد جهود مضنية تمكنا من مقابلة محافظ كربلاء الفريق الركن صابر عبد العزيز الدوري بمساعدة حسن النواب..
وبينما كنت ابحث عن مدخل للحديث، اعتذر مني المحافظ بسبب التأخير في مقابلتي.
وكانت هذه اول جملة كسرت حدة ملامحه التي كنت أجدها قاسية، ربما لأسباب نفسية فأنا أخشى الحديث مع رجل مخابرات فكيف لي التحدث مع مدير جهاز المخابرات كله ومدير الاستخبارات العسكرية كلها، و في زمن حربنا مع ايران، حيث كنت احسب الف حساب لجندي حضيرة الاستخبارات في وحدتنا العسكرية.
هذه المخاوف والهواجس جعلتني استحضر افضل ما لدي من ثقافة ووسائل اقناع. وكان الرجل يستمع لي بهدوء مع حركة ماهرة من عينيه تدلل على النباهة.
وعندما كررت على الرجل عبارتي”انني لن اكتب عن الكرامات وانما اريد ان نكشف الحقائق للناس خدمة للمجتمع والدين والوطن “.
سألني بشيء من العصبية:
-لماذا لا تكتب عن الكرامات؟.. انك تكتب عن سيدنا العباس.
قلت له: اخشى ان اتهم بالطائفية، كما أنه لا يسمح بتناول الكرامات في الصحافة والاعلام!
سألني مبتسماً: تخاف من الحكومة؟
ابتسمت مرتبكاً، وقبل أن اجيبه أضاف:
-هذا شيء لا علاقة له بالطائفية ولا بتعليمات الحكومة.. إن الله قادر على ان يضع آياته في كل شيء، فلماذا نستكثر ان يضع الله سبحانه وتعالى آياته في هذا العبد الصالح سيدنا العباس، الذي حرم نفسه من شرب الماء لعطش ابن بنت رسول الله فكرمه ربنا بأن جعل قبره محاطاً بالماء.. أليس هذا تفسيراً معقولاً؟
قلت.. بلى.. لكن يقال ان هذه مياه جوفية.
قال: صحيح.. لكن لماذا لم تظهر هذه المياه في مكتبة ضريح الحسين والتي هي بنفس العمق ولا تبعد الحضرة الحسينية عن الحضرة العباسية كثيراً.. أليست هذه كرامة.. أكتب على مسؤوليتي اذا أردت، أنا شخصياً كنت شاهداً على كرامة هذه المياه..
(وأضاف المحافظ) : قبل أسابيع اتصل بي هاتفياً رئيس ديوان الرئاسة احمد حسين خضير وأخبرني بوجود برفسور هندي تعاني ابنته من الصرع الدائم وامراض اخرى. وفي الرؤيا نصح الأب البروفيسور بأن يذهب بابنته إلى سرداب قبر العباس فبغير هذا لن تشفى، وفعلاً اتصل البروفيسور الهندي بصدام حسين وطلب منه السماح بزيارة سرداب القبر والاخذ من مائه، وها هو أمر الرئيس بالسماع بالزيادة..
(ويستمر صابر الدوري في كلامه) : وفعلاً جاء البروفيسور وابنته ودخلا السرداب وغسلت ابنته بالماء وشفيت فوراً.. ولدي الكثير من القصص..
قلت له: أنا أصدق وأؤمن بما تقول، لكن انت تعرف أن الإعلام تابع للدولة.. "ألف باء" مجلة رسمية!
ومن ثم سألني الدوري: هل عندك قدرة على النزول إلى السرداب ومواجهة قبر سيدنا العباس؟
كانت طريقة القاء السؤال فيها شيء من الخشوع والتحدي والتحذير، لكني أجبته مباشرة:
-نعم.. أستطيع! فأنا أمام مهمة خطيرة تخص ملايين المسلمين وتخص الكثير منهم الذين يعتقدون أن جثة الإمام العباس مازالت طافية على النهر وأن النهر مازال يجري.
قال الدوري:
-أود أن اخبرك، انه بعد قضية البروفيسور الهندي اتصل بي قاسم سلام عضو القيادة القومية مسؤول الحزب في اليمن وطلب مني الدخول إلى القبر، وقد جاءني فعلاً.. ولكنه ما أن نزل درجتين من سلم السرداب حتى اصطكت ركبتاه واجهش بالبكاء ثم انهار واخرجناه قبل ان يصل الى القبر الشريف.. أعطيك هذه الصورة لكي تعرف ما معنى زيارة قبر سيدنا العباس.
-أنا مستعد لذلك وأعرف أشياء اكثر مما قلته عن كرامات الامام العباس.
عندها، رفع الفريق صابر الدوري سماعة الهاتف وكلم السيد الغرابي وأمره ان يفتح لي باب السرداب والنزول الى القبر وأن افعل ما أشاء من دون تقيد.. وضع سماعة الهاتف والتفت لي:
-ادخل واكتب وصوّر.. وأرجو أن لا تخذلني بالكتابة؟
حكايةالنهر
على مدى يومين منحهما لنا من وقته سادن الروضة العباسية مع سادن الروضة الحسينية حاولنا الخروج بإجابات عن عشرات الاسئلة..
بدأنا البحث عن نهر العلقمي هل هو فعلاً يجري تحت الحضرة المقدسة؟.. من خلال اطلاعنا على بعض الكتب في مكتبة الحضرتين، وجدنا ان الامام الحسين اختار مكان معركة الطف على وفق رؤية عسكرية مسبقة، حيث نصب مخيماته بين مجموعة من التلال محاطة بقرى الفاخرية والنواويس ونينوى وكور بابلالتي ترجع اليها تسمية كربلاء.. والى الخلف بعيداً عن”التل الزينبي“ هناك هور يشكل حماية طبيعية خلفية لمعسكر الحسين وفي الامام يقع نهر العلقمي الذي هو فرع من نهر الفرات القديم وقد اندثر منذ قرون. ويبعد مكانه عن مرقد العباس بمسافة ”150 ـ 200“ م قريباً من مقام سقوط الكف الايسر.. حيث تدل هذه الامكنة على مسار حركتهعندما أخذ الماء من النهر ومن ثم قطعت يده اليمنى وبعد ذلك قطعت يده اليسرى بمسافة قبل ان يسقط صريعاً في مكانه الحالي..
زميلي المصور سمير هادي هيأ نفسه لالتقاط صور القبر، اذ إنه سوف ينزل ويكشف الحقائق بالصور..
عند باب الضريح
وعندما لاحظ السيد الغرابي استعدادات المصور قال لي:
-صحيح ان المحافظ وافق على التصوير لكن لي رجاء فأنتم مسلمون واعتقد ان تصوير القبر يمس حرمة الامام، أنا لا أمنعكم لكن اعتقد ان في الامر شيئاً من مس الحرمات،وأسرد لك ما روته لنا "بناظير بوتو" وزوجها "عاصف زادة" عندما زرناهم في الباكستان قبل سنوات، حيث انعقد المؤتمر الاسلامي هناك، وقد اقامت بوتو وزوجها دعوة غداء في بيتها للوفد العراقي واتذكر ضمن ما قاله "عاصف زادة" حيث كان قد خسر الانتخابات مع زوجته بناظير:”لا نستغرب خسارتنا الانتخابات واتهامنا بالفساد لأننا اعتدينا على حرمة العباس فعندما زرناه دخلنا على قبره في السرداب، وهذا لا يجوز.. تصور انك تدخل على رئيس جمهورية وهو نائم، وفي ملابس النوم.. هل يجوز هذا؟ فكيف فعلنا ذلك مع العباس“ علماً ان بوتو عندما دخلت السرداب منعت المصورين الذين يرافقونها من تصوير السرداب والقبر احتراماً للعباس.
عندها طلبت من الزميل سمير هادي ان يغض النظر عن التصوير وفعلاً استجاب لطلبي وأعاد كاميرته الى حقيبته وعاد الى بغداد..
ودخلنا الحضرة العباسية المطهرة.
عند الزاوية الشمالية الغربية من الحضرة في مصلى النساء فتح لنا باباً فضياً عملاقاً حيث دخلنا غرفة مربعة وطلب منا ان نخلع ملابسنا بعد ان أغلق الباب خلفنا الزميل حسن النواب الذي رافقني.
بدأ يثير الأسئلة بعد أن لاحظت الخشية تسيطر عليه وكأنه يتردد في النزول إلى السرداب. لكن السيد زكي الذي اوكلت له مهمة مرافقتنا وتأدية طقوس الزيارة نادانا قائلاً:”توكلوا على الله“ بعد ان فتح أقفالاً في الارض ورفع شباكاً حديدياً يغلق مدخل السرداب.. من الخارج، شاهدت الماء الذي كان حكاية الحكايات بالنسبة للكثير من الناس.
هبطنا درجات من المرمر الابيض المزخرف بخطوط سود، كانت ثماني درجات، ومع كل درجة اهبطها كان الماء يتسلق ساقي حتى استقر فوق ركبتي، عندها وجدتني في دهليز يبلغ عمقه نحو مترين وعرضه اكثر من متر يمتد امامي بعمق متساوٍ لكنه ينحني مشكلاً دائرة شبه مضلعة، مضاءة بمصابيح كهربائية اعتيادية.. كانت المياه صافية مثل الزلال بحيث كنت أرى من خلالها تفاصيل خطوط أظافر قدمي، بالرغم من طبقة الغبار الخفيف المتسلل منفتحات جانبية تشكل نهايتي دهليزين جانبيين ينفتحان خارج مبنى الروضة للتهوية ولكن بمسافة بعيدة عن الدهليز الدائري.
اول شيء فعلته هو انني شربت الماء لأتذوق طعمه، فكان عذباً ونقياً وليس مجاً اومالحاً كما هو شأن المياه الجوفية، وعلمت انه محافظ على مستواه حتى وان تغيرت مناسيب المياه الجوفية في اراضي كربلاء.
في اثناء تقدمنا لم يتغير صفاء الماء بالرغم من ان السيد زكي قد سبقني مؤدياً طقوس الزيارة والبسملات والحوقلات والصلوات، سقف الدهليز الذي يشكل ارضية الحضرة المطهرة في الاعلى مبنية من الاسمنت والجانبان من الطابوق، الجانب الخارجي مبني بالطابوق الحديث، اما الداخلي الذي يشكل غلافاً للكتلة الدائرية التي يستدير عليها الدهليز فأغلبها مبني بالطابوق الفرشي القديم يعود إلى عصور ماضية متعددة حسب فترات الترميم، بعضه مبني بالإسمنت، والبعض الآخر بالنورة والرماد حيث لا يوجد اسمنت آنذاك.
الكتلة الدائرية التي يستدير عليها الدهليز تكاد تكون بقدر مساحة الحضرة، حيث يقوم في الاعلى الصندق او الخاتم المصنوع من الصاج الفاخر ومطعم بالاصداف والزخارف النادرة وعليه الشباك الفضي المغطى بالذهب الخالص المزين بالآيات القرآنية والزخارف النباتية والفنية. اما الدهليز الذي نمشي فيه فيكاد يكون تحت رواق الطواف على الشباك تماماً.
بعد خطوات ينفتح في الكتلة الدائرية دهليز آخر أضيق قليلاً، ويشكل قطراً للكتلة الدائرية، وفي منتصف القطر الذي هو منتصف الكتلة الدائرية ينهمر ضوء ساطع على فراغ حيث يقوم القبر المطهر الشريف مغموراً بالضوء بشكله المربع الذي تقدر مساحته بحدود”3 × 3 “ م.
هنا وجدت رأسي يمتد ويتوقف محشوراً في المنتصف، يتملى القمر الهاشمي المضمخ بدماء الشهادة والثبات بلا ذراعين تحوم حوله تلك الهالة العظيمة التي صنعها شرف النسب والمواقف والموت التراجيدي للبطل.
في هذه اللحظة اختلطت عليّ الوقائع والمخيلة عندها تذكرت كل ما قيل عن العباس ولم استغرب كل ما يتداوله الناس بشأن هذا الولي الصالح، فهو من المنظور الميثيولوجي طبيعي جداً على وفق معطيات”الموت التراجيدي للبطل “ فكيف الامر والروايات التاريخية تشير الى انه عندما صال العباس على الظالمين الذين يحولون بين آل الرسول و الماء،انشقت امامه الجيوش وانكشفت المشرعة بعد ان انشغل المارقون بالتطلع الى بهاء طلعته وجمال وجهه الذي منحه لقب”قمر بني هاشم “، اضافة الى ضخامة جسده، حيث ورد انه كان اذا ركب الفرس خطت قدماه في الارض، وقد استشهد وعمره”34 “ سنة.
ازاء هذا الخاطر وجدت ان الاسمنت يغلف هالات من النور والتقوى وهي بعض اسرار قداسة ارضنا.
سألني حسن النواب: هل تشم هذه الرائحة الطيبة؟ لم أجبه. فأنا واقف الآن تماماً على المكان الذي جلس فيه الحسين يتفقد جراح اخيه،فقد انشغلت بتحديد الاتجاه الذي ركض به سيد الشهداء الامام الحسين”ع “ بعد مصرع اخيه وحامل لوائه.. تنحيت عن مكاني ومن ثم دسست رأسي وكأني احاول تحديد المكان الذي جلس فيه الحسين ”ع “ ووضع رأس أخيه المفلوق في حجره .. من كان يشكو لمن؟ العباس الصريع ام الحسين الوحيد؟..
كأني اسمع حوارهما، غير آبهين بقعقعة السيوف وتصرفات الخبثاء. المكان نفسه لميت غير وهذا ما اشعل مخيلتي.
فجثمان العباس الوحيد من بين شهداء الطف لم ينقل من مكانه ودفن في مكان مصرعه.. الدم يتوهج وارهف السمع لحوارهما.. لكن صوت الحوراء زينب جاء مشروخا مرعوبا وهي تنادي من على التل الذي سمّي فيما بعد” التل الزيبني “ فجيوش ابن سعد اضرمت النيران في خيم النسوة والاطفال.. ياه.. ما اشدها من محنة من محن سيد الشهداء في تلك اللحظات وذلك اليوم..
فما بين الحوار الاخير مع حامل لوائه الذي يلفظ انفاسه الاخيرة، وما بين عويل النسوة واليتامى ومن رعب النار التي اشتعلت في اذيال ثيابهم.. وجد سيد الشهداء نفسه حائرا.. لم اسمع ولم اقرأ كلمات الوداع الاخير..فقد نهض وحمل سيفه ليذود عن حرم رسول الله.
كان ثمة فراغ بين القبر وكتلة الدائرة التي بدا التهري على طابوقها الفرشي لقدمه.. اختلط علي الضوء والماء، ثمة رسائل واوراق تطفو ما بين الماء والضوء،التقطها وافضها برغم بللها واحاول ان اقرأها، انها رسائل شكوى واستجارة بهذا الولي الصالح من ضيم الدنيا، حاولت قراءة الاسماء والكلمات كانت رائحة الفجيعة محسوسة من الحبر المنتشر على الورق بفعل المياه، بعد لحظات اجد صورتين لفتاتين كانت المياه قدشوهت الكثير من ملامحهما.
تساءلت كيف وصلت الرسائل والصور الى هنا؟.. ولماذا استجاروا بولي بلا ذراعين مكبل بالاسمنت، تذكرت ما قاله لي صابر الدوري:”بالرغم من ايماني بالعلم لكني لااستغرب ان يضع الله سبحانه وتعالى آياته في بعض اوليائه الصالحين “ اذن انه الايمان المطلق بالله ومن ثم بالاولياء الصالحين.
استدرت في الدهليز، اجتزت النصف الايسر من الكتلة الدائرية وتوقفت عند الطرف الاخر من الدهليز الوسطي الذي يشكل قطر الدائرة واطل مرة اخرى على القبر.
المياه الحائرة
المياه لا تغمر القبر وانما تصل الى نصف ارتفاعه وثمة فراغ بين القبر والكتلة الدائرية..يلوح من تحت الماء فيها الكاشي الكربلائي الذي بلطت فيه الارضية المحيطة بالقبر وكأنها وضعت فاصلة بين القبر ومن يريد الاقتراب منه.
ثمة تصدعات في قشرة الاسمنت التي تغطي القبر تغريني بالتحديق وكأنها ستقودني الى رؤية ما في القبر.. ذراعان مفتولتان مبتورتان من الساعد.. قربة مزقتها السهام..انكسار شديد يغشي العين التي نبت فيها السهم الطائشي، اذ تقل الحيلة وتعز الوسيلة ونداء العطش يطبق على الأفاق.. فأين كانت هذه المياه من تلك اللحظات التي اشعلها العطش؟؟
اسحب رأسي واستدير على النصف الايمن من الكتلة الدائرية اذ اجد دهليزا ثالث أيقود الى منتصف الدائرة ”القبر “ لكنه متعرج واضيق من ان تمد رأسك فيه فتعلق عند منتصفه بالطين، من الواضح ان يعود الى عصور تاريخية ليست قريبة.. اتركه لاجد نفسي عند نقطة الانطلاق اذ تنتهي الدائرة فاصعد الدرجات المرمرية حاملا معي اجابات عن الكثير من الاسئلة التي بدت لي غامضة قبل نزولي السرداب ولأجد السيد الغرابي بانتظاري.
خزائن ونفائس
سألني الغرابي: هل وجدت شيئا من الحكايات والخزائن والنفائس الملقاة على القبر؟
قلت له: كلا لم اجد شيئا.. لكن اين الخزائن؟
وهنا راح يوصف لي الخزائن بأنها نفيسة ونادرة محفوظة في مكان لا يستطيع الافصاح عنه، وفيها سجلات خاصة لديه ولدى الاوقاف ولدى ديوان الرئاسة وتضم هذه النفائس تيجان من الذهب والفضة والاحجار الكريمة والدرر مهداة من ملوك وامراء ورؤساء وشخصيات من شتى الفترات التاريخية ومن مختلف بقاع الارض، وسجاد ثمين وثريات نادرة،فضلا عن مكتبة عامرة تضم نفائس المخطوطات والكتب النادرة وهذه جميعها تشكل احد اسرار الروضة العباسية المطهرة التي لم يخبرني عنها الغرابي، بالرغم من اننا اصبحنا اصدقاء فيما بعد وزرت القبر من خلاله مع بعض الاصدقاء اكثر من مرة.
وقد سألت الغرابي وقتها: وهل اضاف صدام شيئا لهذه الخزائن؟
ضحك وكأنه فهم السؤال: السيد الرئيس باستمرار يرعى المراقد الدينية، واخر ما تبرع به للروضة العباسية 44 كيلو غراما من الذهب و150 كيلو غراما من الفضة لتذهيب طارمة الروضة.
-من اين جاء بهذه الكمية من الذهب؟
مسك الغرابي يدي وسحبني اليه وهمس لي:
-الذهب مال العباس من النذور التي نجمعها ولدينا كميات كبيرة منه لكن صدام”يأمر“ بأن نصرف منه كذا كمية فيقال عنها مكرمة لكنه في الحقيقة لم يدفعها من جيبه ولا من امواله.
تاريخ الضريح المطهر
دفن الإمام العباس مع اخيه الحسين وشهداء الطف بعد ثلاثة أيام من استشهادهم -اي في الثالث عشر من محرم الحرام- ولم يكن في هذه الارض اي معلم او بناء، في سنة 61 بعد الهجرة النبوية..
أول بناء أقيم على قبره الشريف هو سقيفة بناها المختار بن عبد الله الثقفي سنة 67 هجرية.
وقبل ذلك علّمت القبور من قبل الإمام زين العابدين علي بن الحسين وكان القبر معمورا في خلافة بني أمية وأول الخلافة العباسية.
وفي سنة 247 قام الخليفة العباسي المتوكل بهدم قبري الحسين والعباس وزرع فوقهما الزرع وجعل الثيران تحرث فوقهما، بينما كانت زوجة الخليفة تعمل بالسر على ادامة القبرين لكي لا يضيع أثرهما حتى مات المتوكل وجاء ابنه الذي اعاد القبرين واعاد لهما هيبتها.
وفي سنة 369 هـ اقام الخليفة العباسي الطائع لله بن المطيع بناءً جليلا عليه ويعد اول بناء ضخم انشيء على القبر .
وفي سنة 1221 هـ بنيت اول قبة عليه ومئذنتين بناها امين الدولة الصدر الأعظم وغلفها بالكاشي الكربلائي.
في سنة 1306 هـ امر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بتسقيف الايوان القبلي بالخشب الصاج الثمين.
وحدث تطور على عمارة الضريح سنة 1339 هـ عندما ذهبت الواجهة الامامية من الايوان القبلي وهذه اول مرة يدخل فيها الذهب على المرقد- كما يقال -.
وفي عام 1955 م غلفت القبة بالذهب بعد ان كانت مغلفة بالكاشي الكربلائي.
اصداء
بعد نشر الموضوع في مجلة”الف باء “ حدثت اصداء كثير سواء في الشارع ام في اعلى مستويات الدولة، اذ نوقش الموضوع في اجتماع مجلس الوزراء وقرر تشكيل لجنة لسحب المياه الجوفية..
في اثناء ذلك اتصل بالفريق الركن صابر الدوري من خلال الزميل حسين فوزي مدير تحرير”الف باء “ ودعاني لزيارته انا وعائلتي.
وفعلا ذهبت الى كربلاء ومعي احد الاصدقاء. وقال لي: انت اسعدتني بالموضوع ولم افرح منذ زمن فكيف تريد ان افرحك؟
أجبته بأنه فرحني عندما سمح لي بالانفراد بهذا السبق الصحفي.
عندها قال لي: انا وانت يجب ان نصبح اصدقاء ولانك تكتب بهذه الطريقة الهادئة التي اثارت اهتمام”القيادة“.. سأطرح عليك موضوعاً مهماَ جدا يعطيك سبقا اخر، يخص ضريح سيدنا الحسين.
ومن ثم راح يروي لي قصة طويلة عن الصخرة التي حز عليها رأس سيد الشهداء الموجودة في مكان ما من المرقد اذ تفوح منها رائحة زكية لم يعرف مثلها، يقال انها انفاس فاطمة الزهراء سلام الله عليها التي شهقت عند حز رأس ولدها الشريف وبقيت تفوح منها حتى الان.
وأكد انه لم يصدق الموضوع الى ان باغته السادن في ساعة متأخرة بعد منتصف الليل وبعد تنظيف وغسل الحضرة المقدسة، اذ زار الصخرة وشم الرائحة.. واكد الدوري ان هذه كرامة اخرى من كرامات آل البيت يجب الكتابة عنها..
قلت له: هل تعتقد ان المسؤولين سيصدقون ما اكتب ومن يحميني منهم؟
قال: هذه حقائق
قلت: هل تتكفل بحمايتي
قال: لا أتدخل في الاعلام
عموما كانت مبادرة جميلة ورائعة من الرجل، فقد كان محبا لآل البيت..اتمنى ان تتسنى لنا الفرصة او لغيرنا للكتابة عن هذا الموضوع.
جميع الحقوق محفوظة لوكالة كربلاء للأنباء و لا يجوز النسخ إلا مع ذكر الرابط و المصدر
الكاتب: الطريبيلي

المسيحيون المتصهينون:نحو آخر الزمان المصطنع والمزور

$
0
0
المسيحيون المتصهينون:نحو آخر الزمان المصطنع والمزور

بقلم اسماعیل شفیعی سروستانی
تحدثنا قبل هذا عن خوفين أحدهما قريب والآخر بعيد، خيما على  مدى العقود الثلاثة الأخيرة ككابوس مرعب على  الغربيين والموجهين الذين يعملون خلف الكواليس. فالخوف القريب متعلق باحتمال قيام قوة في الزمن القريب في الشرق الإسلامي.

 

إن مصطلح الإسلاموفوبيا قد ساد اليوم الادبيات السياسية والاجتماعية للغرب. ان احياء روح الجهاد في الشرق الإسلامي وتبلور قوة الإسلاميين حول محور قاعدة الشيعة المناصرين لولي العصر(عج) أي "ايران" قد حول هذا الاحتمال إلى حقيقة نشهد جميعا اليوم اثارها في العالم.
والخوف البعيد متعلق باحتمال الظهور القريب للامام الموعود(ع) في الشرق الإسلامي. ان الغرب ونظرا إلي:
1-    أخبارآخر الزمان الواردة في المصادر الثقافية للشعوب المختلفة؛
2-    التنبؤات المتوافرة للمتنبئين على  غرار ما كتبه نوستراداموس قبل نحو 600 عام؛
3-    انجاز الدراسات الثقافية والتاريخية على  يد الباحثين الغربيين الذين تنباوا بافول وغروب شمس الثقافة والحضارة الغربية.
لا يستبعد وقوع هذه الحادثة، بحيث أنه ورد بصراحة في بعض تنبؤات نوستراداماموس بانه:
"سيولد في بلد عربي سعيد، شخص قوي وملم بشريعة محمد(ص)، يزعج اسبانيا ويستولي على  غرناطة وينتصر على  اهإلى نيقوسيا عن طريق البحر". 
"إن هذا المنقذ الموعود سيكون ملكا مقتدرا ينطلق من الشرق نحو الغرب. وسيكون اعلى  وافضل من جميع ملوك الشرق.
إن اصل هذه النبوءات هي باللغة العبرية لكنها ترجمت إلى اللغات الفرنسية والانجليزية والعربية والكثير من اللغات الآخري. وقبل أكثرمن 25 عاما قامت شركات انتاج الأفلام الغربية بانتاج الفلم الوثائقي "الرجل الذي كان يري المستقبل" تاسيسا على  هذه النبوءات. ولا ننسى بأن عامة سكان اميركا وبريطانيا ممن ينتمون إلى الثقافة الانغلوساكسونية، يؤمنون تبعا لمذهبهم البروتستانتي بشكل غريب بالتوجهات المتعلقة بنهاية الزمان والموعود.
وفي ظل هذه المقدمة يجب القول:
ان الغربيين يرون بانه قد يكون هناك سبيل لنجاتهم من السلطة حديثة الظهور في "الشرق الإسلامي" وتحقق واقعة ظهور المهدي الموعود(ع) من الشرق الإسلامي، وذلك عن طريق إثارة حرب نهاية الزمان وتنظيم ظهور موعود مصطنع ومسيج دجال بدعم من الغرب، في أرض "فلسطين". وفي هذا الخصوص يجب القول:
1-    ان الدعاية الإعلامية لاسيما السينمائية في الغرب، قد انجزت واجب تحضير الرأي العام، بشكل جيد؛
2-    لقد رسموا على  مدى أكثرمن ثلاثين عاما، صورة عن المسلمين والحركات الجهادية الإسلامية، على  انهم دجالون ومعادون للمسيح ومن انهم سيقفون في المستقبل بوجه المسيح الموعود؛
3-    ان المسيحيين المتصهينين، قاموا عن طريق أكثرمن 1550 محطة اذاعية وتلفزيونية وممارسة الدعاية الإنجيلية بجعل الملايين من السذج، جاهزين لتقبل  حرب نهاية الزمان في صحراء "هرمجدون" في "فلسطين المحتلة".
وخلال العقدين أو العقود الثلاثة الأخيرة، يلتقي قادة بيلدربرغ بوصفهم نخبة القوة الكونية التي تعمل من خلف الكواليس، سنويا وفي فصل الربيع وفي ظل تدابير امنية مشددة، لمدة ثلاثة أيام في مكان خاص، ليتخذوا آخر القرارات المتعلقة بادارة العالم. ان هؤلاء تحدثوا خلال اجتماعات متكررة حول تاسيس الحكومة الكونية وازالة الحدود ومهدوا لتحقيقها.
وكان جورج دبليو بوش قد اعد نفسه لحرب هرمجدون لنهاية الزمان عام 2007، لكنه فشل. انهم كانوا يعتبرون ان مهاجمة ايران يشكل مقدمة لهذه القضية.
انهم بحاجة في الظروف الحالية، إلى واقعة أو شرارة، ليكبسوا من خلالها على  زر حرب آخر الزمان والقضية المصطعنة على  ايديهم. انهم يتصورون ان بوسعهم إنقاذ أنفسهم من خلال ذلك من ايدي المسلمين والعرب إلى الابد، وان يجعلوا المسيح الدجال والكاذب، محور تاسيس الحكومة الكونية.
وحتى انهم واستنادا إلى العديد من الوثائق والشواهد المصورة، قاموا ببناء احجار معبد بني اسرائيل الملفق الذي ينوون بناءه على  انقاض "بيت المقدس" واعداد عرش المسيح الكاذب، وتنشئة رجال دين المعبد.
وقال الحاخام اليهودي رابينوفيتش، امام مؤتمر الحاخامات اليهود في العالم عام 1952:
إن التحرك الجديد لقادة ونخبة الصهيونية العالمية قد أصبح جادا وواسعا ومعمقا لدرجة أنهم يريدون حقا إثارة الحرب العالمية الثالثة بشكل أكثر وحشية من سائر الحروب.
ولا يجب تجاهل أن هؤلاء أبلغوا المسيحيين، بأن الحرب العالمية الثالثة، تشكل بداية لواقعة هرمجدون وتمهد لظهور المسيح. ويمكن خلال الأعوام الأخيرة متابعة موطئ قدم أعمال هوليوود السينمائية في هذه الإستراتيجية أي إثارة واقعة نهاية الزمان بشكل اصطناعي.

الهجوم الاستباقي
لقد سمعنا بالتاكيد ومرارا أحاديث حول هرمجدون. إن هذا الاسم يجعل لسنوات تحالف الصليب وصهيون أو أبناء ابليس بالتبني، ترتعد أوصالهم. إن هذه المفردة ليست اسم لهضبة تقع في "فلسطين المحتلة" وبالقرب من "الضفة الغربية" لنهر الأردن، فقط بل هي عنوان اختاره المسيحيون واليهود لآخر وأكبر حرب بين قوى الخير والشر في نهاية الزمان وقبل مجئ السيد المسيح(ع). وبطبيعة الحال فإن أعضاء تحالف الصليب وصهيون، يعتبرون أنفسهم في هذه الحرب بأنهم في فسطاط الخير، وعامة المسلمين والعرب والايرانيين في فسطاط الشر،  ولديهم طبعا توقعات وتنبؤات حول الموعد المحتمل لوقوع هذا الصراع الأكبر في تاريخ البشرية، لأنهم يؤمنون بأن المنتصر في هذه الحرب، سيقضي على  المنافس وسيقيم حكومة من العيار الثقيل على  كل العالم لمدة ألف سنة. ومن أي زاوية نظرنا إلى هذه المعركة،  وكيفما تم تعريف قوى الخير والشر، فإن النتيجة الثابتة لهذه الواقعة تتمثل في الظهور المقدس وإبادة الشر عن بكرة أبيه، سواء اعتبرونا في جبهة الحق أو لا. ولسنوات، أوجد تحالف الصليب وصهيون، حليفا ثالثا له، ألا وهم السلفيون أو بالأحرى الوهابيون من صلب أبوسفيان. إن تحالف هؤلاء الثلاثة أدى إلى تبلور المثلث المشؤوم والشرير الذي يضم الصليب وصهيون والسلفي. وخوفا منهم من الظهور المقدس، فقد صبوا جام حقدهم على  أبناء البشرية وبيضوا وجه نيرون وهتلر في ممارسة الشر والخبث.
وليس غريبا أن ينهض السفياني من بين هذا المثلث. إن أحفاد أبوسفيان مدعومون من اليهودية الصهيونية والصليبية، وفي ظل تجميع كل قوى  الشر التاريخية، يتحركون بكل ما أوتوا من قوة ضد مظهر الخير والإيمان وأصحابه. إن شيعة أهل البيت والايرانيين، هم في صلب هذه الواقعة سواء من وجهة نظرنا نحن المؤمنون بالظهور المقدس والوقائع المرتبطة به استنادا إلى روايات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وسواء من وجهة نظر المنتظرين الحقيقيين لهرمجدون، أي تحالف الصليب وصهيون.
إن المصير النهائي لهذا الأمر سيتقرر مع هذه الجماعة. وفي مطلق الأحوال فإن ممثلي معسكري الخير والشر سيحسمون وإلى الأبد، مصير التاريخ وقدر البشرية في آخر مواجهة أينما وقعت. ان هذه النتيجة ستتقرر في ضوء تواجدنا الجاد والعملي واضطلاعنا بدور نحن أي شيعة إلى محمد(ص). إنهم ونحن على  علم تام بهذا الشئ. لكن الكلمة الأخيرة، تختزل ب" الهجوم الاستباقي" من وجهة نظرهم وبالجهوزية والانتظار من وجهة نظرنا.
إن الهجوم الاستباقي لتدمير وتحطيم كافة القواعد والمراكز والاشخاص قد وقع وأؤكد بأنه قد وقع من خلال استخدام جميع الإمكانات.
إن القتل الصامت عن طريق الطب والتغذية، وموضوع بذور الموت عن طريق ابادة وتلويث البذور والأرض في كافة مناطق العالم لاسيما الشرق الإسلامي، وموضوع قتل الشيعة في العراق وباكستان واليمن وسائر المناطق والاستيلاء على  المناطق المهمة والاستراتيجية عن طريق الوجود العسكري مثل احتلال العراق وموضوع سائر التيارات يندرج كله في سياق هرمجدون اللامقدسة لتحالف الصليب وصهيون والسلفي. وبناء على  ذلك فإنه يتعين على  جميع الأجهزة الحكومية والخاصة التي تضطلع بدور في العلاقات السياسية والاقتصادية والصناعية والصحية والتعليمية، أن تحدد موقعها ودورها فضلا عن تحديد طريقة أداء هذا التحالف المقيت، كل حسب أدائه التخصصي، وذلك من أجل الردع والمراقبة والمواجهة. إن الهجوم الاستباقي قد بدأ منذ سنوات. إنهم يبذلون محاولات مستميتة من أجل تغيير مسار التاريخ، لكنهم سيتسببون بخسائر فادحة قبل أن يبادوا بالكامل على  يد الإمام وأصحاب الإمام في واقعة الظهور الكريمة.
ولا بأس هنا من ذكر عدة أخبارلكي يتضح مدى حساسية الموضوع.
•    خبر عن ميلاد دجال آخر الزمان. أذيع خبر عن ميلاد طفل مشوه الخلقة في فلسطين المحتلة. طفل بعين واحدة، وتقع عينه اليسري على  جبينه. وبذلوا بذلك محاولات من خلال هذه الأخبار، للايحاء بأن هذا الطفل هو دجال فتنة آخر الزمان. وقد بثت المصادر الاسرائيلية، هذه الأخبار.
لقد حاولوا، تقديم هذا الطفل بأنه يهودي ويتطابق مع أخبارالدجال الواردة في الكتب الدينية الإسلامية والمسيحية.
وأعلن مراسل وكالة "البرز" (الايرانية) من خلال متابعاته بأن هذا المولود، ولد في الصين، من ثم تم شراؤه بمبلغ كبير من قبل شخص صهيوني ونقل إلى فلسطين المحتلة. إن اطلاع أشرار اليهود وقادة المنظمات السرية التي تسعى لتأسيس الحكومة الكونية الشيطانية، على  أخبارآخر الزمان الواردة في المصادر الإسلامية والمسيحية، أدى إلى أن يقوم هؤلاء الذين لا يؤمنون أبدا بالدين والتدين والمعاد والأخلاق، بإعداد سيناريو. ويسعى هؤلاء من خلال هذا السيناريو لتحويل العناصر المذكورة في أخبارآخر الزمان ووضعها جنبا إلى جنب بصورة مصطنعة ومزورة لتبدو حقيقية. انهم يعملون للاعداد لحادث نهاية الزمان المصطنع.
وربما إن أحد أسباب تأكيد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) على  العلامات المحتومة التي تسبق الظهور والذكر الدقيق لعلامات الحوادث، يعود إلى هذا الشئ. إن بروز الشبهات في هذه الأعوام، سيتسبب بهلاك الكثير من الناس الذين لا علم لهم بالأخبارالحقيقية ويقعون ضحية الشبهات التي حاكها لهم المحتالون.
إن خطر الدجال مدمر بلا شك على  المجتمعات الإنسانية بمن فيهم المسلمون. بحيث أن الأنبياء العظام تحدثوا بشأنه، بحيث أن النبي الأكرم(ص) قال ما مضمونه أنه لم يكن هناك نبي إلا وحذر أتباعه من الدجال.
إن خروج الدجال يعتبر اكبر فتنة في آخر الزمان ولن تكون فتنة مثلها منذ خلق آدم(ع) وإلى يوم القيامة الكبرى، لذلك تم التأكيد في الروايات على  أنه يجب الاستعاذة بالله من شرها. وقد تحدثت المصادر المسيحية وأتباع المذاهب العامة وأهل السنة أكثرمن مصادر الشيعة عن خروج الدجال وكيف وكم عمله.
ولا يوجد أدنى شك في فتنة الدجال وكفره وطغيانه وفساده. واعتبر بعض الباحثين والكتاب المعاصرين هذه العلامة بأنها مؤشر على  تيار خادع. واستنادا إلى بعض الروايات فإن دجالين وكذابين كثر سيخرجون قبل خروج الدجال الأصلي لخداع الناس. وقد نقل أنس بن مالك عن النبي الأعظم(ص) أن أكثرمن 70 دجالا سيخرجون قبل خروج الدجال.
إن تيارات الفتنة والطغيان والكفر هي دجالون يجب الاستعاذة بالله منها. التيارات التي جرت الإنسان خلال القرون الأخيرة إلى مسلخ الكفر والشرك والنفاق باسم الثقافة والحضارة والعلم.
ولا يمكن الشك بأن التيار الصهيوني الماسوني يعتبر في عصرنا الحاضر بمثابة الدجال الأعور الذي يتفوق في الظلم والدمار والفساد على  كل الدجالين وأن مكافحته ستستمر حتى الظهور الأكبر للموعود المقدس.
•    وكشف بعض الأخبارالنقاب عن وجود تعاون بين اجهزة الموساد والاستخبارات المركزية الأمريكية والسعودية لقمع الشيعة في اليمن.
•    وجاء في الأخباربأن الشيعة في اليمن تعرضوا لهجمات بالقنابل الفسفورية.
•    محاصرة اربعة مائة ألف شيعة من قبل وهابيي طالبان على  الحدود الباكستانية الافغانية.
•    يتعرض شيعة باكستان في منطقة "باراجنار" لسنوات لضغوط الوهابيين من جماعة طالبان من جهة ولطوق تفرضه عليهم القوات الحكومية الباكستانية والافغانية من جهة آخري. كما ان اغلاق الطرق التي يستخدمها هؤلاء الشيعة قرّب من زمن وقوع كارثة ومذابح جماعية ترتكب ضدهم. وقد تحدثت المصادر المحلية عن مقتل ما يزيد على  2000 شخص من الشيعة في هذه المنطقة منذ عام 2007 وحتى عام 2009. والملفت ان السلاح الثقيل الذي تملكه طالبان يوفر من قبل بعض الدول العربية.
•    اصيب الكثير من الشيعة على  اثر هجوم شنه الوهابيون المتطرفون على  حي يقطنة الشيعة في المدينة المنورة عام 2009.
وورد في الأخبار بان جهاز الموساد الصهيوني انجز دراسات واسعة فيما يخص حكومة امام الزمان(ع) وعلامات ظهور آخر منقذ. وهذا الأمر دفع بالموساد إلى مواصلة دراساته وبحوثه في مجال علامات الظهور وكيفية ظهور امام الزمان(عج). ان دراسة العلامات الثلاث المتمثلة بخروج السيد الخراساني والسيد اليماني والسفياني هي من النقاط التي يهتم بها الموساد كعلامات حتمية لظهور آخر منقذ.
وقد وضعت نتائج الدراسات الأخيرة بتصرف المسؤولين الأمريكيين واليمنيين والسعوديين لاتخاذ ما يلزم في أوانه للحد من قيام السيد اليماني في السعودية أو اليمن. وهذه المعلومات كشف النقاب عنها أخيرا أحد منتسبي الموساد الذي شارك في الدراسات المذكورة.
ولا ننسى بانه تم خلال الاشهر الأخيرة من وجود جورج دبليو بوش في البيت الابيض عام 2008 تشكيل لجنة خاصة تعمل تحت اشرافه للتعرف على  المهدوية وامام الزمان(ع).
إن التحقيق مع بعض الرعاة الذين اختطفوا في الصحراء بالعراق وايفاد فرق الصحفيين للتحدث إلى المؤسسات والناشطين في مجال الثقافة المهدوية تعد من المحاولات المستميتة للغرب لتعقب موطئ قدم الاشخاص المهمين والمتنفذين في واقعة الظهور الكريمة لامام الزمان(ع).
وعلى  أي حال فإن العدو يتعقب الموضوع بدقة ولا يتجاهل أدنى احتمال وخيوط لابادة الشيعة وتدمير منازلهم. ويجب الانتظار ورفع الايدي بالدعاء إلى السماء، عسى أن يستجاب دعاء لمضطر.

الإصلاح الديني وكتب الأدعية والأذكار والزيارات

$
0
0
الإصلاح الديني وكتب الأدعية والأذكار والزيارات

تحتلّ الأذكار والدعوات والصلوات والعبادات والزيارات والآداب و... مركزاً هاماً في شخصية الإنسان المسلم والمتديّن، ولا يقتصر هذا التأثير على الواجب من هذه الأعمال، بل يمتدّ ليشمل المستحب أيضاً، فإن الكثير من المستحبات والمكروهات تترك أثراً على تكوين وعي الإنسان وشخصيته وطريقة تفكيره.

تحتلّ الأذكار والدعوات والصلوات والعبادات والزيارات والآداب و... مركزاً هاماً في شخصية الإنسان المسلم والمتديّن، ولا يقتصر هذا التأثير على الواجب من هذه الأعمال، بل يمتدّ ليشمل المستحب أيضاً، فإن الكثير من المستحبات والمكروهات تترك أثراً على تكوين وعي الإنسان وشخصيته وطريقة تفكيره.
وفي إطار رصد أهمية المستحب ومكانته في الحياة الدينية، نلاحظ تأثير زيارة المراقد المطهّرة على شخصية الإنسان الصالح، وما تتركه من تعميق لروابط الحبّ والولاء لأهل البيت^ في حياته، وما ترسّخه في نفسه من قيم الفضيلة والتضحية والوفاء و... بعيداً ـ فعلاً ـ عن القول الذي ذهب إليه بعض العلماء والمحدّثين من وجوب الزيارة ولو مرّة واحدة في العمر.
وأمام حجم تأثير المستحب والمندوب والمكروه والمرغوب عنه في حياة المسلم، نجد اتجاهاً كبيراً في الأوساط الدينية يميل إلى عدم أهمية البحث والوقوف كثيراً عند المستحب والمكروه، حتى أنّ العلامة محمد مهدي شمس الدين ينقل عن أستاذه السيد الخوئي أنّه لا يجب على الفقيه تبيين قضايا المستحب والمكروه والمباح (شمس الدين، الاجتهاد والتجديد: 153)، هذا مع أنّ السيد الخوئي رافضٌ لنظرية التسامح، ولعلّ لهذه النظرية تأثيراً كبيراً على هذه النزعة التساهلية عند العلماء المسلمين، حيث قبل بها الكثير من علماء السنّة والشيعة، انطلاقاً من وجود أدلّة من الروايات عليها.
ولسنا بصدد الحديث عن هذه القاعدة وكيف تطوّرت واتسعت، لتشمل عند مثل النراقي و... القضايا التاريخية وتستوعب السيرة الحسينية، الأمر الذي انتقد بعض أبعاده المحدث النوري، وهو وجهٌ من وجوه المحدثين المتأخرين (انظر: حيدر حب الله، نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي: 748 ـ 763)، إنما الذي نريد تسليط الضوء عليه هنا هو معالجة اجتماعية لهذه الظاهرة التي بات لها حضور بارز في حياتنا.
ولن آخذ مطلق المستحبات والمكروهات هنا بالحسبان، بل سأسلّط الضوء على الأدعية والزيارات والصلوات والأذكار... منطلقاً من مشروع كان يحضّر من طرف السيد الشهيد محمد باقر الصدر (1400هـ)، بوصفه من كبار رموز الإصلاح الديني في القرن العشرين، ففي رسالةٍ وجّهها الصدر إلى تلميذه المعاصر السيد محمد الغروي، بدا فيها راغباً ـ بل ساعياً ـ لتدوين كتاب في الأدعية والزيارات بدل كتاب مفاتيح الجنان للمحدّث الشيخ عباس القمي (1359هـ)، يتجاوز ما يثير المسلمين، ويركز على النصوص الصحيحة السند، والمشهورة الصحيحة المتن.
يقول الإمام محمد باقر الصدر في هذه الرسالة: «... كان لدينا مشروع كلّفنا به بعض تلامذتنا، وهو كتاب تأسيسي في الأدعية، فإن تهيأ ذلك فهو، وإلا فلابد في نظري من إدخال تعديلات على المفاتيح [يقصد ـ حسب الظاهر ـ مفاتيح الجنان] الموجودة، وكانت الفكرة في الكتاب التأسيسي تقوم على أساس جمع ما صحّ سنده من الأدعية والزيارات، ويضاف إليه المشهور الصحيح المتن، وإن لم يكن صحيح السند، مع إجراء التهذيب بحذف بعض الجمل إذا اقتضى الأمر التهذيب والحذف» (انظر: أرشيف رسائل المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، رسالة خطية رقم: 60).
وإذا أردنا تحليل هذا النصّ فهو يدلّنا:
أولاً: إن فكرة تعديل مفاتيح الجنان هي البديل الاضطراري الذي اختاره السيد الصدر، وإلا فأصل المشروع هو استبدال المفاتيح بكتاب آخر، وصفه الصدر بالتأسيسي، وهي عبارة دالّة على مشروع جذري كان منويّاً، ومن ثم فلا يرى الصدر أن في استبدال المفاتيح أمراً محرّماً، لا من الناحية الفقهية كما هو واضح، ولا من الناحية الميدانية والاجتماعية والعملية، فلا ينبغي التحسّس من أصل المشروع، فالمفاتيح ليس نصاً نهائياً وإنما هو محاولة طيبة قام بها العلامة القمي خدمةً لقيم السماء وتعاليم الإسلام فجزاه الله خير جزاء المحسنين، لكن لا ينبغي الوقوف عندها. سيما وأنّ في الكتاب نفسه في كثير من نسخه المطبوعة اليوم بعض المشاكل، كما في بعض هوامشه؛ حيث يستفاد ـ ولو في الفهم العام ـ تحريف القرآن.
كما لا يُقصد الطعن بالشيخ القمي الذي عرفناه محققاً ناقداً في مجال الحديث والتاريخ في مواضع أخرى، خاطياً في ذلك خُطى أستاذه المحدّث الشيخ حسين النوري (1320هـ)، لكنّ القمي مجتهدٌ له آراؤه، ومن غير المعلوم أنّ ما صحّ سنده عنده معناه أنّه صحيح السند عند غيره، أو أنّه ملزم لغيره، فهذه اجتهادات لا تقف عند حدّ، ولعلّه يكتفي بوجود سند للرواية في مقابل كتاب «مفتاح الجنان» الذي أشار في مقدّمة «مفاتيح الجنان» إلى ورود بعض ما فيه مما ليس له سند أصلاً.
ثانياً: كان يرى السيد الصدر اضطراراً تعديل نسخة المفاتيح الموجودة، ونحن لا نوافقه ـ في نظرنا القاصر ـ على هذه الفكرة؛ لأن الدخول في تعديل الكتب الدينية والتراثية لمصالح ولو كانت هي مصلحة المسلمين العليا أمرٌ خطير للغاية، وباب إذا فُتح سوف يؤدّي إلى فوضى علمية وإلى أزمة في توثيق التراث، فقد نُقل أنّ السيد الصدر نفسه كان قد كلّف بعضَ طلابه بتحقيق كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين؛ لأنّ أهل السنّة كانوا غيّروا في الطبعة المتأخرة لبعض كتبهم الأصلية الحديثيّة التي استند إليها السيد شرف الدين، ولعلّه اعتبر ذلك خيانةً لمصالح مذهبية ضيقة، فكما هي خيانةٌ أن نخفي الواقع لمصالح مذهبية، كذلك الحال في إخفاء وقائع أو وثائق أو نصوص أو... لمصالح إسلامية عليا أو.. ولنسمّها ما شئنا، فإن ذلك لن يغيّر من واقع الحال شيئاً؛ لأننا حتى لو استفدنا منه لمرحلة الآن أو لاحقاً، إلا أنه سيترك تأثيراً سلبياً على المسار البعيد والطويل، ولو استخدم كلّ فريق هذه الطريقة لدخلنا في متاهة التلاعب بالتراث، وهو أمرٌ نتأكد أنّ السيد الصدر لم يكن يقصده في مشروعه هذا.
فالأفضل ـ من وجهة نظرنا ـ إذا كان لابدّ من مشروع كهذا، أن يكون تأسيسياً أو لا يكون من أصل؛ جمعاً بين الأهداف وتوفيقاً بين المقاصد.
ثالثاً: يقدّم السيد الصدر أولويّتين مترتّبتين في التعامل مع الكتاب التأسيسي: إحداهما الأخذ بما صحّ سنده من الأدعية والزيارة، وثانيهما الصحيح المتن مع كونه مشهوراً، ولست أريد هنا محاكمة رسالة شخصية على أنها بحث علمي، لكن لا بأس بقدرٍ من التحليل؛ كونها دالّة بنسبة جيدة، فالسيد الصدر قدّم الصحيح السند دون أن يشير إلى صحّة المتن فيه، وإنما أخذ صحّة المتن في حالة المشهور غير الصحيح السند، مع أنه قد يرى بعضهم أن فيما هو صحيح السند مخالفاً متناً للكتاب أو السنّة أو... فكان ينبغي أن يؤخذ التقييم ثنائياً، أي صحيح السند والمتن معاً، سيما وأنه في الأدعية والزيارات يوجد جُمل خبرية كثيرة، وليس فقط إنشائية، ونحن نعرف أنه كلّما زادت الجمل الخبرية انفتح مجال تقييم المتن بشكل أكبر؛ لأن الإنشاء يشمل ـ عادةً ـ التشريعَ الذي لا يُعرف ملاكه؛ فمجال نقد المتن فيه أقلّ نسبياً.
يُضاف إلى ذلك، أن إجراء الحذف والتهذيب للجمل التي في نصوص الأدعية والزيارات فيه مشكلة تقدّمت، إذا قصد السيد الشهيد خصوص المشهور الصحيح المتن، أما إذا كان هذا القيد شاملاً للصحيح السند أيضاً، فالمشكلة سوف تتضاعف حينئذٍ؛ لأنّ في ذلك ما قد يكون إيهاماً في نقل كلام المعصوم المعتبر.
إنّ أصل مشروع السيد الشهيد بالغ الأهمية، ينطلق من ضرورة ضبط الكتب الدينية التي تكون في متناول عامة الناس وفي بيوتهم وفي المساجد والحسينيات و... كونها تشكّل الوعي الديني عندهم، وإذا كان السيد الصدر قد انتبه لهذا الموضوع، ونوى مشروعاً من هذا النوع، فإنّ السيد محسن الأمين (1952م) قَبْلَه قد حمل هذا الهمّ وخاض مشروعاً شبيهاً في كتابه (مفتاح الجنات)، الذي ركّز فيه على صحّة السند والمتن معاً، ومع عدم وجود سند صحيح كان مهتمّاً بالمتن وضبطه جداً، وقد اعتقد بأنّ هناك تحريفات وتصحيفات في أكثر كتب الأدعية، كما انتقد (مفاتيح الجنان) من وجهة نظر أخرى؛ حيث رأى أن بعض محتوياته لا يكاد ينفع الإنسان العربي، دون أن يدلّنا بوضوح على حجم هذه المواضع، وهل فعلاً تستحقّ الذكر أم لا؟ وقد أشار أيضاً إلى جهالة السند في روايات أخرى في المفاتيح (انظر: محسن الأمين، مفتاح الجنات 1: 11، 312، 322، 333، و 2: 449)، ونضيف معه أن التتبع أكّد لنا أنّ النسخة المعرّبة لمفاتيح الجنان فيها مشاكل أيضاً في التعريب، مما لا نخوض فيه فعلاً.
إنّ ما قام به السيد محسن الأمين في مجال الأدعية والزيارات من تقديم بدائل كان فعله أيضاً في مجال إصلاح حال السيرة الحسينية، حيث ألّف أكثر من كتاب بهذا الصدد، بدائل لقارئ العزاء والخطيب الحسيني كي يتمكّن من الاستمرار مستغنياً عن كتب أخرى ثمّة تساؤلات كثيرة حولها وعلامات استفهام.
وبكلمة موجزة وهامة: ليس المهم أن يجلس بعضنا ينتقد هذا الدعاء أو ذاك، أو هذه الزيارة أو تلك... فيُغرق الجوَّ في مجرد النقد، بقدر ما المطلوب تخطّي هذه المرحلة لوضع كتاب جامع في الأدعية والزيارات، يتمّ نشره على نطاق واسع، مصفّى من الملاحظات النقدية على مختلف الصعد حسب الإمكان، ليكون مرجعاً للمسلم والشيعي في أعماله العبادية، مع تقدير جهود السابقين كلّهم واحترام خطواتهم.
وأخيراً، وفي السياق عينه, وهو الذي نعتقد أن الصدر والأمين حملا همّه، من الضروري أن يُلتفت إلى مبدأ الوحدة الإسلامية ومصالح المسلمين العليا في هذا العصر، مع الانتباه ـ في الوقت عينه ـ إلى عدم إطلاق العنان لأنفسنا في التلاعب بالتراث أو تحوير الحقائق الإسلامية؛ فلا يصحّ أن نضع الأمّة الإسلامية وواقع المسلمين في أزمة لأجل رواية ضعيفة السند، ثمّ نبرّر فعلنا بالحفاظ على هويّة المذهب وحمايته من تهاوي أركانه وفرط عقد سبحته، بل ينبغي الالتفات إلى أنّ الواجب قد يصير حراماً بالعنوان الثانوي، فكيف بالمستحب؟! ألا يجب بناء توازن وسلّم أولويات؟ بل ألا يجب تنشيط فقه الأولويات أيضاً؟ ألا يجب حماية دم المسلمين من الفتنة؟ ألا يحتمل أحياناً أن بعض المستحبات قد تهدر دم مسلم بريء؟ فإذا كنّا نخاف على دين الناس، فحريّ بنا أن نخاف على نفوسهم وأعراضهم؛ فحرمة المسلم كحرمة الكعبة، كما جاء في بعض الروايات؟
إنّ على المدافعين عن مثل هذه الرواية أو تلك مما ثبت ضعفه وبان أنّه ليس له سوى بعض المصادر المتأخرة .. إنّ عليهم أن يعرفوا أنّ ما عندنا من كتاب ومن سنّة يكفيان لملئ نفوسنا إيماناً، وقلوبنا طمأنينة، وحياتنا نظاماً وانتظاماً.. ولم يغدُ الإسلام ولا التشيّع ـ والحمد لله ـ بحاجة في يوم من الأيام إلى مثل هذه الزيادات، فهو غنيّ بما فيه الكفاية للنهوض بنا، إن شاء الله تعالى.
إننا من منطلق مشروع السيد الصدر وغيره، ومن منطلق الضرورة والحاجة والأمانة العلمية و... ندعوا ـ بوصفنا من آحاد المسلمين ـ ونرجوا من المرجعيات الدينية المنفتحة على قضايا العصر والأمّة والدين، رجاءً حاراً نابعاً من قلب متألّم، أن يشكّلوا لجنةً تحت إشرافهم، تقوم بمشروعٍ كهذا، كيفما ارتؤوا صيغته فيما يرونه مناسباً، ويدعموه ويروّجوا له؛ فليس المهم هو الإنتاج والمهارة فحسب، بل المهم هو التسويق والترويج، كما بات مسلّماً اليوم في إدارة الصراعات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية و... ونحن واثقون ـ إن شاء الله ـ من أنّ خطوةً كهذه ستشكّل عنصراً مساعداً لحماية شخصية الإنسان المسلم اليوم، ورفع مستوى وعيه وتضامنه مع أخيه، وتحصين الساحة الإسلامية، بدل خلط الأدعية بالطلاسم في بعض الكتب، وبالغرائب والعجائب في كتب أخرى، والله تعالى وحده نسأل تغيير حالنا إلى أحسن الحال، إنه عليٌّ قدير.
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة : 186].
الكاتب: حيدر حب الله

سند الزيارة آل یاسین ونصها برواية ابن المشهدي(رحمه الله)

$
0
0
 سند الزيارة  آل یاسین ونصها برواية ابن المشهدي(رحمه الله)

حدثنا السيد السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن أشناس البزاز ، قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى القمي ، قال: حدثنا محمد بن علي بن زنجويه القمي ، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال: قال أبو علي الحسن بن أشناس ، وأخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، أن أبا جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أخبره وأجاز له جميع ما رواه ، أنه خرج إليه من الناحية ، حرسها الله ، بعد المسائل والصلاة والتوجه

 

زيارة مولانا الخلف الصالح صاحب الزمان عليه وعلى آبائه السلام:

حدثنا الشيخ الأجل الفقيه العالم أبو محمد ، عربي بن مسافرالعبادي رضي الله عنه ، قراءةً عليه بداره بالحلة السيفية ، في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة .

وحدثني الشيخ العفيف أبو البقاء ، هبة الله بن نماء بن علي بن حمدون (رحمه الله) ، قراءة عليه أيضاً بالحلة السيفية ، قالا جميعاً:

حدثنا الشيخ الأمين أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن علي بن طحال المقدادي(رحمه الله) ، بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، في الطرز الكبير الذي عند رأس الإمام(ع) ، في العشر الأواخر من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وخمس مائة ، قال:

حدثنا الشيخ الأجل السيد المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه بالمشهد المذكور ، في العشر الأواخر من ذي العقدة سنة تسع وخمس مائة ، قال:

حدثنا السيد السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن أشناس البزاز ، قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى القمي ، قال: حدثنا محمد بن علي بن زنجويه القمي ، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال: قال أبو علي الحسن بن أشناس ، وأخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، أن أبا جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أخبره وأجاز له جميع ما رواه ، أنه خرج إليه من الناحية ، حرسها الله ، بعد المسائل والصلاة والتوجه ، أوله:

بسم الله الرحمن الرحيم ، لا لأمر الله تعقلون ولا من أوليائه تقبلون ، حكمةٌ بالغةٌ ، وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ . والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . فإذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى وإلينا ، فقولوا كما قال الله تعالى: سلام على آل يس. ذلك هو الفضل المبين ، والله ذو الفضل العظيم ، لمن يهديه صراطه المستقيم .

التوجه: قد آتاكم الله يا آل يس خلافته ، وعِلْمَ مجاري أمره ، فيما قضاه ودبره وأراده في ملكوته ، وكشف لكم الغطاء ، وأنتم خزنته وشهداؤه  وعلماؤه وأمناؤه ، وساسة العباد ، وأركان البلاد ، وقضاة الأحكام ، وأبواب الإيمان .

ومن تقديره منائح العطاء بكم ، إنفاذه محتوماً مقروناً ، فما شئ منه إلا وأنتم له السبب واليه السبيل ، خياره لوليكم نعمة ، وانتقامه من عدوكم سخطة ، فلا نجاة ولا مفزع إلا أنتم ، ولا مذهب عنكم ، يا أعين الله الناظرة ، وحملة معرفته ، ومساكن توحيده في أرضه وسمائه .

وأنت يا حجة الله وبقيته ، كمال نعمته ، ووارث أنبيائه وخلفائه ، ما بلغناه من دهرنا ، وصاحب الرجعة لوعد ربنا ، التي فيها دولة الحق وفرجنا ، ونصر الله لنا وعزنا .

السلام عليك أيها العلم المنصوب ، والعلم المصبوب ، والغوث والرحمة الواسعة ، وعداً غير مكذوب .

السلام عليك يا صاحب المرأى والمسمع ، الذي بعين الله مواثيقه ، وبيد الله عهوده ، وبقدرة الله سلطانه .

أنت الحكيم الذي لا تعجله العصبية ، والكريم الذي لا تبخله الحفيظة ، والعالم الذي لا تجهله الحمية ، مجاهدتك في الله ذات مشية الله  ومقارعتك في الله ذات انتقام الله ، وصبرك في الله ذو أناة الله ، وشكرك لله ذو مزيد الله ورحمته .

السلام عليك يا محفوظاً بالله ، الله نَوَّرَ أمامه ووراءه ويمينه وشماله وفوقه وتحته . السلام عليك يا مخزوناً في قدرة الله ، الله نَور سمعه وبصره . السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه ، ويا ميثاق الله الذي أخذه ووكده .

السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته . السلام عليك يا باب الله وديان دينه . السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه . السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته . السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه . السلام عليك في آناء ليلك ونهارك. السلام عليك يا بقية الله في أرضه.

السلام عليك حين تقوم ، السلام عليك حين تقعد ، السلام عليك حين تقرأ وتبين ، السلام عليك حين تصلي وتقنت ، السلام عليك حين تركع وتسجد ، السلام عليك حين تعوذ وتسبح ، السلام عليك حين تهلل وتكبر ، السلام عليك حين تحمد وتستغفر ، السلام عليك حين تمجد وتمدح ، السلام عليك حين تمسي وتصبح ، السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ، السلام عليك في الآخرة والأولى .

السلام عليكم يا حجج الله ورعاتنا، وقادتنا وأئمتنا، وسادتنا وموالينا، السلام عليكم ، أنتم نورنا ، وأنتم جاهنا أوقاتَ صلواتنا ، وعصمتنا لدعائنا وصلاتنا ، وصيامنا واستغفارنا ، وسائر أعمالنا .

السلام عليك أيها الإمام المأمول ، السلام عليك بجوامع السلام .  أشهدك يا مولاي ، إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، لا حبيب إلا هو وأهله ، وأن أمير المؤمنين حجته ، وأن الحسن حجته ، وأن الحسين حجته ، وأن علي بن الحسين حجته ، وأن محمد بن علي حجته ، وأن جعفر بن محمد حجته ، وأن موسى بن جعفر حجته ، وأن علي بن موسى حجته ، وأن محمد بن علي حجته ، وأن علي بن محمد حجته ، وأن الحسن بن علي حجته ، وأنت حجته ، وان الأنبياء دعاة وهداة رشدكم .

أنتم الأول والآخر وخاتمته ، وإن رجعتكم حق لا شك فيها يوم ، لايَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ،  وأن الموت حق ، وأن منكراً ونكيراً حق ، وأن النشـر حـق ، والبعث حق ، وأن الصراط حق ، والمرصاد حق ، وأن الميزان حق ، والحساب حق ، وأن الجنة والنار حق ، والجزاء بهما للوعد والوعيد حق ، وأنكم للشفاعة حق ، لا تُردون ولا تُسبقون بمشية الله ، وبأمره تعملون .

ولله الرحمة والكلمة العليا ، وبيده الحسنى ، وحجة الله النعمى ، خلق الجن والإنس لعبادته ، أراد من عباده عبادته ، فشقيٌّ وسعيد ، قد شقي من خالفكم ، وسعد من أطاعكم .

وأنت يا مولاي فاشهد بما أشهدتك عليه ، تخزنه وتحفظه لي عندك ، أموت عليه وأنشر عليه وأقف به ، ولياً لك ، بريئاً من عدوك ، ماقتاً لمن أبغضكم ، وادّاً لمن أحبكم . فالحق ما رضيتموه ، والباطل ما سخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنكر ما نهيتم عنه ، والقضاء المثبت ما استأثرت به مشيتكم ، والمحو ما استأثرت به سنتكم .

فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ومحمد عبده ورسوله ، وعلي أمير المؤمنين حجته ، والحسن حجته ، والحسين حجته ، وعلي حجته ، ومحمد حجته ، وجعفر حجته ، وموسى حجته ، وعلي حجته ، ومحمد حجته ، وعلي حجته ، والحسن حجته ، وأنت حجته وأنتم حججه وبراهينه .

أنا يا مولاي مستبشر بالبيعة التي أخذ الله عليَّ شرطها قتالاً في سبيله ، اشترى به أنفس المؤمنين ، فنفسي مؤمنة بالله وبكم يا مولاي ، أولكم وآخركم ، ونصرتي لكم معدة ، ومودتي خالصة لكم ، وبراءتي من  أعدائكم ، أهل الحردة والجدال ثابتة لثاركم .

أنا ولي وحيد ، والله إله الحق يجعلني كذلك ، آمين آمين . من لي إلا أنت فيما دِنت واعتصمت بك فيه ، تحرسني فيما تقربت به إليك ، يا وقاية الله وستره وبركته ، أغثني أدركني ، صلني بك ولا تقطعني .

اللهم إليك بهم توسلي وتقربي . اللهم صل على محمد وآله وصلني بهم ولا تقطعني ، اللهم بحجتك اعصمني ، وسلامك على آل يس .

مولاي ، أنت الجاه عند الله ربك وربي  » .


التداوي بالصوم

$
0
0
التداوي بالصوم

استخدم الجوع كوسيلة علاجية منذ أقدم العصور، ولجأ إليه أطباء اليونان أمثال أسكابياد وسيلوس لمعالجة كثير من الأمراض التي استعصيت على وسائل المداواة المتوفرة لديهم حينئذ. وفي القرن الخامس عشر قام لودفيفو كورنا باستعمال الصوم في معالجة مختلف الأمراض المعندة وطبق طريقته في الصوم على نفسه وعاش ما يقارب مائة سنة وهو بصحة جيدة بعد أن كان يعاني من داء عضال، وألف في أيامه الأخيرة رسائل في المعالجة بالصوم تحت شعار "من يأكل قليلاً يعمر طويلاً".


ولعل هذا نجده في ظلال الآية الكريمة: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾.
ونستشعره أبداً في توجيهات النبي الكريم ومنها قوله: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه".
ومع بداية عصر النهضة نشطت الدعوة من جديد إلى المعالجة بالصوم في كل أوربا منها ما كتبه الطبيب السويسري بارسيلوس: إنّ فائدة الصوم في العلاج تفوق مرات ومرات استخدام الأدوية المختلفة.
أما فينيامين - الأستاذ في جامعة موسكو - فقد كتب يقول: لو راقبنا الإنسان عن كثب لوجدنا أنّ نفسه تعاف الطعام وترفضه في بعض الفترات، وكأنّها بذلك تفرض على نفسها الصيام المؤقت الذي يؤمن لها التوازن الداخلي ويحفظها من المؤثرات الخارجية.
ومن فرنسا عمد الدكتور هلبا Helba إلى طريقة المعالجة بالصوم على فترات متقطعة، فكان يمنع الطعام عن مرضاه خلال بضعة أيام، يقدم لهم بعدها وجبات خفيفة.
وفي عام 1928 ألقى الدكتور دترمان في المؤتمر الثامن لاختصاصي الحمية الغذائية في أمستردام محاضرة، دعا فيها إلى استخدام الجوع على فترات متقطعة في الممارسة الطبية. وقد أقر المجتمعون فائدة الصيام لمعالجة الأمراض الناجمة عن فرط التغذية أو اضطراب الاستقلاب وفي حالات تصلب الشرايين وارتفاع الضغط الدموي وفي الاختلاجات العضلية.
وفي عام 1941 صدر كتاب بوخنجر "المعالجة بالصوم كطريقة بيولوجية"، شرح فيه المؤلف كيفية استخدام الصوم في معالجة كثير من الأمراض المستعصية، ويبين أن الجوع يغير من تركيب البنية العضوية للجسم ويؤدي إلى طرح السموم منه.
معالجة البدانة بالصيام:
حظيت البدانة وما يرافقها من اضطراب استقلاب الدسم اهتماماً كبيراً، بل وإجماعاً لدى المؤلفين حول استفادتها من العلاج بالصوم. ذلك أن السمنة المفرطة وازدياد تراكم الشحوم في البدن تشكل خطراً حقيقياً على حياة الشخص من جراء تعرضه لآفات شديدة الخطورة: كتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الدموي، وتشمع الكبد، والعنانة، والداء السكري، وأمراض القلب العضوية، والنزيف الدماغي، وغيرها.
وللبدانة أسباب ولكن أهمها تضخم المدخول الغذائي نسبة للمجهود العملي الذي يقوم به الشخص وهي مرتبطة بعوائد التغذية التي تعود عليها الشخص منذ صباه.
ويعتبر الصيام وسيلة غريزية مجدية في إذابة الشحوم في البدن واعتدال استقلاب الأغذية فيه. كما أن مشاركة الجوع بالعلاجات الفيزيائية كالمشي والتمارين الرياضية والتدليك والحمامات المائية تعطي أفضل النتائج، فضلاً عن أنها وسائل غير مؤذية ولا تقضي إلى النتائج الوخيمة المشاهدة عند استعمال الهرمونات والمدرات ومثبطات الشهية التي يهرع إليها البدينون بغية إنقاص وزنهم.
ويرى بلوم W. Bloomأنّه بفضل الصوم يستطيع الإنسان تحمل مسؤولياته على وعي كامل منه وحزم. وينتبه للعيب الذي أصابه جسدياً ونفسياً مما يقوي لديه العزيمة والصبر على تحمل الجوع، علماً بأن الصائم يفقد الإحساس بالجوع بعد اليوم الرابع من بدء العلاج. هذا وتوصي كتب الطب الإنسان البدين أن يصوم بضعة أيام كل أسبوع صياماً جزئياً يقتصر فيها على اللبن والفواكه والماء.
وهناك مدارس توصي بالصيام المطلق عن الطعام لمدد مختلفة على أن تكون تحت إشراف طبي ويزود المعالج بالماء والشوارد اللازمة.
ويرى فيدوتوف أن البدين يتحمل الجوع بشكل جيد ويوصي بالصوم لمدة 5 - 15 يوماً تعقبها فترات استراحة يتناول فيها المريض وجبات خفيفة. ولم يلاحظ عند المعالجين أي اضطراب في حالتهم الصحية أو بتغيرات مخبرية مرضية.
ويقول الرسول الأكرم : "المعدة بيت كل داء، والحمية رأس كل دواء".
الكاتب: الشيخ حسين المصطفى

تساؤلات حول ظهور القائم الحجة (عجل الله فرجه) وعلامات آخر الزمان

$
0
0
تساؤلات حول ظهور القائم الحجة (عجل الله فرجه) وعلامات آخر الزمان

والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين..
العولمة هي محاولة صوغ نظم وقيم جديدة يرتكز عليها النظام العالمي الذي يفكرون فيه، وهؤلاء الذين يسعون إلى صوغ هذه النظم، وإلى التلاعب بالقيم وإيجاد بدائل عن بعضها، والاستغناء عن البعض الآخر، إنما يفعلون ذلك لأهداف ترتبط بمصالحهم، أو لأهداف فئوية، أو طبقة بعينها. ولا يريدون للشعوب أن تعيش العالمية بالمعنى الصحيح، لأن نظمهم وقيمهم لا تُصلح المجتمعات العالمية ولا تحل مشاكلها، وإنما تؤثر على فطرتها، وتنسف الكثير من القيم الحقيقية المقبولة


السؤال:
هل للعولمة تأثير على حركة ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين..
العولمة هي محاولة صوغ نظم وقيم جديدة يرتكز عليها النظام العالمي الذي يفكرون فيه، وهؤلاء الذين يسعون إلى صوغ هذه النظم، وإلى التلاعب بالقيم وإيجاد بدائل عن بعضها، والاستغناء عن البعض الآخر، إنما يفعلون ذلك لأهداف ترتبط بمصالحهم، أو لأهداف فئوية، أو طبقة بعينها. ولا يريدون للشعوب أن تعيش العالمية بالمعنى الصحيح، لأن نظمهم وقيمهم لا تُصلح المجتمعات العالمية ولا تحل مشاكلها، وإنما تؤثر على فطرتها، وتنسف الكثير من القيم الحقيقية المقبولة التي من شأنها حفظ مسيرتها. حيث إن الحق هو الذي يحفظ الوجود، وبه يتنامى الإنسان ويتكامل، وهؤلاء الذين يسعون إلى العولمة إنما يريدون أن يُخضعوا البشرية لمجموعة نظم تسلب اختيارها، وتجعل كل جهدها وحركتها في خدمة أهدافهم، وتهيمن على مسيرتها، وتمتص خيراتها وقدراتها وإمكاناتها، وسينتج عن ذلك تخريب لفطرة الشعوب، وبلبلة في المفاهيم، وغياب للقيم.
وهذا الأمر يعرقل حركة الظهور، لأن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لا بد أن يظهر في محيط قادر على احتضان حركته، والدفاع عنها وحمايتها، فإذا لم تكن هناك فطرة صحيحة، وقيم واقعية إلهية، فلا يمكن أن يوجد ذلك المجتمع الذي يحمي حركة الإمام (عجل الله فرجه) ويساعد على انتصارها في معركتها مع الفريق الظالم.
إذن لا بد أن يكون هناك نوع من عدم العولمة، لتكون هناك مجتمعات قادرة على أن تنفلت من نير الاستعباد العولمي، تتنامى، وتتربى، فيها كوادر وذهنيات وطموحات تتناسب مع فكر الإمام (عجل الله فرجه) وتوجهاته، وتُربي له الجنود الذين سيكونون حماة دعوته.
السؤال:
ولكن الروايات تقول بأن الإمام (عجل الله فرجه) سيظهر بعد أن تُملأ الأرض ظلماً وجوراً، وقد فسر البعض هذا الأمر بأن ظهوره (عجل الله فرجه) مرتبط بكثرة الفساد والظلم؟
الجواب:
الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لا يخرج بطريقة المعجزة المطلقة، بدليل أن خروجه سيترافق مع القتال والاستشهاد، وستكون هناك حروب فيها انتصارات، وفيها مآسي، فلو كانت القضية قضية إعجاز إلهي لما كان تأخر الظهور إلى هذا الوقت، ولما احتاج (عجل الله فرجه) إلى الحرب.
فالله تعالى يريد للناس أن يمارسوا حرياتهم واختيارهم بحيث لو أنه بقدرته الغيبية والإلهية قد سلب هذا الاختيار منهم، لكان تعالى ظالماً لهم (تعالى الله عن ذلك) والله ليس بظلام للعبيد..
لا بد للناس أن يمارسوا اختيارهم، ولذلك فإن بعضهم يحارب الإمام (عجل الله فرجه)، فلو كانت القضية غيبية، لكانوا مُنعوا من هذه الحرب.
وأما التدخل الإلهي فإنه إن حصل، فإنما يحصل في خارج دائرة اختيار الإنسان وليس في محيطه، مثل التدخل الذي حصل في قضية النبي إبراهيم (عليه السلام) حين قال للنار: كوني برداً وسلاماً. لكنه سبحانه لم يمنع جنود النمرود من جمع الحطب، ولم يحبس أقدامهم عن المشي في هذا السبيل، ولم يمنعهم من إضرام النار والاتيان بالمنجنيق، ولا من الإمساك بإبراهيم (عليه السلام)، وحمله، ووضعه، وإرساله إلى النار.
بل اشتعلت النار، وحصل كل شيء أرادوه، ثم تدخل الله خارج دائرة اختيارهم، وقال للنار: كوني برداً وسلاماً..
السؤال:
هل يصح الجزم بتطبيق علامات الظهور على مفردات الواقع؟
الجواب:
علامات الظهور هي قضايا تحدثت عنها مجموعة نصوص ذُكرت في كلام الرسول والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد ربطت بعض هذه النصوص بعض علامات الظهور بالإمام أو بالزمان القريب من ظهوره.
وبعضها الآخر ورد تحت عنوان ما يحدث في آخر الزمان، مما أطلق عليه اسم الملاحم والفتن، آخر الزمان وفيه إشارة إلى الإمام (عجل الله فرجه) لأنه هو الذي يتوّج جهود الأنبياء، وتُبنى دولة المؤمنين على يديه.
وبعض الأحاديث التي رُبطت بالظهور كانت صريحة وظاهرة الانطباق، وعلى سبيل المثال في قضية انتقال الحوزة من النجف الأشرف إلى قم. قد صرحت الرواية بحصول ذلك عند قرب ظهور الإمام القائم (عجل الله فرجه). لكن هذا القرب لم يتحدد مقداره.
وقد تحقق الأمر، وانتقلت الحوزة في أوائل السبعينات. فهنا لا إشكال في التطبيق.
أما التطبيق بالنسبة للقرب ومقداره، وتحديد الوقت، فإنه في غير محله وهو عبارة عن تكهنات، ورجم بالغيب..
وعلامات الظهور هي أشياء محددة قالها النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام، لأجل الربط على قلوب شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وهم يواجهون التحديات والشبهات والضغوطات الهائلة. فإذا انطبقت انطباقاً صريحاً فلا إشكال، وإلا فنحن لسنا بحاجة إلى محاولة تمحّل الانطباق والتماس التأويلات بشكل غير ظاهر.
السؤال:
يُقال إن المهدي (عجل الله فرجه) عند ظهوره يخاطب العالم كلّ بلغته، ويشاهده من في الشرق والغرب، فهل يمكن اعتبار الستالايت والإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة من مقدمات ظهور الإمام (عجل الله فرجه)، لأن هذه الوسائل تنطبق على ما جاء في الروايات؟
الجواب:
هذه ليست من علامات الظهور، ولكن لا بأس بها لتقريب الفكرة لأجل تيسير الإيمان بالأمور التي وردت في الروايات.
إن وجود هذه المخترعات ييسر لنا الإيمان بصحة وصدور الروايات التي تتحدث عن أن النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) يشهدون على الخلق ويرون أعمالهم، ولكنهم لا يرون الأعمال بهذه الوسائل كشاشة التلفاز، ولا يسمعون أقوالهم بواسطة جهاز إرسال، بل هناك إمكانات زوّدهم الله بها لا تخطر لنا على بال. فهذه الاختراعات إذن يمكن أن تقرّب لنا التصديق واليقين بتلك الأمور الأكثر دقة، وتيسر فهمها لنا، وإن لم نستطع أن نعرف حقيقتها بدقة.
وأيضاً هناك رواية عن أن من في المشرق يسمع من في المغرب، فيمكن تطبيقها على آلات الاتصال الموجودة اليوم.
ومن أمثلة تيسير الإيمان ببعض الحقائق، أننا مثلاً لم نعد نتحير: كيف يستطيع ملك الموت أن يقبض روح من في المشرق والمغرب في لحظة واحدة. بحيث يكون واقفاً أمام كل واحد منهم في نفس اللحظة. فقد بدأنا ندرك أن هذا ليس محالاً عقلاً، لكن لا نستطيع نحن أن نكتشف حقيقته بسبب قصور فينا.
وأيضاً يقول القرآن الكريم: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}(1).
وقوله: {إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}(2).
وهناك بعض الروايات قد أشارت أيضاً إلى التصرف في الزمان، ومعنى ذلك أن التصرف بالزمن ممكن، كما أن التصرف بالمكان ممكن أيضاً، كما ورد في قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}(3) وكما في موضوع طي الأرض للأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وكما ظهر في موضوع معراج الرسول إلى السماوات كلها في ليلة واحدة.. فالمكتشفات يسّرت لنا الإيمان بهذه الأمور، وإن لم نستطع أن ندرك حقيقتها بطريقة مباشرة.
السؤال:
هل لقيام الكيان الصهيوني علاقة بظهور الحجة (عجل الله فرجه) وكيف؟
الجواب:
ما نقرؤه في القرآن الكريم يدلنا على أن هناك دولة ستنشأ. وأن هناك إفساداً وعلواً واستكباراً من اليهود سيحصل في آخر الزمان. وسيكون لهم مع أهل الحق صولات وجولات، ونزاع عظيم.
وقد بدأ تحقق هذا الأمر قبل خمسين سنة، ولا نزال نعيش أحداثه، ونشاهد فصوله..
وقد ترافق ذلك مع موضوع انتقال الحوزة من النجف الأشرف إلى قم، وقلنا إن الأحاديث أشارت إلى أن ذلك سيحصل (عند قرب الظهور)، وها قد مضى نحو ثلاثين سنة على انتقال الحوزة.
وذلك كله يدل على أن الحدث الإسرائيلي الذي ترافق مع قرب الظهور هو الآخر إنما حصل عند قرب ظهور قائمنا (عجل الله فرجه) بحسب النص.
لكن السؤال هنا: هل سيحصل بداء في قصر وطول الزمان ما بيننا وبين الإمام (عجل الله فرجه)؟ وما هو مداه؟ وكيف سيكون التعامل مع الأحداث؟ وهل هذا التعامل مع الأحداث سيؤخر الظهور أم سيقربه؟ هذا ما لا نعلمه!
السؤال:
ما هي علامات الظهور الحتمية، والعلامات غير الحتمية؟ وما الفرق بينهما؟ ولماذا يكون هناك فرق؟
الجواب:
العلامات الحتمية هي المتصلة بالظهور مباشرة، لأجل الدلالة على الإمام (عجل الله فرجه)، حتى لا يبقى عذر لمعتذر على وجه الأرض، فيقول: إنه ما عرف الإمام، أو شك فيه.
فهذه العلامات، ومنها الخسف بالبيداء، وخروج الشمس من مغربها، وخروج السفياني. والأمور الأخرى التي ذكرت في الأحاديث، تكون لقطع العذر، وإقامة الحجة.
أما العلامات غير الحتمية فقد ورد في الروايات، أنها تكون في معرض البداء، ويمكن هنا توضيح البداء بصورة مختصرة جداً، فنقول:
البداء هو في الحقيقة إخبار عن الأمور بحسب ما تقتضيه طبائعها، دون أن يخبر عن الطوارئ والعوارض، كأن نقول: إن هذه السيارة بحسب وضعها العادي تخدم عشر سنوات، لكن لم نقل: إنها بعد عشرة أيام ستتعرض لحادث مروع وتتحطم.
أو نقول: هذا الإنسان يعيش مئة سنة بحسب تكوينه الطبيعي وما يقتضيه قانون الحياة، ولكن لا نخبر أحداً عن أن إنساناً سيقتله وهو في سن الثلاثين رغم معرفتنا بذلك، أو لا نقول: إنه إذا وصل رحمه سيعيش مئة وثلاثين سنة، وإذا قطع رحمه فينقص من عمره ثلاثون عاماً.
فالذي يكتب في اللوح ـ لوح المحو والإثبات ـ وقد يطلع الله عليه بعض ملائكته أيضاً، يقتصر على ذكر ما اقتضته القوانين والحكمة، والرسول (صلى الله عليه وآله) يخبرنا به، لكن لا يخبرنا عن الموانع والأشياء المستجدة. أما ما في أم الكتاب ففيه ذلك كله.. لكن الرسول إنما يخبرنا بما في لوح المحو والإثبات لأننا لو عرفنا ما في أم الكتاب، وهو المطابق لعلم الله تعالى لصرنا جبريين، ولأصبحنا لا نخطط، ولا نعمل ولا نتنامى، ولشُلت الحياة.
فالبداء شيء مهم جداً في ديمومة الحياة، وفي الطموح للمستقبل، بل إن الاطلاع على بعض الأحداث المستقبلية قد يفسد الحياة، ويضر بالعلاقات الاجتماعية وغيرها..
وهذا المبدأ مهم أيضاً في علامات الظهور، فإنه يمنع أيضاً شعورنا بالجبرية، والخمول، والاستسلام للظالمين، وخلاصة القول: أن الاعتقاد بالبداء في علامات الظهور لازم، والاعتقاد بعلامات الظهور لازم أيضاً، بحيث لو وُجد أحدهما دون الآخر لوقعنا في الخلل.
السؤال:
هل يمكن لأحد أن يرى الإمام الحجة (عجل الله فرجه)؟
الجواب:
يمكن ذلك، وليس هناك مانع من رؤية الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، ولكن لا يصح لأحد أن يدّعي أنه يحمل منه مهمات ورسائل ونحو ذلك.
وقد رآه كثير من علمائنا ولكنهم بقوا في دائرة عدم الادعاء، ولم يقل أحد منهم أنه كُلّف بمهمة ما.
السؤال:
كيف نميز بين من يرى الإمام (عجل الله فرجه) حقيقة، وبين من يدّعي ذلك كذباً؟
الجواب:
على من يرى الإمام (عجل الله فرجه) أن يثبت ذلك بشكل قطعي بعد أن يعلم بأن هذا الذي رآه هو الإمام بشكل جازم أيضاً، وكيف يستطيع أن يثبت ذلك؟ وأنى له به؟..
ولا بد للذي يتمكن من رؤية الإمام (عجل الله فرجه) أن يكون قد بلغ من التقوى والانضباط والورع، بحيث يراه كل البشر على خط الله، وفي صراط الحق. وأن لا يدّعي أنه كلّف بأي مهمة أو تكليف، خصوصاً فيما يرتبط بالتعديات على حقوق البشر، كأن يقول: رأيت الإمام (عجل الله فرجه) وقال لي: إن فلاناً فاجر..
فهذا ما لا يفعله علماؤنا. وهم يتسترون على رؤيته له (عجل الله فرجه) ما أمكنهم، فالمعلن به متهم في دينه، وفي نواياه، وفي تقواه.
السؤال:
ولكن هناك من يتحدث عن أخذ تكاليف خاصة من الإمام (عجل الله فرجه)؟
الجواب:
هذا ليس صحيحاً، ولا يوجد تكليف خاص، وهؤلاء هم الذين ورد الحديث الشريف ليقول عنهم: من رآنا فكذبوه. أي من ادعى ذلك، وأعلن به، وأراد أن يستفيد منه في التعرض للآخرين.. حتى ولو بكسب تعظيمهم، وإكرامهم، وطاعتهم له.. فكذبوه..
وكما قلت: إن هؤلاء متهمون في دينهم، وفي تقواهم، وفي نواياهم.
والحمد لله رب العالمين..
ـــــــــــــــ
(1) سورة المعارج، الآية4.
(2) سورة الحج، الآية47.
(3) سورة الأنبياء، الآية104.
الکاتب: سيد جعفر مرتضى العاملي



التعايش بين الشيعة وأهل السنة

$
0
0
التعايش بين الشيعة وأهل السنة

تعقيباً على ما نشر في جريدة الوطن السعودية عدد رقم 3475 في يوم الإثنين 20 ربيع الآخر 1431هـ تحت عنوان: (ولكن أين مرجعية إخوتنا الشيعة في السعودية) بقلم الأستاذ عبد العزيز محمد قاسم، الذي أشار إلى البرنامج الحواري الذي بُث في قناة (الدليل)، بين الشيخ حسن الصفار والشيخ سعد البريك، وهو برنامج لم تكن له سابقة في الفضائيات العربية، سُلط فيه الضوء على كلمة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله: (الوطن للجميع)، التي ينبغي أن تكون نبراساً ومنهاجا لجميع السعوديين في وطننا العزيز.

 


ولعل أهم مسألتين أثارهما الكاتب في مقاله كشرط للتعايش بين الشيعة وأهل السنة هما:
الأولى: سب الصحابة وأمهات المؤمنين:
ومع أن الأستاذ عبد العزيز قاسم أبدى ترحيبه وفرحه في المقال بفكرة التعايش بين الشيعة وأهل السنة، بل أظهر حماساً شديداً لهذه الفكرة، ونقل عن الشيخ سعد البريك قوله: (إن التعايش مصلحة شرعية وضرورة أمنية)، إلا أنه ذكر مسألة سب بعض الصحابة وتكفيرهم، والطعن في بعض أمهات المؤمنين، بحيث ربما يظن القارئ أن مسألة سب الصحابة هي أعظم المعضلات التي تقف أمام التعايش بين الشيعة وأهل السنة.
ولا شك في أن التعايش بين الشيعة وأهل السنة مصلحة وطنية وضرورة حياتية، بل هو واجب من الواجبات الشرعية المهمة، إلا أنا إذا أردنا أن نضع بعض المسائل الخلافية كشرط للتعايش بين الشيعة وأهل السنة فلنقرأ السلام على كل تعايش؛ لأن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة متعمق الجذور منذ أكثر من 1400 سنة، وليس من السهل أن نوجد له حلولاً في جلسة أو جلسات في بعض الفضائيات، كما أن بعض المسائل مرتبطة بعقيدة هذه الطائفة أو تلك، وليس من السهل أن تترك أي طائفة عقيدة درجت عليها أكثر من 1400 سنة، أو كانت عندها عليها أدلة صحيحة بنظرها، بغض النظر عن كون تلك الأدلة صحيحة بنظر الآخرين أو لا.
وعليه، فإن التعايش في وطننا الغالي ينبغي أن يكون بين جميع أبناء الوطن من دون أن تفرض أي فئة أو طائفة وصايتها على عقائد الآخرين، أو تحاسبهم عليها؛ لأن الوطن للجميع، وكل أبناء هذا الوطن سواء في الحقوق والواجبات بغض النظر عن صحة عقائدهم أو بطلانها.
ومسألة السب أو التكفير مسألة مشتركة، فإن مشهور أهل السنة يذهبون إلى كفر والدي رسول الله (عبد الله بن عبد المطلب، وآمنة بنت وهب)، وأنهما من أهل النار، كما أنهم كفروا أجداد رسول الله كعبد المطلب وهاشم، وكفروا بعض أعمامه كأبي طالب، وذكروا أنه في ضحضاح من نار.
وأما الشيعة فإنهم ذهبوا إلى نجاة كل هؤلاء المذكورين، بل يرونهم من أعاظم المؤمنين وصفوة الصالحين، والخطأ في تكفيرهم بنظر الشيعة لا يقل سوءاً عن الخطأ في تكفير بعض صحابة النبي بنظر أهل السنة.
وبما أن أهل السنة ذهبوا إلى أن الإمامة أو الخلافة ليست من جملة أصول الدين، فإن اللازم حينئذ أن يقال: إن من أخطأ في الاجتهاد في الخلافة، فأنكر خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، أو خالف الخلفاء السابقين، فسبَّهم أو لعنهم أو كفَّرهم فإنه لا يخرج بذلك عن الإيمان أو الإسلام، ولا سيما أنه روي عن رسول الله أنه قال: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. (صحيح البخاري 4/1909)؛ فإن من سب بعضهم لم ينكر ضرورة من ضرورات الدين، ولم يجحد آية من القرآن، ولم يترك ركناً من أركان الإسلام، ولا سيما إذا صدر ذلك عن اجتهاد وتأول، فأقصى ما يقال عنه: إنه اجتهد فأخطأ.
ومن الواضح بمكان أن الاجتهاد في سب بعض الصحابة أهون من الاجتهاد في قتالهم وقتلهم، ومع ذلك فإن بعض علماء أهل السنة كفروا الروافض الذين يسبّون أبا بكر وعمر، ولم يكفروا الذين كانوا يسبّون علي بن أبي طالب ، كحريز بن عثمان الذي روى له البخاري والأربعة، ووثقه ابن معين، والعجلي، وأبو حاتم، وابن عدي، والقطان. قال ابن المديني: (لم يزل من أدركناه من أصحابنا يوثقونه). مع أن حريزاً هذا كان يلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وينتقصه، وينال منه. قال ابن حبان: كان يلعن علياً بالغداة سبعين مرة، وبالعشي سبعين مرة. (تهذيب التهذيب 2/207).
ولعل من المفارقات الغريبة أن يُحكم بكفر من سبَّ صحابياً، ولا يُحكم بكفر من خرج لقتال الإمام الحسين ، ولا كفر من أمر بقتله، أو باشر قتله، مع أن الإمام الحسين أحد أجلاء صحابة رسول الله ، بل سيد شباب أهل الجنة، وتواتر عن النبي أنه كان يحبه، ويحب من يحبه.
بل إن عمر بن سعد بن أبي وقاص الذي كان قائد الجيش الأموي الذي قتل الحسين ، روى له النسائي في سننه، ووثقه العجلي في تاريخ الثقات: 357.
كما أنا لم نجد المتشددين في تكفير الروافض حكموا بكفر الذين حاربوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ولا سيما أن بعضهم قتل بعض أجلاء الصحابة كعمار بن ياسر، وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهما وغيرهما.
وإني لم أطلع بعد البحث والتتبع على دليل واحد صحيح يدل صراحة على كفر من سبَّ صحابياً، أو سب واحدة من أمهات المؤمنين عن اجتهاد وتأول؛ لأن الكفر لا يتحقق إلا بأمور معروفة، وليس كل ذنب عظيم مخرجاً للمسلم عن الملة، ولهذا لم يحكم العلماء بكفر مرتكبي الموبقات والجرائر الكبيرة، وإن أوجبت تلك الموبقات إقامة الحدود على فاعليها، والدخول في النار، فقد يُحكم على المرء بالقتل، ولا يحكم عليه بالكفر، كقاتل النفس المحترمة، فإنه يُقتل ولكن لا يُكفر.
ولا بد من لفت النظر في المقام إلى أن الذين يشترطون من أجل التعايش مع الشيعة عدم تعرض الشيعة لبعض الصحابة بالنقد والجرح قد تأثروا ببعض الفتاوى التي قرؤوها في كتب علماء عاشوا في قرون سابقة، قد صارت لهم مرجعاً مهماً، وصار ما فيها من آراء وفتاوى أشبه بآيات القرآن الكريم التي لا يجوز لأحد أن يخالفها أو يتجاوزها إلى غيرها.
ولا ينبغي أن يفهم من كلامي أني أدعو إلى سب الصحابة، أو لعنهم، أو تكفيرهم، والعياذ بالله، وإنما الأمر بالعكس، فأنا أرفض الإساءة إلى رموز الطوائف الأخرى، سواء أكانوا صحابة، أم علماء، أم حكاماً، وأرى أن ذلك لا يصدر إلا عن الجهال الذين يظنون أنهم يحسنون صنعاً، ويقفون عائقاً أمام التعايش بين أطياف المجتمع السعودي.
المسألة الثانية: مسألة المرجعية الشيعية:
قال الأستاذ عبد العزيز قاسم: (وتبقى قضية المرجعية الخارجية، كإحدى الإشكالات الكبرى والمستعصية، وهي التي تقف حجر عثرة كبيرة أمام تجذير روح التعايش، ولعلي أضرب مثالا بسيطا، يوضح مدى خطورة المسألة. فبفرض أن أمريكا ضربت إيران، ودكتها بـ(التوماهوك) وأغارت على منشآتها النووية، وأحالتها قاعا صفصفا، وأفتى خامنئي أو السيستاني، في الرمق الأخير، بضرب المنشآت النفطية - لا سمح الله - فماذا سيفعل إخوتنا، ومرجعيتهم الدينية تفتي لهم بعينية الأمر؟!).
وهذه المسألة يمكن إيضاحها بأن نقول: إن المرجع هو المفتي العام للشيعة، الذي يأخذون منه فتاواهم الدينية، سواء أكان في داخل المملكة أم خارجها، كما هو حال أهل السنة الذين يأخذون أحكام الدين من مفتين في بلاد أخرى غير بلادهم، وليس هناك علماء للداخل وعلماء للخارج، والإسلام لم يفرق بين عربي وأعجمي، ولم يمايز بين الشعوب المختلفة إلا بالتقوى.
كما أن الشيعة يتلقون من المرجع الأعلى التوجيهات والنصائح والإرشادات، التي تصب في الصالح العام للشيعة خاصة وللمسلمين عامة، ولم نجد واحداً من مراجع الشيعة العظام عبر تاريخ المرجعية الطويل، كان يحرض الشيعة على عصيان أوامر الدولة التي يعيشون فيها، أو كان يؤلبهم على إثارة الفتن والقلاقل مع شركائهم في الأوطان من أهل السنة وغيرهم.
ومن المعلوم أن أكثر مراجع الشيعة لم يكونوا ساسة، ولم يقحموا أنفسهم أو يزجوا بالشيعة في القضايا السياسية، ولم يتاجروا بالشيعة خدمة لبعض قضاياهم، ورغم شدة الحوادث التي ألمت بالشيعة ومراجعهم العظام فإن مراجع الشيعة لم يتخذوا الإرهاب سياسة لهم، ولم يفت أحد من مراجع الشيعة في العراق أو إيران إبان الحرب العراقية الإيرانية كمثال بأي فتوى تحريضية ضد أي دولة إسلامية، أو ضد أي طائفة من الطوائف الأخرى.
وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن التقليد إنما هو في الفتاوى الشرعية، لا في الموضوعات الخارجية التي ربما يكون العامي أعرف بها من المرجع نفسه، والشيعة وإن كان بينهم وبين مرجعهم الأعلى ارتباط روحي وفكري إلا أنهم لا يتلقون أوامر من خارج بلدهم تخالف قوانين الدول التي يعيشون فيها.
بل إن المرجع الأعلى للشيعة السيد علي السيستاني دام ظله أفتى بعدم جواز مخالفة أنظمة الدولة التي يعيش فيها الشيعة، وأوجب عليهم مراعاة النظام. (استفتاءات السيد السيستاني: 470).
والحاصل أن الشيعة ليسوا إرهابيين، وإنما هم مسالمون كما هو معلوم من تاريخهم الطويل، عملاً بوصايا أئمة أهل البيت عليهم السلام التي حثتهم على حسن المعاشرة مع مخالفيهم، مع أنهم كانوا ولا يزالون يعانون من الإقصاء والتهميش والتمييز الطائفي المعلن على جميع الأصعدة، وفي أكثر البلدان الإسلامية، ومع ذلك فإنهم قابلوا كل تلك الأمور بالسمع والطاعة، وعدم مخالفة أنظمة دولهم وقوانينها، وكان ولاؤهم لأوطانهم لا لغيرها.
والأستاذ عبد العزيز قاسم طالب في مقاله بضرورة اختيار مرجع ديني من شيعة المملكة، ونحن لا نختلف معه في أن هذا مطلب أساس، ولكن المرجعية لها أسس ومقدمات، ولهذا فإنا نأمل من الدولة أن تأذن للشيعة بإقامة الحوزات الدينية الشيعية بشكل رسمي وبحجم الحوزات الموجودة في الخارج؛ ليتسنى للشيعة أن يخرج منهم مراجع تقليد، بدلاً من أن يتجشم شيعة الداخل عناء الدراسة في بلدان أخرى يكون السفر إليها ممنوعاً من قبل الدولة، لدرجة أن طالب العلم الديني ربما يعاقب على مخالفة ذلك المنع، مع ما في الدراسة في تلك البلدان من العراقيل الكثيرة التي تحول دون حصول طالب العلم من شيعة الداخل على ما يؤهله لتسنم مقام المرجعية الدينية.
وأختم حديثي بالتأكيد على أن كل المخلصين يرون أن التعايش بين الشيعة وأهل السنة ضرورة ملحة، وأنه ينبغي لكل أطياف المجتمع السعودي العمل الجاد الدؤوب لتعزيز هذا التعايش، وتجاهل أصوات المتطرفين من الشيعة وأهل السنة الذين يضعون العراقيل للحيلولة دون حصول هذه الضرورة الحياتية المهمة.
الکاتب: الشيخ علي آل محسن

التمهيد للظهور
كل العالم ينتظر المصلح الذي يغير العالم وينصف المظلوم من الظالم ويعطي لكل ذي حق حقه مع اختلاف النظريات والأفكار والاطروحات التي تتعلق بالمصلح والإصلاح ولكل وجهة نظر قد تختلف عن الأخر لكن الجميع يحملون نفس الفكرة الأساسية وهي وجود مصلح سوف يأتي ويغير الموازين ليجعلها متعادلة.
ونحن كشيعة نتبع مدرسة أهل البيت عليهم السلام نعتقد إن المصلح هو الإمام الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى إبائه الطاهرين وهو سوف يظهر أخر الزمان يملئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .
بعد هذه المقدمة نطرح سؤال يتداول في الأوساط العلمية الدينية وهو التمهيد لظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف والسؤال يتفرع لعدة استفهامات نحتاج للإجابة عنها منها هل الإمام يحتاج الى تمهيد وهل نحن نستطيع ان نمهد لظهوره المبارك وكيف ذلك هل نحن مستعدون استعداد نفسي وفكري وعقائدي للظهور المقدس ام نحن غائبون عن هذه الحقيقة ونتعامل مع الموضوع بشكل عاطفي واذا كنا كذلك فلابد من الاستدراك وتصحيح الوضع ويبقى السؤال كيف نمهد ونستعد استعداد واقعي للظهور المقدس.
لا يخفى على متتبع مدى الضرر الذي لحق بنسيج الثقافة لدينا جراء تراكم السياسات الخاطئة في معالجة المشكلات الاجتماعية المتجذرة التي طرأت خلال هذه الفترة السريعة التحول من خلال وسائل الإعلام المختلفة المرئي منها والمقروء وأجهزة الاتصالات بمختلف أنواعها وسوء استخدام بعض مجتمعاتنا لهذه الوسائل وكذلك تهميش دور المثقف في الحياة العامة وتفكك الأسر ولتي نجدها اليوم من أهم المشكلات التي تواجه مجتمعنا .
و الذي نتج عنها قائمة طويلة من المشكلات انتشرت وبشكل سريع في المجتمع، مثل: سلوكيات سوء التوافق المدرسي لدى الطلبة والطالبات، وتزايد انحراف المراهقين والمراهقات، ومشكلة تعاطي الخمور والمخدرات، وشيوع سلوك السرقة لدى هؤلاء المنحرفين ، وتكاثر الأمراض النفسية الناتجة عن الخلافات الأسرية بين الآباء والأمهات والأبناء والبنات، والبطالة المنتشرة التي تؤثر سلبيا على سلوك الفرد، وغير ذلك كثير من المشكلات التي يصعب حصرها . مما أسس لنوع من الاعتقاد بهامشية الثقافة وعدم مقدرتها على معالجة المشكلات الاجتماعية ،أو الإسهام في بلورة حلولها.
كل هذه السلوكيات والأخلاقيات أفرزت لنا بعض العادات السلبية التي تفسد علينا فرحتنا بهذه المناسبة وباقي المناسبات في ذكر أهل البيت عليهم السلام .
ففي كل عام نحتفل بهذه الذكرى العزيزة والغالية على قلوبنا ونعاهد الله ونجدد البيعة والعهد لله ورسوله والإمام المهدي بالسير على طريق الهداية لاستقبال اليوم العظيم للظهور الشريف ونحن نمر بتلك الأنوار العظيمة نحيي أفراح أل البيت ومسراتهم عليهم السلام لأننا نريد أن ننال الشفاعة الكبرى عند رب العالمين.حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) صدق الله العلي العظيم.
إن ليلة النصف من شعبان والاحتفال بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) شيء جميل لو عرفنا معنى هذه أليلة وراعى مراسيمها بخلق إسلامي رفيع، لكن الملاحظ أن الوسائل والطرق تخرج عن حد الضوابط الشرعية كالتصفيق والرقص بإيقاعات وطرق غريبة لا تليق بقدسية هذه المناسبة، والغناء والطرب الذي يمارسه بعض الإفراد، كل هذا يحصل في مناسبة ولادة أمل الأمة وبقية الله في خلقه .
وظهور خفافيش الظلام بتلك الظواهر الغريبة والدخيلة على مجتمعنا وقيام هؤلاء بالتعبير عن فرحتهم بطريقة متخلفة نتاجه عن انحراف سلوكي حيث يقوم هؤلاء بقيادة دراجاتهم النارية او وسائل أخرى خارقين الطرقات طولاً وعرضاً وقيام البعض منهم بحركات مزرية تخل برجولة هؤلاء الإفراد وكرامتهم ، ضاربين بأنظمة الأمن عرض الحائط على مسمع ومرئي رجال الأمن ولمسؤولين عن امن المرور الذين يقفون في تلك الليلة وقفة المتفرج فرحين ومسرورين بهذه المناظر لكي ينقلوا صورة مشوه لقدسية هذه أليلة وغيرها من المناسبات ، فهل هذه الطريقة هي التي تجمعنا وتعبر عن فرحتنا بميلاد الأمل المنشود الذي ينقذ هذه الأمة من هذا الظلم آدا كنا نبحث عن التغير فيجب ان نغير أنفسنا أولا ونحرك مجتمعنا إلى الأفضل.
وعلينا إن ننظر إلى ما وراء الميلاد من حكم وعبر ومعاني جوهرية لا تخفى على ذوي عقل وفكر يحب المهدي ونعمل من اجل الاستعداد لظهوره الشريف ولقائه المرتقب في اليوم المحتسب في الأجل المسمى وفي اليوم الموعود.
فلنسأل أنفسنا عندما نحيي أمر أهل البيت( عليهم السلام) فنحزن لأحزانهم ونفرح لأفراحهم ،فهل نبقى ويستمر حالنا من الولاء والإحسان والموعظة التي نأخذها من مدارس أل البيت الكرام أم أنها مرحلة حزن أو فرح تمر دون اهتمام ووعي وتفكر.
قد يخطى من يظن إن إحياء مولد الإمام المنتظر هو فقط بإشعار مظاهر الفرح وترديد الأناشيد والمواليد بحب أل البيت ، نعم هو تعبير عن الحب والولاء لعتره النبي واله ولكننا في مرحلة خاصة جدا تمر بها الأمة الإسلامية وكل الأمم مرحلة تتطلب منا الاهتمام الكبير لتهيئة النفس البشرية لتقبل الأطروحة العالمية المقدسة للإمام المهدي وقبل كل شيء يجب توفر القاعدة الأساسية لذلك عن طريق الانتظار والاستعداد التام والشامل ان اهم الممارسات من "الأدعية والمناجاة والزيارات" لما تحمله من أهمية كبيرة، حيث تصنع في داخلنا حالة الانصهار الروحي والوجداني مع الإمام الحجة أرواحنا فداه وهذا الانصهار عنصر مهم من عناصر الانتظار، الارتباط النفسي والروحي والوجداني مع الإمام المنتظر، بمعنى أن يكون الإمام (ع) حاضرا دائما في قلوبنا، في مشاعرنا، في وجداننا، في أحاديثنا، في لقاءاتنا، في محافلنا .
إن الارتباط الروحي والنفسي مع الإمام المنتظر له ثمرات كبيرة منها.
يخلق الأمل في داخلنا، فلا نصاب باليأس والإحباط، رغم ما يعانيه واقعنا من إرهاصات ومحن وفتن وتحديات صعبة،
الارتباط بالإمام المنتظر يملؤنا بالقوة والعزيمة والصمود والثبات، فرغم المواجهات القاسية، واستنفار القوى الطاغوتية ضد المؤمنين إلا أن المرتبطين بالإمام المنتظر لا يصابون بالضعف والانهزام.
هذا الالتحام يخلق عندنا حالة الانضباط والاستقامة، فحينما نعيش إحساسا نفسيا عميقا بأن الإمام المنتظر يعيش معنا، يرقب مسيرتنا، يتألم حينما يرانا نمارس أي لون من ألوان الانحرافات أو المخالفات أو التجاوزات الشرعية, إن شعورنا بأن هذه المخالفات والمفارقات تشكل إزعاجات وتألمات عند إمامنا وقائدنا يجعلنا نراقب تلك الممارسات والسلوكيات والتصرفات بالشكل الذي يمنحها رضا الإمام وارتياحه.
أن الانتظار لظهور العدل الإلهي المقدس المتمثل بالإمام الحجة المنتظر هو واحدة من الرحمات الإلهية ولطف من ألطاف الله عز وجل ، ومسألة الانتظار هي عملية استغراق دائمة بالعبادة والطاعة لله ولرسوله الكريم وال بيته الطاهرين.
نقول صحيح أن المجتمع الذي يترك بعض الوصايا ويعمل بالبعض الآخر لن تتحقق له السعادة المطلقة ولكنه سوف لن يشقى الشقاء المطلق.
أن ما يحز في النفس حقاً إننا ننادي في كل زمان ومكان يا مهدي ياحسين ولكن هل نحن على ما يريده أهل البيت وما يريده الإمام الغائب بهذه الظواهر الغريبة وهذا التخلف الفكري والاجتماعي والعلمي من قبل هؤلاء الإفراد الذين ينتظرون هذه المناسبات كي ينالون من هذه الذكرى وكأنهم قدموا الأعداء أهل البيت خدمة مجانية .
نحن الآن أمام الأمر الذي يستدعي السؤال التالي :
إن الإمام على أتم الاستعداد للظهور ولا يحتاج الا الى القاعدة المخلصة والجنود الأوفياء الذين يمكنه الاعتماد عليهم في حركته التغيرية العالمية وعليه فيكون هو المنتظـِر لنا لا نحن الذين ننتظره، وهذا لا يعني ان ظهوره خارج عن الإرادة والمشيئة الإلهية بل ان مشيئة الله اقتضت الظهور عند تحقق مقدماته وليس من المصلحة ظهور الإمام دون تحقيق تلك المقدمات، والفهم الأول يبعث على التقاعس والتكاسل والانزواء والاتكال على الأمر الغيبي بينما الفهم الثاني يدفع الأمة الى التحرك ويبعث فيها روح الحماس ويشعرها بمسؤوليتها التاريخية، وهذا هو الفهم الصحيح.
فعلى الامة ان تعي انها هي المسؤولة عن تأخير الظهور بابتعادها عن الشريعة وعدم إصلاحها لنفسها وعدم ارتقاءها الى المستوى المنشود في العقيدة والوعي الأخلاق والتضحية لتكون السيف الذي يضرب به الإمام (عج) بطون الكفر والإلحاد والضلال، فالإمام ينتظر منا ان نكون امة رسالية قادرة على تغيير العالم ونشر لواء الحق في ربوعه لا الظهور بهذه المظاهر المسيئة والتي تعبر عن تخلف هؤلاء البشر المحسوبين على شيعة أمير المؤمنين وممن سوف يناصرون المهدي عج الله تعالى فرجه الشريف .
الكاتب: علي آل ثاني

الجاهلية الحديثة ( الثانية):الرأسمالية، تؤسس للتبرج الجاهلي

$
0
0
الجاهلية الحديثة ( الثانية):الرأسمالية، تؤسس للتبرج الجاهلي

حوار مع الاستاذ شهريار زرشناس
ان موضوع الفارق بين الثروة ورأس المال، موضوع مهم للغاية. إن الخلط بين مفهومي هاتين المفردتين يحول دون تمكننا من وضع حدود محددة تفصلنا عن النظام الرأسمالي. ان رأس المال  هو مفهوم حديث تماما ولم يكن له ماض قبل هذا. إن ما كان يعرف في العصور السابقة، بالثروة أو الكنز، يختلف تماما عن مواصفات ومؤشرات رأس المال

حوار مع الاستاذ شهريار زرشناس
● رجاء، بداية ما الفرق بين رأس المال والثروة؟
O ان موضوع الفارق بين الثروة ورأس المال، موضوع مهم للغاية. إن الخلط بين مفهومي هاتين المفردتين يحول دون تمكننا من وضع حدود محددة تفصلنا عن النظام الرأسمالي. ان رأس المال  هو مفهوم حديث تماما ولم يكن له ماض قبل هذا. إن ما كان يعرف في العصور السابقة، بالثروة أو الكنز، يختلف تماما عن مواصفات ومؤشرات رأس المال. ان سلطة رأس المال التي تلقي بظلالها على النظام الرأسمالي تطلق على الأنظمة التي بنيت على أساس مفهوم رأس المال وتشكل النظام الاقتصادي للعصر الحديث. إن هذا المفهوم لم يكن له مصداق في القرون الوسطى وقبلها وكذلك في الحضارات الشرقية المندثرة في "الصين" و "إيران" و"بين النهرين".
مواصفات مفهوم الرأسمالية
1-    إن رأس المال يتحرك باتجاه الجشع والربح الفاحش اللا محدود وغير المشروط ولا يحده شئ. ويقول عالم الاقتصاد الأمريكي المعاصر هايبرونر بأن الإنسان لم يكن في الأزمنة الغابرة حتى في العصر الكاثوليكي أو العصر اليوناني القديم، يصبو للربح الفاحش اللامحدود وغير المشروط ، بل ان هذا الإنسان هو وليد العصر الحديث. إن ارسطو الذي كان ينتمي إلى  الغرب اليوناني ويفتقد إلى  الفكر الديني، يندد بالجشع والنهم والربح الفاحش. إن الربح المشروط والمحدود الذي كان سائدا في الغرب قبل العصر الحديث ، كان بقدر معقول ومحدود يوفر قوت الإنسان بقدر ما يحتاجه بمنأى عن الكماليات والبذخ والترف والأغراض غير الضرورية؛
2-    إن أهم مؤشرات الرأسمالية هي أن الرأسمالية القائمة على سلسلة العمليات المتعاقبة ذي علاقة بالتخزين المستمر والمتتالي والمتزايد لرأس المال الذي يتحرك باستمرار على أساس زيادة الربح. في حين أن الثروة كانت تكتنز بعد جمعها ولم يكن لها تحرك؛ لكن رأس المال يحدث مناخا ومدارا في حواليه. وإن كان ملك في قديم الزمان يملك جبلا من ذهب، فإن هذا الجبل من الذهب لم يكن ليغير حياة وثقافة أحد ما، مثلما أن كل ذهب ملوك الهند لم يحدث تغيرا طيلة آ لاف السنين على الحضارة الهندية، لكن رأس المال يتحرك بدافع الربح والاستغلال اللامحدود واللامشروع باتجاه الزيادة وإيجاد تحرك ومناخ جديدين من أجل المزيد من الانتفاع والتكدس وهذه العملية لا نهاية لها وتستحدث تغيرا على الدوام طوال هذه الحركة. وهذا الموضوع يصرح به علماء الاقتصاد الغربيون، بمن فيهم هايبرونر وماركس وسومبارت (عالم الاجتماع وعالم الاقتصاد ألماني)؛ ولهذا السبب نشهد نظاما حافلا بالتغير في هذا التيار، وطبعا أضفت عليه التيارات والإعلام الغربيين، عنوانا قيميا وسمته بالديناميكية.
ومنذ القرن السابع عشر حيث سيطر النظام الرأسمالي على أوروبا وبعده في القرن الثامن عشر حيث بدأت الثورة الصناعية، شهدنا تغيرات وتطورات هائلة في العالم، وتغيرت كل حالات وعلاقات الحياة وعوامل الإنتاج. وشهدنا منذ عام 1850 حتى 1970، ثلاث موجات من الثورات الصناعية والتطور في التكنيك هي: ثورة البخار، ثورة الكهرباء والثورة الإلكترونية.
ومنذ عام 1980 ولحد الآن طرأت التغيرات بسرعة فائقة. ويقدم نظام العالم الحديث، هذه التغيرات على أنها قيمة، لكن لا يمكن اعتبار أي حركة ، قيمة، لأن القيمة هي التحرك باتجاه الكمال ومنح الكمال، وبهذا تكتسب قيمة لاسيما وإن هذه التغيرات والتطورات، تبعدنا عن الكمال ومنظومة القيم. إننا انتبهنا إلى عالم نتحرك من خلاله نحو الأدنى والأسفل على الدوام. والمهم أننا نتحرك وهذه الحركة الانحدارية تمثل قيمة الرأسمالية؛
3-    والنقطة الأخرى هي أن الرأسمالية في الغرب، لا يمكن تصورها من دون اليهود، واليهود هم من أسسوا الرأسمالية. وقد أنجز سومبارت بحثا مسهبا في هذا المجال و وضح سبب تمكن اليهود من إرساء هذا النظام في العالم: أولا، إنهم لا يتمركزون في موقع بعينه بل ينتشرون في أرجاء أوروبا والعالم، ثانيا، أنه على الرغم من هذا الانتشار، فهم على صلة وترابط معا في جميع أصقاع الأرض، مثلا انظروا إلى  عائلة روتشيلد، كان أحدهم مقيما في هولندا وآخر في بريطانيا في عصر لم تكن فيه الاتصالات كما هي عليه الان، وكانوا على ارتباط مع بعضهم البعض، وبرزت هذه الاتصالات بسبب الترابط القومي بينهم، فمثلا عندما كان يصدر يهودي حوالة في روما، كان يهودي آخر في لندن يستقبلها ويحولها إلى  مال، ثالثا، إن معظم السيولة النقدية كانت وماتزال في قبضتهم. ومنذ القرنين الرابع عشر والخامس عشر كان جميع المرابين ومعظم الصرافين والمصرفيين والتجار في مختلف المدن الأوروبية من اليهود. وحتى إن ماركس اليهودي يقول: الرأسمالية تعني جعل العالم يهوديا. إن منطق الربحية وتكدس رأس المال والربا موجود فقط لدى اليهود، وحتى إن الثقافة الكاثوليكية في أوروبا كانت تستهجنه وتعتبره الكفر والإلحاد بعينهما؛
4-    والسمة الأخرى للرأسمالية، تتمثل في تجسيد علاقة استغلالية وشيئية وأدواتية مع الطبيعة والإنسان، تلك العلاقة التي نطلق عليها علاقة تكنيكية لا تكنولوجية. إن النسبة التكنيكية من دون وجود التكنولوجيا قد تحدث. في ضوء هذه الرؤية، فإن بإمكانكم تحويل كل ما هو أمامكم إلى  شئ.
● من أين انطلقت الرأسمالية وإلى  أي اتجاه تتجه؟
O من الناحية التاريخية، بدأت الرأسمالية من موانئ إيطاليا، بما فيها "البندقية" أو فنيسيا التي كانت بيد اليهود، وبلغت ذروتها مع توجه كريستوف كولومبوس الذي كان يهوديا متخفيا، إلى  أميركا والاستيلاء على أموال الناس في هذه المنطقة. ووقعت المرحلة الثانية مع احتكار إنتاج وتجارة القطن في حدود القرنين الرابع عشر والخامس عشر.  وتشكل أول رأس مال تجاري على يد اليهود القاطنين في جنوب أوروبا. وقد هاجر هؤلاء إلى  أوروبا الشمالية والمركزية لأسباب خاصة وتحركت بذلك أقطاب الرأسمالية إلى  هذه المناطق، لدرجة أن هولندا تحولت في القرن السابع عشر للميلاد إلى  قطب رأسمالي، وانتشرت الرأسمالية بعد ذلك في جميع أنحاء أوروبا لأسباب متعددة، منها ظهور البروتستانتية اليهودية الصبغة لاسيما البيوريتانية. ويقول سومبارت في هذا الخصوص:
إن البيوريتانية هي اليهودية. انظروا إلى  علم المهاجرين الأمريكيين وكتابة أسد يهودا.
وقد ساند الاستعمار، التيار الرأسمالي بقوة. وذهب الأوروبيون في هذه الحقبة الزمنية إلى  بلدان مثل أندونيسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية والمركزية. ومنذ القرن الثامن عشر فصاعدا، ذهب البرتغاليون بداية ومن ثم البريطانيون إلى  الهند لنهبها. وهذا النهب والسلب كان يحدث أحيانا عن طريق التجارة غير المتكافئة وكذلك عن طريق الاستعمار وتجارة الرقيق. وفي أعقاب هذا النهب والسلب، حدث تكدس هائل لرأس المال. وتكدس رأس المال هذا يبدا عملية جديدة حسبما تمليه الرأسمالية. وتبدا الرأسمالية الصناعية في القرن التاسع عشر للميلاد. وبداية تم تدشين ورشات يدوية للرأسمالية في القرن السابع عشر وتحولت في مطلع القرن الثامن عشر إلى  مونوفاكتور تم فيها تقسيم العمل وبالتالي زيادة المردودية وسرعة تنامي رأس المال.
وبعد اختراع مكنة البخار بدأت الثورة الصناعية والرأسمالية الصناعية رسميا. وهذا التيار، رسخ الاستعمار. ومنذ القرن التاسع عشر فصاعدا بدأت الرأسمالية الصناعية الليبرالية. وبرزت الاحتكارات في مطلع القرن العشرين وظهرت بعدها الرأسمالية المالية وبعدها الاعتمادية وفي النهاية الأزمات التي يشهدها عصرنا الحاضر.
● كيف يمكن تحديد مواصفات وملامح الرأسمالية في الحياة الفردية والاجتماعية الروتينية في العصر الحاضر؟
O إن الرأسمالية تنشئ إنسانا نفعيا وربحيا واستغلاليا. إن الإنسان الحديث يتصف وفقا لتعريف مفردة human بثلاث صفات: السلطة، الثروة، طلب اللذة والاستمتاع. وهذه الأوجه متشابكة مع بعضها البعض. إن بعد الثروة لديه هو بعد البحث عن رأس المال والربح الفاحش. إن دراسة الإنسان نفسيا ممكنة في ظل توضيح الرأسمالة وصفات طلب اللذة والاستمتاع والبحث عن الربحية والنظر إلى  باقي الناس كأداة، وفقدان القيم الأخلاقية لأولويتها أو إيجاد مسوغات باتجاه تحقيق الأهداف الاقتصادية والنفعية و... . وحتى إن الدين يتحول إلى  الأولوية الثانية أو الثالثة للشخص وتصبح الدنيا ذا إصالة ويتم نسيان الآخرة أو أن تفقد أهميتها.
إن الرأسمالية أسست منذ بدايتها لثقافة فاسدة  في غاية الفساد وترابطت بقوة مع التحلل الخلقي. واتسمت في القرن السادس عشر في أوروبا المركزية بظاهر ديني مع ظهور البروتستانتية وأصبحت في خدمة التيار الرأسمالي. وهذا العملية استمرت حتى القرن الثامن عشر. وفي هذا القرن أظهرت الرأسمالية ترابطها مع المادية علانية لاسيما في فرنسا وإلى  حد ما ألمانيا وبريطانيا ونشأت حركة التنوير أو بالأحرى  الحركة الظلامية. وظهر بعدها نوع من المادية والمذهب التجريبي. وتحولت الرأسمالية في القرن التاسع عشر إلى  مذهب الإمساك والتكديس وقلما نشاهد فيها صفة الاستهلاك. وسبب ذلك يعود إلى  أن هؤلاء لم يصلوا بعد إلى  الإنتاج الغزير. إن الإنتاج الغزير هو الذي يمهد للاستهلاك الغزير.
ومنذ أواسط القرن العشرين يبرز الاستهلاك الغزير في ضوء تحقق الإنتاج الغزير وهنا تدخل الرأسمالية مرحلة الدعاية للاستهلاك وترويج الموضة وقضايا من هذا القبيل. وارتبطت الرأسمالية منذ القرن الثامن عشر بظاهرة الفمينية. وكانت ماري استون كرافت البريطانية أم الفمينية على ارتباط مع المحافل الماسونية بمن فيهم جونسون وباقي الماسونيين وربما كانت هي ماسونية أيضا.  وعندما طرحت رؤاها في كتاب ما يسمى "استيفاء حقوق المرأة" عام 1795 أو حتى قبل هذا عندما أصدر كوبج في فرنسا إعلان حقوق المرأة استكمالا لإعلان حقوق الإنسان عام 1791 ، دعمت الرأسمالية هذا التيار بقوة. وسبب هذا الدعم يعود إلى  أن الفمينية جعلت المرأة تدخل ساحات العمل كقوة عاملة فاعلة وبالتالي أصبح بوسع الرأسماليين الإفادة من المرأة بقدر الرجل في العمل وإعطائها نصف أجر الرجل، وتسليم جميع الوظائف والأعمال الرجالية الشاقة إلى  المرأة تحت شعار المساواة بين المرأة والرجل.
وتعرفت إيران منذ عام 1896 وأواسط سلطنة ناصر الدين شاه على الرأسمالية. وكان أوائل رأسماليينا من الماسونيين: صنيع الدولة مؤلف كتاب "طريق النجاة" وأمين الضرب وميرزا ملكم خان ونظام الدولة وجمال الدين واعظ الذي ألف كتابه عام 1902. وكان هؤلاء منظري الرأسمالية أيضا، الرأسمالية التي ظهرت شأنها شأن التيار التنويري مع ظهور الاستعمار والماسونية في إيران. وقد قطع هذا التيار مراحل مختلفة في إيران.  وبلغت الرأسمالية في هذه المرحلة في الغرب الإنتاج الغزير والتسويق لذلك فإن الرأسمالية دخلت إلى ايران مع ثقافة الاستهلاك والإسراف وقد تعرفنا على الرأسمالية مع هذه الملامح والأوجه. لذلك فانها بادرت إلى  نهب وسلب الموارد والقوى العاملة في المجتمع وروجت لثقافة الاستهلاك والموضة والإعلانات التجارية في إيران، وبالتالي برزت في مجتمعنا تداعيات هذه الرؤية مثل الربحية والنظر إلى الإنسان كشئ في المجتمع. ومع اتساع نطاق الرأسمالية تراجع الاهتمام بالدين والأخلاق   والمشاعر الإنسانية، وحلت محلها النظرة المتسمة بالربحية والشرخ في العلاقات الإنسانية والانسلاخ عن الذات.
● ماذا كان يقف وراء بقاء وديمومة الرأسمالية؟
O ما إن دخلت الرأسمالية مرحلة الإنتاج الغزير، ترافقت مع عاملي الموضة والدعاية، لأنه لم يكن من الممكن نجاح الإنتاج والبيع الغزير من دون الاستهلاك الغزير. وثمة تضاد في الرأسمالية ينبع من مسألة ما، وهي أن الرأسمالية تميل إلى اعتماد الأتوماتية والإفادة من الحد الأدنى من العمال وبالتالي يجب تسريح العديد من العمال من العمل لكن مع البطالة تقل فرص العمل في المجتمع ويتراجع حجم المبيعات معها. وسبب بقائها وديمومتها لحد الآن يعود إلى أن كل الأرض كانت سوق استهلاكها، فإن لم تكن بلدان العالم الثالث أو الدول الرأسمالية من الدرجة الثانية والثالثة وآسيا وأفريقيا والبلدان التي تعرضت للنهب والسلب، لما كان من الممكن نقل رساميل هذه الدول إلى  العالم الإمبريالي ولكانت الدول الرأسمالية تزول بسرعة في غياب أسواق البيع. إن الرأسمالية حية لنحو مائة عام من خلال الاستهلاك وإيجاد أسواق جديدة. وقد استطاعت كل مرة الوقوف على قدميها بالكاد من خلال إيجاد تطور تكنيكي والإنتاج الوفير وإيجاد الشعور بالحاجة في المجتمع وبعدها تداول الثروة ورأس المال وكسب الربح. إن هذا التيار لا يمكن له أن يستمر إلى  الأبد بطبيعة الحال. ومع انحسار الثورة الصناعية بدأت الثورة الإلكترونية وتوجهوا بعدها نحو أجهزة الكومبيوتر والأجهزة الدقيقة وترافق ذلك مع ظهور الهاتف الجوال و... ، وفي ظل هذه التطورات الجديدة يدخل منتج جديد كل مرة إلى  السوق. وبعد فترة يأتي منتج جديد آخر من خلال إدخال تعديل طفيف على المنتج السابق وهذه التغيرات الطفيفة والمنتجات المنوعة التي تفتقد في الوقت ذاته إلى  الجودة، مازالت مستمرة، لأنهم إن أرادوا تصنيع بضاعة ذات جودة عالية وتدوم، فإنه لن يكون هناك سوق للمنتجات اللاحقة.
إنهم يروجون لثقافة الاستهلاك عن طريق الدعاية والإعلانات التجارية وترويج الموضة. إن هذه الإعلانات والموضة تستحدث الشعور بالحاجة لدى المتلقى وتوحي له بأنه يتعين عليه شراء المنتج الجديد. إن إنسان عصر الرأسمالية يجب أن يشعر بالحاجة ومن أنه مصاب بفراغ وأزمة الهوية وإن بوسعه من خلال الشراء ومواكبة الموضة ملء هذا الفراغ. إن النقص لدى الإنسان يزول مرحليا مع الاستهلاك والشراء المتواصل، لأنه مع مجئ البضاعة الجديدة فإن المرء سيكون بحاجة إليها وسيكون ناقصا وذا عيب من دونها!
إن الموضة والحداثة مأخوذتان من مفردة "مدوس". وكما ان الحداثة تعني الجديد والتجدد والعصرنة، فإن الموضة تعني أيضا الحداثة والتجدد. وعندما ننظر إلى  الحضارات القديمة وحتى الشرقية المندثرة منها، نرى أن الناس كانوا متمسكين بتقاليدهم القديمة ولم يكونوا يشعروا بالضعف والهوان من خلال العمل بها. إن الإنسان القديم لم يكن يعتبر التنوع والتعدد، قيمة محمودة، بل إنه كان يعتبر التقيد بالتقاليد الحكيمة ذات الجذور القدسية، يشكل قيمة، بالضبط على النقيض من الرأسمالية التي هي في صراع مستمر مع الماضي البعيد والقريب للإنسان وتقدم التقيد بالماضي على أنه قيمة مضادة وتحول شخصية المرء إلى  عنصر سوقي. ويقول إريك فروم رغم أنه كان يهوديا ومدافعا عن الرأسمالية، في كتاب "الامتلاك أو الكينونة":
"إن الإنسان العصري، هو شخصية سوقية، بمعنى إنني أكون كيفما تريدون ولا أملك لنفسي هوية ثابتة".
فإن لم تكن هوية الإنسان في العصر الحديث، سيالة فإنه من غير الممكن إيجاد الشعور بالحاجة لديه.
● ماذا تعني الموضة؟
O إن الموضة يحولها النظام الرأسمالي وفقا لاحتياجاته إلى  قيمة اجتماعية. إن صفة الموضة هي كونها متغيرة. فهي تتسم اليوم بلون وشكل خاص وغدا بلون وشكل آخر. إن السمة المهمة للموضة إنها لا شأن لها بالقيم الراسخة والمعنوية والإنسانية والأخلاقية والدينية، بل تتنزل إلى  مستوى الحياة الحيوانية والناسوتية والغريزية. والوجه الآخر للموضة أن لا عمق لها، لأنه إن كان لها عمق لن تكون قادرة على التغير بسرعة. إن الموضة بحاجة إلى  التغير الدائم، ويجب أن تصبح ضيقة أو فضفاضة أو ... في غضون عدة سنوات أو عدة أشهر. ويوما تصبح هذه السيارة موضة ويوما آخر تلك السيارة.
إن الموضة تنشأ على أرضية رأس المال والثراء الفاحش، لأن الإنسان المعوز لا يمكن له أن يمشي وراء الموضة ويواكبها. فالإنسان الفقير في البيئة الرأسمالية يفتقد إلى  القيمة مهما كان صاحب فضائل إنسانية، لأنه لا يملك المال حتى يكيف نفسه مع ظواهر الموضة وتلوناتها.
ومع الموضة، تتحول الرذائل إلى  فضائل ويتقبلها الإنسان فاقد الهوية بسهولة، لأنه تابع لظروف البيئة وإيحاءاتها. إن القوى التي تدير هذا التيار من وراء الكواليس، هي الرأسماليون والماسونيون والصهاينة الذين يلهثون وراء مصالحهم الاقتصادية والسياسية و... . ومع انتشار واتساع نطاق الموضة، فإن الاهتمام بأي نوع من التفكير والتعمق والتذكر والتراث الحكمي والديني والمثالي، يفقد معناه، وعندها يخسر الإنسان كل شئ قيم في حياته ويفقد الإنسان هويته المبنية على الفطرة، أي إنه تضمحل الشخصية الأصيلة للإنسان وتحدث له "أنا" زائفة تتبع الايحاءات التي يروج لها الإعلام والمجتمع. إن الإنسان المحب للموضة يعتمد اختياراته الرئيسية في حياته على أساس الموضة: الفرع الدراسي والزواج وانتخاب الزوجة أو الزوج و... وحينها ندرك تداعيات هكذا رؤية وتوجه في المجتمع.
● ما الوضع السائد في المجتمع الايراني من حيث الموضة والدعاية؟
O عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، كان نظاما رأسماليا من الدرجة الثالثة قائما في إيران يطلق عليه اصطلاحا اسم العالم الثالث. من فئة البلدان التي يتم نهبها في العالم ولا تحظى بأي استقلال اقتصادي وفكري وسياسي حقيقي. ومنذ الحركة الدستورية في ايران التي عرفت ب "المشروطة" فصاعدا، تصاعدت الرأسمالية في ايران. ويجب اعتبار رضا شاه المؤسس الجاد للرأسمالية في إيران. وفي الحقيقة كانت الرأسمالية هي الفكر السائد على الثقافة في إيران وزالت جميع عناصر ومكونات الاقتصاد التقليدي وحل محلها اقتصاد غير منتج ملزوم ذاتيا وتابع.
وشنت الثورة الإسلامية حربا على الثقافة الرأسمالية. وغيرت الهيكلية والبنية السياسية بالكامل كما بدأت هذه المعركة في المجال الثقافي أيضا.
● ما هي تداعيات مواكبة الموضة في المجتمع؟
O إن مواكبة الموضة تصيب المجتمع بأزمات عديدة، بعضها يتمثل بالإضرار بالاقتصاد الوطني وإهدار الرساميل والإمكانات والطاقات المنتجة في المجتمع وزوال التوازن بين القطاعات الاقتصادية غير المنتجة . لكن الضرر الرئيسي لمواكبة الموضة يكمن في أنها تفرغ الإنسان من هويته الإنسانية ، أي تستحدث إنسانا طمست هويته الإنسانية ويتنزل إلى  مستوى حيوان، وما تتبعه من ثقافة إمعية مؤيدة للآخرين والغفلة عن مسألة الحق والباطل وتجاهل الأهداف والتطلعات والقيم في المجتمع. إن مواكبة الموضة تظهر نفسها في هذه الثقافة على هيئة الثراء الفاحش وامتلاك أحدث طراز السيارات وارتداء الملابس ذي الماركات الشهيرة و... . وتتحول أشياء إلى  قيمة في المجتمع لا تمت بصلة للتضحية والإيثار والأخلاق  والعفة والعدالة والنزعة المثالية والمعنوية وإجمالا القيم الإنسانية.
● ما العمل لتحسين هذا الوضع؟
O هناك الكثير الذي يمكن فعله في هذا الخصوص. إن هذا النضال حساس ومهم ومصيري بالنسبة لثقافتنا ودولتنا والجمهورية الإسلامية والتشيع والمسلمين في المنطقة والعالم، وقبل كل شئ فإن هذا التركيز لازم وضروري. ويبدو لي أنه يجب القيام بعملين أساسيين:
1-    الثورة الاقتصادية : يجب القيام بسلسلة إصلاحات اقتصادية جادة في مجال مكافحة الرأسمالية الليبرالية العلمانية، حتى وإن لم نرد الإطاحة بهذا النظام الرأسمالي فيجب إدخال إصلاحات جادة عليه تحظى بتوجهات تحمل العدالة. وإن لم نفعل ذلك فإن ثقافة الرأسمالية لن تتوقف؛
2-    الثورة الثقافية : في ثقافتنا العامة والآكاديمية، إن لم يتم حل مسالة العلوم الإنسانية في نظامنا الجامعي، فإن مخرجاتنا الآكاديمية ستظل تكنوقراطية بوروقراطية تابعة للثقافة الحديثة والموضة والرأسمالية. ولا يمكن التغلب على هذه القضية من دون مكافحة ما يسود النظام الآكاديمي ورواج ثقافة الرأسمالية في الثقافة العامة. إن مكافحتنا هذه لا يجب أن تكون سلبية فقط بل يجب تغذيتها بالفكر الديني والإسلامي والمعنوي وتمكين المجتمع. يجب الرد على الشبهات واتخاذ موقف هجومي في الميدان الثقافي ونقد الأسس النظرية الغربية الحديثة وإلقاء ظلال من الشك على أركان هذه الثقافة.

المسيحيون المتصهينون : أرض الإنجيل المقدسة والاستيلاء على العراق

$
0
0
المسيحيون المتصهينون : أرض الإنجيل المقدسة والاستيلاء على  العراق

بقلم اسماعیل شفیعی سروستانی

في ذلك اليوم الذي اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية من تفجير البرجين التوأمين الذي اصطنعته بتكلفه باهظة، ذريعة لغزو "الشرق الإسلامي" عسكريا، دمرت على  اثره العراق وافغانستان وقتلت ونهبت الكثير من أبناء هذين البلدين واعادت ظروفهما التاريخية مائة عام إلى الوراء وهي تتخذ وضعا وكأن الحق بجانبها.


ويتصور بعض المحللين بأن الاستيلاء على  حقول النفط  العراقية دفع باعتي قوة عسكرية في العالم إلى حسبما يقول المثل الدارج بادارة اللقمة حول راسها وتحصيل الحاصل بتكلفة مالية باهظة جدا وفضائح دولية كبيرة. 
وفي تلك السنوات، شوهدت مرارا مؤشرات على  دوافع مثل إثارة الحرب الصليبية الثانية واقامة النظام الدولي الجديد وإيجاد الشرق الاوسط الجديد كاستراتيجة طويلة الامد لتحالف الصليب وصهيون للتخلص الدائم من ردات فعل سكان الشرق الإسلامي في مقابل الغرب المتصهين والاستعداد لآخر وثبة لاعلان حكومة بني اسرائيل العالمية.
وكان قادة هذا التحالف بمن فيهم السيدة كوندوليزا رايس وزيرة خارجية الرئيس الأمريكي السابق قد استخدموا مرارا عبارة "الهجوم الاستباقي والرادع" لتنفيذ ممارساتهم العنيفة. وهذه العبارة مؤشر على  ان هؤلاء كانوا يتوقعون ان تحدث اكبر نهضة في العالم الإسلامي تحت راية موحدة وكانوا بصدد عرقلة نشاة هذه النهضة من خلال الاستيلاء على  الممرات الرئيسية والمناطق الاستراتيجية والجيوسياسية للعالم الإسلامي وكذلك ازالة إمكانية وقوعها وتفوقها من خلال انتهاج خطوة استباقية لتدمير المواهب المادية والثقافية للشرق الإسلامي.
وبما ان قادة تحالف الصليب وصهيون كانوا على  علم تام بالظروف التاريخية للغرب ومستقبله الآيل إلى الزوال على  اثر تجربة نهاية التاريخ ومدى تعرضه للاضرار الثقافية والحضارية في مقابل النهضات الإسلامية الشاملة في الشرق الإسلامي من جهة ، كما ان الإسلام والنهضات الإسلامية كان لها الكثير من الانصار بين سكان الغرب من جهة أخرى ، فإن قادة هذا التحالف اعتبروا ان الفرصة المتبقية لتغيير مسار التاريخ، تشكل المنفذ الوحيد لاتخاذ اجراء استباقي.
ولا شك بأن الذين تربطهم روابط ثقافية متينة بالغرب الاستكباري والصهيوني لا يصدقون هذا الكلام ونهاية التاريخ الغربي الذي يؤمن ويقر به معظم المثقفين الغربيين، فحسب بل يعتبرونه حصيلة نظرية المؤأمرة أو المتلأزمة التي يحاول الغربيون الايحاء بها للمثقفين الشرقيين في محاولة للاسقاط والتلفيق.
ويجب كتابة هذا الكلام لادوارد سعيد، المستشرق الفلسطيني الشهير بقلم عريض على  جدران كافة المؤسسات والمنظمات الثقافية في العالم الإسلامي، اذ قال:
إن الشرق الذي يتم التعريف به بالجزء الأدنى من العالم، يتمتع بمواهب كبيرة ومساحات شاسعة وطاقات اكبر لتحقيق القوة مقارنة بالغرب. ان الإسلام كان متعلقا دائما بالشرق وكانت النظرة اليه متلأزمة دائما بالعداء والخوف. ويمكن الاتيان بأسباب سياسية وعلم نفسية ودينية لهذه الحالة (العداء)، لكن جميع هذه الادلة تنبع من انطباع يعتبر الإسلام منافسا رهيبا يقف بوجه المسيحية في تحدي نهاية الزمان.
إن الغرب يعتبر الإسلام منافسا رهيبا في زمن رفع راية اكبر حكومة كونية في إطار تحدي آخر الزمان من جهة ، ويعتبر "القدس" مركزا أو على  الاقل أحد المراكز والقواعد المهمة لهذه الحكومة الكونية من جهة آخري.
ونريد القول بكل اسف بأن انطباع المؤلفين الأمريكيين لكتاب "الجغرافيا الاستراتيجية للشرق الاوسط" عن "فلسطين" و "القدس" قلما يدركه سياسي في الشرق الإسلامي. ويكتب هذين الاثنين في جانب من كتابهما:
إن أي جزء من الشرق الاوسط ، لا يضطلع بدور تاريخي وجغرافي مستديم في التاثير على  السياسات الوطنية في مجال السلم والحرب افضل من الدور الذي يؤديه الشريط الواقع على  الشاطئ الشرقي للبحر الابيض المتوسط أي فلسطين أو اسرائيل.
وهذا الشريط الواقع شرقي البحر الابيض المتوسط، يشكل همزة الوصل والارتباط بين الجغرافيا الترابية والثقافية بين الشرق والغرب، واضطلع طيلة التاريخ، بدور مهم في تاسيس أو نقل الحضارة من الشرق إلى الغرب أو العكس. وربما لهذا السبب ادرك تحالف الصليب وصهيون بأن تاسيس الحكومة الكونية رهن بالاستيلاء التام على  هذه المنطقة ورفع راية الحكومة الكونية والدولية في هذا الشريط الضيق على  اليابسة، مثلما ان حكومة الإمام المهدي(عج) الكونية تتحق بشكل كامل فقط بعد الاستيلاء على  "بيت المقدس" وايفاد قوات تحررية من هذه المنطقة إلى العالم الغربي.
ومن السذاجة بمكان ان تصورنا بأن عاصمة النظام العالمي الجديد والحكومة الدولية لبني اسرائيل ستكون في بريطانيا أو منطقة الاتحاد الاوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية وفي الشرق الاقصي أو الغرب.
وقبل مائتي عام، ادرك بنو اسرائيل جيدا انه ومن خلال ضرب الشرق الإسلامي بمطرقة الغرب وبعد تفريغ جل القدرات والطاقة الثقافية والمادية لهاتين المنطقتين الثقافيتين والحضاريتين الكبريين اللتين تضربان بجذورهما في تاريخ العالم لالوف السنين، سيكون قادرا على  وضع لسان ميزان الحكومة الكونية في مركز ثقل التاريخ والجغرافيا وهو "مسقط راس" هاتين المنطقتين المهمتين أي "فلسطين".
إن الحروب الصليبية الأولي الطويلة، نقلت المجال الحضاري من الشرق إلى الغرب وادخلت الثقافة والحضارة الشرقية والإسلامية في المحاق، والآن وبعد علمنة الشرق والغرب ثقافيا على  مدى مائتي عام، فإن بسط ونشر الثقافة والحضارة الغربية وافساد سكان هاتين الحضارتين القديمة والجديدة، ممكن فقط عن طريق اشعال نار حرب صليبية مزورة وثانية ما يمكن بني اسرائيل من نيل غايتهم الرئيسية.
إن الحكومة الكونية الملحدة والقائمة ركائزها على  الخبث التام، والفاشية والقمعية والفاقدة لأي اعتبار ومصداقية سماوية وإنسانية سامية هي الواقعة التي ارسي اسسها الشيطان منذ اليوم الأول من طرده من الحضرة الالهية.
إن بقايا اثار الأديان السماوية والأخلاق التقليدية ظلت طوال القرون بجانب الاناس الصالحين والاتقياء، عقبة كأداء تعيق إمكانية فتح جميع الابواب والميادين امام قوي ابليس. وبناء على  ذلك ركز جنود ابليس جل اهتمامهم على  علمنة الثقاقات الدينية ونشر المفاسد الأخلاقية وابادة رجال السماء. ان قصة حضور واداء بني اسرائيل على  مدى القرون الماضية، كانت قصة توغل أرضة الفساد والزوال في الأديان والإنسان على  امتداد الكرة الأرضية.
ويمكن القول بتجرؤ انه لم تتوفر خلال كل القرون السالفة التي مرت على  البشرية، ظروف سياسية واجتماعية بقدر ما توفرت في القرن العشرين لتحقق امنية ابليس وابنائه بالتبني بني اسرائيل، لتاسيس الحكومة الكونية على  أساس الالحاد، بالضبط مثلما كان يتمني قادة المحافل السرية.
وخلال التاريخ الجديد والغربي على  مدى اربعمائة عام وفي ظل الثقافة والحضارة العلمانية والليبرالية، اصبحت عامة الثقافات والحضارات علمانية واصيب عامة سكان الأرض بالفساد والدمار. بعبارة أخرى فإن امنية ابليس تحققت على  أرض الواقع، لكن وفي هذا الموسم بالذات، لمع بريق واخضرت برعمة في اوج هجوم الشتاء والتجمد، وبدأ على  اثرها نوع من العودة إلى المعنوية والمعني في الغرب وقامت بالتزامن نهضات دينية في "الشرق الإسلامي" لتغير الظروف.
إن هذا الموضوع ودرك ابعاده العالمية بشكل شامل، يشكل سر الهجوم الاستباقي لتحالف الصليب وصهيون على  الشرق الإسلامي. سر هرمجدون وتفجير البرجين التوأمين في نيويورك وإثارة قضية الإسلاموفوبيا ومشاريع مثل 2012، وللأسف الشديد فإن درك واستنتاج بني اسرائيل وقادة المحافل السرية عن تفتق هذه البرعمة يختلف تماما عن استنتاج عامة السياسيين في الشرق الإسلامي والمؤلفين وحتى الفنانين.
إن خريجي الأوساط المتناغمة مع تحالف الصليب وصهيون، يفسرون هذا الكلام بنظرية المؤأمرة.
وهل فكرتم أبدا بتاثر الغربيين بالتكهنات والاحلام والتنبؤات وما شابه ذلك؟ وعلى  الرغم من تصور ان الغرب، غارق في العلم والمعرفة، فإن أي اثر بقدر الاحلام أو مكاشفات الكتب المقدسة وبعدها تنبؤات اشخاص مثل ميشيل نوستراداموس لم تكن على  مدى العقود الأخيرة محط اهتمام وطبعا استغلال بني اسرائيل.
وعلى  الرغم من ان مجموعات مثل "مكاشفات الكتب المقدسة" و "نبوءات ميشيل نوستراداموس" و ... تحولت إلى مادة رئيسية لانتاج مئات الأفلام عن نهاية الزمان في هوليوود والحوارات الدينية لمئات المبشرين الإنجيليين (الايفإنجيليين) الذين يتحدثون عبر مئات القنوات التلفزيونية والفضائية الدينية وعشرات الأفلام الوثائقية التلفزيونية وحتى موضوع الأوساط السياسية خلال العقود الثلاثة الأخيرة لرجال "البيت الابيض"، لكن هذه الأعمال والمواد لم تتحول في الشرق الإسلامي للأسف إلى موضوع جاد تتناوله وسائل الإعلام والأوساط الجامعية والطلابية المرتبطة على   الاقل بدراسات الأديان، في حين ان الكثير من الاستراتيجيات الثقافية والإسلامية والعسكرية المناهضة للإسلام والشرق وايران والثورة الإسلامية في ايران صيغت وطبقت استنادا إلى هذه المصادر والأعمال.
جدير ذكره ان مجمل هذه الأعمال هي نتاج الاحلام والخيال وتندرج في سياق مجموعة من العبارات الرمزية والغامضة والشاعرية والملفقة التي تحمل في طياتها جميع الطاقات اللأزمة لأي تفسير كيفي يلجا اليه المحتالون واعداء الأديان والإنسان، والاطرف ان اقساما من هذه الكتب الكنوز (؟!) تطل براسها من بين انقاض "البحر الميت" ومتاحف مكتبات روما في "الفاتيكان" لتصدق على  التقويم المجهول لقوميات المايا في العصر القديم وتصبح مادة للولوج إلى واقعة "هرمجدون" التي تضفي طابعا عمليا ودينيا طبعا على  حكومة بني اسرائيل الكونية.
وهذه الأعمال المكتشفة تنقذ عند المنعطفات المهمة، قادة تحالف الصليب وصهيون من الطريق المسدود. وتصبح مسوغا لارادتهم الشيطانية وتضفي طابعا دينيا ومقدرا ومحتوما ونابعا من الأخبارالغيبية، على  المشاريع وتجعل الاناس السذج والمستضعفين والمضطرين يقفون في صف حماة الهجوم على  الشرق الإسلامي.
وعلى  الرغم من استناد المصادر والمراجع المتعلقة بآخر الزمان إلى المصادر الوحيانية والغيبية الصادرة عن "كتاب الله" وآل الله عليهم السلام، فإن وأحدا على  الألف من هذه المراجع والأقوال لم يتحول للأسف إلى مادة لتحديد وتحليل الظروف التاريخية لماضي وحاضر ومستقبل العالم الإسلامي، في حين ان عامة خريجي الشرق اخذوا خلال الأعوام المائتين الأخيرة  مصادرهم النظرية والتطبيقية من الأوساط العلمانية والاكاديمية الغربية، وجعلوا منها معيارا لتقويم وتفسير امسهم وحاضرهم وغدهم.
ولا يمكن التشكيك بأن الكثير من العبارات الرمزية وبزعم الغربيين التنبوئية لنوستراداموس والتي شكلت أساسا لتفسير وتعريف وقائع حاضر العالم ومستقبله، هي عبارات تحصلت من خلال عدة حالات كالتالي:
1-    اعادة كتابة الأخباروروايات المصادر الإسلامية والتي تم تحويرها لصالح تحالف الصليب وصهيون؛
2-    النبوءات الشفافة التي اصبحت اثر تحريفها على  يد المحرفين تفسر جميع الوقائع لصالح بني اسرائيل؛
3-    البرامج التي فبركت على  يد استراتيجيي الأوساط السرية واستنادا بالطبع إلى معرفتهم بمصادر المسلمين ومعرفتهم التخصصية عن الظروف السياسية والاجتماعية السائدة.
وعلى  أي حال فإن كل هذا مؤشر على  ان هؤلاء خائفين من المستقبل ومن تلك البرعمة الخضراء التي ازدهرت في بيئة متجمدة. وبسبب محورية الذات الشيطانية والتعاليم العلمانية البحتة، فإنهم بصدد التدخل في مجريات التاريخ وتغيير مساره من خلال اجراءات محسوبة واستباقية لصالحهم وحسب اهوائهم. ان هذه العبارات التنبوئية تميط اللثام عن هاجس تحالف الصليب وصهيون ازاء المستقبل والدور الذي يضطلع به الرجال الشرقيون وكذلك تسرعه في اتخاذ اجراء رادع. 
إن الاعتماد على  هذه العبارات التنبوئية للمصادر الإنجيلية والتوراتية وأعمال مثل تنبؤات نوستراداموس، وفر هذه الإمكانية للغرب لكي :
1-    يتخذ هذا الكلام الملفق كوسيلة لتصميم استراتيجيات سياسية وعسكرية؛
2-    الايحاء بأن التفسيرات المقدمة والداعمة للاستراتيجيات، هي من الأمر المحتوم وموثوق بها؛
3-    قلب الحقائق والخلط بين الحق والباطل؛
4-    إيجاد المبرر والمسوغ لاجراءاته وكسب الدعم الجماهيري.
ولا بد من التذكير بأن هؤلاء اضفوا الطابع الديني والتنبوئي على  كل ما يحتاجونه لفبركة استراتيجيتهم الشيطانية ضد الشرق الإسلامي ومن ثم قدموا أنفسهم على  انهم منفذي الاوأمر الغيبية للاخيار والأنبياء.
ومن هنا يتضح دور المبشرين الايفإنجيليين التابعين للكنائس البروتستانتية والمسيحيين الاصوليين في أمريكا وبريطانيا في ترسيخ سلطة السياسيين وكسب الدعم الجماهيري لاجراءاتهم طوال أعوام النصف الثاني من القرن العشرين.
وان كان هناك شخص اجري لعام وأحد دراسات على  تاريخ الأديان والأحداث التي طرات على  الكتب التوراتية والإنجيلية المقدسة، سيعرف جيدا كيف ان التحريف والتحوير والتغيير ابعد هذه الكتب عن مصداقيتها الرئيسية ناهيك عن اعتبار هذه الكتب حجة وجيهة وفقا لعقيدة المسيحيين المتصهينين والاصوليين الإنجيليين المثيرة للسخرية، والاستناد إلى ظاهر آياتها لرسم وتنفيذ المخطط الالهي لمستقبل العالم.
إن "الكتاب المقدس" يتمتع على  ما يبدو بالعصمة والحجية اللأزمة في سياق حوار هؤلاء الاصوليين بين المسيحية واللاهوت التوارتي ويمكن ان يُعتمد كمعيار لبناء المستقبل وفقا للمخطط الالهي والسماوي، بحيث أنه ان درس أحد بقدر مقال في أعمال وأقوال السياسيين وحماتهم الدينيين في الظاهر يعرف جيدا بأن الدين والتعاليم السماوية لا تحظي لدى هذه المجموعة، بمكانة في العمل الفردي والجماعي. وهؤلاء المستضعفون وبسبب عدم معرفتهم بالدين وكل ما يحدث لهم، يُغرر بهم ويدخلون الساحة كعمال للظالم.
ويجب التساؤل انه ما النسبة التي يمكن إيجادها بين اشخاص مثل رونالد ريغن وجورج دبليو بوش وجون بولتون وملكة بريطانيا وتوني بلير واوباما وكلينتون وغيرهم ممن وردت اسماؤهم في صفوف عملاء المحافل السرية بما فيها لجنة 300 وبيلدربرغ وفرسان مالطا واعضاء المحافل الماسونية وايلوميناتي؟
وعندما وصل رونالد ريغن إلى البيت الابيض مدعوما من الايفإنجيليين الاصوليين، تمني لو كان أول من يكبس على  زر بدء حرب هرمجدون الذرية، وهو الذي قال:
"يبدو لي للمرة الأولي ان كل شئ في مكانه" وان انتظار هرمجدون ومجئ المسيح هو من كرامات شيخ المعبد الابيض هذا.
وقال ريغن أيضا:
إن اسرائيل هي تلك الديمقراطية الثابتة والرصينة غير المسبوقة التي يمكن الاعتماد عليها كمكان لوقوع حادثة هرمجدون.
وقد احتسي كلينتون الشراب الطهوري لهذا المعبد ليعلن:
نظرا إلى الحلم القديم لأرض الميعاد، فإننا نرنو اليوم إلى أرض الميعاد الجديدة.
ولهذا نري بأن جورج دبليو بوش يعتبر ان نور اميركا يسطع في الظلام الحالك ويعلن بأن الظلمة لن تنتصر على  النور اطلاقا. وبرايه فإن المسلمين والشرق الإسلامي كانا مصدر ومنشأ الظلام.
وبوش الذي كان يُنمي في ذهنه فكرة الحرب الصليبية الثانية رصد عام 2006 مليارات  الدولارات لتحقيقها على  أرض الواقع.
والملفت ان العراق يحتل موقعا متقدما في مشروع آلهة "معبد صهيون" هؤلاء.
وفي الخطوة الأولي من المراحل التنفيذية لمشروع هرمجدون، فإن جحافل الايفإنجيليين تولت مهمة شرح المكانة الالهية والمقدرة للمشروع لدى الله و"الكتب المقدسة" وتبيان دور الواقعة في واقعة مجئ المسيح الثاني. وهذه الخطوة الأولي شبّعت اذهان الملايين من المسيحيين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية بالعبارات التبشيرية لكي يهب المسيحيون البروتستانت هبة رجل وأحد للذود عن توجيهات رجال السياسة القابعين في البيت الابيض، والا يتوانوا  عن بذل النفيس والغإلى من أجل ذلك.
إن السيد بيل غراهام المبشر الديني الذي عمل في خدمة اربعة رؤساء أمريكيين وكان رجل الدين الخاص بالبيت الابيض وتولي حفل تادية اليمين الدستورية للرؤساء الأمريكيين، أعلن منذ الأيام الأولي للهجوم على  العراق واحتلال هذا البلد:
-    ان العراق يحظي بأهمية إنجيلية بالغة، فهناك الجنة الثانية وموطن ادم وحواء؛
-    ان هذه العلامة وما يحدث في أرض العراق، تمهد لمجئ المسيح الثاني الموعود؛
-    ان كانت حكومة في العالم يمكن القول بأن ترابها جزء من تراب الأرض المقدسة، فإن هذا البلد هو بلا شك العراق؛
وقال قبل يوم من بدء الحرب على  العراق خلال لقائه جورج دبليو بوش:
يجب ان نصلي اكثر. ان التاريخ يقترب من نهايته واننا سنعود ثانية إلى هذه البلاد.
وحتى انهم ومن خلال طباعة خريطة Land Bible أو الأرض المقدسة، كشفوا أكثربكثير من اليهود الصهاينة عن اطماعهم التوسيعة واطماعهم الإنجيلية للاستيلاء على  البلدان الإسلامية.
وكان الجنرال كولن بأول رئيس هيئة اركان الجيوش الأمريكية قد قال عام 1991 وتزامنا مع حرب "الخليج الفارسي" الأولي:
إن الانتصار في أي حرب من دون الدعم الإعلامي ، أمر صعب وقد يكون ضربا من المحال.
وقد وفرت وسائل إعلام المبشرين الإنجيليين من خلال التمسك بالمكونات النفسية عن طريق اجهزتها الإعلامية الكبري، أرضية كسب ود ودعم الأمريكيين للاجراءات العدوانية للجيش الصليبي الغازي في العراق وافغانستان لكي يقدموا الاستيلاء على  الاراضي الإنجيلية المقدسة واقتراف أي جريمة بانه عمل مباح وينجز باسم الله وتقربا إلى الله.
وقبل أعوام، بثت أحدي القنوات التلفزيونية الدينية الأمريكية التي تؤمن بتوجه نهاية الزمان أحد البرامج التبشيرية للسيد بني هين أحد المبشرين الإنجيليين البارعين. ويتحدث في مراسم الصلاة والخطبة امام الالوف ولمدة طويلة عن مجئ المسيح الثاني ويدعو الجميع في الختام ووسط النحيب والبكاء والدموع إلى الصلاة من أجل حفظ بني اسرائيل.
وفي ذلك البرنامج الخاص الذي نملك نسخة عن فيلمه في الارشيف، جاء هذا المبشر إلى المسرح بقس كان مكلفا لسنوات من الكنيسة البروتستانتية البريطانية للتبشير في العراق. وشرح هذا القس للحضور كيف انه زار بدعم من صديقه الذي كان أحد مستشاري اياد علاوي، وفي ذروة الخوف والاخطار في تلك الأيام، المواقع  الدينية في العراق بما فيها مقبرة "وادي السلام" ومقبرة بعض أنبياء بني اسرائيل بمن فيهم حزقيال النبي. وفي ختام المراسم، دعا المبشر الإنجيلي، جميع الحضور إلى الصلاة والثناء من أجل تحرر هذه المقابر والسفر إلى العراق لزيارتها.
ومذاك كان يمكن تكهن ان هؤلاء يخططون لشئ ما للعراق وهذه المقابر وسيطبقون خططهم على  يد رجال مثل اياد علاوي المتواجدين في الجهاز السياسي في العراق بعد صدام. وربما تعرفون بأن اياد علاوي كان يقف عقبة امام نوري المالكي في تشكيل الحكومة ولم يتراجع عن موقفه الا بعد ان حصل على  عدة تنازلات.
إرباك التوازن السكاني؛ مكيدة صهيونية
وكشف صحفي اميركي يدعي فيين ماتسن أخيرا النقاب عن مخطط للكيان الصهيوني للسيطرة على  الاماكن الدينية في العراق عن طريق شراء اراضي هذه الاماكن. وقد بث هذا الخبر موقع "فلسطين اليوم" الالكتروني. وحسب هذا الصحفي الأمريكي فإن ثمة خطة اسرائيلية يقوم من خلالها اليهود الاكراد في فلسطين المحتلة بزيارة الموصل ومحافظة نينوي تحت غطاء الوفود الدينية وزيارة المزارات التاريخية في العراق.
وقد سافر هؤلاء اليهود الاكراد إلى العراق منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وقاموا خلال هذه الزيارات بشراء اراض. انهم يعتبرون هذه الاراضي ملك تاريخي لليهود. ويؤكد فيين ماتسن ان الاسرائيليين يبدون اهتماما خاصا بمزارات أنبياء بني اسرائيل بمن فيهم ناحوم ويونس ودانيال وحزقيل وعزرا. انهم يعتبرون المزار والاراضي المحيطة به جزء من اسرائيل، كما يسمون القدس والضفة الغربية ب "يهودا والسأمرة".
وقد كشف هذا الصحفي الأمريكي عن ان جهاز الاستخبارات الاسرائيلي (الموساد) قام بالتنسيق مع الميليشيا الكردية بمهاجمة المسيحيين الكلدانيين المقيمين في الموصل واربيل والحمدانية وقرة هوش وتل اسقف والعقبة ومن ثم نسب هذا الهجوم إلى "القاعدة". وتتم هذه الهجمات لتفريغ المنطقة من الكلدانيين والاثوريين ليحل محلهم اليهود الكرد.
وفضلا عن ذلك أعلن مركز "دار بابل" للابحاث بأن توغل الكيان الصهيوني في العراق اتخذ ابعادا سياسية وتجارية وامنية.
واضاف هذا المركز بأن بنيامين اليعازر وزيرالتجارة الاسرائيلي آنذاك والمتحدر من اصل عراقي وولد في البصرة، تولي ادارة بعض الشركات التي قامت بنقل المجموعات الدينية الاسرائيلية إلى العراق.
إننا نركز دائما على  المؤأمرات الثقافية والأخلاقية والعسكرية وأحيانا الاقتصادية فيما نغفل تهديدات ومخططات تحالف الصليب وصهيون. متجاهلين بأن ثمة اساليب أكثرتعقيدا تتبع لنسف الرساميل وابادة الاناس المستضعفين.
إن موضوع تحديد النسل والسكان المزعجين والمستهلكين اعتبر من وجهة نظر هؤلاء الذين يتابعون مخطط فرض الهيمنة والسلطنة على  العالم وبلا منازع، اعتبر طيلة سنوات القرن العشرين من ضمن الهواجس وطبعا الاستراتيجيات الرئيسية والمهمة لاتباع الصليب وصهيون.
ولذلك فإن تحديد النسل والحد من تزايد السكان وتناقلات السكان وخفض عدد السكان الذين يعتبرونهم مضايقين ومزعجين في هذه المنطقة، وضع بطرق مختلفة على  جدول الأعمال كما نفذ طيلة القرن العشرين.
إن سائر الأمم بمن فيهم سكان افريقيا وأمريكا اللاتينية الذين يعتبرونهم مستهلكين ولا طائل من ورائهم، تعرضوا للتهديد بطرق أخرى بما فيها نشر الأمراض المصطنعة وإثارة الحروب وتنفيذ انقلابات عسكرية. وقد كشف النقاب أخيرا عن استثمارات أمريكية ضخمة ودور الاجهزة الاستخباراتية الأمريكية مثل "بلاك ووتر" في قتل المسلمين في افغانستان وباكستان والعراق. وكان مقررا حسب الظاهر وحسبما افاد موقع "انتي وار" الاكتروني ان تقوم قوات بلاك ووتر المرتزقة بتنفيذ أوامر الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي اية) بتصفية كبار عناصر القاعدة، لكن حصيلة تواجدها وأدائها تمثل في القتل الرهيب للمسلمين في العراق وافغانستان.
وكان عملاء بلاك ووتر يتقاضون ألف دولار كأجر يومي.
وقد أكد اثنان من منتسبي بلاك ووتر أخيرا في بيان في المحكمة الفدرالية الأمريكية بأن اريك برنس مؤسس بلاك ووتر كان يعتبر نفسه جنديا صليبيا يؤدي واجبه من خلال إبادة المسلمين والدين الإسلامي. وكان زملاء اريك برنس يكافئون بسبب تدميرهم حياة العراقيين.
وعلى  مدى ستين عاما، يقوم تحالف الصليب وصهيون بابادة الشعب الفلسطيني ضمن هولوكوست سافر وواضح للعيان.
وقد بثت قناة "برس تي في" أخيرا مقابلة مع الدكتور احمد اورابي متخصص طب الاطفال اجراها مع موقع "إمكان نيوز" الأخباري قال فيها ان عدد الاطفال الذين ولدوا مشوهين خلال العام الأخير في العراق قد ازداد، لكن لا أحد يهتم بهذا الأمر. وقد نشر أول تقرير عن ولادة مشوهي الخلقة في مدينة "الفلوجة" العراقية قبل نحو 15 شهرا تضمن صورا رهيبة عن هؤلاء الاطفال.
إن استخدام اميركا للقنابل الكيماوية عام 2004 وراء ولادة الاطفال مشوهي الخلقة في الفلوجة. فقد هاجمت القوات الأمريكية مدينة الفلوجة بمحافظة الانبار العراقية من الجو والبر تحت ذريعة القضاء على  المسلحين في هذه المدينة.
وبمحاذاة ذلك، يقوم العلماء السلفيون بالتعاون مع تنظيم القاعدة الارهابي، باستكمال الاجزاء غير المكتملة من عمليات الصليبيين والصهاينة.
وقد كشف أخيرا قيادي في تنظيم القاعدة في اعترافاته النقاب عن ان قتل الشيعة في العراق يتم بتحريض من العلماء الوهابيين السعوديين.
وقد ادي القبض على  محمد الحسن الشمري واعترافاته إلى اماطة اللثام عن التحريض الذي يمارسه شيوخ الوهابية لقتل الشيعة.
ومن يقدر على  تجاهل دور العراق وايران وفلسطين واليمن في القضايا المهمة للسنوات التي تسبق الظهور والأخرى التي تليها.
ويجب القول بأن موضوع تحديد النسل وخفض السكان والذي يتابع في العالم الإسلامي بذرائع مختلفة، يجب اعتباره كعب اخيل المسلمين في مواجهة المؤأمرات. ان هذه القضية يجب ان تكون محط اهتمام اكبر فيما يخص المسلمين المجاهدين والمحتجين على  ممارسات المستكبرين وكذلك الذين يضطلعون بدور مهم في واقعة الظهور وآخر الزمان.


Viewing all 1154 articles
Browse latest View live